أطلس السيرة الحسينية .. الجزء الثاني .. مع الركب الحسيني

نفسه الطريق الذي كللته أقدام الركب الحسيني ها هو نسير عليه الآن.

نفسه النخيل وهو يخفق بسعفه مرحباً ومودعاً من جاؤوا ومن رحلوا

نفسها المنافي وقد تبرعمت بالحنين يوم حلَّ عليها القدّيس النبوي وداف من يديه في مياهها طعم السماء .. ثم مضى بوجهه المضيء وقلبه المطمئن ليتوَّجَ بالشهادة وليخفق نبض من قلب الرسول في كربلاء.

إنها مسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته العظيمة منذ خروجه من مدينه جده (صلى الله عليه وآله) إلى استشهاده في كربلاء والتي أفاض بها على الدنيا عطاءً وعظمة، وجسد فيها الروح النبوية والأخلاق المحمدية السمحاء والشمائل العلوية العظيمة، فكان عظيماً في كل حركاته وسكناته كما كان عظيماً في جميع أقواله وأفعاله.

إنها المسيرة التي أعادت هيكلة الإنسان, ووضعت له بوصلة الكرامة التي تأبى عليه أن يكون تابعاً وخاضعاً لحاكم سكير عربيد, اجتمعت فيه كل البوائق والرذائل.

نعم هكذا سار الحسين في ثورته المباركة مجسداً سيرة جده وأبيه بكل أبعادها الأخلاقية والتربوية فقد كان يسطر في كل خطوة من مسيره درساً يلهم الاجيال أروع المعاني السامية والأخلاق الكريمة، وكانت روحه العظيمة شعاع هدي تنبئ بالإنسانية العليا التي حملها (عليه السلام).

في عمق الصحراء اللاهبة وفي تخوم المحطات التي سار عليها الركب الحسيني منذ أول خطوة وحتى نهاية الرحلة في كربلاء يتابع المحقق الكبير العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسي حيثيات الرحلة وفق جداول دقيقة حيث أوضح عمله بسبع نقاط وهي باختصار: تتبع الطريق الأعظم الذي سلكه الإمام الحسين (عليه السلام)، وتشخيص الأماكن والأبعاد، والكشف عن أماكن مبيت الركب الحسيني الثابتة والمحتملة، وتحديد الأماكن المحتملة التي توقف فيها الركب نهاراً لأجل السقاية والعلوفة والاستراحة وإقامة الصلاة، ومقارنة الماضي بالحاضر في توضيح الأماكن، ورسم الطريق على الأرض بكل ارتفاعاته وانخفاضاته تقريبا للواقع، ونقل بعض التفاصيل عما قام به الركب الحسيني من أعمال أو ما تعرض له خلالها، وأخيراً وضع خرائط ذات أبعاد ثلاثية توخّياً للدقة والتشخيص القريب.

أما مراحل الطريق من المدينة إلى مكة فهي: المدينة ــ ذو الحليفة ــ الحُفيرة ــ مَلَل ــ سَيَالة ــ الروحاء ــ الرُّويثة ــ العرج ــ سُقيا بني غفّار ــ الأبواء ــ الجُحفة ــ قُديد ــ أمج ــ شُريفة ــ عُسفان ــ مر الظهران ــ مكة. سبع عشرة مرحلة هي الطريق الأعظم بين المدينة المنورة ومكة استعرض فيها الكرباسي بالصور والرسوم التوضيحية معالم هذه المحطات من بئار ومساجد وأماكن استراحة واحتمال مبيت الركب في بعضها.  

ثم يرافق الكرباسي الركب من مكة إلى كربلاء عبر المراحل التي استقصاها بنفسه مؤكداً: (أن أسماء المواضع التي توقف فيها الإمام الحسين (عليه السلام) بها أو بات بها لم ترد جميعها بالقطع في كتب المقاتل والتاريخ مما لا يمكن البت بشكل واضح وصريح بها)

وهذه المراحل التي ذكرتها التواريخ أربع وعشرون مرحلة هي: مكة ــ التنعيم الصفاح ــ ذات عرق ــ بستان بني عامر ــ الحاجر ــ سميراء ــ الخزيمة ــ الزرود ــ سوق ــ الثعلبية ــ الشقوق ــ الزبالة ــ بطن عقبة ــ الشراف ــ شراة ــ ذو حسم ــ البيضة ــ عذيب الهجانات ــ الرهيمة ــ قصر بني مقاتل ــ القطقطانة ــ نينوى ــ كربلاء.

فلا يركن الكرباسي إلى التقيد بهذه المراحل دون التدقيق والتحقيق والغوص في حيثيات البحث فيفتح خارطته التاريخية ليضيف إليها: الصفاح ــ أوطاس ــ غَمَرة ــ المسلح ــ الكبوان ــ أفيعية ــ الكراع ــ حرة بني سليم ــ شَرَورى ــ العمق ــ السليلة ــ الروثة ــ الربذة ــ سنام ــ مغيثة الماوان ــ النقرة ــ قرورى ــ الحاجر ــ العباسية ــ تُوز ــ القُرنتان ــ فَيد ــ القرائن ــ الأجفر ــ بطن الأغر ــ الخزيمية ــ الغُميس ــ التناهي ــ بطان ــ الشجية ــ التنانير ــ الجريسي ــ القاع ــ الجلحاء ــ الحَقْو ــ اللوزة ــ القرعاء ــ بيضة ــ المغيثة ــ عُذَيب ــ أقساس.

وهذه المراحل أو (المنازل) تقع بين المنازل التي ذكرت في المقاتل والتواريخ وقد احتمل الكرباسي نزول الركب الحسيني بها حسب المسافة التي تفصل بين منزل وآخر وقد حدد بين كل من هذه المنازل المسافة بالكيلو متر حتى وصل (عليه السلام) آخر مرحلة قبل كربلاء هي نينوى يوم الأربعاء 1 محرم سنة 61 هجرية الموافق ليوم 3 / 10 / 680 ميلادية وتبعد نينوى عن كربلاء كيلو متر فغادرها (عليه السلام) في اليوم التالي ليحل كربلاء.

نزل الإمام الحسين (عليه السلام) كربلاء في اليوم الثاني من محرم أي قبل استشهاده بثمانية أيام وهنا حرص الكرباسي على توثيق هذه الأيام الثمانية من أعمال من خلال المصادر المعتبرة بالترتيب حيث توخى الدقة في تدرج الأحداث ليس في كربلاء فقط، بل في الكوفة وتطرق إلى الأساليب الوحشية التي اتبعها ابن زياد ضد الشيعة وكل من حاول الخروج منها لنصرة الإمام الحسين وكذلك تحشيد الجيش الأموي.

ثم يضع الكرباسي حصيلة ليوم عاشوراء من الشهداء مع الحسين (عليه السلام) من الهاشميين وغيرهم إضافة إلى الأسرى والسبايا.

إن الجهد الذي بذله الكرباسي في تقصي هذه المواضع هو جهد مضنٍ لا يتأتى بسهولة وهو إنجاز عظيم يضاف إلى إنجازاته القيمة في هذه الموسوعة.

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار