اسم النبي(ص) في التوراة والإنجيل

قال تعالى: (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ) هذه الآية تدل على أن اسم النبي(صلى الله عليه و آله) وصفته والبشارة بنبوته ورسالته من الله عز وجل مكتوبة في توراة موسى وإنجيل عيسى(عليهما السلام)، وأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يجدون ذلك فيما عندهم من التوراة والإنجيل.

وهذا من أعظم الدلائل على ثبوت نبوة الرسول الأعظم وأحقية رسالته، لأنه لو لم يكن مكتوباً باسمه وصفته في الكتابين المذكورين لكان ذكر هذا الكلام من المنفرات لليهود والنصارى عنه وعن تصديق ما جاء به، وحاشا لله أن ينفر الناس عن نبيه وتصديقه، فإذن لا بد وأن يكون مكتوباً ذلك في الكتابين التوراة والإنجيل بصورة بينة جلية تتم بها إقامة الحجة عليهم.

ومن هنا جاءت البشارات به(صلى الله عليه و آله) متواترة من الرسل والأنبياء والأوصياء والأحبار والرهبان والحكماء والعلماء من زمن موسى إلى أن ولد(صلى الله عليه و آله) وبعد مولده الشريف.

يروي شيخنا الكليني في (الكافي) عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنه قال: لما أنزلت التوراة على موسى بشر بمحمد(صلى الله عليه و آله) … ثم نزل الأنبياء تبشر به حتى بعث الله المسيح عيسى بن مريم، فبشر بمحمد(صلى الله عليه و آله)، وذلك قوله تعالى (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ) أي أن اليهود والنصارى يجدونه مكتوباً عندهم باسمه وصفته في التوراة والإنجيل، وهو قوله تعالى يخبر عن عيسى(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف/ 7] انتهى.

ولنأخذ دروساً مما تفيده هذه الآية الكريمة من سورة الصف أنبأنا الله تعالى بها من أن عيسى أخبر بني إسرائيل مؤكداً لهم أنه رسول إليهم. ولم يقل أنه الله ولا أنه ابن الله ولا أنه ثالث ثلاثة(3) – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – بل إنه يوحد الله وأنه رسول منه إليهم.

هذا أولاً، وثانياً إنه مصدق لما بين يديه من التوراة، أي أنه يصدق بنبوة موسى ورسالته السابقة عليه وإنزال الكتاب المقدس إليه من الله عز وجل، وهو التوراة.

وثالثاً: إنه مبشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، وهو نبينا محمد(صلى الله عليه و آله)، كما صح عنه أنه قال: إن لي أسماء أنا أحمد وأنا محمد، وأنا الماحي يمحو الله فيَّ الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي.

فأحمد من أسمائه المباركة، وسمي به لأنه أكثر حمداً لله تعالى من غيره، ويحمد أيضاً لما فيه من الأخلاق والمحاسن أكثر مما يحمد غيره.

قال الشاعر:صلى الإله ومن يحف بعرشه*** والطيبون على المبارك أحمداهذا، ويمكننا أن نتصور من مفاد هذه الآية الكريمة أن الأنبياء والمرسلين كحلقات مترابطة يسلم بعضهم إلى بعض ويؤيد بعضهم بعضاً يصدق اللاحق منهم بالسابق ويبشر السابق منهم باللاحق، فهم حلقات متماسكة في حقيقتها واحدة في اتجاهها ممتدة من السماء إلى الأرض حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة.

وهذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله عز وجل ومنهجه في عباده في أن لا يخلي الأرض من عامل فيها بخير يكون حجة على أهلها ودليلاً لهم، وهو منهج واحد في أصله ولكنه متعدد في صوره وفق استعداد البشرية وحاجاتها وطاقاتها، حتى تبلغ مرحلة الرشد العقلي والشعوري وحتى تجيء الحلقة الأخيرة في الصورة الأخيرة كاملة شاملة تخاطب العقل الراشد على ضوء تلك التجارب السابقة.

ولكن البشرية غالباً دأبها التكذيب والعصيان لرسل الله وأنبيائه وحججه الهداة، اتباعاً منها للهوى واستكباراً على الحق، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [سورة البقرة/ 89 – 91].

نعم لما جاءهم ما عرفوا من رسالة نبينا المبشر بها لديهم كفروا به ولم يصدقه إلا قليل منهم.هذا مع أن البشارة بنبينا(صلى الله عليه و آله) لم ينفرد بتبليغها عيسى(عليه السلام) فحسب، بل صدع بها الأنبياء والمرسلون الذين سبقوا عيسى بأجيال، وأثبتت بكتب الوحي المنزلة من قبله بقرون، كما علمنا هذا من الآية المبحوث عنها(الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ)، كما نعلم ذلك أيضاً من الآية السابقة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).

وعلى كل فتكذيب اليهود والنصارى نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) تكذيب لموسى ومن جاء بعده من الأنبياء والمرسلين، وتصديقه تصديق لهم عليهم السلام.

هذا وقد صدق به (صلى الله عليه وآله) وآمن برسالته كثير من علماء اليهود والنصارى ورؤسائهم قبل بعثته وبعدها، لما وجدوا وقرأوا من صفاته المثبتة في التوراة والإنجيل، كما ينقل لنا التاريخ ذلك، والروايات مستفيضة به من طرق علماء المسلمين بل وغيرهم أيضاً.

ونكتفي هنا بذكر رواية واحدة – من روايات كثيرة – وردت عن أهل البيت عليهم السلام، يرويها شيخنا الصدوق بسنده عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) ورواها الحاكم البيهقي في الدلائل، ونقلها عنهما السيوطي في الدر المنثور 3/ 132، عن علي(عليه السلام) أيضاً أنه قال: إن يهودياً كان له على سول الله(صلى الله عليه و آله) دنانير، فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك قال: فإني لا افارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله(صلى الله عليه و آله) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك. فقال: لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فأني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا متزين (مترين) بالفحش ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فأحكم فيه بما أنزل الله. وكان اليهودي كثير مال.

المصدر / قبس من القرآن في صفات الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله)تأليف / الشيخ عبد اللطيف البغدادي.

المرفقات