السيرة الحسينية .. الجزء الثاني عوداً على بدء

عوداً على بدء يواكب العلامة الشيخ الأستاذ محمد صادق الكرباسي المسيرة الحسينية وأصداءها بجميع جوانبها الإنسانية والتاريخية والأدبية مسجلاً أحداثها موثقاً تفاصيلها مكباً على سبر غور حقائقها ونشر الأفكار والمبادئ السامية والأهداف المقدسة التي قام من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته العظيمة.

لقد انطلق الكرباسي من أساس علمي ومسلمات تاريخية ملماً بأدوات البحث العلمي الرصين الذي يفرض نفسه في موضوعات الوعي الديني والاجتماعي والفلسفة والتاريخ والاخلاق والايديولوجيا حيث تعددت القضايا والعلوم داخل هذه الموسوعة الضخمة.

في هذا الجزء وهو الثاني من السيرة الحسينية يصل الكرباسي في طوافه حول سماء الحسين إلى المقطع الخامس من مقاطع السيرة وهي السنة السابعة للهجرة الشريفة والذي ضمنه عدة روايات وأحداث من مصادر الفريقين جرت للإمام الحسين (عليه السلام) في زمن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبدأه برواية (عطش الحسين) وحديث جبرائيل للنبي وقد أجلس الحسنين على ركبتيه: (يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول: إن هذا ولدك الحسن يموت مسموما مظلوما وهذا ولدك الحسين يموت عطشانا مذبوحا .... فجعل النبي تارة ينظر إلى الحسن وتارة ينظر إلى الحسين وعيناه تهملان الدموع ويقول: لعن الله قاتلكما ولعن الله من غصبكما حقكما من الأولين والآخرين)

وهكذا يشرع الكرباسي في رسم المواقف والروايات التي وثقت الأحاديث الشريفة المتتابعة تاريخيا في حياة الإمام الحسين ومنها حديث (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وحديث: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا وأبغض الله من أبغض حسينا حسين سبط من الأسباط لعن الله قاتله) وحديث: (الحسين مني وهو ابني وولدي وخير الخلق بعد أخيه وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وخليفة رب العالمين وغياث المستغيثين وكهف المستجيرين وحجة الله على خلقه أجمعين وهو سيد شباب أهل الجنة وباب نجاة الأمة أمره أمري وطاعته طاعتي من تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني ...) وحديث: (جعل الله الإمامة في عقب الحسين يخرج من صلبه تسعة من الأئمة منهم مهدي هذه الأمة) وغيرها من الأحاديث الشريفة التي بينت مكانة الحسين عند جده (ص) ومنزلته العظيمة عند الله عز وجل.

أما في المقطع السادس فيفرده الكرباسي للأحداث التي جرت في السنة الثامنة للهجرة ويبدأها بوفاة زينب شقيقة سيدة نساء العالمين وخالة الإمام الحسين ومعاودة المرض للنبي ورؤيا فاطمة الزهراء وخبر الإعرابي الذي أسلم على يد النبي بعد أن رأى معجزة على يديه (ص) وهدى قومه إلى الإسلام واستشهاد جعفر بن أبي طالب في معركة مؤتة وخبر سرية وادي يابس وغزوة الخبط وبعض الأحاديث الشريفة في فضل الإمام الحسين ثم فتح مكة وعمرة الرسول وفريضة الحج وولادة إبراهيم ابن رسول الله من مارية القبطية ويختم الكرباسي هذا المقطع بكرامة لأبي ذر الغفاري شكك بها المنافقون فقال له النبي: لقد آمنت بها أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

في المقطع السابع يتابع الكرباسي جميع الأحداث المتعلقة بالإمام الحسين في السنة التاسعة للهجرة بدقة وتتابع فيذكر خبر أحد شهداء كربلاء وهو الصحابي الجليل أنس بن الحارث الذي سمع النبي (ص) في هذه السنة يقول: (إن ابني هذا ــ وأشار إلى الحسين ــ يقتل في أرض يقال لها كربلاء بالعراق فمن أدركه فلينصره) ومن أحداث هذه السنة أيضا عيادة العباس بن عبد المطلب للنبي في مرضه ونزول سورة النصر وسد الأبواب إلا باب علي وسرية أمير المؤمنين إلى فُلس وغزوة تبوك وولادة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) ووصول وفد ثقيف إلى النبي وتوثيق وشهادة الإمام الحسين على صحيفة رسول الله للوفد مع أبيه وأخيه وسرية علي إلى بني زبيد وإبلاغ سورة براءة وحادثة المباهلة التي أشرك فيها النبي الإمام الحسين فيها مع أبيه وأمه وأخيه ولم يجعل معهم أي أحد.

يصل الكرباسي بالأحداث إلى السنة العاشرة وهو المقطع الثامن وفيها نزول آية المودة في القربى ووفاة إبراهيم ابن رسول الله وسرية علي إلى اليمن وحجة الوداع التي نصب فيها رسول الله عليا خليفة ووصيا بعده عندما نزلت عليه الآية الكريمة (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فصدح رسول الله بما أمره ربه ورفع يد علي أمام جميع المسلمين قائلا: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) كما يذكر الكرباسي في هذا المقطع بعض الروايات التي تضمنت أحاديث النبي في فضل أصحاب الكساء والنص على الأئمة المعصومين من ذرية الحسين.

ثم يصل الكرباسي إلى السنة الحادية عشرة وهو المقطع التاسع حيث يكمل ذكر بقية الأحاديث في فضل الحسين والوصية إليه بعد أبيه وأخيه ووجوب التمسك بهم حتى يذكر حدثا مهما في تلك السنة وهو تسيير النبي جيش أسامة والحث على الاسراع في إنفاذه وقوله (ص): (انفذوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة) كما يذكر أحداث وأحاديث أخرى يصب مضمونها في الوصية لعلي بن أبي طالب ليختم هذا الفصل بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله).

لقد ساير الكرباسي الأحداث وتتبع الأحاديث وواكب المواقف ورصد التواريخ وجدول الوقائع وفهرس الشخصيات ووثق الأقوال ومحص الروايات بدقة متناهية فهنيئا له هذه الصحيفة المفعمة بولاء سيد الشهداء.

كاتب : محمد طاهر الصفار