الحسين في سطور .. قراءة عميقة

الحسين في سطور هو عنوان كتاب .. !

نعم كتاب يضم أكثر من خمسمائة صفحة !

قد يبدو الأمر غريباً على القارئ، ولكن الأغرب إنه ليس قراءة لسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) في سطور بطريقة الاختزال فقط، بل إنه قراءة لما بين السطور أيضاً، فالمعلومات التي ذكرها مؤلف الكتاب الشيخ العلامة والمحقق الأستاذ محمد صادق الكرباسي تشير كل واحدة منها إلى معلومات أخرى مهمة يستشفها القارئ في ثنايا السطور.

كعادته يبدأ الكرباسي كما في كل كتب وأجزاء موسوعته الضخمة (دائرة المعارف الحسينية) بتمهيد الحديث عن مضامين الكتاب بخلق حالة من الاستجابة المؤثرة عند المتلقي للكشف عن المعلومات التي يختزنها الكتاب، ففي (تمهيده) يوضح سبب اختيار هذا العنوان (في سطور)، وهو المصطلح الذي (شاع بين الكتاب والمؤلفين من باب الاختصار والايجاز والاجمال والاختزال)، فأي من هذه المصطلحات اختاره الكرباسي في كتابه ؟ وهل هناك فرق بينها ؟ الكرباسي يقول: نعم .

يبين خواص كل منها بالقول: (فالاختصار هو حذف بعض الكلام دون الاخلال بالمعنى، والايجاز هو الكلام السريع للوصول إلى الغاية من دون تعقيد ويعتمد على قلة اللفظ وكثرة المعاني، والاجمال هو مجمل الكلام دون الاخذ بالتفاصيل، والاختزال هو رد الكثير إلى القليل)، وبمعنى أدق: (الكلام القليل الذي يتضمن معنى كثيرا)، وهو أصعب المصطلحات من ناحية التطبيق لأنه ليس من السهولة أن تطرق معلومة تلد معلومات أخرى بصورة تلقائية بمجرد مرورها على ذهن القارئ وتتدفق فيها الأجزاء المكملة لرسم الصورة عن الشخصية التاريخية أو الحدث التاريخي.

إن هذا الأسلوب الذي يمثله الكرباسي بـ (فيلم لمدة ساعتين يختزل حياة شخصية أو قضية أخذت تفاصيلها من الزمن الذي عايشه خمسين عاما أو أكثر ومع هذا فإن المتلقي يستوعب كل ذلك الزمان بتفاصيله، وهذا هو فن لا يتلقاه إلا ذو حظ عظيم) يؤكد صلة الكاتب العميقة بموضوعه، وانشداده إليه، وانغماسه في أدق تفاصيله، وإلمامه بجميع موارده، وتأثره الشديد به، وهو يمسرح أحداثه بدقة ويعطي الشخوص الجوانب الحقيقية لها.

ثم يبين الكرباسي أهمية هذا الكتاب لكل هذه الشرائح في النقطة السادسة بالقول: (بما أن الموسوعة كبيرة لا يتمكن الكثير من مطالعتها أو مراجعتها أو شرائها أو الحصول عليها، ومن يسعى إلى كسب معلوماتها إلا أنه غير قادر على ذلك، فإنه يمكنه بهذا الجزء أن يستغني عن مراجعة الموسوعة من معلومات وتفاصيل تخص الإمام الحسين (عليه السلام) بشخصه ونهضته وأهدافه)

إن الكرباسي يحاكي في هذا الكتاب التطور المعلوماتي فيفتح باب اللغة الرقمية التي (باتت مطلوبة) كما يقول. فهو إضافة إلى الجهد الكبير الذي بذله في عملية الاستقصاء (الرقمي) الذي أجراه في سبيل استخراج المعلومات في هذا الكتاب إلا أنه لا يميل إلى التزمت في الرأي بل يدعو القارئ إلى التمييز وفق البحث والنقاش فيقول: (لا بد من الإشارة إلى أن كل ما يذكر هنا قابل للنقاش والتحقيق) فهو يدعو إلى البحث الجذري والجوهري عن المعلومات وإخراجها من السطحية إلى مصاف التحقيق بعد استقراء عميق ودراسة مستفيضة فـ (لا بد للمؤلف والمؤرخ من أن يوازن بين الأمور بشكل موضوعي لا يخالف قواعد التحقيق من دون أن يرفض المتشابهات سريعا ويعمل بالدقة والحيطة) وبهذه الآلية يستطيع الكشف عن اليقين وسط الضباب الذي ساد أجواء المؤرخين القدامى والمعاصرين داعما رأيه بأدلة المنهج العلمي المستند إلى أدوات البحث الموضوعي.

