ليلة القدر قلب الزمان

يعدُّ شهر رمضان من الأزمنة التي شرفها الله وقدسها وبارك فيها، فقد جعله الله من أفضل الشهور وأنزل فيه كتابه قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...}[1]، فقد خصص الشهر بإنزال القرآن فيه وكونه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، هذا وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضيلة شهر رمضان ومزاياه بما رواه عَنْه أَبِو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام، عن آبائه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قَالَ:  (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم خطبنا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، شَهْرُ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرُ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحُ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةُ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولُ وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابُ)[2]، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (لَوْ يَعْلَمُ الْعَبْدُ مَا فِي رَمَضَانَ لَوَدَّ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ السَّنَةَ)[3].

  شهر رمضان سيد الشهور وبما أنَّ أيامه أفضل الأيام فقد كانت ليلة القدر من أفضل الليالي، إذ تعتبر ليلة القدر من الليالي العظيمة التي تميزت عن غيرها من ليالي شهر رمضان، وقد خصها وشرفها وقدسها الله حيث قال سبحانه في حقها:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[4]، فهي ليلة التي قدَّر الله فيها كلَّ شيء، وجعلها أفضل من ثمانين عاماً ليس فيها ذلك الشهر.

لقد جعل الله ليلة القدر المباركة في العشر الأواخر من شهر رمضان، وهي قلب شهر رمضان وركن وثيق فيه، هي المحور والقطب والمركز لهذا الشهر والتي جاءت الآيات والروايات العديدة في بيان فضلها على سائر الليالي الأخرى في الشهر، وسيأتي بيان كلَّ ذلك ضمن البحث.

سبب التسمية بليلة القدر

 وفي سبب تسميتها بليلة القدر أسباب عدَّة منها:

السبب الأول: أنَّها الليلة التي قدرت فيها ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده عليه السلام، فقد روى الأصبغ ابْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ لِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم: (يَا عَلِيُّ أَتَدْرِي مَا مَعْنَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ فَقُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم . فَقَالَ صلى الله عليه واله وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّرَ فِيهَا مَا هُوَ كَائِنُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكَانَ فِيمَا قَدَّرَ عَزَّ وَجَلٍ وَلَايَتِكَ وَوَلَايَةِ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)[5].

السبب الثاني: أنَّها الليلة التي يحكم الله فيها ويقدر ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كلِّ أمر فتقدر فيها الأرزاق والآجال، فقد قال سبحانه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[6].

السبب الثالث: نابع من معنى الضيق وعدم السعة، فإنَّ ليلة القدر هي ليلة تضيق الأرض فيها بملائكة الرحمة، نتيجة كثرة أنواع وألوان الملائكة الذين ينزلون فيها، من كروبيين ومسبحين وروحانيين، قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[7].

السبب الرابع: سميت بذلك لأنَّها ليلة ذات قدر وشأنٍ عظيم عند الله تبارك وتعالى، فقد قال الله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}[8].

السبب الخامس: إنَّها الليلة التي من أحياها نال قدراً ومنزلة.

السبب السادس: أنَّها الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، وبما أنَّ القرآن ذو قدر كبير وشأن عظيم فسميت بذلك.

دفع شبهة أنَّ التقدير منافي للعمل

قد يسأل سائل أليس الله مقدراً لأمور العباد من قبل فما هو دخل أعمال المكلف بالتقدير؟ وهل يغير شيء ممّا قدِّر له؟ ويمكن أن يجاب على ذلك بعدّة وجوه:

الوجه الأول: إنّ التقدير الإلهي موجود لكلِّ موجود ولكن لا بُدَّ للعبد من أعمال لينال ما قُدِّر له، وتلك الأعمال هي العلامة لجريان التقدير ضمن المحدد الذي جعله الله؛ فالمؤمن قدّر الله له الجنة ومتى ما كنت مؤمناً تدخل ضمن ذلك التقدير.

الوجه الثاني: أنَّ التقدير بحسب قابلية المكلف فإن كانت القابلية متدنية فله تقدير مخصص لا يتعداه وإن كانت عالية فله مستوى آخر، ويمكن أن يضيف في تقديره إلاَّ أنَّ هذه الاضافة ضمن القوانين التي قدرها الله لبلوغ مراتب عليا للفرد.

الوجه الثالث: يمكن أن يشمل التقدير بالبداء، إلا أنّ لحصول البداء أعمال لا بُدَّ منها وتعدُّ كمقدمة وأسباب وشروط للتحقق، ومن تلك المقدمات أحياء ليلة القدر.

