898 ــ جواد محي الدين (1241 ــ 1322 هـ / 1826 ــ 1904 م)

جواد محي الدين (1241 ــ 1322 هـ / 1826 ــ 1904 م)

قال من قصيدة في رثاء الشيخ مهدي كاشف الغطاء والسيد علي الطباطبائي تبلغ (30) بيتاً:

فقل ويكِ للأرزاءِ كــفّي عن الورى     فقد بلغتْ بالرغمِ منها مرامَها

وطافتْ بأرجاءِ (الطفوفِ) فأطفأتْ    سراجَ معاليها وأرختْ ظلامَها

وقد راحــــــــتِ الدنيا تموجُ بأهلِها    لـعمركَ هل شاءَ الإلهُ انعدامَها

فكمْ طبّقتْ بالـــــحزنِ شجواً لنازلٍ    يــــــزلزلُ منها سهلَها وأكامَها (1)

الشاعر

الشيخ جواد بن علي بن قاسم بن محمد بن أحمد بن الحسين بن علي بن محي الدين بن الحسين بن فخر الدين بن عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي جامع العاملي الحارثي الهمداني النجفي، (2) من آل أبي جامع العاملي، عالم وأديب وشاعر، ولد في النجف الأشرف، من عائلة علمية يعود أصلها إلى جبل عامل ــ لبنان ــ وقد هاجر جدها الأعلى أبو جامع إلى العراق وسكن النجف وبرز منها أعلام الفقه والأدب.

قال السيد محسن الأمين عن هذه الأسرة: (آل أبي جامع وآل محيي الدين آل أبي جامع - الذين اشتهروا أخيرا بال محيي الدين- : بيت علم وفضل أصلهم من جبل عامل وانتقل بعضهم للعراق وبقيت ذريتهم في النجف إلى اليوم منهم أهل علم ومنهم عوام، ولهم عقب في جبل عامل في النباطية وجبع يعرفون بال محيي الدين، وذكر منهم جماعة في أمل الآمل تجدهم في تضاعيف هذا الكتاب، وقد وصلنا كتيب من تأليف أحد علمائهم وهو الشيخ جواد آل محيي الدين النجفي الذي عاصرناه ورأيناه في النجف الأشرف، وتأتي ترجمته في بابها سماه ملحق أمل الآمل اقتصر فيه آل أبي جامع خاصة الذين لم يذكرهم صاحب الأمل أو تأخروا عن عصره، فأثبتناهم في هذا الكتاب كلا في بابه وقد أتحفنا به الفاضل السيد محمد صادق بن السيد حسن بن السيد إبراهيم الشاعر المشهور الطباطبائي الحسني النجفي، وعلق عليه بعض تعليقات نثبتها له، ثم وجدنا نسخة مع بعض فضلاء آل محيي الدين بأبسط من ذلك، قال مؤلف ذلك الكتيب: لما كان صاحب أمل الآمل ذكر جملة من أجدادي قدس سرهم ولم يذكر الجميع لعدم وصول خبرهم إليه لما نالهم من التغرب والشتات أحببت أن أودع هذه الورقات ذكر من لم يذكرهم من المتقدمين عليه ومن تأخر عنه إلى زماننا وهو سنة 1280 وسبب مهاجرته وأول من هاجر منهم إلى العراق من بلاد جبل عامل، ثم ذكر سبب نسبتهم إلى أبي جامع وهو أن أحد أجدادهم بنى جامعا في جبل عامل فقيل له: أبو جامع أقول: لا يبعد أن يكون له ولد يسمى جامعا، فان ذلك مذكور في الأسماء، ويوجد قرب قرية كفر حتى في ساحل صيدا عين ماء يقال لها عين أبي جامع يشبه أن تكون منسوبة إلى جده هذا، أما أن يقال له أبو جامع لأنه بنى جامعا فبعيد. قال: ونسبتهم إلى الحارث الهمداني صاحب أمير المؤمنين عليه السلام. وقال في حق صاحب الترجمة: أنه كان عالما فاضلا فقيها مبرزا، له من الأولاد الشيخ محمود كان عالما فاضلا والشيخ محمد علي لم أقف على أخبارهم. وقال السيد محمد صادق الطباطبائي المتقدم فيما علقه: كانت وفاة الشيخ محمود في أوائل القرن الثاني عشر وكذا وفاة ابنه الشيخ محمد وكان عالما فقيها جليل القدر، ووفاة الشيخ علي ابن الشيخ أحمد المذكور سنة 1150 وكان عالما فاضلا محققا ورعا آل فخر الدين الذين في النجف والنباطية هم من آل أبي جامع وآل محيي الدين وكذلك، يحكى عن الشيخ جواد محيي الدين أن آل شرارة وآل شرف الدين الذين يسكن النجف الأشرف منهم عدد كثيرهم من آل أبي جامع، ومن المعروف أن آل مروة ينتمون إلى آل أبي جامع فهم من ذرية الشيخ عبد الصمد أخي البهائي لا من ذرية البهائي، لأن الظاهر أن البهائي كان عقيما) (3)

