عبد المسيح الأنطاكي (1291 ــ 1341 هـ / 1875 ــ 1922 م)
قال من قصيدة (الضريح المقدس):
تسعى الركابُ لسيدِ الـــــــــــشهداءِ بتقىً وإخلاصٍ وحــــــسنِ ولاءِ
وتزورُ ترباً قد تــــــــطهَّرَ بالدمِ الـ ـزاكي وأصبحَ مظــــــهرَ الآلاءِ
وتؤمُّ تــــــــــــــربتَه التي فيها ثوى بجلالِه وفـــــــــــــــخارِه وبهاءِ
وغدتْ مقرَّ الغفرِ والرحـــــماتِ للـ ـمُتــــــــهجِّدينَ ومصدرَ النعماءِ
فهنالكَ الزوَّارُ قد عقـــــــدوا الحبى حولَ الحسينِ بفجعةٍ وبــــــــكاءِ
مستشفعينَ وسائليــــــــــنَ العفوَ فيـ ـهِ مع الرضا مِن أرحمِ الرحماءِ
متمسِّكــــــــــــــــــينَ بحبِّهِ وولائهِ وبـــــــحبِّ طهَ مـعْ بني الزهراءِ
بتخشّعٍ وتـــــــــــــــورُّعٍ وتضرُّعٍ وتعبُّدٍ وتـــــــــــــــــــهجُّدٍ ودعاءِ
فعلى الشهــيدِ بـ (كربلاءَ) تحيةٌ الـ إخلاصِ تــــــــعبقُ في أتمِّ شذاءِ
مِن كلِّ مَن صدقَ الولا للمصطفى ولآلهِ صدقاً بغيـــــــــــــــرِ رياءِ
وهـــــــــــوَ المشفّعُ معْ أبيهِ وجدِّهِ بالناسِ في جاهٍ عظـــــــــيمِ رواءِ (1)
وقال من قصيدة أخرى:
أمَّ الضريحَ بـ (كربلاءَ) وقِفْ به مُتخشِّعاً واطلبْ رضاءَ الغافرِ
وامــــــرغْ جبينكَ في ثراهُ فإنّما أهريقَ فيهِ دمُ الحسينِ الطاهرِ
واندبْ مصابَ المسلمينَ بخطبِهِ وعــــليهِ نُح بمسيلِ دمعٍ هامرِ
واقرِ الســلامَ على رفاةٍ قد ثوتْ فيهِ وعُــــــدْ باليُمنِ أكرمَ زائرِ (2)
وقال من ملحمته العلوية التي تبلغ (5595) بيتاً:
وتلكَ معجزةٌ كبــــرى لحيدرةٍ ذاعت وشاعت وكلُّ الناسِ تحكيها
ثمَّ على (كربلاءٍ) مـــرَّ حيدرةٌ فـــــأوقفَ الناسَ حيناً في براريها
نادى رحالٌ هنا تثوي بكربتِها هنا الدمـــــــــــاءُ عداةُ اللهِ تمنيها (3)
ومنها:
ما (كربلاءُ) سوى كربٍ ومعْه بلا ءٌ للألى سوف تثوي في مثاويها
بـــذاكَ أنبأ عن خطبِ الحسينِ وكم مِن الــــحوادثِ قد شمناه ينبيها
وعــــــــــــندما بلغتْ ساباط حملتُه حـلتّ بأمرِ عليٍّ في ضواحيها
الشاعر
عبد المسيح بن فتح الله بن عبد المسيح بن حنا الأنطاكي الحلبي، شاعر وأديب وروائي وصحفي، ولد في حلب بسوريا وهو من أسرة يونانية مسيحية أرثوذوكسية الأصل، انتقلت إلى أنطاكية ومنها إلى حلب عام (1750 م)، وقيل أن “فتح الله الأنطاكي” كان أول من مارس مهنة المحاماة أمام محاكم “حلب” وأنه كان شاعراً وصحفياً ومن أعيان الكنيسة الأرثوذوكسية الحلبية، وقرر أن يسمي ابنه الذي ولد للتو على اسم جده “خريستو ذولوس” باليونانية وتعني بالعربية “عبد المسيح”.