الوجه الرابع: هنالك لوحان لوح المحو والأثبات واللوح المحفوظ والتغيير من قبل المكلف يحصل في لوح المحو والأثبات دون الثاني؛ فهو يتغير بحسب اقبال العبد وادباره. أمّا اللوح المحفوظ فهو تحت قدرة الله.

الأعمال المستحبة في ليلة القدر:

روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: قَالَ مُوسَى عليه السلام: (إِلَهِي أُرِيدُ قُرْبَكَ، قَالَ: قُرْبِي لِمَنِ يَسْتَيْقِظَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، قَالَ: إِلَهِي أُرِيدُ رَحْمَتِكَ، قَالَ: رَحْمَتِي لِمَنْ رَحِمَ الْمَسَاكِينَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، قَالَ: إِلَهِي أُرِيدُ الْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ، قَالَ: ذَلِكَ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قال: إِلَهِي أُرِيدُ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ وَثِمَارِهَا، قَالَ: ذَلِكَ لِمَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: إِلَهِي أُرِيدُ النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: ذَلِكَ لِمَنِ اسْتَغْفَرَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: إِلَهِي أُرِيدُ رِضَاكَ، قَالَ : رِضَايَ لِمَنْ صلى رَكْعَتَيْنِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[9].

لليلة القدر أعمال وهي على نوعين أعمال عامة تعم جميع ليالي القدر، وأعمال خاصة يؤتى بها لخصوص كلِّ ليلة من هذه الليال الثلاث وسنقتصر على ذكر فضل الليلة الأخيرة لسببين:

1.لانقضاء الليلتين السابقتين ولم يبقَ لدينا إلا الليلة الأخيرة.

2.لترجيح وقوعها في هذه الليلة أي ليلة ثلاث وعشرين.

الأعمال العامة لليالي القدر:

الأول: الغسل، فعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام: (مَنِ اغْتَسَلَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَأَحْيَاهَا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ)[10].

الثّاني: الصّلاة ركعتان يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التّوحيد سبع مرّات ويقول بعد الفراغ سبعين مرّة اَسْتَغْفِرُ اللهَ واَتُوبُ اِلَيْهِ وفي النّبوي:  (لَا يَقُومُ مِنْ مَقَامِهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ، وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً يَكْتُبُونَ لَهُ الْحَسَنَاتِ إِلَى سَنَةٍ أُخْرَى، وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً إِلَى الْجِنَانِ يَغْرِسُونَ لَهُ الْأَشْجَارَ، وَيَبْنُونَ لَهُ الْقُصُورَ، وَيُجْرُونَ لَهُ الْأَنْهَارَ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ)[11].

الثّالث: دعاء أخذ المصحف فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: (تَأْخُذُ الْمُصْحَفَ فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَتَنْشُرُهُ وَ تَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكِتَابِكَ الْمُنْزَلِ، وَمَا فِيهِ وَفِيهِ اسْمُكَ الْأَكْبَرُ، وَأَسْمَاؤُكَ الْحُسْنَى، وَمَا يُخَافُ وَيُرْجَى، أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ وَتَدْعُو بِمَا بدالك مِنْ حَاجَةٍ)[12].

الرّابع: خذ المُصحف فدعه على رأسك وقُل:  (أَللّـهُمَّ بِحَقِّ هذَا الْقُرْآنِ، وَبِحَقِّ مَنْ اَرْسَلْتَهُ بِهِ، وَبِحَقِّ كُلِّ مُؤْمِن مَدَحْتَهُ فيهِ، وَبِحَقِّكَ عَلَيْهِمْ، فَلا اَحَدَ اَعْرَفُ بِحَقِّكَ مِنْكَ ثمَّ قُل عَشر مرّات بِكَ يا اَللهُ وعَشر مرّات بِمُحَمَّد وعَشر مرّات بِعَليٍّ وعَشر مرّات بِفاطِمَةَ عَشر مرّات بِالْحَسَنِ وعَشر مرّات بِالْحُسَيْنِ وعَشر مرّات بِعَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ وعَشر مرّات بُمَحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وعَشر مرّات بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد وعَشر مرّات بِمُوسَى بْنِ جَعْفَر وعَشر مرّات بِعَلِيِّ بْنِ مُوسى وعَشر مرّات بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وعَشر مرّات بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد وعَشر مرّات بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وعَشر مرّات بِالْحُجَّةِ وتسأل حاجتك)[13].

الخامس: زيارة الحسين عليه السلام ففي الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:  (إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَفْرُقُ اللَّهُ فِيهَا كُلَّ أَمْرٍ حَكِيمٍ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِمَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام)[14].

