التذوق حاجة مهمة لبني البشر فكل منا بحاجة الى استشعار الامور وقياسها والميل نحو ما يتفق مع قيمه الجمالية من الناحية الشكلية والنفسية، وعند التعامل مع موضوعة التذوق وعرض كيفية تنميته يجب ان نسلم بان الذوق لا يلقن ولا يعلم ولكنه يكتسب بالمخالطة الصحيحة السليمة والدربة الطويلة، فالتذوق الفني لا يكون بدراسة مادة ما ولنه يوجد بالصورة العلمية المقننة المألوفة المتراكمة عند الفرد.
وعملية التذوق ذات مجال واسع جدا.. فهي تمتد من تذوق الاشياء المتداولة العامة وصولاً الى الاعمال الفنية عالية المستوى والتي تحتاج الى مستوى ثقافي وفني رفيع حتى تتم عملية التذوق، وربما لا تكون الا بتوفر الجانب الحسي والمعرفي والذي يرتبط بصورة او باخرى بالاختلافات البشرية بين الافراد من جانب وبالثقافات والكمية المعلوماتية التي توفرت في شخص ما، وبصوره اخرى يمكن ان نعرف الجانب المحسوس بانه الذي تكاد تعجز الكلمات عن وصفه وصفا دقيقا وربما يكون ذلك نتيجة تعلقه بالوجدان واما الجانب المعرفي فهو الذي يتأكد وجوده عند وصفه ويضاف اليهما حواس الانسان التي يحكمها قدر من القيم الطبيعية الموروثة.
ومن هنا اصبحت هناك بعض العوامل والمحكات التي قد تساعد في تنمية التذوق الفني بجميع جوانبه والتي تناسب الاختلافات الفردية وتتوفر فيها النقاط التي تمس الجانب الحسي واخرى تحاكي الجانب المعرفي ومنها ما تجمع بين الجانبين وهي كالاتي:
1- الاحساس باهمية التذوق الفني:
قد ينشغل الفرد بمتطلبات الحياة العملية والعملية عن متطلبات النفس وحقوقها في ان تسمو بالاحتياجات وتحقق للنفس قدرا من المتعة وربما يلمس بعضهم العذر في ذلك لعدم ادراكهم لتلك الحقائق التخصصية، ولذا على الجهات المسؤولة عن عمليات التعليم والتعلم محاولة تنظم بعض البرامج والطرق التي من شأنها ان تضع امام الفرد قدرا من الجماليات والتوعية برسالة الفنون التشكيلية الانشائية الجمالية والنفعية حتى تستطيع بما فيها من امكانيات ووسائل ان تخاطب الوجدان وتشرح شرحا جديدا على مقتضى ما استجد من ظروف التقدم فتكشف عن الافكار والاراء والقيم الحديثة وتجلّوها بطريقة ميسورة مشوقة وتوصلها توصيلا جيدا مجسدة في قوالبها الخاصة ومبنية في اوضاعها واتجاهات تطويرها ، ولا شك ان للمدرسة ووسائل الاعلام العامة دورها الفعال في التربية الوجدانية وفي صقل الذوق وفتح الاعين ودفع المشاعر الى الارتباط بالقيم الرفيعة فالتربية الوجدانية تهذيب للحواس وارتقاء بها الى مستوى التحضر.
2- توفر المحيط الجمالي:
وهنا يجب ان نؤكد ان العقل يحفظ ويرتب ما تراه العين، ومن هذا المنطلق فان الوجود الجمالي المحيط من العوامل المهمة في مجال التربية وتنمية التذوق بجميع جوانبه ، فحين يتمتع بالبيئة المنتظمة سواء كان في المحيط الخارجي او داخل مكان عمله، وربما يكون ذلك داخل الفرد متجسداً بعادات بصرية تتميز بقدرة جمالية رفيعة المستوى وهو في ذات الوقت يعتاد على اهمال تلك الملكة، فوجود المحيط الجمالي يحاصر الفرد مع كل نظره قيمة تسجل وتضاف الى مخزونه الجمالي فينمي الحس ويقوي المعرفة.
3- تنمية الرؤى الجمالية :
والرؤى الجمالية هنا هي ادراك العلاقات التي تهز المشاعر الانسانية وتؤثر فيها ، فيرتاح لها الفرد وجدانيا ويشعر بالسعادة حين يستمتع بها ، والرؤية الجمالية تعني ضمنا اصدار الاحكام الجمالية التي تميز بين القبيح والجميل وهذا مرتبط بشكل مباشر بوجود المحيط الجمالي فهو يؤدي بطرق مباشرة وغير مباشرة الى تنمية الرؤية الجمالية وارتقائها الى اعلى مستوى بتدرج القيمة المتوفرة في تلك الرؤية دون غيرها.