نشأ الإنطاكي في حلب ودرس مبادئ العربية، واطلع على التاريخ العربي والإسلامي، ودرس على يد عبد الرحمن الكواكبي، ونشأ بين المسلمين وكان ذا عقل متفتح وروح منفتحة على الآخر فنهل من التاريخ الإسلامي فدرس الشعر وتاريخ العرب منذ الجاهلية حتى عصور الإسلام المتلاحقة، وتعمّق في قراءته لتاريخ المسلمين إلى جانب إتقانه العثمانية واليونانية، كما قرأ في تاريخ الكنيسة الأنطاكية على مرِّ العصور وكتب عنه مؤلفه “اللآلئ السنية لعروس الكنيسة الأنطاكية الأرثوذوكسية”.
أنشأ في حلب مجلة شهرية سمّاها الشذور أو رسائل أدبية عام 1879، أصدر منها عشرة أجزاء، ثم انتقل إلى مصر وأصدر جريدة الشهباء في بداية عام 1895 ثم أسماها العمران وقد استمرت لمدة اثني عشر عاماً، تنقل بين العديد من البلدان العربية، وكان يزود جريدته بالتحقيقات خلال رحلاته. توفي الإنطاكي في القاهرة ودفن فيها.
تعد “القصيدة العلوية المباركة” أشهر أعماله، وتعتبر بمثابة ديوان كامل بحد ذاتها، فقد بلغ عدد أبياتها 5595 بيتاً وعدّها النقّاد من أطول القصائد العربية المكتوبة بوزن وقافية واحدة، وروى من خلالها سيرة الإمام “علي بن أبي طالب” بنفَسٍ ملحمي مميّز أكسبه مع نصّه شهرة واسعة. (4)
في مجال الشعر له ثلاثة دواوين هي:
القصيدة العلوية المباركة وهي ملحمة شعرية تبلغ (5595) بيتا على نفس الوزن والقافية وتعد من أطول القصائد العربية المكتوبة بوزن وقافية واحدة
عُرف الخَزام في مآثر السادة الكرام، جميع قصائده في المديح ــ 1902
الدرّ الحسان في إمارة عربستان ــ 1908
وله من المؤلفات:
مطلع الميامن في تهاني عبطة البطريرك كيرلس الثامن ــ 1903
شهيد الجلجلة ــ رواية ــ 1904
عرف الطيب في مدائح السيد طالب النقيب ــ 1904
الآيات الصباح ــ 1907
اللالي السنية لعروس الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية
الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة ــ 1907
نيل الأماني في الدستور العثماني ــ 1909
سياحة أثرية بين الأقصر وأسوان ــ 1911
آمنة الأدب أو واقعة في حلب ــ مقامة هزلية
الرياض الخزعلية في السياسة الإنسانية ــ 1011
رحلة السلطان حسين في رياض البحرين ــ 1916
النهضة الشرقية
تذكرة داود الأنطاكي : ويليه ذيل التذكرة
القصيدة العلوية المباركة ــ 1920
قال عنه الدكتور جوزيف زيتون: (علم من أعلام سوريا في الأدب والصحافة والتاريخ في ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين وأثرى الصحافة السورية في القرن 19 والصحافة المصرية في القرن 20 وميدان الشعر بإنتاجه الجميل بما فيه الديني والإسلامي تحديداً وهو المسيحي..) (5)
مع الملحمة العلوية
