793 ــ عبد المسيح الأنطاكي (1291 ــ 1341 هـ / 1875 ــ 1922 م)

عبد المسيح الأنطاكي (1291 ــ 1341 هـ / 1875 ــ 1922 م)

قال من قصيدة (الضريح المقدس):

تسعى الركابُ لسيدِ الـــــــــــشهداءِ      بتقىً وإخلاصٍ وحــــــسنِ ولاءِ

وتزورُ ترباً قد تــــــــطهَّرَ بالدمِ الـ     ـزاكي وأصبحَ مظــــــهرَ الآلاءِ

وتؤمُّ تــــــــــــــربتَه التي فيها ثوى      بجلالِه وفـــــــــــــــخارِه وبهاءِ

وغدتْ مقرَّ الغفرِ والرحـــــماتِ للـ     ـمُتــــــــهجِّدينَ ومصدرَ النعماءِ

فهنالكَ الزوَّارُ قد عقـــــــدوا الحبى      حولَ الحسينِ بفجعةٍ وبــــــــكاءِ

مستشفعينَ وسائليــــــــــنَ العفوَ فيـ     ـهِ مع الرضا مِن أرحمِ الرحماءِ

متمسِّكــــــــــــــــــينَ بحبِّهِ وولائهِ      وبـــــــحبِّ طهَ مـعْ بني الزهراءِ

بتخشّعٍ وتـــــــــــــــورُّعٍ وتضرُّعٍ      وتعبُّدٍ وتـــــــــــــــــــهجُّدٍ ودعاءِ

فعلى الشهــيدِ بـ (كربلاءَ) تحيةٌ الـ     إخلاصِ تــــــــعبقُ في أتمِّ شذاءِ

مِن كلِّ مَن صدقَ الولا للمصطفى      ولآلهِ صدقاً بغيـــــــــــــــرِ رياءِ

وهـــــــــــوَ المشفّعُ معْ أبيهِ وجدِّهِ      بالناسِ في جاهٍ عظـــــــــيمِ رواءِ

وقال من قصيدة أخرى:

أمَّ الضريحَ بـ (كربلاءَ) وقِفْ به      مُتخشِّعاً واطلبْ رضاءَ الغافرِ

وامــــــرغْ جبينكَ في ثراهُ فإنّما      أهريقَ فيهِ دمُ الحسينِ الطاهرِ

واندبْ مصابَ المسلمينَ بخطبِهِ      وعــــليهِ نُح بمسيلِ دمعٍ هامرِ

واقرِ الســلامَ على رفاةٍ قد ثوتْ      فيهِ وعُــــــدْ باليُمنِ أكرمَ زائرِ

الشاعر

عبد المسيح بن فتح الله بن عبد المسيح بن حنا الأنطاكي الحلبي، شاعر وأديب وروائي وصحفي، ولد في حلب بسوريا وهو من أسرة يونانية مسيحية أرثوذوكسية الأصل، انتقلت إلى أنطاكية ومنها إلى حلب عام (1750 م)

درس الأنطاكي مبادئ العربية، واطلع على التاريخ العربي والإسلامي، ودرس على يد عبد الرحمن الكواكبي، ونشأ بين المسلمين وكان ذا عقل متفتح وروح منفتحة على الآخر فنهل من التاريخ الإسلامي واستطاع أن يميز أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) على سائر الناس وفضله في الإسلام وفي الإنسانية جمعاء فهام بهذه الروح الكبيرة والشخصية العظيمة كما توغل في التاريخ المسيحي وكتب عنه وكان يتقن إضافة إلى العربية التركية واليونانية

أنشأ في حلب مجلة شهرية سمّاها الشذور أو رسائل أدبية عام 1879، أصدر منها عشرة أجزاء، ثم انتقل إلى مصر وأصدر جريدة الشهباء في بداية عام 1895 ثم أسماها العمران وقد استمرت لمدة اثني عشر عاماً، تنقل بين العديد من البلدان العربية، وكان يزود جريدته بالتحقيقات خلال رحلاته. توفي الإنطاكي في القاهرة ودفن فيها.

