هناك فرق واضح بين من (يوقت للظهور المقدس) وبين من (يراه قريبًا)، وقد نهت الأحاديث عن التوقيت، وحثت على أن الاعتقاد بأن يرى الإنسان ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) قريبًا، ومن هنا ترى بعض العلماء يفرقون بين الأمرين، كما جاء في بعض خطابات السيد محمد الصدر: (أنا لا ابشر بقرب الظهور، لا، وإنما توقع الظهور باستمرار يجب أن يكون موجودًا في قلب المؤمن) [الجمعة رقم (١٢)].
ونأتي هنا في ذكر الحكمة من النهي عن (التوقيت)، والحكمة أيضًا في أن يرى المؤمنون ظهوره (قريبًا) في البيان الآتي:
• الحكمة في النهي عن التوقيت:
إن الأسباب التي يظهر فيها الإمام المهدي (عليه السلام) هي أسباب طبيعية، وأنه لا بدَّ أن تتوفر قبل ظهوره عدد كاف من القادة بالإضافة إلى وجود الأنصار الذين يحقق بهم الانتصار، ولا يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) بقوة إعجازية دون تدخل بشري في تحقيق النصر.
وعلى هذا الأساس يكون خفاء وقت ظهوره من الحكم التي تحقق الغاية المذكورة لكي لا يجتمع عليه أعداؤه فيخططون لقتله وإجهاض نصره، وتوجد وجوه أخرى لحكمة النهي عن التوقيت ولكن هذه من أهمها، وفي هذا المجال يقول السيد محمد الصدر:
(إن تاريخ الظهور لو كان محددًا معروفًا لكان ذلك من أشد العوامل على فشل الثورة العالمية وفناء الدولة العادلة، فأنه يكفي أن يحتمل الأعداء ظهوره في ذلك التأريخ، ولو باعتقاد المسلمين ذلك، فيجتمعوا على قتله في أوّل أمره وقبل اتساع ملكه واستتباب أمره) [تاريخ ما بعد الظهور ص ٥٥].
• الحكمة في أن نراه قريبًا:
إن انتظار الإمام المهدي (عليه السلام) واستشعار قرب ظهوره من أهل الروابط التي لا تجعل المؤمن في يأس من إمام زمانه، ومعه لا يعمل ويجد ويجتهد ليكون من أنصاره وأعوانه كما حث على ذلك الأدعية الواردة في تربية المؤمنين في زمن الغيبة.
وفي هذا المجال روى النعماني في غيبته عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (هلكت المحاضير ونجى المقربون) [الغيبة للنعماني ج ١ ص ٢٠١]، وقد فسر المحاضير بالمستعجلين لظهوره، بينما المراد من نجاة المقربين، أي: الذين يتوقعون قرب ظهوره.
ويعلق الميرزا محمد تقي الأصفهاني عن فقرة (المقربون) بقوله: (إن الظاهر كون (المقربون) بكسر الراء يعني المؤمنين المنتظرين الذين يرون ظهوره (عليه السلام) قريبًا وينتظرونه دائمًا، ويؤيده ما ورد في دعاء العهد المروي عن الصادق (عليه السلام) إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا) [مكيال المكارم ج ٢ ص ١٤١].
وسبب في كون من يراه قريبًا من الناجين أنّه غير مقطوع الأمل من إمام زمانه، بخلاف الكثير ممن ينقلبون على عواقبهم ويأخذ منهم اليأس درجة أنهم يعتقدون بموت الإمام المهدي (عليه السلام)، كما جاء عن المفضل بن عمر قال:
(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أما والله ليغيبن إمامكم سنينًا من دهركم ولتمحصن حتى يقال: مات، قتل، هلك، بأي واد سلك؟ ولتدمعن عليه عيون المؤمنين) [الكافي ج ١ ص ٣٣٦].
ومن الواضح أن من يعتقد بموته هم من الشيعة خاصة؛ لأن الغالبية من العامة لا يرون أنّه ولد حتّى يكون قد قتل، مات، أو هلك، وإنما هم يؤمنون بأنّه يولد في آخر الزمان، ويكون بعمر طبيعي حين يظهر ويحقق الله تعالى على يده النصر.
أمّا الشيعة الذين تربطهم به علاقة الانتظار والترقب فقلوبهم تنبض بانتظاره ويتوقعون ظهوره في كل ساعة ولحظة ويرونه قريبًا، ولعل من هذا الباب ذكرت علامات كثيرة لساعة ظهوره؛ ليبقى الفرد المؤمن مراقبًا للعلامات تأنسه في انتظاره، وإن كانت الكثير من العلامات مشمولة لقانون البداء الاعتقادي.
اترك تعليق