الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
منذُ انطلاق الشرارة الأولى في أوَّل مواجهةٍ بين إبليس وآدم (عليه السلام)، عندما امتنع إبليسُ عن السجود لخليفة الله تعالى في الأرض آدم (عليه السلام)، ورفض أن يمتثل لأمر الله تعالى تكبُّرًا وحسدًا وعتوًّا عن أمره تعالى، ومن هناك بدأت المواجهة بين إبليس وأنصاره، وبين آدم وذريَّته من البشر، وهذا الصِّراع باقٍ مستمر؛ ولكنَّه محدَّد بأجلٍ معيَّن، إذ لابُدَّ أن تنتهي تلك المواجهة لصالح آدم وولده بعد أن أصرَّ إبليس على طُغيانه، ومن هنا ينبثق سؤال فحواه: متى تنتهي هذه المواجهة؟
وفي الإجابة عن هذا السؤال نستحضر النَّص القرآني الذي تكلَّم عن حادثة المواجهة وخصوصًا إصدار الحكم الإلهي على إبليس بعد رفضه للسجود فقال تعالى: ((يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)) [ص: 75 – 85]
فإبليس طلب من الله تعالى أن ينظره إلى يوم البعث، وهو اليوم الذي يجمع الله تعالى فيه العباد للحساب، وقد أنظره الله تعالى إكرامًا لما سبق له من العبادة له سُبحانه، وقد ذكر هذا المعنى الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: ((إنَّ إبليس عبد الله في السماء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة، وكان من إنظار الله إياه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة))([1]) . ولكن يجب الانتباه إلى أنَّ الله تعالى لم يُجب إبليس إلى ما أراد من إنظاره إلى يوم البعث؛ بل أجابه بالإنظار إلى يوم الوقت المعلوم، وهنا يجب أن نعرف ماهية ذلك اليوم، فهل هو يوم القيامة أم يوم غيره، وإذا كان يوم القيامة فلماذا قيَّده الباري بالوقت المعلوم؟
وهذه التساؤلات يُجيبنا عليها أهل البيت (عليهم السلام) برواياتٍ متعدِّدةٍ منها:
ما ورد عن ((وهب بن جميع، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس، قوله: ﴿ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ أي يوم هو ؟ .
قال: يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله تعالى الناس ؟ لا، ولكن الله (عزَّ وجلَّ) أنظره إلى يوم يبعث الله (عز وجل) قائمنا، فإذا بعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا، فيأخذ بناصيته، ويضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم))([2]) . وفي روايةٍ أُخرى عن الرِّضا (عليه السلام) قال: ((لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن
أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية . فقيل له : يا ابن رسول الله إلى متى ؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت))([3]) .
إذن تنتهي المواجهة بين إبليس وبين بني آدم في يوم الوقت المعلوم، وهو اليوم الذي يظهر فيه المنتظر الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وفي ذلك اليوم تتحقق دولة العدل الإلهي، فيُسحق الظلم ويسود العدل ويسمو الإنسان إلى الكمال المنشود، وهنا لابدَّ من إزالة إبليس من الوجود؛ لأنَّه رمز الظلم والحسد والتكبُّر والعصيان وكل الموبقات، ولا مكان لكلِّ ذلك في دولة المهدي المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه) . أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممَّن يشهد يوم الوقت المعلوم يوم انتصار ولد آدم (عليه السلام) على إبليس وجنده .
([1]) تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي (ت: 320 هـ): 2/242 .
([2]) دلائل الامامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (ت: ق4): 453 .
([3]) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق (ت: 381 هـ): 371
اترك تعليق