المينا الزخرفية.. وهج من روح النفائس الفنية

تقنية المينا هي زينة بعض المصوغات النفيسة وروح بهجتها، اذ تعد هذه التقنية من الابتكارات الابداعية الشيقة والتقنيات الفذة التي استعاض الصائغ بها عن الاحجار الكريمة والوانها وثقل اوزانها وأسعارها المرتفعة، اذ تشع المينا الملونة على خلفية المعدن النفيس كأنها جواهر حقيقية لكنها من صنع الانسان، و الميناء عبارة عن مادة زجاجيّة تتشكّل من فتات زجاج، مذوّبة مع الرصاص والبورق، وملوّنة عبر إضافة الأكاسيد المعدنيّة مثل أكسيد الزرنيخ للون الأزرق، والحديد والمنغنيز للون الأحمر الأرجواني والقصدير للون الأبيض، وتحتاج هذه التقنية عادة الى درجة حرارة عالية لإذابة المينا على سطح المعدن تصل الى 780 درجة مئوية ولمدة تتراوح بين الدقيقتين الى دقيقتين ونصف وذلك نبعا لحجم ومعدن المصوغة.

وقد استخدمت المينا اول الامر في مصر واليونان وبلاد فارس، حيث استخدمت في زينة الحلي دون صقلها لكي يكتسب مظهرها وقع الاحجار الثمينة كأحجار اللازورد والفيروز، ومن ثم أصبح هذا الفن جميلا يجسد ذاته خاصة وانه يمكن اعداد تشكيلة متنوعة من ألوان المينا و نشرها على سطح التحفة الفنية، اذ تشير كثير من الدراسات التاريخية ان اقدم نماذج المينا تعود الى الاسرتين الحاكمتين الثانية عشرة والثالثة عشرة لمصر، حيث استخدم الصائغ المينا بطريقة البارد، أي على شكل شرائح من الزجاج أو الاحجار الثمينة مثل العقيق الاحمر واللازورد والفيروز طعّم بها المصوغة بمستوى سطحها فتظهر وكأنها مزينة بالمينا الملونة ، ومع تقدم الزمن وتطور الحضارات العربية والاسلامية استخدمت هذه التقنية وتطور استخدامها واصبحت متداولة بتركيباتها الكيميائية حتى في مؤلفات بعض علماء ومؤرخي الاسلام فقد ذكرت جمالياتها وتراكيبها في كتب الجاحظ والبيروني وغيرهم، وانتشر استخدام المينا في اغلب بقاع اراضي المسلمين واكتسبت مسميات واشكال والوان عديدة، ويلاحظ المتابع انه على الرغم من وجود عوامل مشتركة وأخرى مختلفة تميز تقنية المينا وتحفها، الّا ان فنونها تشترك عامّة بظاهرة استخدام المينا المفصّصة، فضلاً عن وحدة الالوان المستخدمة في مصاغ المينا وهي متمثلة بالوان الازرق الغامق والاخضر الفاتح والاصفر والاسود.

وقد شخصت تقنيات متعددة لاستخدام المينا، ونستطيع هنا ان نتطرق لذكر أوسعها انتشارا واكثرها استعمالا في تحلية المصاغات الاسلامية وهي اربعة انواع محددة تتمثل بــ:

1-  المينا المفصّصة : وهي أهم تقنية مينا استخدمها الصاغة الفاطميون والايوبيون والاندلسيون والمغاربة. ولانجاز هذه التقنية يؤخذ سلك معدني يشكّل بواسطته الزخرف المراد تزيينه بالمينا بواسطة لحمه عموديا على سطح المصوغة، فتكوّن هذه الاسلاك الشبكة الزخرفية التي تظهر على شكل خلايا فارغة يملاها الصائغ بمساحيق المينا بحيث يبقى كل لون مستقلا في " سجنه " ومعزولا بشكل محكم عن باقي الالوان، ثمّ توضع القطعة في الفرن لتسخينها واذابة المينا، بعدها يسحب النموذج من الفرن ويترك ليبرد وتتصلّب ألوانه، ثمّ تصقل لانتزاع الشوائب والحصول على الفاعليّة الزجاجية للمينا وعلى وقع تجاورها اللوني الزاهي.

2-  المينا المحفورة : التي شاع استخدامها في المصاغ المغولي الاسلامي في الهند. وهذه التقنية أيسر من سابقتها، كما انها معاكسة لها، فعوضا عن رسم النقش المراد تلوينه بأسلاك بارزة تثبّت على سطح المعدن، فانه في هذه الحالة يتكون بطريقة الحفر الذي يكوّن شبكة من القنوات الرقيقة مفصولة عن بعضها بحافات دقيقة تنشر عليها مساحيق المينا لتملا الاخاديد الزخرفية، بعدها يوضع النموذج في الفرن ليسخن ويبرد ويصقل بنفس الطريقة السابقة.

3-  المينا المرسومة : التي جوّد بها الصاغة الايرانيون؛ وهي تقنية مختلفة عن سابقتيها، حيث لا تفصل ألوان المينا عن بعضها بواسطة الاسلاك أو الحفر، وانما تتجاور ألوانها فوق سطح المصوغة. لذلك تعتمد المينا المرسومة على مهارة الصائغ في السيطرة على درجات الحرارة المختلفة اللازمة لإذابة الالوان المتنوعة للمينا كي لا تسيل فيختلط بعضها ببعضها الاخر.

4- المينا السوداء : التي تتميّز بدورها عن أنواع المينا المتقدمة، اذ يطعم الذهب أو الفضة ليس بمسحوق زجاجي كما في المينا الملونة، بل بمسحوق معدني هو خليط من الفضة والنحاس والرصاص والكبريت التي تمزج وتصهر ثم تبرّد وتسحن مكوّنة مادّة على شكل مسحوق أسود يشبه الكحل يتم استخدامه بنفس تقنية المينا المحفورة. وتزيّن بالمينا السوداء غالبا الفضة البرّاقة عالية العيار.

كاتب : سامر قحطان القيسي