عكرشة بنت الأطرش.. صدىً في ذاكرةِ الصَّهيل

عكرشة بنت الأطرش بن رواحة من النساء اللواتي ضربنَ مثالاً رائعاً للمرأة الشجاعة الصلبة في دينها، رفعت سيفا في معركة صفين ووقفت بين المعسكرين وهي تخاطب جند العراق:

أيّها الناس... عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم، إنّ الجنة دارٌ لا يرحل من قطنها، ولا يحزن من سكنها، ولا يموت من دخلها، فلا تبيعوها بدار لا يدوم نعيمُها، ولا تتصرّم همومُها، فكونوا قوماً مستبصرين، إنّ معاوية دلف إليكم بعُجم العرب، غُلف القلوب، لا يعرفون الإيمان، ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله خافوا الله، ودافعوا عن دينكم.

إن معاوية وأشياعه يريدون ضعضعة الدين، وإطفاء نور الحق فإياكم والتواكل فإن ذلك نقض عُرى الإسلام، وإطفاء نور الحق وإظهار الباطل وذهاب للسنة، هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى، يا معاشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم واصبروا على نياتكم، فكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام وهم كالحمر الناهقة والبغال الشاحجة يضجون ضجيج البقر ويروثون روث العتاق.

فتشحذ هذه المرأة العظيمة بموقفها العظيم هذا هممَ الرجال قبل سيوفِهم.. تلك السيوف التي زرعت الرعب في قلوب أهل الشام وفلقت رؤوسهم، ووصلت إلى معاوية وابن العاص الذي كشف عن سوأته خوفاً منها وكادت هذه السيوف بقيادة الأشتر النخعي أن تستأصل الكفر والنفاق من جذوره لولا مكيدة ابن العاص الدنيئة في رفع المصاحف التي أثارت الأشعث وأصحابه من المنافقين.

ويُكتب على هذه المرأة أن تبقى على قيد الحياة بعد استشهاد أمير المؤمنين فيستدعيها معاوية ليظهر عليها لؤم القدرة ويشمت بها.. لكن هذه المرأة التي عُرفت بالفصاحة والشجاعة أخرسته وجعلته يتراجع عما نوى عليه من الحط من قدرها ورؤية انكسارها...

قال لها بعد أن ذكر حديثها: فكأني أراكِ على عصاكِ هذه وقد انكفأ عليك العسكران يقولون‏:‏ هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر الله وكان أمر الله قدراً مقدوراً فما حملك على ذلك ؟

لم تنكر عكرشة قولها وموقفها ولم تخش سطوة هذا الطاغية، بل قالت له وكأنها تحذّره إذا ألحّ في قوله فإنها ستواجهه بأغلظ من هذا القول فقالت له:

يقول الله (عز وجل): (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)... وإن اللبيب إذا كرِه أمراً لا يحب إعادته.

...............................................

ابن بكّار الضبي ــ أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان ص37 ــ 39

ابن عساكر ــ تاريخ دمشق ج 69 ص 290

ابن عبد ربه الأندلسي ــ العقد الفريد ج 1 ص 352

باقر شريف القرشي ــ حياة الامام الحسن دراسة وتحليل ج2 ص 416 ــ 418

الأحمدي الميانجي ــ مواقف الشيعة ج ١ ص ٣٩٦

رضا كحالة ــ أعلام النساء ج 3 ص 325

ابن طيفور ــ بلاغات النساء ص 70

الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ــ زينب فواز ص 348

العقد الفريد ــ ابن عبد ربه الأندلسي ج 1 ص 297 ــ 298

مريم نورالدين فضل الله ــ المرأة في ظل الإسلام ص 342

كاتب : محمد طاهر الصفار