نشوء المنبر الحسيني[1]
إنّ الخلود الذي اكتسبته نهضة الإمام الحسين عليه السلام، قد أسهمت فيه عوامل عدّة بعضها ذاتيّة داخليّة تعتمد على مبادئ النهضة وأهدافها، وكذلك رموزها وأشخاصها، وفي مقدمتهم أبو عبد الله الإمام الحسين عليه السلام والثُلّة الطيبة من أهل بيته الميامين وأصحابه المخلصين.
وهناك عوامل خارجة عن الإطار الزمني والموضوعي للواقعة، كان لها أثر مهم في إدامة زخم النهضة وعطائها وتمددها؛ لتتحول إلى قضية مجتمعيّة متحركة وواقعاً معاشاً، ولم تبقَ محصورة في حدودها الجغرافيّة أو وقتها الزمني.
ولعلّ من أبرز هذه العوامل الخارجية ـ إن جاز التعبير ـ هو تلك المآتم والمجالس الحسينيّة التي تُقام في كلّ وقت ومكان، ولا سيما في العشرة الأُولى لمحرم الحرام من كلّ عام، ويتمّ فيها عرْضُ واقعة عاشوراء من جوانب وآفاق متعددة.
إنّ هذه المجالس والمآتم المباركة أبَتْ أن تظلّ واقعة كربلاء الإمام الحسين عليه السلام ـ مثل غيرها من الحوادث الغابرة ـ مجرّد ذكرى قابعة في طيّات التاريخ ودهاليزه، بل جعلتها تمتدّ إلى كل مساحة من مساحات الحياة، حتى صارت مَعيناً لا ينضب لكل قيّم النُّبل والكرامة، وخلقت مجتمعاً ينبض بالحيوية والعطاء، ويسير نحو أهدافه بخُطى واثقة.
فالمنبر الحسينيّ من أهم العناصر المساهمة في استمرار وديمومة جذوة الثورة الحسينيّة متّقدة متوهجة بمبادئها السامية، وهو صرخة الشرفاء والرساليين في وجه الطغيان والاستبداد.
ونظراً لما يقوم به المنبر الحسيني من دور مهم في عصرنا الحاضر، وما يتحمّل من أعباء كبيرة في تربية الأُمّة وإعدادها، وربطها بمفاهيم الإسلام ومدرسة أهل البيت عليهم السلام، بالإضافة الى دوره التاريخي الهادف إلى إبقاء ثورة كربلاء حيّة متّقدة في النفوس، تتجاوب معها الأرواح وتنفعل معها المواقف؛ ولأنّه أصبح الآن جزءاً من التراث الديني للطائفة الشيعيّة، كان لا بدّ لنا من الوقوف على كيفيّة نشوئه والمراحل التي مرّ بها، ومعرفة العوامل المؤثّرة في هذا النشوء.
وسنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على تاريخ المنبر وتأسيسه كظاهرة دينيّة اجتماعيّة، من خلال دراسة الآراء التي ذُكرت حول نشوء هذه الظاهرة ومناقشتها، وبيان ما هو الصحيح منها.
تعريف المنبر الحسيني
في البداية من المناسب التعرّف على معنى المنبر لغةً واصطلاحاً.
المنبر الحسيني لغةً:
من خلال مراجعة معاجم اللغة ومصادرها، نجد أنّ لفظ المِنبَر يعود إلى الفعل نَبَرَ حينما يقال: نبر الشيء نبراً؛ أي رفعه. ويقال: نبر في قرءاته أو غنائه، أي رفعها[2].
وعن الجوهري: «نبرتُ الشيء أنبره نبراً، رفعته»[3].
ولهذا «فالنبرة هي كل مرتفع من الشيء»[4].
ومِن هنا؛ يسمى المنبر ـ الذي هو مرقاة الخطيب أو الواعظ ـ منبراً لارتفاعه وعلوه، وقد يوضع في المسجد أو مكان آخر.
