لا شك ان العالم الإسلامي قد شهد إبداعاً كبيرا في مجال الفنون المعمارية والزخرفية المختلفة وبالخصوص في مجال فن الزخارف الهندسية، اذ إنها أعطت طابعا إسلاميا فريداً من نوعه من خلال إبداعات الفنان المسلم في هذا المجال.
ولا اختلاف على ان تأثير العقيدة الدينية الاسلامية قد ترك بصماته على الاعمال الفنية من خلال الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الإسلامي، فقد كان ومازال هذا الواقع ذي تأثير ايجابي لازدهار الفنون وابتداع الكثير منها على كافة المجالات، وقد طرح الواقع الاجتماعي للمسلمين ظاهرة من أهم الظواهر الثقافية والتي كانت امتدادا لعصر الازدهار الفكري والسياسي، وهي ظاهرة الإحياء الإسلامي والتي ساهمت في إبراز جوانب متعددة لمختلف النشاطات والميادين العلمية والثقافية والفنية حتى أصبح التراث العربي الإسلامي خزينا كبيرا لمختلف الفنون والعلوم الاجتماعية والفنية وليس على مستوى الدول الاسلامية فحسب بل امتد الى الغير اسلامية منها.
لقد أبدع العرب المسلمون وعلى مر العصور في تجسيد الزخارف الهندسية بتنوع أشكالها من خلال تصاميمها على جدران الجوامع وأماكن العبادة لقدسيتها، مستندين في ذلك الى أسس معينة في تصميمها تمثل أسلوب العمل الذي ينهجه المزخرف في تشكيل التصميم وابتكار الأشكال المتنوعة في إطار الأسس نفسها في ذلك التشكيل الزخرفي وبالتالي يخرج من مفاصلها تنوعا في الاشكال الزخرفية في حال توفر الخيارات التي تؤمن نتاجات ذات نسب صحيحة وذات طابع فني إسلامي مميز، اذ تعتمد مجاميع الزخارف الهندسية في الدرجة الأساس على بناء الشبكة الأساسية في ضوء الفضاء او السطح المتاح، وذلك يكزن وفق مجموعة متنوعة من الإخراج كعملية التكرار او الانسجام او التوازن في رسم الوحدات الزخرفية ومفرداتها أو توزيع مراكز تولد المفردة الزخرفية سواء في مركز التصميم أو على جانبيه، ومن ثم اختيار العناصر الأساسية المكونة للشكل الكلي وتوظيفها في ذلك الفضاء ومن ثم الإخراج النهائي الذي ينطوي على مفاهيم تستند الى الاختيار القصدي من خلال التوصيلات الهندسية للحصول على التأسيس النهائي للتصميم الجمالي الزخرفي.
ولو تعمقنا في الهيئات الزخرفية الهندسية الموجودة على جدران الابنية الاسلامية على اختلاف وظائفها لوجدنا ان طبيعة بنيتها الفنية – كعناصر منفردة - ترتبط ارتباطا وثيقا بالبنى السطحية للمبنى ومكانها في البيئة العمارية، سواء اكانت تغطي جدران المبنى الداخلية او الخارجية، فالزخرفة العمارية هي نوع من الإعلان العماري أي عنصر بيئي تتغير ابعاده وحجومه ونوع بنية سطحه تبعا لبيئة الموقع المكاني لها في وعلى العمارة، ومن اجل إعطائها هذا البعد البيئي فالمزخرف العماري يهتم اهتماما كبيرا بالأسس العلمية والفنية عند إنشاء السطح الزخرفي الهندسي بما يحقق التوافق بين الفضاء التصميمي للسطح الزخرفي وفضاء مشهده المكاني في المبنى واعتبارات التساوق والتماهي مع ما يحيط هيئة الزخرفة وبنية سطحه العماري كوحدة متماسكة، وذلك يكون من خلال إتباع معيار المقياس الهندسي والمقياس البشري، فيكون مظهرها الجانبي الأساسي ملائما او متزاوجا او متباينا مع الجوار المحيط لبنية السطوح المشغولة بها، ومن جانب اخر نجد المصمم المعماري الزخرفي يركز في إنشائه للسطح الزخرفي على مبدأ القرنية في نجاح الفضاء واثر الكتلة وأناقة الخطوط والأشكال الهندسية والمظهر الجانبي للسطح الزخرفة الحاضن لهذه الخطوط والأشكال بما فيها عملية احكام الضوء والظلال إذ إن جميعها تعتمد على المعالجة التصميمية لأسس التشييد الهندسي والمهارة الفنية في معالجة النسب والعلاقات التناسبية لهذه الخطوط والأشكال الزخرفية.
ان البيئة العمارية للمباني الاسلامية عادة ما تفرض على المصمم الزخرفي الهندسي بان يضع في فكره جميع مكونات المواد والطرز الفنية التنفيذية، لتكون اكثر ملائمة مع المشهد المكاني والمحيط الذي تنتمي اليه، وقد تنفذ الخطوط والأشكال الهندسية ومظاهرها الجانبية على سياق المنظر والمشهد والمحيط وبعض الأحيان على متغيرات أخرى، فالمصمم الزخرفي يعمل عادة بطريقة استعمال الأطر والهياكل كعناصر معمارية تغلف مساحة معينة من بنيالسطح الزخرفي الهندسي، بهدف تكوين فضاءات خارجية أي بنية السطح الزخرفي وبنية هيكلها العماري والتي تكون بدورها انعكاسا لمقياس ما يحيطه وما يجاوره وتستجيب لسياقاتها، وبذلك يكون فضاء التصميم للسطوح الزخرفية بكل بيئتها على علاقة توافقية مع مقياس المكان وحجم السطح والمقياس البشري بحيث تصبح عناصر بنية وهيئة السطح الزخرفي العماري تدرك في علاقات تناسبية ونسبية الى هيئات المحيط والجوار بما يتصل بمعطيات الشكل الهندسي للسطح الزخرفي والمقياس الهندسي لخصائص بيئة مكان المبنى.. والمتمثلة في هيئة منسقة تكون مساقطها ومحاورها الأفقية والراسية بما فيها العلاقات البصرية ضمن نظام البعدين عن السطح الزخرفي وضمن نظام البعد الثالث المتمثل بالعمق مع سياق المشهد المكاني ومجال حقل رؤية السطح الزخرفي الهندسي ضمن بيئة محيطه العماري، أي بمعنى ادق اظهار التوافق الهندسي بحيث يشكل بينهما وحدة نسق تماسك الصورة الكلية للمشهد المكاني بما فيها المنجز الزخرفي والتكوين المعماري من حيث تطابق محاورهما ، فمتى ما كان المحور للسطح الزخرفي متطابقا مع الخصائص الهندسية للعمارة فانه سيحدث تماسكا متينا وحادا، ومن ذلك نستطيع القول ان لكل هيئة وبنية زخرفية هندسية عمارية خصائص تصميم معينة بدءاً من عناصرها ومكوناتها المادية وانتهاءً بعلاقاتها المكانية موضعا ومحيطا وان لهذه الخصائص مستويات تصميم أساسية التي بموجبها ينظم المصمم الزخرفي العماري هذه العلاقات بما يحقق المظهر البيئي للسطح الزخرفي.
اترك تعليق