التفكيـر البصـري ومؤثرات الصورة الفنية على التعليم..

يخطط المهندس مرتسماً لبناء ما.. ويستحضر الاديب صوراً عن حياة او موقف ما.. ويرسم اخر صورة ما لطبيعة خلابة او عزيز ما.. ، وكل هؤلاء يشتركون في انهم يستخدمون التفكير البصري! .. والتفكير البصري هو عملية عقلية تعتمد على حاسة البصر ويتم بمقتضاها تركيز الطاقة العقلية للفرد في عدد قليل ومحدود جداً من المثيرات البصرية لموقف دون الاخر.

يعد هذا النوع من التفكير أحد الطرائق المهمة للموازنة بين الأساليب اللفظية والاستراتيجيات البصرية للوصول إلى التعلم الامثل في شتى مجالات الحياة وبالخصوص مجال تعليم الطلبة، كون الكلمات والجمل والفقرات ليست دائماً أكثر الطرائق فاعلية لتمثيل التفكير إذ أن أكثر الأفكار يُعبر عنها بشكل أفضل وتفهم بسهولة من خلال الصور والخرائط والأشكال التوضيحية واللوحات وخرائط المفاهيم والمخططات، لذا تزود هذه الاستراتيجيات البصرية الصور التي تجمع المعلومات معاً وتدمجها في شكل أسهل للفهم والتذكر، فعلى سبيل المثال رسم صورة للتعريف يؤدي إلى استرجاع أفضل من الكتابة المجردة، وهذا ما أكدته دراسة "ويتروك" أن الطلبة كانوا يسترجعون الكلمات عندما يقرؤون التعريفات ويتتبعون صورا لها تمثلها بشكل أفضل، مما كانوا يقرؤون الكلمات والتعريفات ويكتبونها فرسم صورة بصرية للتعريف يكون أكثر فاعلية في التعلم من تتبع الصورة.

 يؤكد احد الفلاسفة الاوائل أن التفكير لا يمكن ان يكون دون صور، وان الحياة المعاصرة لا يمكن تصورها من دون صور، وأكد آخر أن التفكير بالصورة يرتبط بما يسمى (التفكير البصري) كما إنها ترتبط بالخيال والخيال يرتبط بالإبداع ومن ثم فهو ضروري لنمو القدرات العقلية للمتعلمين". في حين يرى آخر فانه في إننا نعيش في حضارة الصورة و أن الصورة أصبحت مرتبطة بكل جوانب حياة الإنسان، فهي حاضرة عبر وسائل الإعلام وفي قاعات العرض للإعمال الفنية وأجهزة الكومبيوتر وعبر شبكات الانترنيت وغيرها، أما في مجال التربية والتعليم فقد أسهمت من خلال الصور التوضيحية والرسوم المصاحبة للكلمات أو تقنيات الفيديو وأجهزة عرض البيانات، ويشير احد المهتمين في هذا المجال إلى أن ظاهرة الصور والتفكير البصري(التفكير بالصور) ظاهرة عامة تشتمل على مفاهيم وأفكار ومكونات عدة منها الصور واللوحات والتماثيل والخداعات الإدراكية والخرائط والرسوم التوضيحية. وتتحدد وظيفة الصورة من خلال وجود تكاملية بين التفكير بالصورة والتفكير بالكلمة أي أنها إثراء للكلمات لا لكي تحل محلها بل لتصاحبها في شكل رسائل وعناوين فرعية فالأفكار هي تشكيلات عقلية لمجموعة متفرقة من الصور الموجودة في عقل المتعلم وعند مستوى نشاطه العقلي الايقوني أو المتعلق بالتفكير بالصورة، وهنا اصبح المتعلم ليس قادراً على الاتصال بآخر عبر الصوت والمشاهدة فحسب بل أيضا الإحساس به بفضل إمكانية امتداد إدراكه بعالم الصورة من خلال فهم طبيعتها كونها منبهاً معرفياً أو مثيراً له تأثير في وعيه بدلاً من ملايين الكلمات .

