مدخل الى النور..

 لا اختلاف على ان لمداخل المساجد والأضرحة المقدسة وابوابها مكانة مهمة ضمن طرز فنون العمارة والزخرفة كونها اصبحت قطعاً فنية مهمة لإبراز جماليات الفن المعماري، ففي اغلب المراقد ذات العمارة البسيطة تكون مداخلها وابوابها بسيطة وليس فيها فن مميز، اما في العمارات المتوسطة الضخامة فان ابوابها ومداخلها على الغالب تكون مصنوعة من الاخشاب الفاخرة المنقوشة على طراز معين وياشتغال يدوي ، ولهذه الابواب ضخامة واضحة وبعضها محلى بقطع معدنية مقرنصة، والبعض من هذه الابواب تكون من الحديد، ومع هذا فلا يمكن قياس فنها مع ما هو واضح في المراقد المقدسة الضخمة العمارة. فأبواب مراقد الائمة الاطهار تمثل قطعاً فنية رائعة وبتشكيلات فنية من  الذهب والفضة مطعمة بقطع من انواع الميناء الثمينة، وهي في الغالب مغلفة بقطع زجاجية ضخمة لتبدو للناظر بتجسيم ذي نكهة روحية وبعد قدسي رائع.

المصورات اعلاه نماذج لأحدى ابواب مرقد سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة، ويرى المتأمل لهذه النماذج انها نظمت وفق مبدأ التوازن المتماثل على خط المحور العمودي لوحدات التكوين الزخرفي بشكل عام مع تقسيم رباعي ضمني، حيث ضمت التكوينات زخارف نباتية لزهور بسيطة ومركبة مع قلوب وآنية ذات قاع مستقيم ، وقد تمثلت جماليات التكوينات الزخرفية في هذا النموذج الفني الرائع بالدقة العالية في تصميم الزخارف وتنوعها في الهيأة المظهرية واللونية والوضع مع استخدام التكرار المتكافئ لمفردات تتصف بمحاكاة الواقع ، أما ذات النزعة الزخرفية التجريدية فقد نظمت على وفق مبدأ التوازن المتماثل مع تقسيم رباعي ضمني ومن هنا تمظهرت جمالية التنوع في الأسلوب التنظيمي الثنائي والرباعي والمتكافئ ضمن الفضاء المقرر .

الباب عبارة عن شكل هندسي مستطيل أسس بأسلوب التنوع التنظيمي للفضاء ، قوامه مبني على تقسيم الفضاء الى قسمين أساسيين تضمنا مستطيلاً صغيراً أفقياً ذا تنظيم استطالي عريض وآخر احتل الجزء الأكبر من الفضاء بشكل عمودي ، مما نتج مزيج جمالي متنوع من حيث الهيأة المظهرية والتقسيم الفضائي المتضاد بالحجم مع ترابط النسيج الزخرفي وتوحده بأطار افريزي يؤطر الباب والمستطيلين .

يتمركز المستطيل الأفقي ذا التناظر الرباعي قلب زخرفي ذو استطالة أفقية لينسجم مع المساحة المخصصة له يؤطره افريز ذهبي يحتضن بداخله قلباً مطعماً بالمينا تزينه نصوص قرآنية بخط الثلث ، وكانت الحروف بارزة بالمستوى الأول وتأتي بعدها الزخارف النباتية من الأزهار القريبة في تمثلاتها بالواقع المنتشرة في فضاء النصوص القرآنية ، فالخط الأسود وظف فوق مهاد زخرفي قوامه أزهار وأغصان متموجة على أرضية بيضاء فعل من دور جماليات التضاد اللوني بين الخط ولون الأرضية ، والتباين ما بين الأزهار والأغصان ذات اللون الوردي والأخضر مع الأرضية البيضاء ، فقد نظمت جماليات التضاد والتباين اللوني في الكتلة الخطية والزخرفية ضمن فضاء موحد فنتج عنه تنوع ضمن الوحدة .

وتنتشر في فضاء القلب أغصان حلزونية ومتموجة مصمتة بلون الذهب ذات حشو كأسي ثنائي الفلق مقسومة مع مفردات كأسية كاملة أحادية القاع وجناحية وأخرى مستقيمة القاع متناظرة من أنصاف الجوانب ، أما الزوايا فقد زينتها أزهار ذات مقطع جانبي مع مفردات كأسية كاملة ، وقد استخدم مع هذه المفردات تقنية التخريم للذهب فقد وظفت هذه المفردات فوق مهاد زخرفي أزرق مع أزهار وردية متدرجة اللون وأغصان خضراء ، مما فعل من دور التنوع المتمازج في بنى المفردات من حيث تنوع اللون والتقنية مع تنوع الهيأة المظهرية للمفردات ذاتها ، أما المستطيل الذي احتل الجزء الأكبر من المساحة الكلية فتضمن ثلاث مفردات رئيسة، سادها قلب زخرفي لوزي مكون من ثلاث طبقات تبدأ بطبقة مخرمة من الذهب ذات حشو غصني حلزوني تنبثق منه مفردات كأسية كاملة ومقسومة وأحادية ذات حشو حلزوني وظفت على مهاد زخرفي أزرق مصمت ساهم على بروز جماليات تنوع الهيأة المظهرية المصمتة بلون الذهب للمفردات الزخرفية ، ويليها الى الداخل قلب زخرفي مصمت بلون الذهب اتسمت زخارفه بالسطح البارز والغائر قوامه أزهار بسيطة ومركبة وحدد القلب حبل ذهبي ملتف مع قوس مفصص ، ويتمركز داخله قلب مطعم بالمينا شغلت أرضيته البيضاء أزهار وأوراد بلون وردي مع تدرجاته وبنفسجي وأصفر وأحمر مع أغصان بلون أخضر وذهبي لتفعيل جماليات تنوع التباينات اللونية والمظهرية .

واذا ما نظرنا الى الاسفل نجد شكل آنية ذهب مخرمة على مهاد أزرق محشوة بزخارف غصنية وكأسية كاملة ومقسومة مع قلب زخرفي ثلاثي الفلق ومصمت ، تتألف الآنية من قاع مستقيم مفصص الجانبين يليه البدن والعنق الذي تنبثق منه مقابض غصنية تنتهي على البدن بورقة كأسية ثنائية الفلق ، أما فوهة الآنية فهي مغلقة يتفرع منها غصنان تنبثق منهما الأزهار، وتنتشر في المساحة الكلية لهذا المستطيل أزهار بسيطة ومركبة قريبة في محاكاتها للواقع على الرغم من كونها مصمتة بلون الذهب، ويؤطر القلبين والآنية شكل هندسي مفصص ومتناظر على المحور العمودي مزين من الأعلى بقلبين لوزيين محشوين بأزهار قريبة من الواقع وملونة بالمينا ، وقد ظهرت فاعلية التنوع من حيث بنية كل وحدة وعلاقتها مع الكل وتوحدها ضمن شكل هندسي مستطيل متناظر على المحور العمودي .

أما التناسب في أحجام تلك المفردات فقد هيأت قبولا للمتلقي جاء من خلال الأحجام المتدرجة الإيقاعية ما بين (الكبيرة والمتوسطة والصغيرة) مؤسسا ناتجا جماليا يسهم هو الآخر في اضفاء القبول والرضا اللذين يؤديان الى انجاح العمل الزخرفي .

وقد أطر المستطيلين شكل هندسي مكرر بالتناوب متناظر على المحور العمودي يتمركزه قلب زخرفي ذو حشو داخلي قوامه أزهار وأغصان وأوراق واقعية بألوان متباينة مع لون الأرضية البيضاء يتصل معه من الأعلى والأسفل شكل كأسي كامل محشو بطير الطاووس الملون الجميل وتحف به أزهار ملونة مع أغصان خضراء وحدد الشكل الكأسي بلون ذهبي ، ان شكل الطاووس القريب من الواقع أضفى تنوعاً في المكونات الزخرفية مما أثرى العمل الزخرفي ليحقق الشمول برؤى اسلامية جمالية لا تخلو من التنوع ضمن كل موحد ، وقد وظف القلب والمفردات الكأسية على مهاد مزخرف بأزهار وأغصان مع نتوءات حلزونية على أرضية زرقاء متباينة مع ألوان الزخارف التي تزينها ، ومن الوسائل الجمالية التي حققها الفنان المزخرف في هذا الأنموذج قد تجلت بالانسجام والتباين والتضاد اللوني والاتجاهي والمظهري للمفردات والوحدات الزخرفية التي تضمنت التنويع لكل منها .

كاتب : سامر قحطان القيسي