وأمّا إضافة مفردة الحسينيّ إلى المنبر، فهي نسبة إلى الإمام السبط الحسين بن علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله الشهيد بكربلاء، يوم عاشوراء عام 61 للهجرة، وأمّه فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
المنبر الحسيني اصطلاحاً:
يمكننا أن نعرِّف المنبر الحسينيّ اصطلاحاً: بأنّه نوع من أنواع الخطابة الدينيّة عند أغلب المسلمين الشيعة[5]، يعرِّج في نهايتها الخطيب ـ وبأسلوب فنّي خاص ـ على ذكر فاجعة مؤلمة من فجائع مقتل الإمام الحسين عليه السلام أو أهل بيته أو أصحابه يوم عاشوراء، أو ما جرى على عياله بعد مقتله أيام السبي[6]، ولا بدّ أن يقترن هذا الذكْر بأشعار مختارةٍ من الرثاء سواء أكان بالشعر العربي الفصيح، أم بالشعر الشعبي العامّي.
ومِن هنا؛ عرفنا سبب هذه النسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام، دون سواه من أئمة أهل البيت عليهم السلام؛ لأنّه منبر لا بدّ فيه من ذكر إحدى المصائب المرتبطة بالإمام الحسين دون أيِّ إمام آخر، وهذا السبب راجعٌ إلى الخصوصّية المأساويّة الحزينة التي تميّزت بها واقعة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، هو وأهل بيته وأصحابه، وما جرى على نسائه وأطفاله بعده من آلام السبي، بما لم تحدث حتى مع مَن هو خيرٌ منه، وهم: جدّه صلى الله عليه وآله وأبوه عليّ وأمّه وأخوه عليهم السلام؛ ولما توارثه الشيعة عن أئمتهم في التأكيد على استذكار هذه المصائب؛ ولهذا لا يقال: منبرعلويّ؛ لأنه ليس منبراً يهتمّ ـ فرَضاً ـ ببلاغة الإمام عليّ عليه السلام وسيرته المباركة، وهكذا بقيّة أهل البيت عليهم السلام.
نشوء المأتم الحسيني وجذوره
إنّ البكاء والنوح على الإمام الحسين عليه السلام وإقامة المآتم عليه تمتدّ جذورها إلى ما قبل واقعة كربلاء، واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ثمّ اشتدّت وتطورت واستمرّت وستستمرّ إلى قيام الساعة، ويمكن أن تُقسّم هذه المآتم على قسمين:
القسم الأول: وهو ما نعبّر عنه بالمآتم التلقائيّة العفويّة، وعادة ما تكون مآتم فرديّة نابعة من الشعور بالأسى والحزن لما يحلّ بالحسين عليه السلام وأهل بيته الكرام من الفجائع والمصائب، وهذا النوع من المآتم والمراثي على شقين:
الشقّ الأول: ما حصل قبل واقعة كربلاء واستشهاد الإمام عليه السلام، وهذا الصنف من المآتم أول مَن أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله حينما نعى الحسين وبكاه وهو طفل صغير، عندما أخبره جبريل بمقتله على يد أمّته، فعن أسماء بنت عُميس، قالت: ((... فلمّا وُلِدَ الحسين... فجاءني النبي، فقال: يا أسماء، هاتي ابني. فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، قالت أسماء: فقلت: فداك أبي وأمي، ممَّ بكاؤك؟ قال: على ابني هذا. قلت: إنّه وُلِد الساعة. قال: يا أسماء، تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي))[7]. وفي رواية أُخرى يقوم رسول الله صلى الله عليه وآله برثاء ولده الحسين عليه السلام وبكائه أمام أصحابه، حين يقول: ((...إنّ الحسين ابني مقتول في أرض الطفّ، وإنّ أمتي ستُفتَتَن بعدي. ثمّ خرج إلى أصحابه فيهم عليّ وأبو بكر وعمر، وحذيفة وعمّار وأبو ذر رضي الله عنهم وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه))[8].
