يتناول المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي في هذا الكتاب مبحثاً مهماً من مباحث موسوعته دائرة المعارف الحسينية ألا وهو الحسين في القرآن وهو الجزء الثلاثون منها.
فلا يخفى الترابط الوثيق بين القرآن والعترة الطاهرة فهم (صلوات الله عليهم) ترجمانه وخزان وحيه وأعلم الناس بعلومه وأحكامه وتفسيره، كما قرنهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله:
(إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
ومن هذا المنطلق عقد الكرباسي مبحثه لما جاء بحق الإمام الحسين (عليه السلام) في القرآن الكريم من الآيات وتسليط الضوء عليها من خلال الروايات والتفاسير وغيرها
وكما في كل أجزاء الموسوعة يبدأ الكرباسي مبحثه في الكشف عن أصول الأسماء والشخصيات والأحداث والكتب وغيرها، فيفتتح كتابه بالقرآن والحديث عن أسمائه الأخرى كالذكر والفرقان وتفسيرها وشرحها، ثم يتشعّب بالمواضيع ليجيب عن كل ما يخطر على الذهن من أسئلة حول الموضوع.
ففيما يخص القرآن تعرض إلى مواضيع: قدسية القرآن، وعدم التحريف، والترتيب القرآني، واللغة والمفردات، والنزول ومتعلقاته ومرجعية القرآن، والترجمة.
ثم يتحدث عن الكتب السماوية التي أنزلها الله على أنبيائه، وهي التوراة والإنجيل والقرآن، ولم يسلم من التحريف منها سوى القرآن. ثم ينوّه إلى أمر مهم وهو مقارنة بعض ما بالإنجيل بالآيات القرآنية فيقول في الرد على ذلك بعد أن يذكر تحريف التوراة والإنجيل:
(ومن المفارقات مقارنة القرآن بالتوراة الإنجيل المتداولان الآن إذ لا يمكن مقارنة الأصيل بالبديل، ومع ذلك فإنهما لا يحملان للبشرية ما تحتاجه من الفكر والتشريع وأسس الحياة في سلوك الفرد وسلوك المجتمع بالإضافة إلى سلوك الدولة إلى جانب العلوم التي امتاز بها القرآن الكريم بطرحها ضمنا، كما لا تحمل التوراة والإنجيل ولا بشكل من الأشكال البلاغة الإعجازية التي حملها القرآن المجيد لنا وذلك لأن اللغة التي نزل بها الكتابان المقدسان (التوراة والإنجيل) اختفت وما هو موجود فإنما هو من وضع البشر)
وقد تحدث الكرباسي قبلها عن استحالة ترجمة القرآن بكل خصوصياته إلا إذا جاءت الترجمة من قبل الله نفسه، حيث إن التحدي الإلهي يشمل هذا المورد أيضا) ثم يقول عن الترجمة: (إنها من التفسير أو ترجمة لتفسير القرآن وليست حجة والاعتماد لا بد أن يكون على النص العربي)
ويضرب لذلك مثلاً من القرآن نفسه كما جاء في قوله تعالى: (لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله)
وفي باب وجه النزول يتناول الكرباسي ماهية النزول ويجيب عن الأسئلة التي تدور حول القرآن ومحتواه العلمي والأخلاقي والأدبي، لينتقل إلى إعجاز القرآن من محاور متعددة منها ذكره لأخبار الماضين، وتنبؤه للمستقبل، وإخباره الغيبي عن الماورائيات، وأبحاثه العلمية المتعددة وتركيبته الخاصة، وبلاغته.
وفي باب التفسير والتأويل والمصداق، يقوم الكرباسي بشرح وافٍ لكل منها، لينتقل إلى قيمة التفسير وهي تتجلى في تفسير المعصومين (عليهم السلام) فهم الراسخون فيه والمحيطون بأسراره والتفسير بخلاف تفسيرهم لا قيمة له، وكذلك في قيمة التأويل.
ثم ينتقل الكرباسي إلى سؤال مهم وهو: بماذا يُفسَّر القرآن، ومن أهم روافد التفسير هو الحديث الشريف الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) المفسِّر للآيات والذي لو جمع لشكّل تفسيراً كاملاً للقرآن، فلم تترك الروايات عنهم (صلوات الله عليهم أجمعين) آية ألا وفسروها ولا غموض إلا أوضحوه وكشفوه
أما في مناهج التفسير فيشير الكرباسي إلى مناهجها وتنوعها، فالمنهج اللفظي هو تفسير لغوي مبسط يقتصر على تفسير الكلمة بكلمة أخرى تقربها من الذهن، أما المنهج القرآني فهو تفسير القرآن بالقرآن من خلال مقابلة الآية بأخرى، والمنهج الأثري وهو تفسير القرآن بالحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته (عليهم السلام)، والمنهج اللغوي: هو تفسير الكلمات الواردة في النص القرآني لغوياً لإيضاح المعنى المراد من اللفظ بنظم الشعراء وكلام بلغاء العرب قبل الإسلام، والمنهج التأويلي هو ما يقابل ظواهر الآيات وكشف لبطون القرآن، أما المنهج البلاغي: فهو التركيز على الجوانب البلاغية في القرآن، والمنهج الفلسفي الذي يعنى بالأمور العقلية والأبحاث الفلسفية التي تكمن من وراء الآيات، أما المنهج التشريعي فهو من اختصاص الفقه، والمنهج العلمي هو الذي يعنى بالعلوم القديمة التي كانت سائدة إضافة إلى علوم الشريعة والعلوم الاجتماعية والفلك والنجوم والطب، ثم المنهج الموضوعي فالتاريخي.
وهكذا يسترسل الكرباسي بالحديث عن مناهج علوم القرآن ويفصلها تفصيلاً مبسطاً وعميقاً في نفس الوقت، لينتقل إلى الرسم القرآني وفيه يتطرق إلى وضع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لقواعد اللغة العربية وتعليمها لتلميذه أبي الأسود الدؤلي
أما في القرآن والعلوم فيتحدث عن علاقة القرآن بالعلوم من جهة، وعن العلوم المتعلقة بالقرآن من جهة أخرى، ويفصل ذلك في نقاط منها: اللغة والنحو والصرف والبلاغة والمنطق والتاريخ وعلم الأديان والفلسفة والقراءات والخط وتاريخ القرآن وعلم الأحياء والعلوم النفسية والاجتماعية والرياضية والماورائيات والفقه والأصول والتجويد والعقيدة والأخلاق
وفي باب العلم والقرآن يتطرق الكرباسي لحقائق علمية مهمة ثم يصل إلى باب الحسين في العهدين كما جاء في نصوص بعض المعاصرين ويناقش ذلك نقاشاً علمياً
إن هذا الكتاب يعد مقدمة كبيرة لتفسير القرآن الكريم وفق منهج البحث العلمي الدقيق
اترك تعليق