في مجال الشعر له ثلاثة دواوين هي:

القصيدة العلوية المباركة وهي ملحمة شعرية تبلغ (5595) بيتا على نفس الوزن والقافية وتعد من أطول القصائد العربية المكتوبة بوزن وقافية واحدة

عُرف الخَزام في مآثر السادة الكرام، جميع قصائده في المديح ــ 1902

الدرّ الحسان في إمارة عربستان ــ 1908

وله من المؤلفات:

مطلع الميامن في تهاني عبطة البطريرك كيرلس الثامن ــ 1903

شهيد الجلجلة ــ رواية ــ 1904

عرف الطيب في مدائح السيد طالب النقيب ــ 1904

الآيات الصباح ــ 1907

اللالي السنية لعروس الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية

الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة ــ 1907

نيل الأماني في الدستور العثماني ــ 1909

سياحة أثرية بين الأقصر وأسوان ــ 1911

آمنة الأدب أو واقعة في حلب ــ مقامة هزلية

الرياض الخزعلية في السياسة الإنسانية ــ 1011

رحلة السلطان حسين في رياض البحرين ــ 1916

النهضة الشرقية

تذكرة داود الأنطاكي : ويليه ذيل التذكرة

القصيدة العلوية المباركة ــ 1920

قال عنه الدكتور جوزيف زيتون: (علم من أعلام سوريا في الأدب والصحافة والتاريخ في ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين وأثرى الصحافة السورية في القرن 19 والصحافة المصرية في القرن 20 وميدان الشعر بإنتاجه الجميل بما فيه الديني والإسلامي تحديداً وهو المسيحي..) (1)

مع الملحمة العلوية

كتب الأنطاكي قصيدته العلوية المباركة في المحمرة واستمرت كتابتها لمدة سنتين تناول فيها حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ يوم ولادته ومناقبه وحروبه الى استشهاده العلوية المباركة لعبد المسيح الأنطاكي وقد قال عنها: (عنيت على نوع خاص أن أجعل القصيدة المباركة العلوية تاريخاً شعرياً لصدر الإسلام، لا يتخلله نثر أبداً. ويعرف الشعراء ما في ذلك من الوصب ولكنّه وصب محبوب لقلب شغف بثاني الكاملين وأخي الرسول الأمين أحد سيدي الثقلين سيدنا علي بن أبي طالب أبي الحسنين عليهم وعلى المصطفى الصلاة والسلام... ولقد دعوت هذه القصيدة المباركة باسم «ملحمة» اتباعاً للمغاربة الذين أطلقوا هذه الكلمة على ما وضعوه نثراً أو نظماً من وقائعهم الحربية وقصصهم التاريخية ونوادرهم الأدبية) (2)

وقال عبد العزيز البابطين عن هذه الملحمة: (كتب الإنطاكي ملحمة شعرية عن سيرة الإمام علي، وهي أول مطولة عربية ذات نفس ملحمي تبلغ هذا الطول مع الحفاظ على ذات الوزن والقافية. يمتاز بنفس شعري طويل، ويغلب على لغته طابع المباشرة الذي يجيء ملائماً - فيما يبدو - لطبيعة السرد الشعري. يلتزم النهج التقليدي إطاراً لمدائحه)

يقول الإنطاكي في بداية ملحمته:

أزينُ ملحمتي الغرّا وأحـــــــــــليها     بحمدِ ربّـــــــــــيَ فليحــــمده قاريها

وبالصلاةِ على طـــــــــــه وحيدرةٍ     قـــــــــــد كنتُ بادئها بِـــرَّا ومُنهيها

وبعد قد وفّــــــــــــقَ اللهُ العبيدَ إلى     هذي القصيدةِ مع ضـــافي حواشيها

نظمتُ سيرةَ مولانا أبي حــــــــسنٍ     فيها على قدرِ إدراكــــــــي خوافيها

فما عرفتُ له في الديــــــــنِ مأثرةً     إلّا وكنتُ مع الإخـــــــلاصِ راويها

وبعض آثارِهِ ما جــــــــئتُ أذكرها     ولم أزلْ عاجـزاً عن ذكــــــرِ باقيها

تُحصى النجومُ ولا تُحصى مــناقبُه     فكيفَ لا يـدركُ الإعياءُ مــحــصيها

من يرجُ أن يتولّى مدحَ حــــــيدرةٍ     بغرِّ آثارِه وصـــــــــــــــــفاً وتشبيها

رجا المحالَ وأعيا عــــن بلوغ أما     نيهِ من المرتــضى أو مــــــا يدانيها

فهذهِ يا ذوي الألــــــــبابِ ملحمتي     أملي عليكمْ بــالتقوى أمــــــــــــاليها

وإنها خـــــــــــيرُ تاريخٍ لنـشأةِ ديـ     ـنِ اللهِ معْ ما جرى بيــن الورى فيها