السّادس: احياء هذه اللّيالي الثّلاثة ففي الحديث عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ حُوِّلَ عَنْهُ الْعَذَابُ إِلَى السَّنَةِ القَابِلَةِ)[15]، بل في حديث آخر عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ آبَائِهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرِ الْبَاقِرُ عليه السلام:  (مِنْ أَحَيِّا لَيْلَةَ الْقَدْرِ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ. وَلَوْ كَانَتْ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ وَمَثَاقِيلِ الْجِبَالِ وَمَكَايِيلِ الْبِحَارِ)[16].

السّابع: الصّلاة مائة ركعة فإنّها ذات فضل كثير، والافضل أن يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التّوحيد عشر مرّات.

الثامن: قراءة دعاء الافتتاح.

التاسع: الصدقة ومن عظيم فضلها يتمنى الميت أن يرجع ليصدق في الحياة الدنيا، قال تعالى: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}[17].

العاشر: الاستغفار، وهو الأمان الذي جعله الله لأمة النبي صلى الله عليه واله وسلم فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[18].

 الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم ، فقد وردت مزايا كثيرة في فضل الصلاة على النبي وآله، وهي من الأعمال التي تمحو السيئات وتثبت حسنات وترفع درجات، فالأعمال بعضها يمحو السيئات، وبعضها يكسب الحسنات، وبعضها يرفع الدرجات، إلا أنَّ الصلاة كانت جامعة لهذه الأمور الثلاث.

الثاني عشر: تسبيح السيدة الزهراء عليه السلام، حيث بيّنت الروايات العديدة عظيم فضل تسبيح السيدة الزهراء عليها السلام.

الثالث عشر: الدعاء ولا يرد فيها الدعاء الَّا لأربعة أشخاص فقد روي أنه لا يُرّد في تلك الليلة دعاء أحد إلَّا دعاء: عاق الوالدين، وقاطع رحم ماسّة، وشارب الخمر، ومن كان في قلبه عداوة مؤمن. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنَّه قال: (فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ جَبْرَئِيلَ عليه السلام فَهَبَطَ فِي كَتِيبَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ لِوَاءُ أَخْضَرُ، فَيَرْكُزُ اللِّوَاءَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جُنَاحُ، مِنْهَا جَنَاحَانِ لَا يَنْشُرُهُمَا إِلَّا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَنْشُرُهُمَا تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَيُجَاوِزَانِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبِ، وَيَبُثُّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام الْمَلَائِكَةَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ وَذَاكِرٍ، وَيُصَافِحُونَهُمْ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ.

فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى جَبْرَئِيلُ عليه السلام: يَا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ الرَّحِيلَ الرَّحِيلَ، فَيَقُولُونَ: يَا جَبْرَئِيلُ فماذا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَوَائِجِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَظَرَ إِلَيْهِمْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَعَفَا عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةً، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم : وَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْقَاطِعُ الرَّحِمِ، وَ الْمُشَاحِنُ)[19]. ويدلُّ الحديث على عدم الغفران والعفو وعدم قضاء الحوائج واستجابة الدعاء من خلال سؤال الملائكة فما فعل الله بحوائج المؤمنين.

الأعمال الخاصة بالليلة الثالثة والعشرين:

الأول: أنَّه يستحب فيها غسلان مؤكدان في أول الليل وآخره.

الثاني: قراءة سورتي الروم والعنكبوت، فعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ:  (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: فَهُوَ - وَاللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ - مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لَا أَسْتَثْنِي فِيهِ أَبَداً، وَلَا أَخَافُ أَنْ يَكْتُبَ اللَّهُ عَلَيَّ فِي يَمِينِي إِثْماً، وَإِنَّ لِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ مِنَ اللَّهِ مَكَاناً)[20].

الثالث: قراءة سورة الدخان.

الرابع: قراءة سورة القدر ألف مرّة.

الخامس: أن تكرر في هذه الليلة بل في جميع الأوقات دعاء: اللّهم كن لوليّك الحجّة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعةِ وفي كلّ ساعةٍ وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تُسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً.

تعيين ليلة القدر عند الشيعة:

المرتكز عند شيعة أهل البيت عليه السلام أنَّها مرددة بين ثلاث ليال، والأكثر أنَّها مرددة بين ليلة أحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وهنالك روايات تدلُّ على أنَّها ليلة ثلاث وعشرين.

عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ: (مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ صلى فِيهِ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَكَفَاهُ أَمْرَ مَنْ يُعَادِيهِ، وَأَعَاذَهُ مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَالسَّرَقِ وَمِنْ شَرِّ السِّبَاعِ، وَدَفَعَ عَنْهُ هَوْلَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ نُورُ يَتَلَأْلَأُ لِأَهْلِ الْجَمْعِ، وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُكْتَبُ لَهُ بَرَاءَةُ مِنَ النَّارِ، وَجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَأَمَانُ مِنَ الْعَذَابِ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَيُجْعَلُ فِيهَا مِنْ رُفَقَاءِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)[21].

عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: إِنَّ الْجُهَنِيَّ أُتِيَ النبي صلى الله عليه واله وسلم فَقَالَ:  (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِبِلًا وَغَنَماً وَغَلَّةً فَأُحِبُّ أَنْ تَأْمُرَنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه واله وسلم فَسَارَّهُ فِي أُذُنِهِ، فَكَانَ الْجُهَنِيُّ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ دَخَلَ بإبلِهِ وَغَنَمِهِ وَأَهْلِهِ إِلَى مَكَانِهِ)[22].

وَعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكَ بِهَا لَا أُغْمِي عَلَيْكَ، هِيَ لَيْلَةُ أَوَّلِ السَّبْعِ، وَقَدْ كَانَتْ تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ)[23]. ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ وَهِشَامٍ وَحَفْصٍ قَالُوا: (مَرِضَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَرَضاً شَدِيداً فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَمَرَ مَوَالِيَهُ فَحَمَلُوهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَكَانَ فِيهِ لَيْلَتِهِ)[24].

عَنْ الرضا عليه السلام قَالَ: (كَانَ علي عليه السلام لَا يَنَامُ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَيْلَةَ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَفِيهَا تُقَسَّمُ الْأَرْزَاقُ وَالْآجَالُ وَمَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ)[25].

علامات ليلة القدر:

ورد في الروايات ذكر عدة علامات هي:

1- أن يطيب ريحها.

2- وتكون في البرد ليلة دافئة، وفي الحر باردة.

3- ليلة مضيئة ترى نجومها بوضوح.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا عليها السلام قَالَ:  (سَأَلْتُهُ عَنْ عَلَامَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ: عَلَامَتُهَا أَنْ تَطِيبَ رِيحُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي بَرْدٍ دَفِئَتْ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَرٍّ بَرَدَتْ، فَطَابَتْ)[26].

وعن عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: (أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهَا لَا يَنْبَحُ فِيهَا كَلْبُ، فَبِأَيِّ شيء تَعْرِفُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَتْ فِي حَرٍّ كَانَتْ بَارِدَةٍ طَيِّبَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي شِتَاءٍ كَانَتْ دفيئة لَيِّنَةٍ)[27].

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:(فِي الشِّتَاءِ تَكُونُ دفيئة، وَفِي الصَّيْفِ تَكُونُ رِيحُهُ طَيِّبَةٍ)[28].

وعَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عليه السلام قَالَ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ بلجة، لَا حَارَّةٍ وَلَا بَارِدَةُ، وَنُجُومِها كَالشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ)[29].

وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنَّه قال: (ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ)[30].

 

الهوامش:---------------------------------

(1) سورة البقرة, آية:.185.

(2)العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٣ ص ٣٥٦.

(3)الشيخ محمد الريشهري, ميزان الحكمة ج ٢ ص ١١١٦.

(4) سورة القدر, آية: 3.

(5)العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٤ ص18.

(6)سورة الدخان, آية: 4 .

(7)سورة القدر, آية: 4.

(8)سورة الدخان, آية : 3.

(9) السيد ابن طاووس, إقبال الأعمال ج ١ ص ٣٤٥.

(10) الشيخ الحر العاملي, وسائل الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٨.

(11) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٥ ص145.

(12)المصدر نفسه, ص146.

(13) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٥ ص147.

(14) الشيخ الحر العاملي, وسائل الشيعة ج ١٤ ص ٤٧5.

(15) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٥ ص ١٤٥.

(16) الشيخ الحر العاملي, وسائل الشيعة ج ١٠ ص358.

(17) سورة المنافقون, آية:10.

(18) سورة الأنفال, آية: 33.

 (19)الشيخ المفيد, الأمالي ص٢٣١.

 (20) الشيخ الحر العاملي, وسائل الشيعة ج ١٠ ص ٣٦١.

 (21) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٥ ص ١٦٨.

 (22) المصدر السابق, 359.

 (23) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٤ ص24.

 (24) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٥ ص ١٦٩.

 (25) الشيخ الحر العاملي, وسائل الشيعة ج ٥ ص٢٤١.

 (26) الشيخ الكليني, الكافي ج ٤ ص ١٥٧.

 (27) السيد ابن طاووس, إقبال الأعمال ج ١ ص ١٥٢.

 (28) المصدر نفسه, ص ١٥3.

 (29) المصدر نفسه.

 (30) المحدث الألباني, الصحيح الجامع ص5475.

المرفقات

: الشيخ أمجد سعيد اللامي