ومِن هذه المآتم أيضاً ما قام به أمير المؤمنين عليه السلام وهو مارّ بكربلاء في طريقه إلى صفّين، يقول: ((عبد الله بن نجيِّ، عن أبيه أنّه سافَرَ مع عليّ عليه السلام وكان صاحب مطهَرَته، فلمّا جاء نينَوى وهو مُنطَلِقٌ إلى صِفِّين؛ فإذا عليّ عليه السلام يقول: صبراً أبا عبد الله! صبراً أبا عبد الله بِشَطِّ الفرات. قلت: مَن ذا أبو عبد الله؟ قال عليٌّ عليه السلام: دخلت على النبيِّ صلى الله عليه وآله وعيناه تُفيضانِ، فقلت: يا نبيّ الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: قام من عندي جبرئيل عليه السلام، فحدّثني أنّ الحسين يُقتَلُ بشطِّ الفرات. وقال: هل لك أن أشِمَّك من تربته؟ فقلت: نعم. فمدَّ يده، فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عينَيَّ أن فاضتا))[9].
الشق الثاني: ما حصل من رثاء وبكاء للإمام الحسين عليه السلام بعد استشهاده، فقد بكاه ونعاه ورثاه أهلُ البيت عليهم السلام وعدد كبير من الصحابة ومن أُمهات المؤمنين والتابعين، وهي مواقف يمكن عدّها من المآتم التلقائيّة والعفويّة الفرديّة، التي حصلت من هؤلاء حزناً وتأثراً بالفاجعة الأليمة، ومن الأمثلة على ذلك:
1ـ رثاء السيدة زينب عليها السلام أخاها الحسين عليه السلام، يوم الحادي عشر من المحرم، وذلك حينما حُملت النسوة إلى الكوفة سبايا، فلطمْنَ وصحْنَ حين مررن بالحسين عليه السلام فقالت زينب: ((يا محمداه! صلى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا وذريتك مقتّلة تسفي عليها الصبا. فأبكت كل ّعدوّ ووليّ))[10].
2ـ بكاء الهاشميات والأنصار في المدينة، لمّا وصل خبر قتْل الحسين و«خرجت أُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين، ومعها إخواتها: أُم هانئ، وأسماء، ورملة، وزينب، بنات عقيل بن أبي طالب ـ رحمة الله عليهن ـ تبكي قتلاها بالطفّ، وهي تقول:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُمم
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي
منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي»[11]
3ـ أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين؛ فإنّها لمّا بلغها قتل الحسين عليه السلام، قالت: ((أقد فعلوها؟ ملأ الله قبورهم ناراً، ثمّ بكت حتى غشي عليها))[12].
4ـ زيد بن أرقم؛ فقد ذُكر عنه أنّه «لمّا أُدخل رأس الحسين على ابن زياد فوُضِع بين يديه، جعل ابن زياد ينكت بالخيزرانة ثنايا الحسين عليه السلام، وعنده زيد بن أرقم، صاحب رسول الله، فقال له: مَه، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا، فلقد رأيت رسول الله يلثمها. ثمّ خنقته العبرة فبكى، فقال ابن زياد: ممّ تبكي؟ أبكى الله عينيك، والله لولا أنّك شيخ قد خرفتَ لضربتُ عنقك»[13].
5ـ الحسن البصـري، ورد أنّه لمّا بلغ الحسنَ البصـري قتلُ الحسين بكى حتى اختلج صدغاه[14]، ثمّ قال: ((وا ذلّ أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها! والله، ليُردّن رأس الحسين إلى جسده، ثمّ لينتقمن له جده وأبوه من ابن مرجانة[15])) [16].
هذه نماذج لبكاء أهل البيت والصحابة والتابعين على الحسين عليه السلام ورثائه بعد شهادته. وهذه المآتم الفرديّة لا شك في أنّها كانت النواة الحقيقية لما عُرف فيما بعد بالمجالس والمآتم الحسينيّة، والتي هي القسم الثاني من المآتم.
القسم الثاني: وهي ما نُعبّر عنها بالمآتم الجماهيرية الهادفة، والتي حصلت عن تخطيط مسبق وهدف مقصود؛ ما أسفر فيما بعد عن حدوث ظاهرة المنبر الحسيني كظاهرة دينيّة اجتماعيّة جماهيريّة لها حضورها اللافت في الوسط الشيعي، وفي هذا المقال نودّ التعرُّف على أوّل مَن بَذَر بذرة المجالس الحسينيّة المباركة التي نراها اليوم في واقعنا الشيعي، وما هي الظروف والأسباب التي ساعدت على نشوء وتطور هذه المجالس والتي تدعى بالمنبر الحسيني.
الآراء في نشوء المنبر الحسيني وتأسيسه
لقد ذُكرت آراء عدّة، في تحديد أول مَن أقام المأتم الحسيني الذي مثّل الأساس لقيام المنبر الحسيني وتوسِّع مدرسته، وأهمّ هذه الآراء هي:
الرأي الأول: التوابون
يذهب بعض المستشرقين إلى أنّ أوّل مَن أقام المآتم على الحسين عليه السلام هم جيش التوابين حينما غادروا الكوفة ووصلوا إلى موضع قبور شهداء كربلاء، حيث أقاموا المأتم ثلاثاً، وعلت أصواتهم بالبكاء والنحيب عند قبر الحسين عليه السلام، فقال: ((عندما ثار التوابون سنة 65 للهجرة الموافق سنة684م أخذوا أسلحتهم إلى هناك، ورفعوا عقائرهم معاً في نحيب عالٍ، وبكوا وابتهلوا إلى الله أن يغفر لهم تخلّيهم عن حفيد النبي في ساعة ضيقه، وصاح زعيمهم: اللهم ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد المهدي ابن المهدي الصدّيق ابن الصدّيق، اللهم اشهد أننا على دينهم وسبيلهم، وأعداء لمَن قتلهم، وأولياء لمحبيهم. وهنا تكمن نواة التعزية ومسرحيات المآتم، التي تُمَثّل كلّ عام في العاشر من محرم حيثما وِجد الشيعة))[17].
مناقشة الرأي الأول
يمكن أن يلاحظ على هذا الرأي عدة نقاط:
1ـ إنّ المآتم التي أقامها التوابون ثلاثة أيام عند قبر الحسين عليه السلام هي من المآتم التلقائية العفوية؛ لأن التوابين حينما توجهوا إلى كربلاء لم يتوجهوا إليها بهدف إقامة مراسيم العزاء، ولكنّهم مرّوا على كربلاء وهم في طريق مواجهة أعدائهم الأمويين.
2ـ مهما قيل في نُبل موقف التوابين وصدق نياتهم، حتى مضوا في واقعةٍ من أندر الوقائع التاريخية التي اندفع أصحابها للقتل بشكل تضحوي بارز، رغم كلّ ذلك، فإنّ التوابين لا يملكون المؤهلات الشرعيّة والدينيّة، التي تجعل من تصـرفاتهم سنّة يستنّ بها الشيعة، ويعظمها أئمتهم وعلماؤهم.
الرأي الثاني: البويهيون
إنّ مَن يراجع المصادر التاريخية، التي تحدَّثت عن حوادث سنة ثلاثمائة واثنتين وخمسين للهجرة، أي بعد ما يقارب من ثلاثة قرون على واقعة كربلاء، وحينما كان البويهيون يسيطرون على مقاليد الخلافة العباسيّة في بغداد، يجد أنّ معزّ الدولة البويهي[18] أمر الناس يوم عاشوراء من تلك السنة ـ على ما ينقل ابن الأثير في الكامل ـ بأن: ((يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النياحة، ويلبسوا قباباً عملوها بالمسوح[19]، وأن تخرج النساء منشرات الشعور، مسودات الوجوه، وقد شققن ثيابهن في البلد ويلطمن وجوهن، على الحسين بن علي رضي الله عنهما، ففعل الناس ذلك...))[20].
هذا، وقد شكّك علماء الشيعة، ببعض ما ذُكر آنفاً، فيقول السيد محسن الأمين ـ في موسوعة أعيان الشيعة معلّقاً على ما ذكرته المصادر التاريخية، من خروج النساء على تلك الهيئة التي وصفت ـ : ((مبالغ فيه، فإبراز النساء شعورها أمام الأجانب محرم بضرورة الدين، فكيف يُقدم عليه معزّ الدولة، وهو إنّما يفعل ذلك تديّناً؟! وكيف يمكّنه أهلُ الدين منه؟!))[21].
ويذكر أحد العلماء أنّ مواكب الحزن والبكاء هذه لم يكن فيها اختلاط بين الرجال و النساء ((فكانت النساء تخرج ليلاً والرجال نهاراً))[22].
و على كل حال، فقد رصدت هذه الظاهرة في بغداد كلُّ المصادر التي تحدثت عن تلك الفترة، ولكن بعض هذه المصادر لم تكتفِ برصد الظاهرة وتسجيلها، بل أبدى بعض المؤرخين رأياً فيها، فالحافظ جلال الدين السيوطي يعلّق بعد ذكره حوادث يوم عاشوراء، فيقول: ((وهذا أوّل يوم نيح عليه فيه ببغداد... واستمرّت هذه البدعة سنين))[23].
ويقول الذهبي في تاريخ الإسلام: ((هذا أول يوم نيح عليه ببغداد))[24].
وردد هذه المقالة آخرون من القدماء والمعاصرين، حتى تولّد فَهمٌ مفاده: أنّ البويهيين هم أوّل مَن أقام المأتم الحسيني المنبر الحسيني باعتقاد أنّ مظاهر العزاء المذكورة يصاحبها إنشاد الشعر الرثائي وقراءةٌ لمقتل الحسين عليه السلام، وهما العنصـران المؤسسان لظاهرة المنبر الحسيني.
مناقشة الرأي الثاني
وهنا لا بدّ أن نثير بعض النقاط حول هذا الرأي، وهي:
1ـ إنّ المصادر التاريخية التي أرّخت ليوم عاشوراء عام 352هـ، قد ذكرت أنّه أول يوم نيح فيه على الحسين عليه السلام ببغداد، ولم تقل: إنّه أول يوم أُقيمت فيه المآتم على الحسين، ولم تُعقَد في أي مكان من قَبل؛ فلا يمنع هذا القول من احتمال قيام مآتم للحسين سبقت هذا التاريخ في بلدان أُخرى غير بغداد لو سلّمنا بما قالته هذه المصادر.
2 ـ إنّ البويهيين ـ ومهما قيل عنهم ـ فإنّهم لا يعدون أن يكونوا سلاطين وأمراء كانت لهم مقاليد الحكم في بغداد، فلا يمتلكون الأهليّة الشرعيّة والقداسة الدينيّة حتى يمكن أن يكون عملهم سنّة وقدوة.
الرأي الثالث: أئمة أهل البيت عليهم السلام هم مَن أسّس المنبر الحسيني
إنّ هذا الرأي مفاده: أنّ نشوء المنبر الحسيني والمجالس العاشورائية التي نراها اليوم، ناجم عن الدعوات والتوصيات التي أطلقها أئمة أهل البيت عليهم السلام من أجل الاجتماع والاستماع إلى ما قيل من شعر ونثر في رثاء الحسين عليه السلام، والحثّ على إقامة مثل هذه الاجتماعات، مع إظهار البكاء والتفجع على مصابه عليه السلام، وفي هذا السياق يقول الإمام الصادق عليه السلام لفضيل حول هذه المجالس: ((إنّ تلك المجالس أحبُّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله مَن أحيا أمرنا. يا فضيل، مَن ذَكَرنا، أو ذُكِرنا عنده، فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زَبد البحر))[25].
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: ((مَن تذكّر مصابنا وبكى لما ارتُكب منّا، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة، ومَن ذكّر بمصابنا، فبكى وأبكى، لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب))[26].
إنّ ما أُثر عن أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال من توصيات وتعاليم كثيرة ومتنوعة، وكانوا يقيمون هذه المجالس أيضاً، يقول السيّد محسن الأمين: ((أما إنّهم ـ أي أئمة أهل البيت عليهم السلامـ. بكوا على الحسين وعدّوا مصيبته من أعظم المصائب، وأمروا شيعتهم ومواليهم وأشياعهم بذلك، وحثّوا عليه، واستنشدوا الشعر في رثائه، وبكوا عند سماعه، وجعلوا يوم قتله يوم حزن وبكاء، وذمّوا مَن اتّخذه عيداً، وأمروا بترك السعي فيه في الحوائج وعدم ادّخار شيء فيه، فالأخبار فيه مستفيضة عنهم تكاد تبلغ حدّ التواتر، رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبيهم بأسانيدهم المتصلة إليهم))[27].