كتب الأنطاكي قصيدته العلوية المباركة في المحمرة واستمرت كتابتها لمدة سنتين تناول فيها حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ يوم ولادته ومناقبه وحروبه الى استشهاده العلوية المباركة لعبد المسيح الأنطاكي وقد قال عنها: (عنيت على نوع خاص أن أجعل القصيدة المباركة العلوية تاريخاً شعرياً لصدر الإسلام، لا يتخلله نثر أبداً. ويعرف الشعراء ما في ذلك من الوصب ولكنّه وصب محبوب لقلب شغف بثاني الكاملين وأخي الرسول الأمين أحد سيدي الثقلين سيدنا علي بن أبي طالب أبي الحسنين عليهم وعلى المصطفى الصلاة والسلام... ولقد دعوت هذه القصيدة المباركة باسم «ملحمة» اتباعاً للمغاربة الذين أطلقوا هذه الكلمة على ما وضعوه نثراً أو نظماً من وقائعهم الحربية وقصصهم التاريخية ونوادرهم الأدبية) (6)
وقال عبد العزيز البابطين عن هذه الملحمة: (كتب الإنطاكي ملحمة شعرية عن سيرة الإمام علي، وهي أول مطولة عربية ذات نفس ملحمي تبلغ هذا الطول مع الحفاظ على ذات الوزن والقافية. يمتاز بنفس شعري طويل، ويغلب على لغته طابع المباشرة الذي يجيء ملائماً - فيما يبدو - لطبيعة السرد الشعري. يلتزم النهج التقليدي إطاراً لمدائحه)
يقول الإنطاكي في بداية ملحمته:
أزينُ ملحمتي الغرّا وأحـــــــــــليها بحمدِ ربّـــــــــــيَ فليحــــمده قاريها
وبالصلاةِ على طـــــــــــه وحيدرةٍ قـــــــــــد كنتُ بادئها بِـــرَّا ومُنهيها
وبعد قد وفّــــــــــــقَ اللهُ العبيدَ إلى هذي القصيدةِ مع ضـــافي حواشيها
نظمتُ سيرةَ مولانا أبي حــــــــسنٍ فيها على قدرِ إدراكــــــــي خوافيها
فما عرفتُ له في الديــــــــنِ مأثرةً إلّا وكنتُ مع الإخـــــــلاصِ راويها
وبعض آثارِهِ ما جــــــــئتُ أذكرها ولم أزلْ عاجـزاً عن ذكــــــرِ باقيها
تُحصى النجومُ ولا تُحصى مــناقبُه فكيفَ لا يـدركُ الإعياءُ مــحــصيها
من يرجُ أن يتولّى مدحَ حــــــيدرةٍ بغرِّ آثارِه وصـــــــــــــــــفاً وتشبيها
رجا المحالَ وأعيا عــــن بلوغ أما نيهِ من المرتــضى أو مــــــا يدانيها
فهذهِ يا ذوي الألــــــــبابِ ملحمتي أملي عليكمْ بــالتقوى أمــــــــــــاليها
وإنها خـــــــــــيرُ تاريخٍ لنـشأةِ ديـ ـنِ اللهِ معْ ما جرى بيــن الورى فيها
وقد جهدتُ على عجزي ونيّةِ إخـ ـلاصٍ لبيـــــــــتِ رســولِ اللهِ أنويها
أن أدركنَّ بها رضوانَ حــــــيدرةٍ ومَن به شُغفـــــــــــــــوا حباً وتدليها
وتلكَ بغيةُ مملوكِ المـــــــعزِّ حبيـ ـبُ المرتضى ما سواها رحتُ أبغيها
تزلّفاً لأميري الأريــــــــحيِّ عميـ ـدِ العربِ مَن باتَ للخيـــراتِ داعيها
وهوَ الذي في رضى طهَ وحيدرةٍ وابنيهما يبذلُ الدنيا ويعطـــــــــــــيها
ونفسُه في هــــوى بيتِ النبوَّةِ مِن كلِّ البريةِ مــــــــــــــعروفٌ تصبّيها
ما كنتُ شاعــــرَه إن لمْ أجد بمدا ئحِ العلى التي ما انــــــــــفكَّ يرويها
منه عرفتُ أمـــــيرَ المؤمنـينَ وأ يديهِ الحسانَ التي قد كان يــــــسديها
وها أنــــــــــا ناظمٌ ما كان ينثرُه على محبِّيهِ مــــــــــن غالي دراريها
وبــــــــالوفاءِ وبالإجلالِ أرفعـها إلى معاليهِ في زاهــــــــــــي تلاليها
شكراً على النعمِ الجلّى التي لقيتـ ـنا من يديهِ وما زلنا نلاقيـــــــــــــها (7)