وقد جهدتُ على عجزي ونيّةِ إخـ     ـلاصٍ لبيـــــــــتِ رســولِ اللهِ أنويها

أن أدركنَّ بها رضوانَ حــــــيدرةٍ     ومَن به شُغفـــــــــــــــوا حباً وتدليها

وتلكَ بغيةُ مملوكِ المـــــــعزِّ حبيـ     ـبُ المرتضى ما سواها رحتُ أبغيها

تزلّفاً لأميري الأريــــــــحيِّ عميـ     ـدِ العربِ مَن باتَ للخيـــراتِ داعيها

وهوَ الذي في رضى طهَ وحيدرةٍ     وابنيهما يبذلُ الدنيا ويعطـــــــــــــيها

ونفسُه في هــــوى بيتِ النبوَّةِ مِن     كلِّ البريةِ مــــــــــــــعروفٌ تصبّيها

ما كنتُ شاعــــرَه إن لمْ أجد بمدا     ئحِ العلى التي ما انــــــــــفكَّ يرويها

منه عرفتُ أمـــــيرَ المؤمنـينَ وأ     يديهِ الحسانَ التي قد كان يــــــسديها

وها أنــــــــــا ناظمٌ ما كان ينثرُه     على محبِّيهِ مــــــــــن غالي دراريها

وبــــــــالوفاءِ وبالإجلالِ أرفعـها     إلى معاليهِ في زاهــــــــــــي تلاليها

شكراً على النعمِ الجلّى التي لقيتـ     ـنا من يديهِ وما زلنا نلاقيـــــــــــــها

ومنها:

للمرتضى رتَبةٌ بعد الــــــــــرسولِ لدَى     أهــــــــلِ اليقينِ تناهَت في تَعاليها

ذو العلمِ يعرفُها ذو العدلِ ينـــــــــصفُها     ذو الجهلِ يسرفُها ذو الكفرِ يكميها

وإنَّ في ذاكَ إجماعاً بغــــــــــــــيرِ خلا     فٍ في الـمذاهبِ معْ شتّى مناحيها

وإن أقرَّ بها الإسلامُ لا عـــــــــــــــجبٌ     فإنه منذُ بـــــــــــدءِ الوحي داريها

وإن تناهى جموعُ المســــــــــــلمينَ بها     فقد وعَت قدَرهَا مــن هدي هاديها

بل جاوزتهمْ إلى الأغيارِ فانـــــصرفتْ     نفوسُهم نحوها بــــــالحمدِ تطريها

وذي فلاسفةُ الجُـــــــــــــــــحّادِ معجبةٌ     بها وقد أكبرتْ عجباً تـــــــساميها

ورددّتْ بين أهلِ الأرضِ مــــــــدحتها     فيه وقد صدَقتْ وصفاً وتشـــــبيها

كذا النصارى بحبِّ الــمرتضى شغفتْ     ألبابُها وشــــــــــــدتْ فيه أغانيهـا

فلَستَ تسمعُ مـــــــــنها غيرَ مدحتِه الـ     ـغرّاءَ ما ذكرته فــــــــــي نواديها

فارجعْ لقسّانِها بين الكنـــــــــــائسِ مَعْ     رهبانِها وهيَ في الأديـــارِ تأويها

تجدْ مَحبَّتَهُ بالاحـــــــــــــــــــترامِ أتتْ     نفوسُها وله أبدَت تصَــــــــــــبّيها

وانظر إلى الديلمِ الشجـعانِ خائِضةَ الـ     ـحروبِ والتركِ في شتّى مغازيها

تــــــــــلفَ استعاذتها بـالمرتضى ولقَد     زانت بصــورتِه الحسنا مواضيها

وآمنَتْ أنَّ ترصـــــــيعَ الـسيوفِ بصُو     رَةِ الوصي يُـنيلُ النصَر منضيها

ومنها في السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها):

تفـرّدت بالذكـا والعلمِ واتــــــخذتْ     مِـن الخلائقِ والآدابِ ساميهـــا

واللهُ كمّلَ تكميلاً محــــــــاسنَها الـ     ـزهـرا فسافرها زاهٍ وخافيهــــا

وإنّهـا فذّة بيـن النساءٍ فـــــــــــــلا     بنتٌ لـــــحوّاءَ تدنو من معاليها

ومن يُشعُّ شَعَاعَ الشمس جبـــهتُها     ولا تُلالي إذا لاحــــــتْ كلاليها

هيَ الجديرةُ بالكُفءِ الكريــــمِ لها     مَن بالمفاخِرِ والعُليا يُـــــحاكيها

والعُرْبُ تطلبُ أكفاءٌ تَــــــزّوجُهُمْ     بناتِها سنيةُ تـــــــــــــأبى تعدّيْها

