تناول ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب وإمام الجمعة في كربلاء المقدسة في خطبته الثانية من صلاة الجمعة التي أُقِيْمَتْ في الصحن الحسيني الشريف في(17/ربيع الأول/1436هـ)الموافق(9/1/2015م) أربعة أمور جاءت كما يلي:
الأمر الأول :
في الوقت الذي ندين ونستنكر بشدة جريمة اغتيال عدد من خطباء وأئمة المساجد من إخواننا أهل السنة في مدينة الزبير الذين عرفوا بالاعتدال والوسطية وطالما دعوا إلى تكريس التعايش السلمي وتعزيز التواصل المبني على الاحترام المتبادل والمحبة بين مختلف مكونات الشعب العراقي خصوصاً بين أبناء الطائفتين الكريمتين السنية والشيعية إدراكاً ووعياً منهم بأن هذا النهج هو جوهر الدعوة المحمدية الأصيلة وأنه في مقدمة ضرورات الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي للشعب العراقي...
ندعو الأجهزة الأمنية إلى الإسراع في كشف الجناة والتحقق من دوافعهم في ارتكاب هذه الجرائم وذلك من أجل إحقاق الحق وتعزيز الثقة بقدرات الأجهزة الأمنية لدى أبناء الشعب العراقي وتفويتاً للفرصة للجهات التي تقف خلف هؤلاء الجناة لتحقيق أغراضهم الخبيثة في زرع الفتنة والاحتقان الطائفي بين أبناء الطائفتين الكريمتين.
الأمر الثاني :
إن موازنة عام 2015م تناقش في هذه الأيام في مجلس النواب وتواجه عجزاً مالياً بنسبة أكثر من 20% وقد جرى تقليصها بصورة كبيرة مما سيؤثر كثيراً على الخدمات والمشاريع المهمة للبلد ويؤدي إلى تراجع فرص العمل لأعداد كبيرة من المواطنين.
هذا مع الانخفاض المستمر في أسعار النفط وبقاء الاعتماد الأساسي لإيرادات الموازنة على النفط بنسبة أكثر من 80% وعدم توقع تحسن أداء القطاع الصناعي والزراعي والسياحي في وقت قريب إضافة إلى عدم وجود خطة واضحة تتضمن خطوات سريعة وعملية لمعالجة الفساد المالي الذي يؤدي إلى هدر الكثير من الموارد المالية للبلد.
وهنا ينبغي التأكيد مرة أخرى على المسؤولين في الحكومة بأن يعملوا على وضع خطط سريعة لاستثمار الغاز الطبيعي الذي يعد ثروة وطنية كبيرة معززة للثروة النفطية والإسراع في الاستفادة من تجارب الدول الأخرى والاستعانة بخبراتها التي مكنتها من أن تجعل من هذه الثروة مصدراً اساسياً لدخلها الوطني أو أن تجعله مصدراً ثانوياً يخفف من الآثار المفاجئة لتقلبات السوق النفطية.
الأمر الثالث:
يشتكي الآلاف من موظفي وعمال الشركات الصناعية التابعة لوزارة الصناعة من حجب رواتبهم لعدة أشهر مما جعلهم يعانون وعوائلهم مشقة العيش وذل الحاجة خصوصاً وأن بعضهم يعيش الحد الأدنى من توفير متطلبات العيش الكريم للمواطن ، إن هذه الشريحة خصوصاً من مضى على عمله سنوات طويلة في قطاع الصناعة التي كانت تعد ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني وتمثل مفخرة للصناعة العراقية ، كان لهم دور أساسي في ذلك حيث أفنوا أعمارهم وأجهدوا أبدأنهم وعقولهم لتطوير هذا القطاع...وأدّت الظروف القاسية التي مرت على العراق وأسباب أخرى كسوء الإدارة وتفشي الفساد إلى انهيار الصناعة العراقية؛ فعجزت تلك الشركات عن تمويل نفسها لأسباب خارجة عن إرادة هؤلاء الموظفين، فليس من الإنصاف تركهم لقسوة الدهر وتقلبات الأيام حتى آل الأمر ببعضهم إلى أنه لا يتيسر له دفع إيجار بيته أو تحصيل دواء لعائلته...
فالمسؤولية تقع على الحكومة في وضع حلول حقيقية لمشاكل هؤلاء وإعادة صرف رواتبهم ولو بصورة مؤقتة إلى حين تنفيذ خطة سليمة لإنقاذ هذا القطاع.
الأمر الرابع:
إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد تحتم أزيد من أي وقت آخر الاهتمام باستمرارية العمل في مختلف القطاعات المهمة في المجتمع (الاقتصادية والعلمية والخدمية وغيرها) ولكن للأسف الشديد برزت عندنا ظاهرة أخذت تتسع عاماً بعد عام ألا وهي ظاهرة كثرة العطل والتي لها تداعيات خطيرة :
أولاً :
على المستوى التعليمي والتربوي للطلبة حيث تعجز المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى عن إكمال المناهج العلمية لطلبتها فيؤدي ذلك إلى تدني مستواهم العلمي والمهني، إضافة إلى أن هذه الظاهرة تولد حالة من الخمول والاسترخاء واللامبالاة عند الطلبة والمدرسين والمعلمين والموظفين بل يمتد تأثيرها حتى على البناء النفسي والثقافي للطالب حيث يتولد لديه حب التعطيل والسعي إلى الراحة بدلاً من حب العمل والخدمة ، وقد لجأ الكثير من العوائل إلى الاعتماد أساساً على الدروس الخصوصية تلافياً لتدني المستوى الدراسي لأبنائهم بسبب ذلك، ولهذا سلبياته كما هو معروف بالإضافة إلى أنه غير متاح إلا للمتمكنين مالياً .
وثانياً :
تؤثر هذه الظاهرة في تأخر إنجاز المشاريع الإنتاجية مما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد العراقي بسبب تعطل تلك المشاريع عن الإنتاج مع استمرار صرف الرواتب والأموال عليها بلا عوائد، ناهيك عن التأخير في إنجاز المشاريع الخدمية وغير ذلك مما يحرك الاقتصاد في البلد.
وثالثاً :
تؤثر هذه الظاهرة في تأخر إنجاز معاملات المواطنين في الدوائر الحكومية مما له آثار سلبية كثيرة ومنها أنه يولد إحباطاً وتذمراً لدى المواطن تجاه الحكومة.
إننا بأمس الحاجة إلى معالجة هذه الظاهرة التي أضيفت إلى الأسباب الأخرى الكثيرة ذات التداعيات الخطيرة على مجمل الأوضاع في البلد.
ولابد لمعالجتها من تكاتف الجميع، فعلى الحكومة والإدارات المحلية في المحافظات وضع ضوابط صارمة لتقليل العطل الرسمية وغير الرسمية إلى حدها الأدنى...
وعلى من لهم صوت مسموع في المجتمع من العلماء والخطباء والأساتذة والمثقفين وغيرهم نشر ثقافة حب العمل والتأكيد على قيمة الوقت وهي الثقافة التي يفتقدها – وللأسف- الكثير من المجتمعات في هذه المنطقة.
وعلينا تعزيز روح المواطنة التي تبعث على التضحية في جميع المجالات ويكفينا أن نتعلم درساً من تضحيات أبناء القوات المسلحة والمتطوعين الذين يبذلون أرواحهم رخيصة في سبيل الوطن... فقد آن الأوان أن نستنهض هممنا ونرتقي بنفوسنا لتلتحم مسيرة جهاد البناء بمسيرة التضحية بالدم من أجل هذا الوطن الجريح والشعب المظلوم.
اترك تعليق