ومنها:
للمرتضى رتَبةٌ بعد الــــــــــرسولِ لدَى أهــــــــلِ اليقينِ تناهَت في تَعاليها
ذو العلمِ يعرفُها ذو العدلِ ينـــــــــصفُها ذو الجهلِ يسرفُها ذو الكفرِ يكميها
وإنَّ في ذاكَ إجماعاً بغــــــــــــــيرِ خلا فٍ في الـمذاهبِ معْ شتّى مناحيها
وإن أقرَّ بها الإسلامُ لا عـــــــــــــــجبٌ فإنه منذُ بـــــــــــدءِ الوحي داريها
وإن تناهى جموعُ المســــــــــــلمينَ بها فقد وعَت قدَرهَا مــن هدي هاديها
بل جاوزتهمْ إلى الأغيارِ فانـــــصرفتْ نفوسُهم نحوها بــــــالحمدِ تطريها
وذي فلاسفةُ الجُـــــــــــــــــحّادِ معجبةٌ بها وقد أكبرتْ عجباً تـــــــساميها
ورددّتْ بين أهلِ الأرضِ مــــــــدحتها فيه وقد صدَقتْ وصفاً وتشـــــبيها
كذا النصارى بحبِّ الــمرتضى شغفتْ ألبابُها وشــــــــــــدتْ فيه أغانيهـا
فلَستَ تسمعُ مـــــــــنها غيرَ مدحتِه الـ ـغرّاءَ ما ذكرته فــــــــــي نواديها
فارجعْ لقسّانِها بين الكنـــــــــــائسِ مَعْ رهبانِها وهيَ في الأديـــارِ تأويها
تجدْ مَحبَّتَهُ بالاحـــــــــــــــــــترامِ أتتْ نفوسُها وله أبدَت تصَــــــــــــبّيها
وانظر إلى الديلمِ الشجـعانِ خائِضةَ الـ ـحروبِ والتركِ في شتّى مغازيها
تــــــــــلفَ استعاذتها بـالمرتضى ولقَد زانت بصــورتِه الحسنا مواضيها
وآمنَتْ أنَّ ترصـــــــيعَ الـسيوفِ بصُو رَةِ الوصي يُـنيلُ النصَر منضيها (8)
..............................................................................
1 ــ الدرر الحسان في إمارة عربستان ــ مؤسسة هنداوي ــ 2023 ص 62
2 ــ نفس المصدر ص 61
3 ــ الملحمة العلوية الكبرى ــ مطبعة رعمسيس بالفجالة ــ مصر 1338 هـ / 1920 م ص 348
4 ــ عبد المسيح الأنطاكي .. تلميذ الكواكبي وصاحب القصيدة العلَوية ــ موقع سناك سوري بتاريخ 16 / 2 / 2021
5 ــ المدونة الرسمية للدكتور جوزيف زيتون بتاريخ 5 / 11 / 2020
6 ــ الشيخ عبدالمنعم الفرطوسى حياته وأدبه ــ حيدر المحلاتي ــ المكتبة الأدبية المختصة ج 1 ص 234
7 ــ الملحمة العلوية الكبرى ص 4 ــ 5
8 ــ نفس المصدر ص 547
كما ترجم له:
إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 2 ص 766
أحمد دوغان / معجم أدباء حلب في القرن العشرين
قسطاكي الحمصي / أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر ص 205 ــ 209
خير الدين الزركلي / الأعلام ج 4 ص 153
محمد سعيد الطريحي / مجلة الموسم العدد 12 ص 288
عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج ٦ ص ١٧٥
عبد الحسين الأميني / الغدير ج 3 ص 9
كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء من العصر الجاهلي إلى سنة 2002م ج 3 ص 316
السيد حامد النقوي / خلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٤١٥
سامي الكيالي / الحركة الأدبية في حلب 189 – 193
يوسف سركيس / معجم المطبوعات 492 ــ 493
اترك تعليق