من الإشكالات التي تطرح حول مسألة الإهتمام بالمشاهد المشرفة لمراقد ألأنبياء والأئمة عليهم السلام، ما ورد في البخاري ومسلم ومسند أحمد وغيرها من المراجع السُنية، من قول الإمام علي عليه السلام بأنه قال لابن الهياج الأسدي : ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ادع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
ظاهراً، الرواية تصرح بتسوية القبور ولا تجيز البناء عليها، ولكن هل حقاً هذا هو مراد الإمام عليه السلام من هذا التصريح؟
لا شك أن هناك ثمة معايير خاصة لتقييم هذه الروايات ومدى حجيتها بعد الإطلاع على إجابة مركز الأبحاث العقائدية حول هذا التساؤل، وفي ما يلي نص الإجابة كما نشرت على الموقع الرسمي للمركز:
هذه الرواية ليست حجة على الشيعة بل لو ناقشناها على الموازين العلمية التي وضعها من يؤمن ويستشهد بمثل هذه الروايات نجدها أيضاً غير صحيحة!
وخصوصاً إنّ مسلماً قد رواها، ولكن لو دققنا النظر في إسناد حديث مسلم نجد أكثر الرواة مدلسين وقد عنعنوا هنا فلا تقبل روايتهم في هذه الحالة بالاتفاق.
وأما دلالة هذه الرواية، فقد فهم منها الائمة الاربعة الكراهة لا غير.
وأما المسلمون خلفاً عن سلف فقد خالفوا السائل في هذا الفهم وهو تعميم المنع وعدم جواز الاهتمام بالقبور في كل فرد فرد، فقد إهتموا جميعاً بلا إستثناء بقبور الاولياء والانبياء والصالحين، فها هي قبورهم معروفة مرفوعة منذ مئات السنين مثل قبر النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) الى الائمة من أهل البيت(عليهم السلام) إلى بعض الصحابة الكرام الى العلماء المبرزين مثل أبي حنيفة والشافعي الى الاولياء الصالحين كعبد القادر الجيلاني وغيرهم كثير.
وأما الادلة المخالفة والمخصصة لهذه الرواية فمنها:
1- قول المؤمنين في أصحاب الكهف كما نقله تعالى: (( فقالوا ابنوا عليهم بنياناً رَبّهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً )) (الكهف:21).
2- قبر النبي (صلى الله عليه وآله) كان في مسجده وفي بيته وهو مزار للمسلمين في كل زمان حتى في زمن الصحابة. فقد وردت روايات كثيرة بالتوسل به وزيارته وطلب الحاجات عنده منها:
قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتاب (المغني) وهذا الكتاب مرجع السلفية في الفقه: (ص588 ج2)، (فصل) يستحب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) لما رواه الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من حَجَّ فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي). وفي رواية (من زار قبري وجبت له شفاعتي).
وقال أحمد عن أبي هريرة انّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) قال: (ما من أحد يسلم عليَّ عند قبري إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام)، وروى بعدها رواية العتبي الشهيرة في ذلك الاعرابي الذي جاء قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وتوسل به لغفران ذنبه فغفر له، ثم قال: (فصل) ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ولا تقبيله.
قال أحمد: ما أعرف هذا، قال وأما المنبر فقد جاء فيه يعني ما رواه ابراهيم بن عبدالرحمن بن عبد القاريء أنه نظر الى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي (صلى الله عليه وآله) من المنبر ثم يضعها على وجهه. وروي عن علي عن فاطمة (عليها السلام) أنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها.
وقال البهوتي في (كشاف القناع): قال ابراهيم الحربي يستحب تقبيل حجرة النبي (صلى الله عليه وآله). كل ذلك يؤكد الفهم الصحيح للاسلام وسيرة المسلمين خلفاً عن سلف بعدم ضير مثل هذه الاعمال وعدم منافاتها للتوحيد وعدم حرمتها بل قالوا باستحبابها.
3- فعل العلماء والسلف ذلك وليس الجهّال والمشركين والمبتدعين: قال ابن حجر في الخيرات الحسان: ان الامام الشافعي أيام كان ببغداد كان يتوسل بالامام أبي حنيفة ويجيء الى ضريحه يزور فيسلم عليه ثم يتوسل الى الله تعالى به في قضاء حاجاته.
وقال أيضاً: قد ثبت أن الامام أحمد توسل بالامام الشافعي حتى تعجب ابنه عبدالله بن الامام أحمد فقال له أبوه: إن الشافعي شمس للناس وكالعافية للبدن، وقال: ولما بلغ الامام الشافعي أن أهل المغرب يتوسلون بالامام مالك لم ينكر عليهم. اهـ .
وروى البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز (ج2 ص90): لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته (وهي فاطمة بنت الحسين السبط) القبة على قبره وفي رواية (الفسطاط) سنة ثم رفعت، قال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري عند شرح هذا الأثر ج2 ص161): ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب إن المقيم في الفسطاط لابد له من الصلاة هناك فيلزم إتخاذ المسجد عند القبر وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة، وقال ابن المنير: إنما ضربت الخيمة هنا: للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلاً للنفس وتخييلاً باستصحاب المألوف من الأنس ومكابرة للحس كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية.
وقال ابن كثير الدمشقي تلميذ ابن تيمية في كتابه (البداية والنهاية) الذي يعتبر أصح كتب التاريخ عندهم وهو مرجع السلفية في هذا المجال (ج8 ص229): لما قتل (الحسين) بكربلاء كانت معه (زوجته الرباب) فوجدت عليه وجداً شديداً، وذكرَ أنها أقامت على قبره سنة ثم انصرفت.
فها هنَّ نساء السلف الصالح في زمن السلف الصالح وقبل انتهاء المائة الاولى للهجرة النبوية الشريفة يفعلن ذلك وهن نساء فاضلات إحداهن زوجة سيد شباب أهل الجنة والاخرى ابنته ولم ينكر عليهن أحد من أهل البيت أو الصحابة أو التابعين أو العلماء. ولو شئت أختي الفاضلة حملنا الرواية على قبور الكفار وأصنامهم بقرينة الجمع بينهما فإن زيارتهم أو إعلاء شأنهم بالاهتمام بقبورهم أو الحلف بهم وغير ذلك كلها أمور قد نهى الشارع عنها وتحمل أكثر الاحاديث التي ظاهرها العموم على ذلك مثل قول النبي (صلى الله عليه وآله) للصحابة (لا تحلفوا بآبائكم) وقوله تعالى: (( ولا تصلّ على أحد مات منهم أبداً ولا تقم على قبره )) (التوبة:84) وغيرها كثير.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق