العامل السياسي لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) .. الجزء الأول النظام والجذور

ما هي السياسة ؟ وكيف نقرأ التاريخ السياسي ؟ وما الغاية من قراءته ؟ وما الفائدة التي تصبّ في واقعنا من قراءته ؟ وكيف نحكم على الشخصيات السياسية التاريخية بالسلب والايجاب ؟ وهل هناك آلية معينة لاستخراج الحكم من حوادث التاريخ ومراحله ؟ وكيف نقيِّم المرحلة التاريخية من خلال ما طغت عليها من حركات فكرية واقتصادية وسياسية ومذهبية ؟

كل هذه المواضيع التي اجتمعت في هذا (البحث) الشائك والحساس يطرحه الشيخ العلامة والمحقق والمفكر الأستاذ محمد صادق الكرباسي في رائعة أخرى من روائعه وهو الجزء الأول من كتاب العامل السياسي لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) المنضوي تحت العنوان الكبير لـ (دائرة المعارف الحسينية).

يطرح الكرباسي في (التقدمة) شرحاً لسايكولوجيا الأشخاص ومدى تأثيراتها على ممارساتهم وسلوكياتهم والتي تترتب عليها الإدانة أو الإشادة، (وهذه السلوكيات إذا ما أنيطت بقائد مسيرة أو نظام هي التي يعبر عنها بالسياسة)، بهذا التعريف يدخل الكرباسي بحوثه لكي يصل إلى الغاية فـ (يعرض هذه الفكرة من خلال هذه السلوكيات لعهود متتالية يمكن معها فهم الواقع الذي وصلت إليه الأمة في عهد يزيد والحسين إذ بدون عرض هذا المسلسل لا يمكن فهم المعطيات والنتائج).

يبدو أننا يجب أن نلتفت إلى سؤال مهم يثيره الكرباسي وهو: هل يمكن أن نثق أو نعتمد على ما قاله المؤرخون القدامى حول الأحداث والشخصيات التاريخية ونسلم بها أم هناك رأي آخر ؟

وبما إن مخاض البحث التاريخي وتأثيره على الواقع يقتضي منا أن نعي المراحل التاريخية وجوانبها بدقة وعلى ضوء الحقيقة بمنأى عن الصورة الواقعة تحت التأثيرات الايديولوجية والسياسية، فينبغي إذا إن نزيل الغبار عن كثير من الحقائق التي تتضح على ضوئها الصورة الحقيقية للتاريخ، وهذا ما يطمح إليه الكرباسي من خلال بحثه فهو يدعو القارئ إلى المسح الجذري لكل ما علق بذهنه من معلومات رسختها الطائفية ويطلب منه: (أن يجرد نفسه عن كل ما يحمله من عواطف وانتماءات، بل ويترك ما لديه من المعلومات المخزونة جانبا ويندمج بالبحث العلمي البناء، ويحكم عقله وضميره دون أن تأخذه في فهم الواقع لومة لائم، بل يفرض نفسه تارة مع التيار الموافق للفكرة، وأخرى مع التيار المعارض ويناقش عقله ونفسه، ولا يدع لأي مصدر لا يوثق به بالمعنى الرجالي، أو بالمعنى العقلي، أو بالمعنى الذي يتعارف عليه لدى النقاش الحضاري من أخذ الكلام من الخصم السياسي والمعارض الفكري لإثبات المدعى كحد أدنى، وينسى بالفعل أنه من إحدى الطوائف الإسلامية، بل ويتخلى عن الملل الأخرى أيضا ليكون الإنسان المجرد والمثل الأعلى الذي لا يتأثر بالرواسب التاريخية والعقائدية والممارسات والسياسات المفروضة عليه من هنا وهناك)

إن التجريد من التبعية المذهبية والانسلاخ عن كل ما تلقاه الانسان خلال حياته هو ما دعا إليه القرآن، ولكن بشرط اللجوء إلى العقل، فالعقل في أكمل أوجهه وأتم صوره هو الدين والخير والطريق القويم، وبه ميز الله الإنسان عن سائر مخلوقاته، ودعاه إلى التمييز به بين عبادته والخضوع لجلاله وعظمته التي تجلت في آياته وبين عبادة الأصنام المصنوعة من أيدي البشر، ومن هذا المنطلق يبدأ الكرباسي بحثه بدعوة الجميع (لدراسة الشخصيات التاريخية بشكل بناء وموضوعي بغض النظر عن الاتجاهات التي دارت حولهم أو الانتماءات التي فرقت الأمة إلى فرق وطوائف) 

في (السياسة والفطرة) يضع الكرباسي للسياسة مفهومها العام، وفي (تعريفها) يناقش مختلف الآراء فيها ويتخلص إلى أحسن التعاريف وهو (تدبير أمور الدولة) أو (فن الحكم وإدارة أعمال الدولة الداخلية والخارجية وتدبير المعاش على سنن العدل والاستقامة)، إذن فهي مهمة تلقى على عاتق شخص أو نظام يجب أن تؤدى من قبله بهذا الشكل، أما إذا خرجت من هذا الإطار فلا تسمى سياسة، ومن (الخطأ الرائج في هذه الأيام أن يقال سياسة التعسف أو سياسة القمع أو الانفتاح، لأن حقيقة السياسة هو تدبير الأمور بالشكل الأحسن ولا معنى لإعطاء صفة سلبية أو إيجابية لها)

أما (محور السياسة) فيتمثل بالعناصر الأربعة: النظام والسلطة والإنسان والأرض وتقوم السلطة على مبدأ (التشريع) الذي يتم وفق مبدأين هما (الانتخاب والإله) وبما أن الأول لا يمكن أن يلبي مصالح البشرية وهو يتغير حسب الأمزجة والميول والتوجهات فيبقى (الحل الثاني المرتبط بالسماء هو الأفضل) وهو ما ينطبق على (التشريع الإسلامي) المتمثل بالعقيدة والنظام الذي يلبي طموحات المجتمع بكل شرائحه ومراحله.

فالنظام الإسلامي المتمثل بالقرآن الكريم والسنة الشريفة ضم في تشريعاته كل ما يتصل بالإنسان وفي جميع مراحل حياته من أمور, ولم تقتصر تشريعاته على فترة من الزمن أو ظرف معين كحال القوانين الوضعية التي تفرزها الأهواء والأمزجة والظروف الراهنة, بل إنه تكفل بعلاج كل العلل التي تعترض طريق الإنسان في أمور دينه ودنياه.

هذا القراءة الملخصة ــ التي نتمنى أن نتعرف أكثر على ما طرحه الكرباسي من جذور وفروع الأنظمة التي حكمت في مراحل التاريخ لولا ضيق الوقت ــ تمثل تعريفا أو إشارة إلى هذا الكتاب الذي لا يستغني عنه الباحث والدارس في مجال التاريخ ومراحله.

كاتب : محمد طاهر الصفار