902 ــ حسين الكربلائي (1281 ــ ١٣٢٨ هـ / 1866 ــ 1909 م)

حسين الكربلائي (1281 ــ ١٣٢٨ هـ / 1866 ــ 1909 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه‌ السلام) تبلغ (48) بيتاً:

نحته غداةَ اســــــــــــتوحدته بـ(كربلا)    براشقِ غدرٍ في الحشاشةِ غادرِ

وربُّ الـــــقضا لو لم يكنْ مبرمَ القضا    عـــــــليهِ مِن اللهِ العظيمِ بصادرِ

لأفنى بماضي عزمِه الندبِ ما على الـ    أقاليمَ مِـــــــــن باغٍ عنيدٍ وفاجرِ (1)

وقال في الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً من قصيدة تبلغ (43) بيتاً:

يغطّي شعاعَ الشـــــمسِ نقعُ جيادِها    فكظّتْ نواحي (كربلا) بالكتائبِ

تعاوتْ على الليثِ الهزبرِ وضيَّقتْ    عليهِ الأعادي واسعـاتِ المذاهبِ

تسومُ حسيناً أن يطيـــــــــعَ أميرَها    وطوعُ يديهِ حتفُ تـلـكَ المواكبِ (2)

الشاعر

الشيخ حسين بن علي الكربلائي، ولد في كربلاء، ونشأ في أجواء المجالس العلمية، ودرس العلوم الدينية لدى الشيخ حسين المازندراني، والسيد محمد باقر الطباطبائي، ودرس علوم اللغة والأدب لدى الشيخ كاظم الهر والشيخ كاظم أبو ذان.

عاش حياة مادية بائسة مما اضطره لمغادرة كربلاء إلى الناصرية وتحديدا الشطرة الشطرة فوجد فيها من يعينه على أمر دنياه وهو الشيخ ساير النجدي وبقي يتردد بين كربلاء والشطرة، وكان يحل ضيفاً على الشيخ محمد بك بن منصور باشا أحد شيوخ المنتفك الذي كان يستقبله بحفاوة بالغة وتقدير كبير.

وكان الشيخ حسين يقول الشعر باللهجتين الفصحى والعامية. وعاصر عباقرة الشعر الشعبي في وقته أمثال الحاج زاير الدويج، وحسين العبادي، وعبد المهدي آل حافظ وغيرهم واحتل مكانة كبيرة بينهم. (3)

قال عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (حدثني أكثر من عاصره فقال: كان كثير التلاوة للقرآن الكريم لا سيما وقت الصباح الباكر، وكان كلما يتلو القرآن في مسكنه يتجمع الناس قرب باب داره الكائنة في زقاق شير فضة، لينصتوا ويستمعوا معجبين بصوته الرخيم الشجي، وكان كل من يسمع لهذا الذكر يخفق له قلبه وتخشع نفسه، وقد رأينا أثر الاقتباس من القرآن واضحا في شعره الشعبي معنى ولفظا) (4)

وقال عنه الشيخ إبراهيم موسى الكرباسي: (كان له الصدارة بين الشعراء الشعبيين ما دفعته في نفسه روح الانطلاقة والتجديد) (5)

وذكره السيد جواد شبر منوِّهاً فقط إلى ترجمتي طعمة والكرباسي (6)

قضى الكربلائي شطراً من عمره متنقلاً بين كربلاء والناصرية حتى توفي في كربلاء ودفن في صحن أبي الفضل العباس (عليه السلام)

شعره

قال من قصيدته الأولى:

قضى ظامياً في (الطـــــفِّ) سبطُ محمدٍ    خميصَ الحشا تحتَ القنا المُتشاجرِ

بـــأهلي ونفسي صــــــاديَ القلبِ طاوياً    ومِـــــــن دمِـه تُروى شفارُ البواترِ

رمــــــــــــته بنو حـــــربٍ بأسهمَ بغيها    وليسَ لــــــــــديهِ مِن محامٍ وناصرِ

نسـوا جدَّه الـــــهــــادي الـنبيَّ وضيَّعوا    بقتلهمُ للسبــــــــــطِ قربى الأواصرِ

فـــما زالـتِ الــــشحناءُ مـلءَ صدورِهمْ    وقد ورثوها كابـــــــــــراً بعدَ كابرِ

فجرَّتْ لحــــربِ السبطِ جـيشاً عرمرماً    تسدُّ الفضا بالعادياتِ الــــــــضوامرِ

بعتبةَ جــــــــــــــــــاؤا يـطلبونَ بثأرِهمْ    مِن اللهِ لا مِن حيدرٍ يومَ عــــــــاشرِ

نــــحته غداةَ استوحــــــــدته بـ(كربلا)    بــــــراشقِ غدرٍ في الحشاشةِ غادرِ

وربُّ القضا لو لم يكــــــنْ مبرمَ القضا    عليــــــــــــهِ مِن اللهِ العظيمِ بصادرِ

لأفنى بماضي عزمِه النـدبِ ما على الـ    أقاليمَ مِن بــــــــــــــاغٍ عنيدٍ وفاجرِ

ولكـــــــــــــــنه قد شاءَ يـمسي موزَّعاً    ببيضِ المواضي والرماحِ الشــواجرِ

دعاهُ إلى اللقيا فـــــــــــــــــلبَّاهُ مُسرعاً    فـــــــــــــخرَّ كبدرٍ في الدجنَّةِ زاهرِ

فـــــــــــضجَّتْ له الأملاكُ حـينَ هويِّهِ    ونــــــــاحتْ عليهِ جامداتُ المحاجرِ

وأعظمُ خــــــــطبٍ أنَّ مِن أفـقِ الهدى    هوى بـــــــدرُها يستامُ برجَ المفاخرِ

وخرَّ ومنه البُــــــــــــــردُ فـيهِ مفاخراً    وعفَّرَ خدَّيــــــــــــهِ وميضُ الهواجرِ

علا جــــــسمَه الأعداءُ عـدواً تسابقتْ    فــــــــــــرضَّتْ قواهُ خيلُها بالحوافِرِ

ولهفي لربَّـــــــــاتِ الـخدورِ وقد بدتْ    حواسرَ يــــفديها الورى مِـن حواسرِ

فزعنَ مِن القـــــــــــــــومِ اللئامِ نوادباً    إلى ابنِ أبيهــــــــا بينَ تلـكَ العساكرِ

يصدِّعنَ شجواً قلبَ كــــــــلِّ محاربِ    ويُبكينَ مِن بثِّ الـــــــجوى كلَّ ناظرِ

رأينَ على الغبرا الحسيــــــــنَ مُجدَّلاً    سليبَ الرِّدا تكسوهُ مُرَّ الأعـــــــاصرِ

عنِ الشمسِ إحداهنَّ قامتْ تــــــــظلّه    وتــــــــــرويهِ أخرى بالدموعِ البوادرِ

ولـــــــــمْ أنسَ مُذ ألفته زيـنبُ بالعرا    صريعاً ومـنـه الرأسُ مِن فوقِ خاطرِ

يلوحُ كبـــــــــــدرٍ في غـياهبِ نقعِها    وأنـــــــــــــــوارُه تجلو ظلامَ الدياجرِ

تجلّى سناهُ في ســــــــــــــماءِ جلالهِ    ليخرقَ أستارَ الــــــــــــــعُلا والمفاخرِ

فحنَّتْ وقد جفَّتْ مدامعُ جــــــــــفنِها    وأبكى شجاها كلَّ بادٍ وحـــــــــــــاضرِ

تناديهِ يا مُردي الجحافلَ في الورى    ومـــــــــــخضعَ أعناقِ الليوثِ الخوادرِ

فمَن لي أخي إن زَمَّتِ العيسُ بالنسا    وأزعجهــــــــا حادي الظعونِ السرائرِ

حرائرَ لمْ يعرفنَ ما السبيَّ والسرى    ولا رُوِّعتْ يومــــــــــاً بزجرِ الزواجرِ

تريدُ بها الأعـــــــــداءُ لابنِ طليقِها    أسارى عـــــــــلى عجفِ النياقِ الدوائرِ

أبالرغمِ نُــــسبى أمْ بذاكَ لكمْ رضا    وأنـــــــــــــتمْ حماةُ الجارِ مِن كلِّ جائرِ

فقمْ رُدَّ يا ابنَ الــــــــــطيبينَ لطيبةٍ    ظعونَ نســـــــــــــــاءٍ حاسراتٍ سوافرِ

وقال في الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً من قصيدة تبلغ (43) بيتاً:

فذكَّرني يوماً بهِ بكتِ الســــــــــــــــــما    على فقــــــــــــــدِه واندكَّ شمُّ الشناخبِ

بيومٍ عدتْ تنزو لحـــــــــربِ ابنِ حيدرٍ    عــــــــــلوجُ بني حربٍ كنزوِ الجنادبِ

يغطّي شعاعَ الشـــــــــــمسِ نقعُ جيادِها    فكظّتْ نواحي (كربلا) بــــــــــالكتائبِ

تعاوتْ على الليثِ الهزبرِ وضـــــــيَّقتْ    عليهِ الأعادي واسعـــــــــاتِ المذاهبِ

تسومُ حسيناً أن يطيــــــــــــــــعَ أميرَها    وطوعُ يديهِ حتــــــــــفُ تلكَ المواكبِ

أبتْ نفسُه الــــــــــــــعلياءُ ينقادَ خاضعاً    وفي كفِّهِ مـــــــاضٍ صقيلِ المضاربِ

فكرَّ فريدُ الدهرِ فرداً على العـــــــــــدى    ففرّقَ بالتيّارِ جمعَ المــــــــــــــــقانبِ

فغيَّرَ مُذ شبّ الوغــــــــــــــــــى بفرندِهِ    وجوهَ العدى واســــــــتنَّ كلَّ محاربِ