4- الثقافة التشكيلية :
ومن جانب اخر يستطيع المتذوق المتبصر ان يحس بكثير من العوامل التي لا تستطيع الكلمات ان تفي بتوضيحها والتعبير عنها او ان تصل الى سبر الاغوار العميقة في المعاني التي تتضمنها ، وهكذا يمكن لاولئك الذين نالوا حظا من تدريب العين والفكر وحتى الاحساس، ان يدركوا من اللحظة الاولى في الصورة الفنية القيم الجمالية للايقاع والتنغيم في الخطوط وكتل الاشياء بالنسبة الى بعضها البعض، حتى يستطيع الوصول لذلك الانفعال الممتع الذي صاحب الفنان في ابراز الزاوية التي ينظر منها الى الاشياء حين يدرك المشاهد ما ارتسم في مخيلة الفنان من ذلك الوضع الشيق الذي ينم عن الهام في الفكره المتعلقة بموضوعة اللوح، فالثقافة التشكيلية هي الموجه الذي يرشد العين الى البقع التي تحمل قيما فنية رفيعة من الناحية التشكيلية، ومن هنا تظهر اهمية الثقافة التشكيلية من الناحية المعرفية والتي تعتبر المدخل الى الجوانب الحسية الاخرى عند الفرد.
5- لمس المردود النفسي لعملية التذوق الفني :
ان وصف الاحساس بالمتعة الذي يشعر به المتأمل الذواق في العمل الفني بانه احساس اقرب ما يكون الى الشعور الصوفي، ذلك الشعور الذي يصيب المتصوف عند تأمله العالم المرئي الذي يعيش فيه، فهو يستبطن الاشكال من خلال نظره الى المرئيات وما فيها من روائع الجمال الفطري، تلك البواعث والدوافع للقوة الوجدانية المستترة وراءها ، فعند تحول اهتمام المشاهد من العالم المادي السطحي الى جانب اكثر عمقا يغذي النفس وينطلق بها الى عالم الخيال والاحاسيس، ستكون هناك شحنة معنوية للفرد يسترد فيها قواه فيعود الى مهامه ( مجريات الحياة اليومية ) بقدر اكبر من الاقبال على الحياة مستزيداً بقدر كبير من الانتعاش والحيوية.
6- النظر الى الاعمال نظره موضوعيه بعيداً عن المنافع المادية :
وهنا نستطيع القول ان اول خطوة في مجال التذوق الفني هي اننا لا نكتفي بالنظرة العابرة للعين ، فينبغي ان نعيش في الاشياء التي نلاحظها ونشاهدها امامنا بل انه قد يكون من الاهمية ان يشاهد العمل معبرا عن اسلوب الفنان والطابع الخاص به في طريقة التخطيط والتكوين وقدرته على ابراز ملاحظاته الخاصة/ وما يحاول التعبير عنه في الاشياء من امور تتعلق باحساسات واعية او بخصائص لاشعورية تتعلق بهذه الاشياء، بحيث نشعر من خلال المشاهدة بذاتية الفنان وعمق نظرته الخاصة بموضوعية عمله الفني لا بسطحية اشكاله ،وعلى ذلك يكون مستوى التذوق بحسب قدرة المشاهد على استيعاب كل هذه الجوانب فيما يلاحظه في مختلف نواحي الانتاج الفني
7- العمل على زيادة الخبرة الجمالية للفرد :
وهنا نلاحظ ان الخبرة السابقة تلعب دورها في مضمار التذوق، وحسب نوع هذه الخبرة ووجهتها تتأثر تلك العملية ، ولذلك كان لزاماً علينا الاستمرار في زيادة وشحذ الخبرة الجمالية في جميع الاعمار، مما يسهم بشكل قوي ومباشر في تنمية التذوق والرقي بمستواه .
8- ديمومة الممارسة الابتكارية لاستشعار التذوق :
فالانعزال التام عن الممارسات العملية سواء الفنية منها او العملية يخلف فجوة في التفاهم بين المبدع والمتذوق ، ولذا يجب ان تتاح الفرصة للممارسة الابتكارية والاحساس بمعاناتها وصعوبة الوصول الى حلول ابداعيه من خلال ممارستها لكي يستطيع المتذوق ان يكتشف ويفهم محاولات الاخرين الابتكارية ويستشعر اللذة في البحث عنها والاستمتاع بها جماليا حينما يتلمس مظهرها ويحس قيمتها الجمالية.
اترك تعليق