حروف مجردة..

اللوحة موسومة بتوقيع التشكيلي العراقي الرائد ( طالب العلاق ) والتي تميزت كأغلب اعماله الفنية بأسلوب خاص يجسد مدى افتتانه بالحداثة الفنية وما بعدها والتي ألهمته امكانية الوصول لهذا الاسلوب الفريد من التجريد وشفافية الصورة.

 فلو راجعنا مسيرة الفن التشكيلي في القرن العشرين، لوجدنا ان ما حصل من تنوع وايهامات في الالوان والخطوط وتباين في توزيع الكتل وهلامية اشكالها ومعانيها في بعض المنجزات الابداعية التشكيلية على المستوى المحلي والعالمي، ما هو الا عبارة عن خيال واسع لانفعالات الذات وهو متماه مع تأثرهم بثقافات الغرب عند بعض الفنانين، فضلاً عن محاولات البعض للبحث عن المضمر او الخفايا التي تكمن وراء الواقع.. اذ نجد في اعمالهم تكوينات وعناصر فنية عائمة بين الفضاء والكتلة وقد دخلت عالم الشعور واللاشعور، حيث نجد منهم من رسم الصورة الغامضة وسعى الى التعبير عن الموقف الروحي بدلالات مختلفة واختص بها دون غيره من ابناء جلدته كما هو حال رسام اللوحة اعلاه.

رسمت اللوحة بمادة الزيت على القماش وتتكون من اجواء لونية متداخلة لتشكل مناخا تجريديا مع الاحساس بأنها لوحة نفذت بالألوان المائية لما تحمله من شفافية عالية وتداخل لوني من خلال التأثيرات اللونية بين لون واخر داخل المكان الفني، وهي في الواقع تجربة ريادية من قبل الفنان لإظهار طبيعة اللوحة وتشخصيها بشكل مغاير لما هي عليه.. الا انها بقيت تنتمي الى عالم مجرد فالقدرة ، هنا هو قدرة لونية اكثر من كونها تشخيصية، اذ يلاحظ المشاهد المتأمل للوحة وجود بعض العلامات او التكوينات التي قد تشكل شكلا معينا له معناً وبالإمكان فك شفرته او حل رموزه ، الا ان تكوين اللوحة ككل لا يتركها لتغادر عالم التجريد في لحظات معينة.

يجد المتأمل لمفاصل اللوحة وعناصرها وبالخصوص في وسطها ، وجود كتلة متكونة من اكثر من مفردة توحي بوجود شيء ما ربما يكون شخص او ربما هو حرف ما او مجموعة من الحروف المتراكبة ، او ربما هي تكوينات لتشكيل كتلة مجردة ، ولكن على الاكثر هو وجود كتلة في اسفل يمين اللوحة تشبه حرف النون باللغة العربية، وهذا قد لا يكون مؤكداً لأن المفردة بقيت مفتوحة في دلالتها وهي محاولة لجعله شكلاً هلاميا داخل اللوحة لذا بقيت اللوحة هائمة في عالم التجريد على الرغم من وجود بعض المؤشرات لتحديد هويتها، وان اعتبرنا ان هناك حرفا عربيا داخل اللوحة فلا ضير فأن هوية هذه اللوحة قد حددت من مرجعية تراثية في جزء منها وان لم يكن المقصود حرفا فأن بيئة اللوحة بقيت مجهولة داخل البعد التجريدي.

ان الصفة الهلامية التي عمد الفنان على تركها في بعض عناصر اللوحة تنم عن طريقة ابداعية لتمثيل عوالم غير محددة المرجع بالنسبة للفنان، فهي تبدو كأنها محاولة للولوج في عالم الحداثة الذي ساد العالم منذ النصف الأول من القرن العشرين، مع طريقة خلق اداء فني تبرز من خلاله خصوصية الفنان العراقي في خلق اجوائه الخاصة داخل اللوحة التجريدية وتشكيل الحداثة وفق ما هو مواكب لما يحصل في العالم لذا فأنها شكلت بعدا حداثيا في الرسم العراقي وبمرجعية شرقية وغربية وتأسيس اسلوبي كثير الذاتية ويوازي حركة الفن العالمي ،وهذا النسق الذي اعتمد بعض من المرجعية الغربية في الفن اصبح له مناصروه منذ منتصف سبعينات القرن المنصرم وحتى يومنا هذا.

كاتب : سامر قحطان القيسي