إنّ العصمة ذات مراحل أربع ، وقد تكفل القرآن ببيان تلك المراحل في مورد الأنبياء عامة ، ومورد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة .
فإذا كان القرآن هو أوّل من طرح هذه المسألة بمراحلها ودلائلها ، فكيف يصح أن ينسب إلى الشيعة ويتصور أنّهم الأصل في طرح هذه المسألة ؟!
وإن كنت في ريب مما ذكرناه ـ هنا ـ ؛ فلاحظ قوله سبحانه في حق النبي الأكرم حيث يصف منطقه الشريف بقوله : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
فترى الآيتين تشيران ـ بوضوح ـ إلى أنّ النبي لا ينطق عن ميول نفسانية وأنّ ما ينطق به وحي أُلقي في روعه وأُوحي إلى قلبه ، ومن لا يتكلم عن الميول النفسانية ، ويعتمد في منطقه على الوحي ؛ يكون مصوناً من الزلل في المرحلتين : مرحلة الأخذ والتلقّي ، ومرحلة التبليغ والتبيين.
على أنّ الآيات القرآنية تصف فؤاده وعينه بأنّهما لا يكذبان ولا يزيغان ولا يطغيان ، إذ قال سبحانه : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ... (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 11 - 17].
أ فيصح بعد هذه الآيات القرآنية تصديق ما ذكره هذا المستشرق اليهودي أو ذاك المستشرق النصراني فيما زعما في كون الشيعة مبدأ لطرح العصمة على بساط البحث ، وأنّه وليد تكامل علم الكلام عند الشيعة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) مع أنّا نرى أنّ للمسألة جذوراً قرآنية ولا عتب على الشيعة أن يقتفوا أثر كتاب الله سبحانه ، ويصفوا أنبياءه ورسله بما وصفهم به صاحب العزة في كتابه.
من كتاب : مفاهيم القرآن ، ج5 ، ص 39-40 / للمؤلف : آية الله جعفر السبحاني .
اترك تعليق