همامُ إذا اشتدَّ الكفاحُ تقاعـــــــــــــــستْ    تقدَّمَ لا يخـــــــــــشى ورودَ المعاطبِ

هزبرٌ هموسُ الليلِ عــــــدَّاءُ في الوغى    فكمْ جــــــبَّ منهمْ في اللقا كلَّ غاربِ

متى كانَ ليثُ الغـــــابِ إن شبَّتِ الوغى    تروِّعُه فيها نباحُ الأكــــــــــــــــــالبِ

جثا ثاوياً للأرضِ مِــــــــن جثثِ العدى    عمائرُها أضحتْ قـــــصومَ الزواغبِ

فثمَّ جناها الــــــــــــندبُ شـعواءَ قد أتتْ    ترومُ القِرى العقــــبانُ مِن كلِّ جانبِ

فلو لمْ يكنْ صرفُ القضــــــــاءِ بصادرٍ    عليهِ مِــــــــــــــن اللهِ العظيمِ وغالبِ

لعفَّرَ مِن صمـــــــــــــــصامِه كلَّ دارعٍ    هــــــــــناكَ وأفنى كلَّ ماشٍ وراكبِ

ولكنه قد شاءَ يغـــــــــــــــــــــــدو دريَّةً    لبيضِ المواضي والرمــاحِ السوالبِ

دعــــــــــــــــــــاهُ إلى اللقيا فشامَ فرندَه    وردَّ الــــعفرنى عن قتــالِ المحاربِ

فسارَ إلى نحوِ المخيَّمِ شــــــــــــــاخصاً    بعينيهِ نــــــحوَ الطاهــراتِ النجائبِ

تفرَّقتِ الأعـــــــــــــــداءُ مِن كلِّ جانبٍ    عليهِ وراشتـــــــــه سهــامَ الشواغبِ

تـــــــــــــــــلقّى سهامَ المارقينَ بصدرِهِ    أصيبَ بسهمٍ في الـــحـشاشةِ صائبِ

هـــــــــــــــوى هيكلُ التوحيدِ للهِ ساجداً    رشيشَ الجواني بالنــــبالِ الصوائبِ

توسَّدَ رمـــــــــــــــــضاءَ الهواجرِ خدُّه    سليبَ الردا دامي الحــــشا والترائبِ

بروحيَ أفدي صاديَ القلـــــــبِ قد غدا    لسمـــــرِ القنا نهباً وبيضِ القواضبِ

لمصرَعِهِ أمُّ الـــــــــــــــفخارِ بكتْ دماً    عليهِ وأحــــــــــداقُ العلى والمناقبِ

بكته السما والأرضُ ثـــــــــــمَّ بكتْ له    جفونُ العوادي الصاهلاتِ السلاهبِ

ستبكيهِ ما دمـــــــــنا العيونُ وإن خلتْ    نزدها دموعاً بالـــــــــقلوبِ الذوائبِ

فقُلْ لبني المعروفِ كفّــــــوا عن العلى    مضى واحدُ الدنيا وغيــثُ المجادبِ

أرى الأرض حـــــــالتْ بعدَه وتناثرتْ    غداةَ هوى للأرضِ زهــرُ الكواكبِ

فـــــــــــماتَ الهدى فـلترثِهِ ألسنُ التقى    وليثُ الوغى فليبكهِ كلُّ قـــــــاضبِ

فحقُّ المعالي بعدَ قتــــــــــلِ ابنِ حيدرٍ    تــــــــــعطّ عليهِ القلب قبل الجلابب

فعطّتْ عليـــــــــــــــه الأبعدونَ قلوبَها    مِن الوجدِ فضلاً عن قلوبِ الأقاربِ

لـــــــــــــــزينبَ لهفي عندَ قتلِ شقيقِها    بدتْ بحشــــــا مِن شدَّةِ الوجدِ ذائبِ

فصاحتْ بصوتٍ يصدعُ الصلدَ شجوُه    وهُدّتْ له شجــواً رؤوسُ الأهاضبِ

تنــــــــــاديهِ مُذ ألفته في الطفِّ عارياً    بأهلي مرضــوضَ القوى والجوانبِ

فيا ليتنــــــــــــي مِن قبلُ مُتُّ ولم أكنْ    أراكَ كسيرَ الـصدرِ دامي الرواجبِ

فمَن لليتامى يا ابــــــــــــــنَ أمِّ وللنسا    إذا طوَّحتْ فيهـــــــــا حداةُ الركائبِ

تريدُ بها الشامَ الشؤومَ حــــــــــواسراً    على هزلٍ أسرى بأيـــــدي الأجانبِ

..........................................................

1 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 341 ــ 344 / أدب الطف ج 8 ص 218، 6 أبيات / البيوتات الأدبية في كربلاء ص 526 ، 6 أبيات

2 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 344 ــ 346

3 ــ نفس المصدر ص 332 ــ 333

4 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 334

5 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 525 ــ 526

6 ــ أدب الطف ج 8 ص ٢١٧

كاتب : محمد طاهر الصفار