صرخة ألم ..

اللوحة تجسد عملاً فنياً عقائدياً جَسدَ فاجعة استشهاد الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه، حينما ألقى جلاوزة الطاغية بجنازة الأمام على جسر بغداد في الوقت الذي كان شيعته ينتظرون خروجه حياً كما وُعدوا، وكما يتبين للمشاهد ان المنجز الفني يحمل بصمة الفنان الايراني حسن روح الامين المتميز بأسلوبه الواقعي في طرح موضوعاته الفنية التي يستشعر المشاهد من خلالها مدى حبه وشغفه بأهل بيت النبوة الأطهار سلام الله عليهم اجمعين، وتتبع وقائع مظلوميتهم وتوثيقها بعناية تامة لتتناقل عبر الاجيال، معتمدا بذلك على الروايات المتواترة والخيال بعيدا عن الغلو والتطرف في طروحاته الفنية المميزة .

نفذت اللوحة باحتراف ووضوح عاليين بأسلوب يقترب من اسلوب المدرسة الكلاسيكية في الرسم كما كان سائدا بين كثير من الفنانين في الماضي، حيث برزت فيها مجموعة من المتناقضات بين الشخصيات و تصوير الاجواء وارتباطاتها التاريخية والروحانية المطابقة لوقت ومكان الفاجعة، فقد أنشأ الفنان مشهد يقترب من الواقعية الدقيقة، التي تبدو جلية للمتأمل من خلال اختيار شخوص اللوحة وحركاتها، حيث اعتمد الفنان على اظهار شخصيات العمل وفق ما ذكر في الروايات عن صدمة الموالين بمشاهدة جثة أمامهم المغدور وهي مسجاة على الجسر وهم بين صارخ ومنذهل وبين من يترقب للموالين للقصاص منهم، حيث ينفتح المكان من حولهم بمساحة افقية لجزء من مدينة بغداد علي يسار اللوحة والمياه تجري من تحت الجسر على نهر دجلة وسط المدينة، واصفاً الاجواء في اعلى وعمق اللوحة بكتلة من الغيوم الكدرة تخترقها حزمة من النور السماوي المسلط على الجسد الشريف للأمام الكاظم، واصفاً بذلك عظم هذا المصاب الجلل وحزن السماء بمقتل الامام سلام الله عليه. 

عمد الفنان على توزيع اللون والخط والفضاء على مساحة اللوحة بشكل يجعل المشاهد متأثراً بمدى عظم الحدث مما يجعله حافزاً للاستقصاء عن شخص الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لدى المتلقين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والعقائدية، ممن يجهلون من هو كاظم الغيظ وما حكاية الظليمة التي تعرض لها ، ليترك إيحاء واضح لدى المتلقي عن مدى هول تلك المصيبة ، وقد حاول روح الامين شغل اغلب فضاءات اللوحة بالألوان وامتد برسمته وفق اقترابات من أسس البعد الثالث ليعطي عمقا منظوريا بارزا للرسمة فقد، شكل الالوان بتناغم خاص تتراوح ما بين البني الغامق والأصفر وتدرجاتهما فقد شكلت الألوان الغامقة بنية مهيمنة على أجواء العمل الفني حيث اتجهت صوب نقطة التلاقي المتمثل بالجسد المقدس وسط الجسر ،لتشكل بمجملها تكوينا عاما تتركز فيه الأشكال بواقعية مؤثرة وبإيحاء ديني وروحي مؤثر في المشاهد، مما يعكس فطنة الفنان بنقل صورة المقدس الى الاخر، فالألوان الغامقة المستخدمة في بناء اللوحة وطريقة اسقاطها على اللوحة - والتي يخترقها نور السماء - تعمق قوة التعبير الفني من خلال تناوله لهذه الموضوعة المفجعة التي تعج بالأسى واللوعة و تعكس الاجواء الحزينة والمأساة التي تسود هذا المكان وتدفع المتلقي للتأمل بهذا المشهد متأثرا بواقعية تجسيده لأحداث الواقعة الاليمة، وهنا نلاحظ ان حسن روح الامين قد وُفِق في إثارة الانفعالات الدينية للمتلقي من خلال استخدامه للغة العاطفة والوجدان المؤثرة يقترب من خلالها من واقعية الحدث واتخاذه للفضاء المفتوح، ليجعل منه مسرحا وزع فيه شخصيات العمل ليحاكي واقعية الحدث وفق منظور روحي، فأنشأ مركزاً بصرياً مضيئاً وسط اللوحة، جمع من خلاله زمن ومكان الحادثة، محققاً بذلك النجاح في إحالة الصورة الذهنية التي نحملها في الذاكرة لفاجعة استشهاد الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) إلى بنية جمالية احتضنت رموز لها دلالاتها المفهومة في الذهن الجمعي لمحبي اهل بيت النبوة الاطهار لتشكل بمجملها تأريخاً بصرياً يوثق تلك الفجيعة.

اللهم اجعلنا من الموالين المواظبين على زيارة شهيد المطامير.. اللهم وآتنا من لدنك في موالاته فضلاً واحساناً ومغفرةً ورضواناً.. انك ذو الفضل العميم والتجاوز العظيم برحمتك يا ارحم الراحمين. 

كاتب : سامر قحطان القيسي