نشأ محي الدين في أجواء العلم والأدب فقد تدرج أبناء هذه الأسرة في حلقات ومجالس العلم يقول السيد محسن الأمين في ترجمته: (وجده الشيخ عبد اللطيف كان شيخ الاسلام في تستر وأولاده المذكورون في هذه السلسلة كلهم علماء إلى المترجم ولعل آباءه إلى أبي جامع الذي جاء من جبل عامل إلى العراق كذلك .. وآل محيي الدين وآل الشيخ عبد اللطيف وهم الشيخ عبد اللطيف والشيخ محيي الدين بن عبد اللطيف والشيخ حسين ابن الشيخ محيي الدين والشيخ علي ابن الشيخ حسين والشيخ محمد ابن الشيخ قاسم والشيخ يوسف ابن الشيخ جعفر والشيخ محمد ابن الشيخ يوسف والشيخ يوسف ابن الشيخ محمد ابن الشيخ يوسف محيي الدين والشيخ رضي الدين من آل محيي الدين روى الشيخ جواد محيي الدين المترجم له، إن أكثر هؤلاء دفن في الحجرة الغربية في الزاوية من صحن الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه). (4)

درس محي الدين على يد أعلام العلماء في النجف منهم: الشيخ مهدي بن علي بن جعفر كاشف الغطاء وأخوه الشيخ جعفر، والسيد علي بن رضا بحر العلوم الطباطبائي ــ صاحب البرهان القاطع ــ، والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ محسن بن خنفر، ومرتضى الأنصاري، والشيخ محمّد حسين الكاظمي، والسيد محمد تقي الطباطبائي صاحب بلغة الفقيه مدة طويلة. حتى أصبح فقيها كبيراً، ثم تصدّی للتدريس والبحث، وكان لا يدرِّس إلا الفقه، ومن تلامذته الشيخ أحمد بن علي كاشف الغطاء (5)

ومن تلامذته أيضاً سبطه العالم والشاعر الشيخ قاسم بن حسن بن موسى محيي الدين، الذي ولد في قبل وفاة والده بسنة واحدة، فكفله جدّه الشيخ جواد محي الدين ثمّ خاله الشيخ أمان بن جواد محي الدين، والشيخ أمان هو الولد الوحيد للشيخ محي الدين وهو والد الدكتور عبد الرزاق محي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي الأسبق. (6)

كان الشيخ جواد محي الدين من أعلام الفقه في النجف، قال عنه السيد محمد صادق بحر العلوم: (كان عالماً فاضلاً فقيهاً شاعراً ماهراً أديباً بليغاً ديِّناً ثقة، وقد جد في تحصيل العلوم وواظب على البحث والتدريس وكانت تقام معه الجماعة للصلاة في الصحن الشريف ويأتم به جم غفير، وكان حسن الأخلاق متواضعاً مزاحاً) (7)

