العلم.. أفضلُ الذخائر دراسة في خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام)

الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...

فضيلة العلم ترتقي على الفضائل وتسمو على المفاخر، والعالم لا يصنع صرحًا لنفسه فقط؛ بل له ولأهله ومن يرتبط به، وكلُّ إنسانٍ إذا أراد أن يُحقِّق كماله المنشود فعليه بطلب العلم والسعي من أجله، وأن يبذل له كلَّ غالٍ ونفيس؛ لأنَّ العلم لا يُقارن بالمال أبدًا، وإذا ما قارناه وجدنا أنَّ العلم يعلو عليه علوًا كبيرا، وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ((الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الاِنْفَاقِ))([1]) .

ولأهمية العلم فإنَّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ذكره في مواطن كثيرةٍ، مؤسِّساً فيها لكيفية طلب العلم والحث عليه، ومبيِّنًا لمواصفات العلماء، ومربيًا للمتعلمين، ومنبهًا لهم عن الابتلاءات التي يمكن أن يقعوا بها، وممَّا ورد له في نُصحه للمتعلِّم قوله: ((على المتعلم أن يدأب نفسه في طلب العلم، ولا يملُّ من تعلُّمه، ولا يستكثر ما علم))([2])، فأمير المؤمنين يوجِّه بطلب العلم والاستمرار عليه، وأن لا يتوقف طالب العلم عند حدٍّ معيَّن؛ بل عليه أن يسعى جاهدًا إلى متابعة درسه وبحثه، وكذلك عليه أن لا يستكثر العلم الذي حصل عليه مهما كان ومهما بلغ؛ لأنَّ العلم أكبر من أن يُحصيه أحدٌ غير الله تبارك وتعالى، وفي هذا الصدد يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((كلُّ عالمٍ غير الله متعلم))([3])، ثمَّ إنَّ على المتعلم أن يسعى إلى خير العلوم وأنفعها  فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((خذ من كلٍّ علم أحسنه، فإنَّ النحل يأكل من كلِّ زهرٍ أزينه، فتولد منه جوهران نفيسان: أحدهما فيه شفاء للناس، والآخر يستضاء به))([4])، ثمَّ يوصي (عليه السلام) بدوام الاستمرار في مدارسة العلم والعلماء، والإكثار من متابعة البحث فيقول: ((من أكثر مدارسة العلم لم ينسَ ما علم، واستفاد ما لم يعلم))([5])، وبعد ذلك ينصح أمير المؤمنين (عليه السلام) العلماء والمتعلمين بأن يعرضوا ما يسمعوا من أخبار العلم على عقولهم، وعليهم أن يعوا ما يسمعون ويدركوا ما يدرسون ويفهموا ما يتعلمون، وأن لا يكونوا رواة علم، بمعنى ناقلي العلم من دون أن يكون لهم أثرٌ به ورعاية له، وهذا المعنى نجده في قوله (عليه السلام): ((اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَة لاَ عَقْلَ رِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ))([6])، ثمَّ بعد ذلك كله على العالم أن يعمل بما تعلَّم، وقد شدَّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على هذا المبدأ وجعله أساسًا لكلِّ من يريد أن يرتقي بسلم العلم، بحيث لا يمكن أن يُسمَّى العالم عالمًاإلَّا إذا قرن علمه بعمله، وقد قال في هذا المعنى: ((علم بلا عمل كشجرٍ بلا ثمر))([7])، وقال (عليه السلام): ((علم بلا عمل كقوسٍ بلا وتر))([8]) .

وممَّا سبق يظهر أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حريصًا بشدَّة على دفع النَّاس نحو التعلم والسعي من أجله، وكذلك منبهًا ومرشدًا إلى ما يجب أن يكون عليه العلماء والمتعلمين؛ وكلُّ ذلك لما للعلم من أهميَّةٍ في بناء المجتمع ورقيه إلى مراتب الكمال العليا؛ بل هو خير الذخائر التي على الإنسان أن يعمل في سبيل الحفاظ عليها، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أفضَلُ الذَّخائِرِ: عِلمٌ يُعمَلُ بِهِ، ومَعروفٌ لا يُمَنُّ بِهِ))([9]) . وفي الختام نذكر حديثًا لأمير المؤمنين (عليه السلام) يُثني فيه على صنفٍ من العلماء يقول فيه: ((بخٍ بخٍ لعالمٍ علم فكف، وخاف البيات فأعدَّ واستعد، إن سُئل أفصح، وإن تُرك صمت، كلامه صواب، وسكوته عن غير عيٍّ جواب))([10]) . جعلنا الله وإيَّاكم من العلماء وممَّن يتحلون بهذه الصفات .

([1]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 494 .

([2]) عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: 328 .

([3]) عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: 375 .

([4]) العلم والحكمة في الكتاب والسنة، محمد الريشهري: 294 .

([5]) العلم والحكمة في الكتاب والسنة، محمد الريشهري: 249 .

([6]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 485 .

([7]) ميزان الحكمة، الريشهري: 4/2841 .

([8]) عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: 241 .

([9]) موسوعة العقائد الإسلامية، الريشهري: 2/40 .

([10]) تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ابن شعبة الحرَّاني: 91 .

: د. عمَّار حسن عبد الزهرة: : دار القرآن الكريم