الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 11 رمضان 1437هـ الموافق 17 حزيران 2016م

في هذا الأسبوع التقى سماحة المرجع الاعلى دام ظله بنخبة من أطباء النجف الأشرف وأوصاهم بأمور ، نذكر ونشرح بعضها لأهميتها :

منها :

الوصية بتوفير الخدمة الجيدة لجميع المراجعين بنفس المستوى من دون تفريق بين الغني والفقير والقوي والضعيف ، وهذه الوصية وان كانت موجهة الى فئة الاطباء لأن جمعاً منهم كانوا حضور اللقاء ولكنها وصية لكل الذين يتعاملون مع المواطنين ويقدمون لهم الخدمة في أي مجال كان ... ولاسيما من فئة الموظفين الحكوميين ... .

اوصى سماحته الأطباء بالخدمة الجيدة ويمكن تفصيل ذلك بالأمور التالية :

ـــ  العناية بالمريض وذلك بالاهتمام بدقة التشخيص الطبي وبذل ما بوسع الطبيب من اعمال ذهنه وتفكيره المهني الطبي محاولا الوصول الى التشخيص الأقرب الى الواقع مع تخصيص الوقت الكافي لذلك واستشارة الاخرين من اهل الخبرة والحذاقة الطبية .

ـــ  التعاطف مع المريض بإشعاره بالرحمة لحاله وأنه يهمه شفاؤه ومعافاته ويعامله كأنه احد افراد عائلته اذا مرض مع استعمال العبارات والكلمات الطيبة التي تبعث في نفسه الأمل بالشفاء .

ـــ  ان لا يكون همه ان يحقق ارباحاً مالية بأكبر قدر ممكن بالتجارة بصحة المريض سواء أكان من خلال رفع كلفة المعاينة الطبية او التحاليل او الفحص الشعاعي او أجور العمليات الجراحية ، بل يجعل غايته العمل على شفاء اكبر قدر ممكن من المرضى وإنقاذ حياتهم ليكتب له بذلك عمل صالح عند الله تعالى الذي هو خير ثواباً وخير املا  .

ثم اوصى سماحته بعدم التفريق بين المراجعين ( أي بين الغني والفقير وتوضيح ذلك :

ان تكون عناية الطبيب المهنية والاخلاقية مع المرضى من دون تفرقة بينهم بسبب فقر بعضهم او علو المنزلة الاجتماعية لبعضهم الآخر بل يشعر الجميع انهم متساوون في ذلك - لان كل فرد منهم هو انسان يعاني بسبب مرضه نفس المعاناة لا يختلفون في ذلك بسبب مال او جاه او منصب وحياتهم مطلوب انقاذها وآلامهم مرجوٌ تخفيفها للجميع دون فرق ، فلا يعتني الطبيب بالغني اكثر لأنه يرجو منه النفع المالي ولا صاحب الوجاهة والقوة والسلطة لأنه يأمل منه ان ينفعه في امور الدنيا أكثر من غيره .

ثم ان هذه الوصية من سماحته غير مقتصرة على الاطباء وان كانت موجهة لهم لانهم الذين حضروا اللقاء ولكنها عامة لجميع المكلفين بالخدمة العامة خصوصا الموظفين الحكوميين فالمأمول منهم قضاء حوائج المواطنين وانجاز معاملاتهم بأسرع ما يمكن وعدم تأخيرهم خصوصاً عوائل الشهداء واليتامى والأرامل والمستضعفين ـــ ولا يفرقوا بين مواطن فقير وآخر غني او صاحب جاه وسلطة واخر انسان ضعيف لا يملك لنفسه ناصراً الا الله تعالى ـــ وتتأكد الوصية للموظفين المكلفين بالخدمات الاساسية كخدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها .

 

ومنها :

ان من يمارس التعليم ، عليه ان يعلم ان لسلوكه ومنطقه ابلغ الاثر في طلابه ولا يتصور انه مجرد استاذ في مادة الطب، فعليه ان يراعي الجوانب الدينية والاخلاقية في اقواله وتصرفاته، ومن ذلك التواضع لمن يعلمهم من الطلاب وعدم التعالي عليهم ... وهذه الوصية لا تختص ايضاً بالأطباء الذين يمارسون التعليم في الجامعات بل هي عامة لجميع المعلمين والتدريسيين .

