قراءة في كتاب الصحيفة الحسينية الكاملة.. الجزء الثاني للشيخ الكرباسي

اللهم إنك أنت الملك المتعزّز بالكبرياء، المتفرّد بالبقاء، الحي القيوم، المقتدر القهار، الذي لا إله إلا أنت، أنا عبدك وأنت ربي، ظلمت نفسي، واعترفت بإساءتي، وأستغفر إليك من ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم إني وفلان بن فلان عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرنا وعلانيتنا، وتطلع على نياتنا، وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، لا ينطوي عنك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا مهرب لنا يفوتك منا، ولا يمنع الظالم منك بسلطانه وحصونه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولا يغالبك مغالب بمنعة، ولا يعازك متعزز بكثرة، أنت مدركه أين ما سلك، وقادر عليه أين لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك، وتوكل المقهور منا عليك، ورجوعه إليك، يستغيث بك إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك إذا غلقت دونه الأبواب المرتجة، يصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حل به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعاً بصيراً عليماً لطيفاً قديراً خبيراً....

يعود المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي كما في كل مرة وفي جعبته كنوزاً من المعلومات، كما يعود البحار إلى مدينته ليقص عليهم ما رآه في مغامراته من أحداث ويستخرج لهم ما تحصّل عليه من اللآلئ والمرجان.

ها هو يعود في جزئه الثاني من الصحيفة الحسينية الكاملة، وهو الجزء الرابع والثلاثون من موسوعته الكبيرة دائرة المعارف الحسينية، ومعه نفحات عبقة من أدعية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) كاشفاً عن كنوزها اللغوية والمعرفية من خلال شروحه وتعليقاته واستنتاجاته وتحقيقاته في مصادر الدعاء.

في الجزء الأول ذكر الكرباسي بعضاً من الأدعية الحسينية معزّزة بالشروح، وفي هذا الجزء يُكمل ما بدأه في الجزء الأول فيبدأ من حيث انتهى، فيذكر ملحق دعاء عرفة، وقد ورد هذا الدعاء في كتاب الإقبال لابن طاووس ومناقشة مصادره ونسبته ومقارنته مع كلام المعصوم.

ثم يتناول دعاء المظلوم الذي ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) عن آبائه عن الإمام الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) والذي ذكرنا قطعة منه في بداية الموضوع، وكان هذا الدعاء سبباً في هلاك المتوكل العباسي، حيث جاء فيه: إنه عليه السلام عاد إلى داره من مجلس المتوكل فرجع إلى كنوز توارثها من آبائه فوجد فيها هذا الدعاء فدعا به على المتوكل فأهلكه الله.

ومما ورد في هذا الدعاء قوله عليه السلام: (إني أسألك يا ناصر المظلومين، المبغي عليهم إجابة دعوتي، فصل على محمد وآل محمد، وخذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وافضض عنه جموعه وأعوانه، ومزق ملكه كل ممزق، وفرق أنصاره كل مفرق، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبرِه يا مبير الأمم الظالمة الطاغية...

أما دعاء العشرات فيرجّح الكرباسي ــ بعد أن يعرض مصادر ذكره ــ بأنه لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد علمه لولده الحسين (عليه السلام)، ثم يتناول دعاء الاستجابة، والاحتجاب والذي ورد مع الحجب المروية عن النبي والأئمة التي احتجبوا بها ممن أراد الإساءة إليهم، ثم دعاء القنوت الأول، والثاني، ودعاء الشدة الذي هو آخر دعاء دعا به (عليه السلام) يوم عاشوراء عندما احاط به الجيش الأموي، فرفع طرفه إلى السماء وقال:

اللهم أنت متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شكرت، ذكور إذا ذكرت، أدعوك محتاجا، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً وأبكي مكروباً، وأستعين ضعيفاً وأتوكل عليك كافياً، اللهم أحكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد نبيك محمد صلى الله عليه وآله الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا برحمتك يا أرحم الراحمين صبرا على قضائك يا رب، لا إله سواك، يا غياث المستغيثين مالي رب سواك، ولا معبود غيرك، صبرا على حكمك يا غياث من لا غياث له، يا دائما لا نفاد له، يا محيي الموتى، يا قائما على كل نفس بما كسبت، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين.

وبعد أن يستغرق الكرباسي في شرح هذا الدعاء يتناول دعاء الاستسقاء الأول الذي كان في الكوفة على عهد أمير المؤمنين، والثاني، والتسبيح، والصباح والمساء، الذي كان عليه السلام يدعو به إذا أصبح وأمسى، والتوفيق، والثقة الذي دعا به يوم عاشوراء.

كما اقتطع الكرباسي كل ما له علاقة بالدعاء من خطب الإمام الحسين ومن ذلك الخطبة التي خطبها بعد وفاة أخيه الحسن (عليه السلام)

وهكذا يسترسل الكرباسي في شرح أدعية الإمام الحسين في شتى المواضيع ومنها دعاؤه لأصحابه، وعدواته على الظالمين من أعدائه والتي وردت في المقاتل.

لقد استوفى الكرباسي في هذا الجزء شروح وأسانيد ومصادر كل ما جاء ذكره تحت عنوان أدعية الإمام الحسين في شتى مواضيع الدعاء ليضم سفر هذه الرحلة إلى سجل رحلاته في رحاب السيرة الحسينية المقدسة  

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار