ما اوذي نبي مثل ما اوذيت

  قال تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) [الحجر: 95]، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: أي: بك وبما جئت به، وهذا وعدٌ من الله لرسوله أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيَه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل - تعالى - فإنه ما تظاهَرَ أحدٌ بالاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - وبما جاء به، إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة قال تعالى -: ï؟ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: 137)، والأمثلة على ذلك من السنة كثيرة.

  روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:  بينما رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - قائمٌ يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جَزورِ آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضَعَه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسولُ الله - صلى الله عليه واله وسلم - وضعه بين كتفيه، وثَبَتَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمةَ - رضي الله عنها - وهي جويرية، فأقبلتْ تسعى، وثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا حتى ألقتْه عنه، وأقبلتْ عليهم تسبُّهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة، قال: ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش))، ثم سمى: ((اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد))، قال عبدالله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب - قليب بدر - ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم -: ((وأتبع أصحاب القليب لعنةً)).

  وفي رواية: فشقَّ عليهم؛ إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرَون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة-  .لما توفي أبو طالب لم يجد النبي صلى الله عليه وآله ناصرا ونثروا على رأسه التراب قال: ما نال مني قريش شيئا حتى مات أبو طالب.  وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل وهو ذراع وشبر في ذراع إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران، لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) جاءت أم جميل عمة معاوية إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وبيدها فهر ولها ولولة وهي تقول: مذمما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، والنبي في المسجد فقيل يا رسول الله قد أقبلت أم جميل وانا نخاف أن تراك، فقال: انها لن تراني، فوقفت على المسجد وقالت: قد بلغني ان صاحبكم هجاني، فقالوا: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش اني ابنة سيدها.

  الزهري في قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) الآية، لما توفي أبو طالب واشتد عليه البلاء عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه سادتها: عبد نائل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ودموا رجليه فخلص منهم واستظل في ظل حبلة منه وقال: اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي: وناصري وهو انى على الناس يا أرحم الراحمين، فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى عداسا وكان نصرانيا فلما مد يده وقال: بسم الله، فقال: ان أهل هذا البلد لا يقولونها، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من أين أنت؟ قال: من بلدة نينوى، فقال صلى الله عليه وآله: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى قال: وبما تعرفه؟ قال: أنا رسول الله والله أخبرني خبر يونس، فخر عداس ساجدا لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فقال عتبة لأخيه: قد أفسد عليك غلامك، فلما انصرف عنه سئل عن مقالته فقال: والله انه نبي صادق، فقالوا: ان هذا رجل خداع لا يفتننك عن نصرانيتك، وقالوا: لو كان محمد نبيا لشغلته النبوة عن النساء ولأمكنه جميع الآيات ولأمكنه منع الموت عن أقاربه. ولما مات أبو طالب وخديجة فنزل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ).

  وروي عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) في خبر ان أبا جهل كتب إلى النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة: ان الحيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ورمت بك إلى يثرب وانها لا تزال تنفرك، إلى آخره. فكان جواب النبي: ان أبا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ورب العالمين بالنصر والظفر عليه يعدني وخبر الله أصدق والقبول من الله أحق لن يضر محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه يا أبا جهل انك راسلتني بما ألقاه في جلدك الشيطان وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن ان الحرب بيننا وبينك كافية إلى تسعة وعشرين وان الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان، وذكر عددا من قريش في قليب اقتل منكم سبعين وأوسر منكم سبعين أحملهم على الفدا أو القتل، ثم نادى: ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء هلموا إلى بدر فان هناك الملتقى والمحشر وهناك البلاء الأكبر، فلم يجبه إلا علي عليه السلام وقال: نعم بسم الله، فقال لليهود اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوي الأرض لكم ويوصلكم؟ إلى هناك، فخطى القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فقال: هذا مصرع عتبة وذاك مصرع الوليد، إلى أن سمى تمام سبعين، وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم، فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل يخرجه فلان الأنصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي، ثم قال: ان ذلك لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما.

  كم در جهل أبي جهل بمجهلة * وشاب شيبة قبل الموت من وجل  وقال حسان بن ثابت: متى يبد في الليل البهيم جبينه * يلوح كمصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من ذا يكون كأحمد * نظاما لحق أو نكالا لملحد؟  وقال بحير بن زهير:  أتانا نبي بعد يأس وفترة * من الله والأوثان في الأرض تعبد

  عن ابن جبير وابن عباس ومحمد بن ثور في قوله: (فاصدع بما تؤمر) الآيات، كان المستهزؤون به جماعة مثل: الوليد بن المغيرة المخزومي والأسود بن عبد يغوث الزهري وأبو زمعة الأسود بن المطلب، والعاص بن وائل السهمي، والحرث بن عقبة السهمي، وعقبة بن أبي معيط، وقيهلة بن عامر الفهري، والأسود بن الحرث، وأبو أجيح سعيد بن العاص، والنضر بن الحرث العبدري، والحكم بن العاص بن أمية، وعتبة ابن ربيعة، وطعيمة بن عدي، والحرث بن عامر بن نوفل، وأبو البختري العاص ابن هاشم بن أسد، وأبو جهل، وأبو لهب. وكلهم قد أفناهم الله بأشد نكال.

  وكانوا قالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فان رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل صلى الله عليه وآله منزله وأغلق عليه بابه فأتاه جبرئيل ساعته فقال له: يا محمد ان الله يقرأ عليك السلام وهو يقول: اصدع بما تؤمر وأنا معك وقد أمرني ربي بطاعتك، فلما أتى البيت رمى الأسود بن المطلب في وجهه بورقة خضراء فقال: اللهم أعم بصره واثكله ولده فعمى وأثكله؟ الله ولده. وروي انه أشار إلى عينه فعمى وكان يضرب رأسه على الجدار حتى هلك، ثم مر به الأسود بن عبد يغوث فأومى إلى بطنه فاستسقى ماء ومات حبنا ، ومر به الوليد فأومى إلى جرح اندمل في بطن رجله من نبل فتعلقت به شوكة فنن فخدشت ساقه ولم يزل مريضا حتى مات، ونزل فيه (سأرهقه صعودا) وانه يكلف ان يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء فإذا بلغ أعلاها لم يترك ان يتنفس فيجذب إلى أسفلها ثم يكلف مثل ذلك، ومر به العاص فعابه فخرج من بيته فلفحته السموم فلما انصرف إلى داره لم يعرفوه فباعدوه فمات غما، وروي انهم غضبوا عليه فقتلوه، وروي انه وطأ على شبرقة فدخلت في أخمص رجله فقال: لدغت، فلم يزل يحكها حتى مات، ومر به الحارث فأومى إلى رأسه فتقيأ قيحا ويقال: انه لدغته الحية، ويقال: خرج إلى كداء فتدهده عليه حجر فتقطع، واستقبل ابنه في سفر فضرب جبرئيل رأسه على شجرة وهو يقول: يا بني أدركني، فيقول: لا أرى أحدا، حتى مات، واما الأسود بن الحارث أكل حوتا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشقت بطنه، فأما قيهلة بن عامر فخرج يريد الطائف ففقد ولم يوجد، واما عقبة فاستسقى فمات، ويقال: أتى بشوك فأصاب عينيه فسالت حدقته على وجهه، واما أبو لهب فإنه سأل أبا سفيان عن قصة بدر فقال: انا لقيناهم فمنحناهم أكتافنا فجعلوا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا، وأيم الله مع ذلك ما مكث الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض لا يقوم لها شئ.

منتديات مدرسة الامام الحسين(عليه السلام)

المرفقات