والمأمول من الإخوة الأساتذة في مجال الطب او غيره من العلوم ان يعلموا ان مهمتهم لا تقتصر على التعليم المهني في مجال اختصاصهم بل مهمة الاساتذة هي التعليم والتربية على مبادئ الاخلاق والمواطنة الصالحة معاً ، فلا ثمرة للتعليم بدون الاخلاق وتربية النفس على هذه القيم ، والأستاذ الأكثر تأثيراً في طلبته هو الذي يبدأ بنفسه فيربيها ويؤدبها على محاسن الاخلاق ومحامد الصفات ويترجمها الى سلوك فعلي امام طلبته ومن ذلك حسن التعامل مع الطلبة بالتواضع لهم وعدم الاستكبار عليهم بإشعارهم بأنه افضل وارفع منهم علماً وشأنا، وسعة الصدر والتحمل لهفواتهم وسلوكهم الخاطئ وذلك بإرشادهم بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة الى السلوك الصحيح وتنبيههم الى ضرورة الاهتمام بأخلاقهم وسلوكياتهم كاهتمامهم بالحصول على الدرجات المتقدمة في دروسهم ، وعليه ان يحترم جميع الطلبة ولا يسخر او يستهزئ بمن لا يمتلك الذكاء او المهارة في العلم بل يحاول ان يعلمه على كيفية تطوير قابلياته العلمية وفهمه للدرس، وان يوضح للطلبة ان النجاح في الدراسة الجامعية والمدرسية مهم لكنه جزء من النجاح الاكبر المطلوب في الحياة الا وهو بناء العلاقة الصحيحة مع الله تعالى ومع بقية افراد المجتمع ومن ذلك شعوره بالمسؤولية بعد تخرجه وقدرته على النجاح فيها وبناء الاسرة الصالحة وحسن العشرة مع افراد مجتمعه ، فقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلام : " علموا الناس الخير بغير السنتكم وكونوا دعاة لهم بفعلكم والزموا الصدق والورع " ، وعنه ايضاً عليه السلام : " كلما زاد علم الرجل زادت عنايته بنفسه وبذل في رياضتها وصلاحها جهده " .

ومنها :

الوصية بالمحافظة على وحدة العراق ولا يكون ذلك الا بالمحافظة على وحدة العراقيين، ولتحقيق ذلك لابد ان يهتم بأمرين في هذه الظروف الحرجة :

الأول :

(( رعاية النازحين والمهجرين من دون تمييز بينهم من أي دين او مذهب او مكون كانوا .. )) .

وذلك من خلال عناية الجهات المختصة والمواطنين والجمعيات الانسانية ومؤسسات المجتمع المدني ببذل كل ما يمكن من جهود لتوفير المأوى المناسب للنازحين وتقديم ما يحتاجونه من طعام وشراب ودواء مع معاملتهم بالحسنى والتعاطف معهم والرحمة بهم وان تكون هذه العناية بصورة متساوية لجميع العراقيين النازحين والمهجرين مع قطع النظر عن انتمائهم الديني او المذهبي او القومي وذلك لأنهم بأجمعهم مواطنون عراقيون لا يستلزم اختلافهم في الانتماء المذكور اختلاف مرتبتهم في حقوق المواطنة والانتماء للعراق وهذا النحو من الرعاية والمعاملة سيشعر الاخرين من جميع المكونات العراقية بوحدة الانتماء لبلدهم مما سيترك اثرا ايجابياً في نفوسهم فيشعرون بقوة الاصرة والعلاقة مع بقية مواطني بلدهم وهذا سيفوت الفرصة على عصابات داعش التي تعمل على زرع التفرقة والبغضاء بين مكونات الشعب العراقي من خلال اثارة النزعة الطائفية .