أما عن آلية العمل في هذا الكتاب، فبعد أن يوضح الكرباسي عمله في إزالة اللبس الذي يقع في كثير من الآراء يشير إلى أنه قسمه إلى قسمين هما المعلومة الرقمية وقد خصص الجزء الأول لها، أما الثاني فقد خصصه لما ورد عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في حق الإمام الحسين (عليه السلام) وما ورد عنهم حول الأحداث والشخصيات.

يبدأ الكرباسي بأبواب الكتاب فيتناول كل ما يتعلق بالإمام الحسين من (اسمه، وكنيته، ولقبه، وأسرته). أما في نسبه فيصل بالسلسلة المقدسة لأبويه (عليهما السلام) إلى آدم، ويلحقه أبواب: عمومته، وخؤولته، وأخوته، وأخواته، وأبنائه، وزوجاته، وأولاد عمومته، وأولاد خؤولته، وأولاد أخوته، وأولاد أخواته، وأقربائه لأبيه وأمه.

وفي باب (ما يخص الحسين) يذكر الكرباسي: ولادته (عليه السلام)، ومدة حياته، وحاضنته، ومرضعه، ومربيته، وشاعره، ومواليه، وإمائه، وصفاته الخلقية، وسفراته، ومن عاصرهم من الحكام لدول المسلمين، والروم، والفرس، والصين، والهند، والحبشة، ومصر.

ثم يتحدث الكرباسي (بالتواريخ) عن الحوادث التي جرت في حياته منها: السرايا، والغزوات، والوفود، والوثائق، والرسائل في عهد جده (صلى الله عليه وآله)، وأبيه وأخيه وعهده (عليهم السلام)، والحوادث والحركات والثورات التي قامت بعد استشهاده، كما يستعرض مصادر روايته، ورواته، وأصحابه، وأصحاب دعوته، ورسله، وخصائصه التي تفرد بها، وأنصاره الشهداء من الهاشميين وغيرهم، والأسرى من أصحابه، والنساء اللواتي حضرن يوم الطف وأسرن بعد استشهاده، والموالين الذين منعتهم الظروف من الالتحاق به، وشهداء الحملة الأولى والثانية، والشهداء من البصرة، ومن صحابة جده وأبيه، وتأبينه لأنصاره، ومن جاء بعائلته منهم يوم الطف، ومن استشهد مع أبيه أو مع أخيه، وأسماء الأطفال، وقوميات الشهداء غير العرب، والقبائل التي اشتركت في الحادثة من الفريقين، وأسماء قتلة الحسين وأنصاره ومناصبهم في الجيش الأموي وعقابهم في الدنيا، والمستنكرين لحادثة الطف، والآراء الشاذة في الحادثة، ومن قتل الحسين ومن سلبه ومن أصابه، ومراحل سفره من المدينة إلى كربلاء، ومسير السبايا والعودة إلى الوطن (بالتواريخ)، ورواة المعركة، ودفنه، ومدافن أصحابه.

وبعد أن يستعرض الكرباسي كل هذه الأمور (بالأرقام والتواريخ) ينتقل إلى مرقد الشريف، فيذكر أول من عمّره، وتطورات بنائه، وسدانته، والزيارات المخصوصة، وعدد المقاتلين في الجيش الأموي، وإحصائيات الزائرين لمرقده منذ استشهاده، ثم يتحدث بلغة تفاضلية حول الأول، والأصغر، والأكبر، في مواضيع تتعلق بالحادثة وما بعدها.

ينتقل الكرباسي إلى الحديث بعدها عن موسوعته (دائرة المعارف الحسينية) فيذكر بـ (الأرقام) كثيراً من تفاصيلها وموضوعاتها ولغاتها وعدد دواوينها وآراء الأعلام فيها وفروع العلوم التي احتوتها ثم يضع في نهاية الكتاب جدولا خصّصه لكل ما يخص الإمام الحسين منذ ولادته وحتى استشهاده.

إن الغاية التي توخّاها الكرباسي من شروعه في هذا المضمار فقد بينها في ست نقاط وهي (باختزال) المعاني وتشذيبها وإيصالها إلى القارئ دون تعقيد ودون البحث عنها في الموسوعات الضخمة وهو ما لا يرغب به القارئ، كما أن هذه المعلومات السريعة هي ما يبحث عنه الكاتب والخطيب والشاعر والمحقق بل وجميع القراء بكافة مستوياتهم فهذا الكتاب هو ما يوفر لهم ذلك و(يؤمِّن) لهم المعلومة (النقية) الخالصة من الشوائب والتي تحسم كثيرا من مسائل الخلاف التاريخية والرقمية.

كاتب : محمد طاهر الصفار