روايات النهي عن الجهاد

قرأت اليوم في إحدى الصفحات (المنافقة) وهي تصدر الشهيد نصر الله بأنه من مفاخر الحوزة العلمية والوجه المشرق لها الأمر الذي جعلني أبحث في هذه الصفحة موقفها السابق خشة أن أكون متوهمًا من موقفهم السيء من السيد الأمين وخطه الجهادي! ولكن وجدت كلامهم فزال الشك الذي سببه عباراتهم المعسولة!

وكان من كلامهم السابق أن المنهج_العام في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بعد واقعة الطف هو السكون وعدم الجهاد، بل واتهام كل مجاهد على أنه متأثر بـ(الفكر الزيدي) وبعيد عن أهل البيت (عليهم السلام) وفي هذا المقام أحببت أن أذكر بعض الملاحظات على كلامهم.

• الملاحظة الأولى: تغييب الدور الجهادي لأهل البيت

هناك من يحاول تغييب دور أهل البيت (عليهم السلام) في ميادين الجهاد دفاعًا عن الإسلام الأمر الذي حدى ببعض المحققين كالسيد محمد رضا الحسيني الجلالي يكتب كتابين عن هذه الظاهرة أحدهما عن الإمام السجاد والآخر عن الإمام الكاظم (عليهما السلام).

إذ قال في هذا الصدد: (لقد فوجئت بأنّ عدة من الدارسين من هذا القبيل، اتفقوا -أو كادوا- على مقولة معينة في ما يرتبط بواقع الحركة السياسية في حياة الإمام السجاد (عليه السلام) فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن (الجهاد السياسي) ويُفرِّغون حياته من كلِّ أشكال العمل السياسي…

وزاد في تعميق المفاجأة: عندما وجدت هؤلاء -جميعاً- قد أغفلوا أمراً واحداً وهو تحديد (السياسة) التي ادعوا أن الإمام: (ابتعد عنها) أو (انصرف عنها) أو (زهد فيها) أو (لم يشارك فيها) أو (انعزل عن ساحتها) إلى غير ذلك من التعابير المختلفة… [ولكن] لاحظت أنّ المصادر القديمة والمتكفلة لذكر حياة الإمام (عليه السلام) تعطي -بوضوح- نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتَّاب)[1].

والذي ساهم في هذا التغييب لهذا الدور ليس المخالفين فحسب، بل بعض الشيعة الذين يؤمنون بالانتظار السلبي للإمام المهدي (عليه السلام) والذي يعني القعود عن أي عمل جهادي اتكالاً على الظهور المقدس مع أن هذا الفهم المغلوط لا يمت لأهل البيت (عليهم السلام) بصلة كما سياتي توضيحه إن شاء الله تعالى..

روايات النهي عن الجهاد

يذكر بعض من يتهم الخط المقاوم بـ(الزيدية) أنّ هناك روايات وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) تنهى عن الجهاد إلا مع إذن الإمام المعصوم (عليه السلام) وقبل التعرض لهذا الأخبار ننبه على عدة أمور أساسية في فهم الروايات:

الأمر_الأوّل: يمكن للعامي أن يخدع بأي رواية على أي مطلب كان، فيمكن نفي الاجتهاد والتقليد برواية، ويمكن نفي العصمة برواية، وهكذا يمكن نفي العديد من التفاصيل الثابتة بروايات عديدة، وذلك يرجع إلى جهتين:

الجهة_الأولى: عدم تمييز العامي للروايات الصحيحة من الضعيفة فيخلط الحابل بالنابل.

الجهة_الثانية: عدم فهم دلالة الروايات والقرائن الخارجية والداخلية التي تؤثر في فهم الرواية من الفهم البدوي إلى المعنى الحقيقي.

وبسبب جهل الناس بالجهتين المذكورتين وقعوا في الكثير من الضلالات من خلال فهمهم المغلوط للقرآن الكريم والسنة الشريفة ومن هنا ورد في بعض الأحاديث: (كونوا نقاد الكلام فكم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله، كما زخرف الدرهم من نحاس بالفضة المموهة، النظر إلى ذلك سواء، والبصراء به خبراء)[1].

وفيها دلالة عقلية حاصلها: كما أنك لا تعرف أن تميز الدرهم المغشوش من السليم إلا بالرجوع إلى الخبراء في الذهب والفضة، كذلك لا يمكن معرفة المطالب الدينية التي يستدلون عليها بالروايات والآيات إلا بالرجوع إلا الخبير بالكتاب والسنة لمعرفة قيمة استدلالات هؤلاء فربما كانت الآية أو الرواية بعيدة عن المطالب التي يستدلون بهما عليها.

الأمر_الثاني: ينبغي فهم السر وراء اشتراط الجهاد بـ(إذن الإمام) فماذا يعني هذا الشرط؟

الجواب: أن في الساحة السياسية في عصر كل إمام متغيرات كثيرة، وبعض الحروب تكون ظالمة وأخرى تكون حقة، وأفضل من يشخص أحقية الحرب هم الأئمة (عليهم السلام) ومن هنا صدرت منهم روايات تارة تمدح الجهاد وأخرى تؤكد على الجلوس في البيوت وعدم المشاركة في الحرب.

وعلى هذا الأساس لا يوجد المنهج_العام يحدد بالقعود عن الحرب على الدوام، كما لا يوجد منهج يحث على الثورية والجهاد دائمًا أيضًا، بل لكل حادث حديث، ومن يتمسك بروايات عن حادثة معينة ويريد تعميمها لكل زمان فهو واهم.

ومن هنا نجد السيد الخوئي يتعاطى مع هذه الروايات على هذا النحو فيقول عن الرواية التي تحث على الجلوس في البيوت وانتظار أمرهم (عليهم السلام) بأنها: (في مقام بيان الحكم الموقت لا الحكم الدائم بمعنى أنه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت_الخاص)[2].

فإذا وردت رواية من هذا القبيل لا ينبغي خداع الناس بها بأن الأئمة (عليهم السلام) ضد الجهاد، وإنما ينبغي دراستها بموضوعية تامة وبيان السبب الذي من أجله ورد النهي عن الجهاد، وهو في الغالب يرجع إلى واقعة شخصية مثل أن تكون الحرب آنذاك باطلة أو للدفاع عن باطل.

الأمر_الثالث: إن الدعوى التي يرددها بعضهم من أنّ المنهج_العام في عصر الإمامين الباقرين (عليهما السلام) هو الحث على التقية، بخلاف الأمر في زمن أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) الذين كانت لهم دعوات للجهاد، هذه الدعوى باطلة؛ لأن هناك روايات عديدة في باب الجهاد وردت عن الإمامين الباقرين (عليهم السلام) نذكر منها على سبيل المثال:

١ـ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من ترك الجهاد ألبسه الله عز وجل ذلاً وفقرًا في معيشته، ومحقًا في دينه، إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رمحها)[3].

٢ـ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من اغتاب مؤمنًا_غازيًا وأذاه أو خلفه في أهله بسوء نصب له يوم القيامة فيستغرق حسناته ثم يركس في النار إذا كان الغازي في طاعة الله عز وجل)[4].

٣ـ الرسالة المفصلة في بيان بعض أحكام الجهاد التي كتبها الإمام الباقر (عليه السلام) إلى بعض خلفاء بني أمية[5].

الهوامش:-----

1- جهاد الإمام السجاد ص ٩ - ١٢

2- بحار الانوار ج ٢ ص ٩٦

3- منهاج الصالحين ج ١ ص ٣٨٥

4- وسائل الشيعة ج ١٥ ص ١٠

5- وسائل الشيعة ج ١٥ ص ٢٣

6- وسائل الشيعة ج ١٥ ص ١٣

: الشيخ مصطفى محمد جاسم