 

الثاني :

(( وهو موجه بالدرجة الإساس الى المقاتلين في ساحات القتال من ان يكون قتالهم لتخليص اخوانهم واخواتهم من عصابة داعش التي هي فئة دخيلة على العراقيين فكراً وممارسة ً. فان الافكار الظلامية التي تتبناها والممارسات الوحشية التي ترتكبها غريبة على العراقيين تماماً وغير مسبوقة لديهم على مر التاريخ . فالمقاتلون بمختلف أصنافهم ومسمياتهم مهمتهم هي تخليص العراق من هذا البلاء العظيم، وعليهم لأداء هذه المهمة على الوجه الصحيح ان يتحلوا بأعلى درجات الانضباط في تصرفاتهم ويراعوا المعايير الانسانية والاسلامية في تعاملهم مع الجميع في مناطق القتال ولاسيما المدنيين من كبار السن والنساء والاطفال بل ومن يسلم نفسه ويترك القتال ... )) .

من الضروري لمقاتلينا الأبطال الذين يسطرون ملاحم البطولة والتضحية في صفحات تاريخ العراق الحديث ان يلتفتوا الى ان الغاية من قتالهم هو انقاذ المواطنين في المناطق التي سيطرت عليها عصابات داعش وان ينظروا لهم كإخوة واخوات جاءوا لتخليصهم من هذه الفئة الدخيلة على العراقيين في فكرها الضلالي الذي تتبناه بتكفير الاخرين وتحليل قتلهم والذي ترجمته الى ممارسات وحشية بعيدة عن الاسلام والانسانية حيث لم يشهد تاريخ العراق مثل هذه الوحشية – فلينتبهوا وليحذروا من ان يكون هدفهم الانتقام او الاعتداء او غير ذلك ولأجل تحقيق هذه المهمة وفق الضوابط الشرعية والاخلاقية والانسانية لابد من أمرين :

أ . التحلي بأعلى درجات الانضباط النفسي في تصرفاتهم واعمالهم القتالية فلا يحملنهم حزن وأسَفٌ على فقد عزيز استشهد في القتال او تألم على جريح او حالة غضب او انفعال على ارتكاب ما يخالف هذه الضوابط من تمثيل بقتيل او اجهاز على جريح او تفجير دار مشتبه في امره او سطو على مال لذوي المقاتلين او استيلاء على اموال لمواطنين ابرياء.

ب.    مراعاة المعايير الإنسانية والإسلامية في تعاملهم مع الجميع ، فلابد من الفرز بين المعتدي المقاتل والمواطن الذي لا دخل له في ذلك فإنما هدف القتال الحفاظ على الهوية الوطنية والانسانية والحضارية للشعب العراقي الذي ارادت هذه العصابات مسخها وطمسها ، وتتأكد الوصية مع كبار السن والنساء والأطفال ... فما اعظم واجمل ان نرى بعض افراد قواتنا المسلحة ومجاهدينا يحملون رجلا ً كبيراً على أظهرهم ليوصلوه وعائلته الى مأمنهم ان يطعموا صغيرا او يهدئوا ويطمئنوا امرأة خائفة او يداووا مريضا او يهيئوا مأوى ... وقد ورد في التوصيات للمرجعية الدينية العليا التي تم التأكيد عليها :

أ . الله الله في حرمات عامة الناس ممن لم يقاتلونكم لا سيما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء حتى اذا كانوا من ذوي المقاتلين فكم فانه لا تحل حرمات من قاتلوا غيرَ ما كان معهم من اموالهم – وقد كان من سيرة امير المؤمنين (عليه السلام) انه كان ينهى عن التعرض لبيوت اهل حربه ونسائهم وذراريهم رغم اصرار بعض من كانه معه – خاصة من الخوارج- على استباحها- .

ب.    الله الله في أموال الناس فانه لا يحل مال امرئ مسلم لغيره الا بطيب نفسه فمن استولى على مال غيره غصبا فإنما حاز قطعة من قطع النيران.

جـ.    الله الله في الحرمات كلها فإياكم والتعرض لها او انتهاك شيء منها بلسان او يد واحذروا اخذ امرئ بذنب غيره..

اللهم انصر قواتنا المسلحة والمتطوعين والغيارى من ابناء العشائر نصر عزيز مقتدر ورد كيد اعدائنا في نحورهم وغير سوء حالنا بحسن حالك انك سميع مجيب .

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة