معنى الآية هو أنَّه تعالى جعل جهنم للكافرين مَحبسًا وسجنًا، فكلمةُ حصير بناءً على ذلك وصفٌ لمقدَّرٍ وهو المكان، فجهنم قد جعلت مكانًا لحبس الكافرين وسجنهم، فكلمة حصير جاءت في الآية بمعنى اسم الفاعل حاصر من الحصر وهو المنع والحبس، فتكون على وزن شهيد بمعنى شاهد وعليم بمعنى عالم، وإنَّما صيغت على وزن فعيل للتعبير عن المبالغة، لأنَّ صيغة فعيل من صِيَغ المبالغة، وقد تكون كلمة حصير هي بنفسها اسم لموضع الحصر والحبس فلا تكون ثمة حاجة إلى تقدير المكان فيكون مفاد الآية هو أنَّه تعالى جعل جهنَّم سجنًا لأنَّ كلمة حصير اسم مرادف لكلمة سجن و محبس.
وهناك معنًى آخر لكلمة حصير مستعمل عند العرب قد يكون هو المراد في الآية المباركة، وهو أنَّ الحصير اسم للبساط والفراش الذي يفرشه الإنسان ليجلس أو ينام عليه، وعليه يكون معنى الآية أنَّ الله تعالى جعل جهنَّم فراشًا ومِهادًا للكافرين أي موضعًا لجلوسهم وإضجاعهم كما في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾(2) وفي ذلك تعبيرٌ عن إحاطة العذاب وشدَّته، إذ أنَّهم يكتوُون بالنار من تحتِهم كما هي مِن فوقهم وعن أيمانِهم وشمائلِهم كما أن ذلك إشارة إلى أنَّ العذاب مستوعب لتمام أحوالهم فهم يتقلبون فيه قيامًا وقعودًا وعلى جوانبهم وحال إضجاعهم أعاذنا الله وإياكم من سخط الله جلَّ وعلا.
ثم إنَّ في توصيفِ جهنَّمَ بالحصير -بناءً على المعنى الثاني- تهكمًا بالكافرين، فالحصيرُ إنَّما يُفرشُ على الأرض للتبرُّد وليُتَّقى به من حرارة الرمضاء أو قساوة صخورها أو ما يدبُّ عليها من الهوام، فمثل ذلك هو ما يُنتظر من فرش الحصير، أما أن تفرش الأرض بالجمر الملتهب ويعبَّر عن ذلك بالحصير فذلك من التّهكُّم بمن فرشت له فيكون مساق الآية هو مساق قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾(3) فالمُهل الذي يشوي الوجوه لا يكون غياثًا للظمآن إلّا على سبيل التّهكُّم.
1- سورة الإسراء آية رقم 8.
2- سورة الأعراف آية رقم 41.
3- سورة الكهف آية رقم 29.
--------------------------------------
الشيخ محمد صنقور
اترك تعليق