جماليات أشكال الفخار في الفنون الشعبية..

        تهتم الفنون الشعبية بالمظاهر الحضارية التي تحمل طابعا مميزا، اذ استطاع الفنان بهذه القوة الإبداعية أن يجتاز الزمن لتصلنا الاعمال الفنية ذات الطابع الشعبي بعنفوان يدهشنا ويضل عبر الزمن مثالا حياً يحتذى به.. نتعرف على جوهره وندرك إبعاده الإبداعية لغرض الاستفادة منها في الابداع المعاصر.

 وان تنوع بيئة ارض الرافدين الجغرافية والبشرية أدى إلى ظهور أنواع وأساليب لفنون شعبية متنوعة استطاعت المخيلة الفنية العراقية إن تطبعها بطابع محلي مميز، فيمكن لنا من خلالها أن نستكشف مدى انضوائها تحت لواء الفكر الإسلامي، وتمثل الفنون الشعبية فنونا تطبيقية متوارثة تحكمها علاقات بيئية معينة تختلف باختلاف مواقع الجماعات التي تتبناها لتربط الأثر الفني بالوظيفة، فالفنون الشعبية هي الشيء المشترك بين عدد كبير من الناس كونها تصور أفكار الجماعة وتضفي عليها مغزى رفيعا، وتلقي في نفس الوقت مظهرا باهر على الأشياء المعتادة وإسباغ روعة المجهول على ما نصادفه كل يوم، فالفنان الشعبي اخذ من مورثه التاريخي مفاهيم روحية لواقع غير ملموس في ذاته، وأضاف إليها صيغا ذات مغزى من مظاهر مجتمعه المألوفة، وانعكس على اغلب مجاميع الفنون الشعبية المتمثلة بفنون العمارة وفن الفخار و التصوير وفنون السجاد والأزياء والحلي على اختلاف خاماتها.

  يعتبر فن الفخار من أرقى الفنون التي عرفتها الإنسانية ولازمت الحضارات المختلفة منذ أقدم العصور، فقد عرفت الفخاريات بألوانها الجميلة وصناعاتها الدقيقة والزخارف المستخدمة المزينة لها، ويعود سبب ازدهار صناعة الفخار في العراق، إلى وفرة الطين الصالح لإنتاج الفخاريات، فضلا عن الجو الحار لما له من تأثير في تجفيف الأشكال المصنوعة من الطين في مدة زمنية قليلة نسبيا بعكس الجو البارد، وتعد صناعة الفخار من أهم الحرف اليدوية التي استخدمها الإنسان منذ العصور الحجرية في حياته المنزلية والعملية، وللفخار تاريخ في حضارتي العراق ومصر القديمتين، والتي تميزت بألوان متعددة مثل الأبيض، والأصفر، والأحمر، والأصفر الليموني، والأخضر، والفيروزي، فضلاً عن اللون البنفسجي المائل إلى الأحمر، واستعملوا الخزف لشتى الأغراض سواء الاستعمال اليومي كالأواني أو كتحف للزينة، وصنعوا الفسيفساء الخزفية، والبلاط لكسوة العمائر من الداخل والخارج ، وقد اشتهرت بلدان العراق ،ومصر، وسوريا ،والمغرب بفن الخزف دون غيرها من البلدان العربية ، حيث وجدت الكثير من القطع الخزفية العربية في المتاحف العربية والمتاحف العالمية.

اهتم صانع الفخار الشعبي في صنع أشكاله من خلال حاجته إليها وعلاقته بالعادات، والتقاليد الاجتماعية التي لها دور في الصناعة، فمثلا صنع  الفخار العراقي ما يسمى (أم سبع عيون) ،والأباريق الشعبية التي تستخدم في أعياد الربيع، ذات الأشكال التراثية التي ترجع إلى دور جمدة نصر، أو أواخر الألف الرابع (ق.م)، وقد صنع الفنان أوان فخارية كثيرة وكبيرة الحجم المتمثلة بالزير الفخاري الذي تستخدم لتبريد المياه، ،وكانت الأشكال التي صنعها الفخاري بسيطة ومرتبطة بالفخاريات القديمة، وحاول أن يظهر كثيرا من القيم الفنية في أشكاله، إضافة إلى وجود أشكال حيوانية مثل الطير والديك والفيل.

أما الالوان المستخدمة في الفخار الشعبي فهي عبارة عن مجموعة من انواع الدهان والمساحيق اللونية، وتعمل في نفس الوقت الأيادي الشعبية بمخيلة وخبرة واسعة أشكالا نحتية من الطين هي في الاصل مستخلصة من أشكال موروثة من الحضارات القديمة ،كأشكال الأسود والثور المجنح براس إنسان والطير، وقد استخدم الفنان الزخرفة بأنواع مثل الزخرفة النباتية والحيوانية والهندسية، وقد استخدمها الإنسان في أوانيه منذ الأدوار الحضارية الأولى ،أي منذ عصر حسونة، وسامراء ، وحلف والعصور التي تلتها.

  بلغ فن صناعة الفخار اوج عظمته في العصر الإسلامي ،حيث اصبح الفن الإسلامي متنقلاً بين مراحل الفنون الزخرفية المستخدمة في الفخار الشعبي والتي نتج عنها ثلاثة أنواع من الزخارف تمثلت بالزخارف المحززة (المحفورة) والزخارف بواسطة الإضافة الطينية، فضلاً عن الزخارف الملونة، وقد كانت هذه الزخارف امتداد لزخارف الإنسان القديم ومرتبطة بها بشكل او بآخر، تأثر بها الفخاري العربي المسلم، ولم يحاول الفخاري أن يغير منها شيء ،وبقيت تكرر نفسها لتكون تارة هندسية كالمثلثات والمربعات واخرى نباتية او حيوانية.

   اما على صعيد صناعة الزجاج والتي تمتاز بجمال لونها ورقتها ونقاوتها ودقتها في الزخرفة فقد شملت الأواني والأكواب والمزهريات للاستعمال اليومي، وكذلك القوارير الصغيرة لحفظ العطور والأدوية، وقد برع الفنانون السوريون بإنتاج التحف الزجاجية المذهبة ،والمطلية بالمينا ونرى التحف المعدنية وخاصة في بلاد الجزيرة العربية التي كانت غنية بمناجم النحاس الأحمر وهو المادة الأولية لصناعة التحف البرونزية وكذلك صدرته إلى بلاد الشام. فاشتهرت الجزيرة العربية بصناعة الحلي والمجوهرات الفضية والذهبية واشتهرت الموصل في العراق بالأباريق والمزهريات ،والقناديل ،والشمعدانات، والمباخر، وصناعات أخرى كالأسلحة والدروع، والمعدات الحربية ،والخوذ. وفي بلاد الشام صنعت التحف المعدنية بأيدي فنانين مهرة كالأواني المصنوعة من النحاس المكفتة بالفضة وكذلك الأواني المصنوعة من النحاس المطروق المزين بالزخارف، أو الكتابة، والمكفت بالفضة. وقد تنوعت الصناعات المعدنية فنرى الأبواب، والشبابيك، والثريات ،والصناديق والكراسي، والمقالم، والمباخر ،والأباريق وكذلك التصميم الجميل للأثاث مثل الدكة التي تشبه السرير المصنوع من الخشب والمطعم بالعاج والأبنوس ،وطاسات من النحاس المنقوش بالفضة الخالصة.                             

كاتب : سامر قحطان القيسي