وجدير بالإشارة إلى أنّ المجالس والمنابر الحسينيّة تعتمد في واقع الأمر على جزئين أساسيين:
الأول: هو المتحدِّث والمُلقي الذي يمثّله الخطيب والمحاضر الحسيني.
الثاني: هم المستمعون والحضور في هذه المجالس.
ولنجاح هذه المنابر في إيصال رسالتها وتحقيق أهدافها؛ من المفترض أن يؤدي كلا الطرفين دوره على أتمّ وجه، فينبغي على الخطيب والواعظ الحسينيّ أن يتقن خطابته ويؤثّر في سامعيه، وفي المقابل على الحضور والمستمعين أن يتعاطوا مع المتحدِّث والخطيب الحسيني ويصغوا إليه، ويستشعروا المصيبة في وجدانهم وأحاسيسهم، فيبكوا الحسين عليه السلام ويستلهموا من نهضته كل الدروس والعبر.
ومِن هذا المنطلق؛ نجد أنّ روايات أهل البيت عليهم السلام في مسألة التأكيد على إقامة المجالس الحسينيّة ركَّزت على جانبين مهمّين: أحدهما الحثّ على إنشاد الشعر والرثاء في الإمام الحسين عليه السلام وما له من عظيم الأجر، وهو ما يتعلّق بجانب الخطيب والمتحدِّث، والآخر هو الطلب من شيعتهم الحضور إلى هذه المجالس والبكاء على الحسين عليه السلام، وبيان ما أعدّ الله سبحانه للباكين من ثوابٍ عظيم، وسنتعرض لذكْر بعض الأمثلة من الروايات التي تتعلق بهذين الجانبين:
روايات الحثّ على قول الشعر في الإمام الحسين عليه السلام
شجّع أئمة أهل البيت عليهم السلام على قول الشعر في الإمام الحسين عليه السلام وإنشاده، وما يصاحب ذلك من إبكاءٍ وانتحاب، ممّا مثّل البدايات الأولى للمنبر الحسينيّ، وإقامة المآتم ومجالس العزاء.
إنّ الشعر كان يعدّ ذا شأنٍ بالغ الأهمّية والتأثير في المجتمع، وله انعكاسات حساسة، خاصّة فيما يتعلق بنقد السلطة آنذاك في قتلها الحسين وأصحابه.
وقد أفرد الشيخ ابن قولويه في كتابه كامل الزيارات باباً خاصاً، وهو الباب الثالث والثلاثون تحت عنوان: ثواب مَن قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى.
والكتاب من الكتب الحديثيّة التي نالت اهتماماً كبيراً عند فقهاء الشيعة.
فعن أبي عمارة المنشد حينما دخل على الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: ((قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين عليه السلام. قال: فأنشدته؛ فبكى، ثمّ أنشدته؛ فبكى، ثمّ أنشدته؛ فبكى. قال: فو الله، ما زلت أنشده ويبكي، حتى سمعت البكاء من الدار... فقال لي: يا أبا عمارة، مَن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً، فأبكى خمسين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة...))[28].
وفي رواية أُخرى للإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: ((مَن أنشد في الحسين بيت شعر، فبكى وأبكى عشرة فله الجنّة...))[29].
ودخل جعفر بن عفان الطائي على الإمام الصادق عليه السلام فقرّبه وأدناه، ثمّ قال: ((يا جعفر. قال: لبيك جعلني الله فداك. قال: بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين وتجيد. فقال: نعم، جعلني الله فداك. قال: قل. فأنشدته، فبكى ومَن حوله، حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته))[30].
ويصل الأمر إلى أن يتدخل الإمام جعفر الصادق عليه السلام في أُسلوب إنشاد الشعر الرثائي؛ حيث يطلب من بعض المنشدين أن يكون إنشاده بأسلوبٍ رقيق وطريقة شجيّة، فعن أبي هارون المكفوف، قال: ((قال لي الإمام أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون، أنشدني في الحسين. قال: فأنشدته فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقّة ـ قال: فأنشدته:
امرر على جدث الحسين
فقـل لأعظمـه الزكيّـة
قال: فبكى، ثمّ قال: زدني. قال: فأنشدته القصيدة الأُخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء خلف الستر))[31].
وأخيراً نذكر حادثة دخول الشاعر دعبل بن علي الخزاعي على الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام في مرو، وقد أوردتْها الكثير من المصادر الشيعيّة مع تفصيلات مختلفة، ومنها هذه الصورة، ـ فلما دخل دعبل على الإمام الرضا ـ قال: ((إنّي قد قلتُ قصيدة وجعلت على نفسي ألاّ أنشدها أحداً قبلك، فأمره بالجلوس حتى خفّ مجلسه، ثمّ قال له : هاتها. قال : فأنشده قصيدته التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
حتى أتى على آخرها، فلمّا فرغ من إنشاده قام الرضا فدخل إلى حجرته وبعث إليه خادماً بخرقة خزّ فيها ستمائة دينار، وقال لخادمه: قل له : استعن بهذه على سفرك واعذرنا. فقال له دعبل: لا والله، ما هذا أردتُ ولا له خرجت، ولكن قل له: أكسني ثوباً من أثوابك، وردّها عليه. فردها عليه الرضا عليه السلام وقال له : خذها. وبعث إليه بجبّة من ثيابه))[32].
روايات البكاء على الإمام الحسين عليه السلام
إنّ روايات التأكيد على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام كثيرة ومتنوعة ومرويّة في مصادر متعددة، فمنها ما راوه الشيخ ابن قولويه في الكامل: ((كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعةً حتى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً))[33].
وعن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام فيما ينبغي عمله يوم عاشوراء: ((...ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه، ويأمر مَن في داره بالبكاء، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام...))[34].
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، قال: ((كلُّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام))[35].
وعن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: ((إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل عيوننا، وأذلّ عزيزنا بأرض كربلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى الحسين فليبكِ الباكون؛ فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام))[36].
وعنه عليه السلام أيضاً وهو يخاطب أحد أصحابه، وهو الريان بن شبيب، وقد دخل عليه في أول يوم من المحرم: ((يا بن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب؛ فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم على الأرض شبيهون... يا بن شبيب، إن سَرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبي صلى الله عليه وآله فالعن قتلة الحسين. يا بن شبيب، إن سرّك أن يكون لك من الثواب ما لمَن استُشهد مع الحسين بن علي عليه السلام، فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنتُ معكم فأفوز فوزاً عظيماً))[37].
فببركة تلك التوجيهات والتعاليم النورانيّة من قِبَل أهل البيت عليهم السلام ولدت ظاهرة مباركة في أوساط أتباع أهل البيت، وهي ظاهرة الاجتماع وعقد المجالس لتذاكر فضائل الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته وذكر مظلوميتهم، لا سيما ما جرى على الحسين عليه السلام وأهل بيته في عاشوراء، وتدارس أمور الدين، مع الوعظ والإرشاد وحثّ المسلمين على التمسّك بالتعاليم الإسلاميّة، وعادةً ما يقوم بأعباء مهمّة إدارة هذه المجالس وإلقاء المحتوى الديني فيها شخصٌ له أهليّة علميّة وأخلاقيّة وفنيّة معيّنة، حتى أصبحت هذه المآتم الحسينيّة من العلامات الفارقة لأتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، وبفضلها أصبح الشيعة أفراداً واعين مرتبطين بشكل وثيق بدينهم ومذهبهم وقياداتهم الدينيّة.
الكاتب: الشيخ فيصل الكاظمي
مجلة الإصلاح الحسيني – العدد الثاني
مؤسسة وراث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
________________________________________
[1] المقالة مستوحاة من كتاب المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل إعداد: الشيخ سعد مراد الساعدي.
[2] مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط: ج3، ص 933.
[3] الجوهري، الصحاح: ج 2، ص 821 .
[4] الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط: ج 3، ص 143.