وكُلُ عقدٍ بغيرِ الكُــــــفءِ تحسَبُهُ     عاراً عليها لدى الأقرانِ يُخزيها

فمن يليقُ ببنتِ المُـصطفى حسباً     ومَن مِن العَرَبِ العَربَـــاءِ كافيها

ومَن يناسَبُ طـــــه كي يُصاهَرهُ     وهي المصاهرةُ المسـعودُ مُلقيَها

غيُر العليّ حبيبِ المصُطفى وله     سَبَقُ الهدايةِ مُذ نادى مــــــناديها

فـــــــإنه بعدَ طه خيرُ من ولدَتْ     قُريشَ مُنذَ برا الـــباري ذراريها

وأنه بـــــــــــطلُ الإسلامِ تعرفُهُ     تلك الحروبُ التي أمـسى مُجليّها

ومنها في أهل البيت (عليهم السلام)

لا يدرك الآي إلّا الـــــــــــراسخونَ بعلـ     ـمِ الدينِ مَن فقهوا سامي معانيـها

وهُمْ لقــــد فســـــــــروها بعد أن درسوا     مـيقاتَ تنزيلِها معْ قصدِ موحـيها

على الألى صحبوا طه وقــــــــد شهدوا     ها نــــــــازلاتٍ عليهِ في مثانـيها

ولمْ يلازمْ كمثلِ المــــــــــــــرتضى أحدٌ     محمداً صــــــــحبةً ثبتٌ أواخـيها

يعي ويدركُ آياتِ الـــــــــــــــكتابِ وأقـ     ـوالَ الرسولِ ويــستجلي خـوافيها

فما عجيبٌ إذا ما كانَ أفضـــــــــــلَ مَن     قد فسَّرَ الآيَ واستقصى فــحاويها

وقال: هيَ اسألوني فـــــــــــي شريعتِكمْ     من قبلِ أن تفقدونـي عـن مراميها

وباتَ كلُّ عــــــــــــــــليمٍ قد تعرَّضَ للـ     ـتفسيرِ آثارُه الـــــــــــغرَّاءُ قاريها

إليـــــــــــهِ يرجعُ فيما قد روى وقضى     وقوله المرتضى كلُّ الــــهدى فيها

أو لابن عباسَ تلميذِ الـــــــــوصي وقـد     روى الأحاديثَ عنه فـهــو راويها

وقيلَ يوماً لـــــــــــــــعبدِ الله: أينكَ مِـن     عليّ مَن منكما قد فـاقَ تفــــــــقيها

فــــــــــــــقالَ: نسبةُ علمي للعليِّ كـنسـ     ـبةِ القطيرةِ للأبــــــــــحارِ ضافيها

ما كان يحفظ إلا المرتضـــــــــى بـحيا     ةِ المصطفى الآي في سامي تتاليها

ولم يكن غيرُه من صــــــحبِ أحـمدَ أو     أنصــــــــارِه ألمعيُّ النفسِ واعيها

فكانَ جامعُها بعــــــــــــــدَ الـشتاتِ بقر     آنٍ كما نــــــــــــزلتْ هدياً لأهليها

وضـــــــــــــــــابطاً بعدَ تدقيقٍ قراءتها     كي يأمنَ الخطأ الــــمجحودَ قاريها

أرادَ في ذاكَ صونوا الآيَ مِن خطرِ الـ     ـتحريفِ إن تركتْ فــوضى لتاليها

وأنْ يــــــــــــسهِّلَ للناسِ الوقوفَ على     وحيٌ به المصطفى قد جـاء يهديها

فمنه تعلمُ أحكــــــــــــــامَ الشريعةِ والـ     ـدينَ الحنيفَ كما قد نــصَّ مُوحيها

وتمَّمَ البغيةَ العظمى بــــــــــــــهمَّتِهِ الـ     ـشما التي تحمدُ الدنيا مســــــاعيها

وأجمعَ المسلمونَ المتَّقونَ عـــــــلى الـ     إقرارِ بالنعمةِ الكبرى لمســـــــديها

كذاكَ كتبُ القرآنِ التي نشـــــــــــــرتْ     تجلو حقيقةَ ما قــــــــــــلنا وتبديها

أمّا أئمَّةُ قرَّاءُ الكــــــــــــــتـابِ إلى الـ     ـسلميّ ترجعُ فاعلمْ أن ســـــــلميها

قد كانَ تلميذه عنه قد اتخــــــــــــــذ الـ     ـقرآنَ مجموعةً صحَّتْ أمـــــاليها

كذا انتهى علناً فنُّ القــــــــــــــراءةِ للـ     إمامِ مثلَ فنونِ الـــــــــــدينِ باقيها

بحرُ العلومِ أميرُ المــــــــــؤمـنـينَ بلا     ريبٍ وفي صدرِه مثــــــوى لآليها

هيهاتَ ما في عبادِ اللهِ ذو بـــــــــصرٍ     إلا وعنه تلقاها ويرويـــــــــــــــها

ما فاته أبداً إدراكُ ظــــــــــــــــاهرِها     أو الوصولُ إلى أخفى خـــــوافيها

والمصطفى شاهدٌ حقٌّ شـــــــــــهادتُه     فيه وإنَّ عبـــــــــــــــادَ اللهِ تدريها

فقالَ: إنّـي للعلمِ المديـــــــــــــــنةُ والـ     ـبابُ العـــــــــــليُّ ومـنه فازَ آتيها

وقــــــــــالَ: خازنُ علمي كانَ حيدرةً     وكانَ عيبتَه فتــــــــــــوىً وتفقيها

أسمى الــــــــعلومِ وأعلاها وحقكمُ الـ     ـعلمُ الذي كان مختــــــصّاً بباريها

علمٌ به يَعرفُ الـــــــــــمخـلوقُ خالقَه     حتى يهيمَ به حبّاً وتدليــــــــــــــها

والمرتضى كانَ بالأحكـــــامِ واضعة     هداية للورى ما ضـــــــــلّ هاديها

وعنه قد أخذ الناسُ الهـــــــــــدايةَ للـ     ـعلمِ الإلهيِّ في أسنى مجـــــــاليها

طرائقٌ خطها رشداً أبو حـــــــــــسنٍ     لسالكيها فما ضلّوا ممـــــــــاشيها

فيها العدالةُ والتوحيدُ والنـــــــظرُ الـ     ـسعيدُ للحقِّ يهدي خطوَ ماشــــيها

ومنها في نهج البلاغة:

إنّ الفـصاحةَ ما دانــــتْ لذي لُــــسُنٍ     مِن البريّةِ عربيها وعــــجميها

كما انثنتْ بِبَهَاهــا وهــيَ خاضــــعةٌ     للمرتضى اللسنِ القوّالِ راعيها

كأنّها خُـــــــــــــلِقَــتْ خَلْقَاً لــــه وكأ     نّه مِن العدمِ المــــجهولِ مُبْدِيْها

قد بذ كلُّ فصــيــــــحٍ قبلــــه عَـرفتْ     آثارَ آدابِـــــــــهِ والناسُ تَرويْها

ولم يدعْ بعــده ســبــــــــــلاً لِـمطْلبٍ     سبقاً بمضمارها إنْ رَامَ يَمشيها

لم يَبْقَ ذِكْــرَاً لــقسٍّ وهو أفـصحُ مِلْـ     سَانٍ ولا خطبٍ قد كان يُلقيـــها

نعم فصــاحتــه ما مـــــــــــن يُقاربه     فيها وحسبي عليٌّ كان يُنْشِيْــها

وإنّه دون رَيــب سيّد الفـصحـــاءِ الـ     ـناثرين من الأقوال دراريــــها

وإنّها فوق أقــوال الـــــــبريّة طُـــرّاً     إنّما دون ما قد قال باريـــــــها

وهي التي تُسحِــرُ الألباب ما تُلِيَــتْ     سِحْرَاً حلالاً يغشي نفسَ تـالِيْها

هي الشمولُ بــألبابِ الورى لعـبــتْ     لعبَ الشمولِ بلا إثمٍ لســـــاقيها

عقودُ دُرٍّ لــجيدِ الشَرعِ قد نُظِمَــــتْ     فهاكه قد تحلّى من لآليــــــــــها

في حُسْنــها جُليتْ مثل العرائسِ في     حُلِيِّها تُبهر الدنيا مجاليــــــــــها

آضتْ تــلاوتها والله مـــــــطربةَ إلـ     أسماع ما نغمات الطيرِ تُـحكيها

أَلاَ فَمَــنْ تلاها تلاهى عن فـرائضه     أُنْسَاً بها ناسي الدنيا ومــــا فيها

ضمّــتْ مواعظه الغَرّا وحكـــــمته     الكبرى وأخلاقه الزهرا فحاويها

وجــاء فيها بأحــــــــــكامٍ توضّحُ آ     ياتِ الكتاب على ما شاء موحيها

وكــان يكسو معانيه الـــــــسَنِيَّة ألـ     فاظاً تليقُ بها أَعْظِـــــــم بكاسيها

وكــان يُرْسِلُها عفواً بلا تَــــــــعَبٍ     على المنابرَ بين الـــناسِ يُشجِيْهَا

كــذا رسائله الغرّاءُ كــــــــــان بلا     تكلّفٍ بــــــــــــــــدراريه يوشيها

ظلّتْ وحقّك كنزاً لا نفـــــــــــادَ له     من الفصاحةِ للأعراب يُغـــــنيها

منها تعلّمتِ الناسُ الفصـــــــاحةَ لـ     كنْ أعجزتْ كلّ مَن يَبْغِي تحدّيها

بذلك اعترفتْ أهلُ الصــنــاعةِ بالـ     إجماعِ مُصدِرة فيه فتــــــــــاوِيْهَا

وعَمْرِكَ الله هل أجلى وأفصحُ مِـن     أقوالُ حيدرةٍ أو مِـــــــن معــانيها

في كلّ ما نظمتْ أو كلّ ما نَثــرت     أهل الزكانــــــة في شتّى أمــاليها

لولا التُقى قلتُ: آياتٌ مـــــــــنسّقةٌ     فيها الهدايــــةُ أو تجري مجاريـها

وذي كتابته (نــــــهجُ البلاغةِ) في     سطـــــــــورِها وبـه هَدْيٌ لقاربـها

وحسبنا ما رأينا للــــــــــصحابةِ آ     ثـــــــاراً تُحاكي الذي أبقاه عاليـها

وهم لقد وردوا معه منـــــاهلَ ديـ     نِ اللهِ والمصطفى قد كان مجريـها

فإنْ تقل غير هيّابٍ فصاحــــــــته     للــــــــناسِ معـجزةٌ لم تلقَ تسفيـها

وذاتَ يومٍ أتى مثوى معــــــــاويةٍ     لجديةٍ مــــــــــحفنٌ قد كانَ يبغيـها

فقالَ: من عند أعيا الناس جئتُك يا     ربَّ الفصاحةِ أنـشدني مـثـــــانيـها

فـقال: وَيْحَكَ تَــرمِي بالفهاهة والـ     إعياء حيدرةً كذبـــاً وتــــــــمويـها

ولم يَسُنْ قوانيـــنَ الفصـــــاحةِ إلّـ     اه لأمّتنا حتّـــــــــــــــــى قُرَيْشِيْـهَا

وتلك قولةُ حقٍّ منه قد بَـــــــدَرَتْ     عفواً بمجلسِه ما اسطـــاعَ يزويــها

والفضلُ للمرءِ ما أعداؤه شـهدتْ     له بــــــــــــه وروتْه فـــي نواديـها

..............................................................................

 

1 ــ المدونة الرسمية للدكتور جوزيف زيتون بتاريخ 5 / 11 / 2020

2 ــ القصيدة العلوية المباركة ص ٣

ترجم له:

إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 2 ص 766

أحمد دوغان / معجم أدباء حلب في القرن العشرين

قسطاكي الحمصي / أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر ص 205 ــ 209

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 4 ص 153

محمد سعيد الطريحي / مجلة الموسم العدد 12 ص 288

عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج ٦ ص ١٧٥

سناك سوري ــ عبد المسيح الأنطاكي .. تلميذ الكواكبي وصاحب القصيدة العلَوية موقع الخبر بنكهة أخرى بتاريخ 16 / 2 / 2021

عبد الحسين الأميني / الغدير ج 3 ص 9

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء من العصر الجاهلي إلى سنة 2002م ج 3 ص 316

السيد حامد النقوي / خلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٤١٥

سامي الكيالي / الحركة الأدبية في حلب 189 – 193

يوسف سركيس / معجم المطبوعات 492 ــ 493

حيدر المحلاتي / الشيخ عبدالمنعم الفرطوسى حياته وأدبه ج 1 ص 234

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار