بين أزقة كربلاء القديمة وتقاطعاتها المزدحمة بالمحبين، تتراءى عجلات صغيرة بيضاء اللون، وهي تشق طريقها بصمت ووقار، تحمل فوقها أمنيات الزائرين وأوجاع كبار السن ممن أعياهم السير، فلم تكن مجرد وسيلة نقل، بل تجل حي للرحمة، أطلقتها قسم حفظ النظام في العتبة الحسينية المقدسة، لتكون جسرا من العناية ما بين نقاط القطوعات والحرم الحسيني الشريف.
"لولاهم لما استطعت الوصول"، هكذا بدأت الحاجة أم حسين (68 عاما) حديثها وعيناها تلمعان بالامتنان، وأضافت "الحر والازدحام جعلاني أتردد بالزيارة، لكن عندما رأيت هذه العجلات احسست أن الإمام الحسين (عليه السلام) لا ينسى أحد”.
مشهد الرحمة المتحركة
العجلات الصغيرة، التي تسير بخفة بين جموع الزائرين، ليست مجرد خدمة نقل، بل مشروع إنساني متكامل يستهدف الحالات الإنسانية الطارئة، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، ممن يصعب عليهم عبور المسافات الطويلة بين نقاط التفتيش وباب القبلة أو باب الرأس الشريف.
مشاهد مؤثرة وأصوات شاكرة
من بين الركاب، كان الحاج علي من بغداد، يجلس بهدوء بينما تنقله العجلة نحو باب القبلة، حيث يقول "كل خطوة باتجاه الإمام الحسين (عليه السلام) تعني لي الكثير، لكن ركبتي ما عادت تساعدني، هؤلاء الشباب أعادوا إلي القدرة على الزيارة”.
أما رقية محمد، وهي سيدة أربعينية ترافق والدها المسن، فقد وصفت التجربة بأنها “أكثر من مجرد خدمة”، وقالت "الابتسامة التي على وجوههم والاحترام العالي جعل والدي يشعر إنه ليس عبء على احد، بل ضيف مكرم في بيت الإمام”.
لمسة من الوفاء
هذه العجلات جهزت بشكل يلائم الحالات الصحية الخاصة، ويشرف عليها كادر مؤهل ومدرب على التعامل الإنساني والمهني مع الزائرين، وهو ما أسهم بشكل ملموس في تخفيف الزحام وتنظيم حركة الدخول، لا سيما في أوقات الذروة والمناسبات المليونية.
ففي مدينة تحتضن الزائرين من أقاصي الأرض، تبقى المبادرات الإنسانية هي النبض الخفي الذي يمنح كربلاء روحها المتجددة، فـ(عجلات الرحمة) ليست مجرد وسائط نقل، بل شواهد حية على أن كرامة الإنسان وخدمته لا تقل قداسة عن قدسية المكان.
اترك تعليق