وقال الشيخ محمد حرز الدين: (كان عالماً عاملاً فقيهاً، أديباً ينظم الشعر الرائق، له نوادر أدبية كثيرة...) (8)

وقال الشيخ جعفر آل محبوبة: (كان فقيهاً شاعراً ماهراً أديباً ثقة… حسن الخُلق، متواضع مزّاح) (9)

وقال السيد محسن الأمين: (كان عالماً فقيهاً شاعراً أديباً ثقة صالحاً أحد فقهاء العرب في النجف الأشرف لا يدرّس إلّا في الفقه وكان معروفاً بتدريس اللمعة وله إمامة في الصحن الشريف. وكان من جملة الأئمة العدول في النجف له مجلس درس رأيناه في النجف الأشرف وعاصرناه وعاشرناه) (10)

وقال الشيخ مهدي كاشف الغطاء (كوكب رشاد المهتدين وبقية الأماجد المجتهدين من آل محي الدين البارع بصنوف الآداب والصادع في بيان البيان بأفصح نطق وأبلغ خطاب زبدة ذوي الفضائل والألباب والداخل في بيوت المعارف واللطائف من كل باب الأكرم الأعلم جناب الشيخ جواد محي الدين المحترم) (11)

قال الأستاذ علي الخاقاني: (وشعره كله محفوظ عند أحفاده لو جُمع لكان ديواناً وهو من النوع المقبول الجيد في عصره...) (12)

وقال الشيخ آغا بزرك الطهراني: (عالم جليل… وكان شاعراً أديباً، له شعر كثير) (13)

وقال الشيخ محمّد هادي الأميني: (كان فقيهاً شاعراً متواضعاً متتبّعاً مجتهداً) (14)

وللشيخ محي الدين مؤلفات عدة في الفقه والأدب والرجال منها: (رسالة في الطهارة)، (ملحق أمل الآمل)، (منظومة في أحكام الشكوك في الصلاة)، (أرجوزة في أوقات الاستخارة من أيام الأسبوع)، (ديوان شعر)، (رسالة آل أبي جامع) قال عنها الشيخ أغا بزرك الطهراني: (تراجم آل أبي جامع العاملي‌: في ذكر أحوال العلماء من هذا البيت العلمي القديم للشيخ محمد الجواد بن علي بن قاسم بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن محي الدين الثاني ابن الحسين بن محي الدين بن عبد اللطيف الجامعي الذي كان شيخ الإسلام في تستر في (1042 هـ) إلى أن توفي (1050 هـ) وأولاده كلهم علماء إلى أن يصل إلى المؤلف هذا وهو العالم الجليل المعمر المتوفى في النجف (1322 هـ)، قد ذكر فيه تراجمهم و تراجم فروعهم إلى عصره، و فرغ من تأليفه (1280 هـ) والنسخة بخطه عند أحفاده المؤلف و استنسخ عنها سيدنا أبو محمد الحسن صدر الدين وغيره) (15)

توفي الشيخ جواد محي الدين النجف الأشرف بالوباء وقد ناف عمره الثمانين ودفن في الصحن الحيدري الشريف (16)

شعره

قال مخاطباً أمير المؤمنين (عليه السلام):

أبـا السبطِ هل أرجو سواكَ إذا بدا    دجى العسرُ لي يسراً وكنتَ له فجرا

وهل يختشي جورَ الزمانِ مجاورٌ    أعــــــــــــدَّكَ دونَ العالمينَ له ذُخرا (17)

وقال فيه (عليه السلام) أيضاً:

يا حيدرَ الطهرِ مهما أعوزتْ حِرفٌ    فأنتَ حرفةَ مَن يبغي له حرفا

ســـيِّرْ سفينَ رجا في ريحِ يسرِ ندىً    فــإنّه في بحارِ العسرِ قد وقفا (18)

وقال:

إذا سُدّتِ الأبوابُ في كلِّ حاجةٍ    فــــــــــــدونَكَ باباً ليسَ يوماً بمغلقِ

ودعْ كــلَّ بابٍ ما سواهُ ولجْ بهِ    وسَل باسطَ الأرزاقِ ما شئتَ تُرزقِ (19)

وقال في الإمام علي (عليه السلام) أيضاً إثر معجزة حدثت في الصحن الشريف:

فَـــــــــتح البابَ لأجلِ الزائرين    قـــــــــــالعُ البابِ أميرُ المؤمنينْ

كم له من مــعجزاتٍ في الأنامْ    بزغتْ كالشمسِ في داجي الظلامْ

وله ضــــــربةُ عمروٍ بالحسامْ    مـــــــلأتْ بالرعبِ قلبَ الخافقينْ

ليسَ فتحُ البابِ بالأمرِ العجيبْ    بعدَ ردِّ الـــشمسِ مِن بعدِ المغيبْ

قالعُ الصخرةِ عن وجهِ القليبْ    حيدرٌ إذ أظـــــــــهرَ الماءَ المعينْ

فهوَ الساقي بــــحوضِ الكوثرِ    وله الأمرُ بيومِ الـــــــــــــــمحشرِ

يأمرُ النارَ خُــــــذي ذا وذري    ذا، وذا مِن أمرِ ربِّ العالــــــمينْ

خصَّه المختارُ فـــاخـتارَ أخاه    وعـــــــلا عن أن يُدانى في عُلاهْ

نزلَ القرآنُ نصَّاً فــــــي ولاه    فهوَ المــــــــــــولى لكلِّ المؤمنينْ

لُذْ به مهما تخفْ مـــــعتصما    فهوَ الحامي إذا عــــــــــزَّ الحِمى

سيِّدٌ عــــــــــــمَّ البرايا كرما    حجَّةُ اللهِ شــــــــــــــــفيعُ المذنبين

كلّمَ الثعبانَ فـــــــــوقَ المنبرِ    صاحبُ الرايةِ يومَ خــــــــــــــيبرِ

وحديثُ الطائرِ المـــــــشتهرِ    آذنوا بـــــــــــــالنصّ فيهِ الفرقتينْ (20)

..............................................................................

1 ــ شعراء الغري ج 2 ص 168 ــ 169 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٧٨

2 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٧٧

3 ــ أعيان الشيعة ج 3 ص 41 في الشيخ أحمد بن علي بن حسين بن محيي الدين بن حسين

 4 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 277

5 ــ نفس المصدر ص 278

6 ــ الاستاذ الدكتور عبد الرزاق محي الدين 1910 ــ 1983 وقفة عند سيرته ، ومواقفه ، ومؤلفاته بقلم: ا. د إبراهيم خليل العلاف صحيفة دنيا الوطن بتاريخ 18 / 3 / 2016

7 ــ الدرر البهية في علماء الإمامية ص 39

8 ــ معارف الرجال ج 1 ص 191 رقم 86

9 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 303 رقم 5

10 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 278

11 ــ شعراء الغري ج 2 ص 164 عن مجموعة الشيخ مهدي كاشف الغطاء

12 ــ شعراء الغري ج 2 ص 165

13 ــ طبقات أعلام الشيعة ج 13 ص 334 رقم 683

14 ــ معجم رجال الفكر والأدب في النجف ص 403 رقم 1712

15 ــ الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة ج 4 ص 56

16 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٧٨

17 ــ شعراء الغري ج 2 ص 166 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٧٨

18 ــ شعراء الغري ج 2 ص 166 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٧٨

19 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٧٨

20 ــ شعراء الغري ج 2 ص 167

كما ترجم له:

أغا بزرك الطهراني / مصفى المقال في مصنفي علم الرجال ص 115

السيد حسن الصدر / تكملة أمل الآمل ص 126

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 2 ص 142

حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 1 ص 47

عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج ٣ ص ١٦٧

كاظم عبود الفتلاوي / مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف رقم 100

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 1 ص 441 ــ 442

كاتب : محمد طاهر الصفار