الرباب بنت امرئ القيس .. صبغة الحزن المستديم

إن الذي كان نوراً يُستضاءُ به     في كربــلاء قتيلٌ غير مدفونِ

سبط النبيِّ جـزاكَ اللهُ صـالحة     عنا وجُنّبتَ خسرانَ الموازينِ

قد كنتَ لي جبلاً صَلداً ألوذ به     وكنت تصحبُنا بالرحمِ والدين

مَن لليتامى ومَن للسائلينَ ومَن     يغني ويـأوي إليه كلُّ مسكينِ

والله لا أبتغي صهراً بصهرِكمُ     حتى أغيّبَ بين اللحدِ والطينِ

في هذه الأبيات يطفح الحزن بين ثنايا الكلمات وهو حزن عارم لا تقرّ العين به ولا تهدأ له الجوانح

بهذه الحرقة الممزوجة بالحزن والأسى تعبر السيدة الرباب عما أصابها من الألم الفادح باستشهاد زوجها سيد الشهداء (عليه السلام)، وتظهر العاطفة الصادقة جلية ومعبرة عمّا يختلج في حنايا النفس من مشاعر مخلصة ونبيلة. 

فكلما كان الفقيد يتمتع بمؤهلات متميزة وشمائل نادرة وخصال فائقة كان التعبير عن الحزن لفقده يأخذ حيزاً أوسع في نفوس الفاقدين فيجسِّدون ما ينتابهم من شدّة الفاجعة...

فكيف إذا كان الفقيد هو سيد شباب أهل الجنة وسبط النبي وريحانته !!

فانطلقت آهة هذه السيدة من خلال شعرها بعد أن غمرتها الحسرة والألم واستحوذت على كل جوارحها واستولت على كل خيالاتها وأجّجت اللوعة رؤاها ..

فأيّ رجل فذ فقدت وأي زوج عظيم تركته قتيلاً في كربلاء ؟

واحسيناً فلا نسيت حسيناً     أقــصـدتـه أسـنـة الأعـداءِ

غادروه بكـربلاء صريعاً     لا سقى الله جانبي كربلاء

ويتجلى ألمها وحزنها على الحسين في جوابها لمن خطبها بعد استشهاده (عليه السلام) فقالت:

ما كنت لأتخذ حَمْواً بعد رسول الله، فو الله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً.

هي السيدة الرباب بنت أمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حليم بن خباب بن كلب الكلبية. (زوجة الإمام الحسين) (عليه السلام) كان أبوها نصرانياً من عرب الشام فأسلم وولّاه عمر على من أسلم بالشام من قضاعة، وخطب الإمام علي (عليه السلام) ابنته الرباب لابنه الحسين (عليه السلام) فولدت له سكينة وعبد الله الرضيع الذي قتل يوم الطف بين يدي أبيه الحسين. (1)

والرباب هي التي قال فيها الإمام الحسين (عليه السلام):

لعمركَ إنني لأحبُّ داراً     تحلُّ بها سـكينةُ والربابُ

أحبُّهما وأبذلُ جلَّ مالي     وليسَ لعاتبٍ عندي عتابُ (2)

كانت الرباب من خيرة النساء وأفضلهن، (3) وقد جاء بها الإمام الحسين (عليه السلام) مع نسائه إلى الطف، وأسرِت وسُبيت معهن الى الكوفة ثم إلى الشام ورجعت معهن إلى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين (ع) ووجدت عليه وجداً شديداً (4) وقد خطبها الأشراف فأبت وقالت: ما كنت لأتخذ حماً بعد رسول الله (5)

وروى ابن عساكر: (أن الرباب لم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً) (6)

..........................................................................................

1 ــ الكامل لابن الأثير ج 4 ص 45

2 ــ الأغاني للأصفهاني ج ١٤ ص ١٦٣ / تذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٢٦٥

3 ــ الأغاني ج 16 ص 141

4 ــ البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 209

5 ــ تذكر الخواص لابن الجوزي ص 148 / الكامل لابن الأثير ج 4 ص 36

6 ــ تاريخ دمشق ج 69 ص 120

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار