ليس غريباً على من تعلّق بحبل أهل البيت أن يرتقي سلم المجد، وعلى من التحق بركب سفينة النجاة أن يصل شواطئ العلم والمعرفة، وأن يسبر غور المعارف والثقافات، وأن يلج أبواب الآداب ويستخرج كنوز الأسرار وأسرار التاريخ.
في هذه السلسلة الرباعية من الموسوعة الخالدة (دائرة المعارف الحسينية) يفتح المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي باب علم الأنساب أو ما يطلق عليه بمصطلح الـ (جينيالوجيا) عبر كتابه ذي الأجزاء الأربعة (الحسين ... نسبه ونسله).
قبل أن نخوض في سلسلة الكرباسي نرى من لوازم القراءة الواعية لهذه السلسلة أن نستعرض ولو بشكل موجز تاريخ هذا العلم وأهم المؤلفات فيه ليتبيّن لنا ما أضافه الكرباسي إليه وما هي حصيلة بحثه.
فهذا العلم لا يختص بالعرب وحدهم، وما يهمنا هنا هو ما يشكله من أهمية عند المسلمين، فهو عندهم له تخصص، وقد تخصصت فيه شخصيات كانت معروفة في تاريخنا، أبرزهم: عقيل بن أبي طالب، كما ألّف في هذا العلم كثير من المصنفات ابتداءً بخماسية ابن السائب الكلبي: (المنزلة) و(الجمهرة) و(الوجيز) و(الفريد) و(الملوك)، ثم البلاذري بـ (أنساب الأشراف) ثم ابن هشام، فابن حبيب البغدادي، فالحافظ محب الدين بن النجار البغدادي، فالقاضي المهذب، فالسمعاني، فابن حزم، فالمبرد، فابن القيسراني وغيرهم.
أما بالنسبة لأنساب العلويين فقد ألف شيخ الشرف أبو الحسن محمد بن أبي جعفر العبيدلي كتاب (نهاية الأعقاب)، وأبو الحسن علي بن محمد العمري كتاب (المجدي في أنساب الطالبيين)، وابن عنبة الحسني الداوودي كتاب (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) كما ألف في هذا الغرض أيضاً: الشريف أبو عبد الله الحسين ابن طباطبا الحسني، والشريف النقيب الشيخ أبو الحسين زيد بن محمّد بن القاسم بن علي المعروف بـ (ابن كتيلة) وغيرهم.
ولأن الكرباسي كان مطلعاً على كل تفاصيل هذه الكتب وما ألف عن هذا العلم فقد قرر أن يبدأ من جديد ويسبر غور هذا الموضوع برمّته ويقرأ ما بين السطور مستعيناً في مبحثه على المصادر المهمة خاصة أن الشخصية التي يتمحور حولها بحثه هي شخصية عظيمة تدرجت من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة وتقلبت في الساجدين وهو سبط نبي الهدى ونجل وصي التقى وسليل الأطهار وأبو الأئمة الهداة الإمام الحسين (عليه السلام).
يمهد الكرباسي لكتابه ــ الجزء الأول ــ والذي يحتوي على سبعة عشر باباً بباب علم الأنساب الذي يقول عنه أن: (تاريخه يتوغل في أعماق التاريخ وهناك أمم غير عربية كانت هي الأخرى تهتم بالأنساب وعلى إثرها أنشئت الدواوين والنقابات) وتأتي أهمية معرفة هذا العلم وفائدته كونه سبباً مهماً من أسباب صلة الأرحام كما أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك بقوله: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)
وفي الباب الثاني يتحدث الكرباسي عن (مكانة علم الأنساب) وما يشكل من أثر مهم في المجتمع العربي، والفرق بين (النسب والحسب) أن الأول يكون من الصلب ورحم الأم، والثاني يكون بالمصاهرة وقد يجتمعان معاً كما في زواج أمير المؤمنين من فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
ومن أبرز خصائص النسابة أن يكون ثبتاً صدوقاً حافظاً ثقةً شجاعاً، لأن البتّ في الحكم قد (يقلب الموازين الاجتماعية بنفي الولد أو إثباته) وينعكس هذا الحكم على مسألة الشرف والإرث.
وفي (الكتابة في النسب) يوضح الكرباسي أن الذين كتبوا في هذا العلم اتخذوا طريقين وهما: المبسوط والمشجر، وهي أنهم إمّا اختصوا بنسب قبيلة أو جماعة، أو عمموا عملهم، ولكن كلتا الطريقتين تشابهتا في الأسلوب، ثم ينوّه إلى أمر مهم وهو أن أغلب النسابين أغفلوا ذكر الأمهات والبنات رغم ما يشكله ذلك من أهمية كبيرة.
أما في (المصطلحات) فيبسط الكرباسي شرح المصطلحات الخاصة بعلم الأنساب، لينتقل إلى موضوع غاية في الأهمية وهو التمييز بين العلوي والطالبي والهاشمي، وكل منهم له خواص ثم يتوسع الكرباسي في نقل الألقاب التي تفرعت من هذه الألقاب الثلاثة.
في مبحث (الشرافة) ينقل الكرباسي القول المبين في ذلك عن الملك الأشرف الغساني ــ ملك اليمن ــ وهو نسابة أيضاً مفاده أن الشرف لا يطلق إلا على من كان من ذرية علي وفاطمة دون سواهم من أولاده من زوجاته الأخرى، ويدعم الكرباسي هذا الرأي بأن الشرافة محرزة بآية التطهير وحديث الكساء، أما لقب السيد فيشمل من ينتمي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من زوجاته
ثم يتحول الكرباسي إلى مبحث (العِمَّة) عند المسلمين وخصائصها وألوانها لكل شريحة، أما بالنسبة لمبحث (الأدعياء) فقد سلط الكرباسي فيه الضوء على من ادعوا الانتساب إلى الإمام علي (عليه السلام) زوراً ومنهم بعض الرؤساء والملوك لكي يحظوا بشعبية وجاه عند الناس.
ثم يتوسع الكرباسي في مبحثه (السبطان) وبيان مفهوم هذا اللفظ ليدخل إلى مبحث (نسل الحسين) وفيه يعطي إحصائية ــ قريبة ــ لهذا النسب الشريف في أصقاع العالم وبيان أن هذا الكوثر السلسال جارٍ إلى يوم القيامة كما بين ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: (إن كل نسب وسبب منقطع إلى يوم القيامة إلا سببي ونسبي)
ثم يذكر السلسلة الشريفة للإمام الحسين (عليه السلام) إلى آدم (عليه السلام) مع ذكر أمهات جميع من في السلسلة، وذكر بعض أجداده (عليه السلام) ومآثرهم ومناقبهم ومكانتهم في قومهم ابتداء بفهر بن مالك فابنه الحارث وتبويب الأسماء إلى أصول وفروع مع ذكر سيرهم وأخبارهم
اترك تعليق