[5] إنما قلنا: أغلب؛ لأن أتباع المذهب الإسماعيلي في شبه القارة الافريقية، المعروفين بالبُهرة يقيمون هذه المنابر أُسوة بالاثني عشرية، بينما لا يعرف الشيعة الزيديّة هذا النمط من المنابر.
[6] وهي الأيام التي بدأت بعد يوم عاشوراء، أي: يوم 11 محرم سنة 61هـ ، إلى نهاية شهر صفر من السنة نفسه، فبعد مقتله أُخذت نساؤه وأطفاله سبايا، يوم الحادي عشر من محرم، من كربلاء باتّجاه الكوفة، ومنها إلى دمشق؛ حيث وصلوها في أول الشهر من صفر للسنة نفسها، ثمّ عادوا إلى المدينة.
ويقال: إنّهم مرّوا بكربلاء في طريق عودتهم إلى المدينة في العشرين من شهر صفر.
اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: حوادث سنة 61 هـ، ج4، ص354. ابن الأثير، علي بن عبد الواحد، الكامل في التاريخ: حوادث سنة 61 هـ، ج 4، ص87. الخوارزمي، الموفق بن أحمد، مقتل الحسين: ج2، ص84.
[7] الخوارزمي، مقتل الحسين: ج1، ص136. والطبري، ذخائر العقبى: 119.
[8] الطبراني، المعجم الكبير: ج 3 ص 107.
[9] ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام: ص312 ـ 313.
[10] البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، أنساب الأشراف: ج3، ص 206.
[11] المفيد، الإرشاد: ج2، ص 124.
[12] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواص ص267. واُنظر: ابن حجر، أحمد الهيتمي: الصواعق المحرقة ص296. ابن الأثير، علي بن عبد الواحد: الكامل في التاريخ: ج4، ص93.
[13] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص260. واُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص349. وابن الأثير، علي بن عبد الواحد: الكامل في التاريخ: ج4، ص81 . وسبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذكرة الخواص: ص257. وابن كثير، البداية والنهاية:ج8، ص207.
[14] اختلج صدغاه، اختلج: أي اضطرب وتحرك، والصدغ هو: ما بين العين إلى الأُذن واختلج صدغاه بيان لشدّة البكاء.
[15] ابن مرجانة: لقب لعبيد الله بن زياد، يعيّر بأُم كانت لأبيه زياد في الجاهلية.
[16] سبط بن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذكرة الخواص: ص 267ـ 268. واُنظر: البلاذي، أحمد بن يحيى: أنساب الأشراف:ج3، ص227ـ 228.
[17] تكلسن، رينولد، تاريخ العرب الأدبي في الجاهلية وصدر الإسلام: ص329.
[18] معزّ الدولة: أحمد بن بويه بن فناخسرو بن تمام ، من سلالة سابور ذي الأكتاف الساساني، ولد سنة 303 للهجرة في بلاد الديلم، فارسي الأصل مستعرب، سيطر على بغداد سنة 334 هجرية في خلافة المستكفي، حكم 22 عاماً، مات ببغداد سنة 356 هجرية. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج1، ص105.
[19] المسوح: جمعه مسح، وهو الكساء من الشعر.
[20] ابن الأثير، علي بن عبد الواحد، الكامل في التاريخ: ج8، ص549.
[21] الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج2 ص486.ٍ
[22] الشهرستاني، هبة الدين، نهضة الحسين: ص175.
[23] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء: ص432.
[24] الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج26، ص11. واُنظر: الذهبي كذلك في كتابه العِبَر في خبر مَن غبر: ج2 ص300.
[25] الحميري، قرب الإسناد: ص36.
[26] الصدوق، الأمالي: ص 131.
[27] الأمين، محسن، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص174.
[28] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص 209.
[29] المصدر نفسه: 211.
[30] الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال: ج2، ص574.
[31] الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال: ص83 ـ 84.
[32] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص264
[33] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص201.
[34] المصدر نفسه، ص326.
[35] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص162.
[36] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص190.
[37] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج1، ص268ـ 269.
اترك تعليق