   إن القدرة على توليد الصورة البصرية واستخدامها والتعامل معها تُعد مهارة ذات فاعلية أكثر تعقيدا من التفكير اللفظي وهو ما أشار إليه (البرت اينشتاين) في قوله "لا يبدو أن الكلمات أو اللغة كما تكتب أو تنطق تؤدي دور في آلية تفكيري، إن الأجسام التي يبدو إنها تقوم بدور العناصر في التفكير ما هي إلا إشارات معينة وصور حقيقية ليس إلا، ويمكن أن يعاد إنتاجها وربطها بصورة إرادية، لذا تكون بعض العناصر من النوع البصري وبعضها من النوع العضلي.  

وتتكون الصورة في جوهرها من أجزاء أو أقسام من الخبرة البصرية التي تجرى معاملتها، ويجري التنسيق بينها من خلال عملية إدراكية سماها (وولتر ليبرمان) بالصورة الموجودة في رؤوسنا والتي تمثل الارتدادات الأكثر عمقا داخل النفس البشرية، كما إنها وثيقة  الصلة بالمدى الكلي للخبرات والتعبيرات الإنسانية فهي التي تؤدي دوراً مهماً في تأسـيس كثير من أنظمة التمثيل أو التمثل للأفكار والنشاطات، والتي تتجلى فيها الصور وتتجسد وتؤثر وتهيمن على التصور والذاكرة والحفظ والاسترجاع.

 ومن جانب اخر فهنالك تنوعات وتباينات لجميع أنواع الصور من حيث ارتباطها بالصور الإدراكية الخارجية أو الصور الذهنية الداخلية أو التي تجمع بينهما، ومن بعض أنواعها ما يأتي:

1. الصورة البصرية: وتشير بشكل خاص إلى انعكاس موضوع ما، على مرآة أو عدسات أو أي أداة بصرية فتحدث عن الصورة الشبكية التي هي الصورة التقريبية لشيء ما.

2. الصورة بوصفها تعبيراً عن التمثيل العقلي للخبرة الحسية أو إعادة إنتاج لها.

3. صور الخيال : ويشير إلى عمليات الدمج والتركيب وإعادة التركيب بين مكونات الذاكرة الخاصة بالخبرات السابقة والصور التي يجري تشكيلها وتكوينها لاحقاً، وهذا يتضمن عمليات التنظيم والتحويل العقلية .

4. الصور اللاحقة: وهي الصور التي تحدث عند حاسة الإبصار بعد انتهاء منبه حسي معين كالنظر إلى بقعة لونية سوداء على جدار ما ثم نقل البصر بسرعة لجدار آخر فسترى البقعة اللونية السوداء بنفس نصوعها وألوانها، لكنها سرعان ما تزول.

5.  صور الذاكرة : وهو نوع من التفكير قد يصاحب عمليات استدعاء الأحداث الماضية أو عمليات التفكير التي تحدث في الحاضر وتتميز عن سابقتها بأنها أكثر قابلية للتحكم الإرادي وأكثر استمراراً من الناحية الزمنية كما يقل احتمال حدوث الأخطاء الإدراكية بداخلها في علاقتها بالواقع، وهي عملية إعادة بناء أو بعث للإدراكات السابقة لإعادة جمع تفاصيل قد نُسيت.

6.  الصور التشكيلية : وتتمثل بالأعمال الفنية التشكيلية كالرسم والتصوير الملون التي هي في جوهرها صورة، وهذه الصورة تتمتع بمجموعة من الخصائص فمن الممكن ان تخطيطية عامة وليست بالضرورة تمثيلاً حرفياً للوقائع أو الأشياء العيانية المحددة، ومن الممكن ان تشتمل على الشكل الخاص بها والمعنى المرتبط بها ليتمكن المتعلم من تمثيلها وتساعد في نفس الوقت على فهم الكلمات وتذكرها، كما تقوم بالوظيفة الترابطية الخاصة بين الكلمات بعضها ببعض، إذ تساعد الصورة على إيجاد العلاقات المناسبة بينها، لذا فالصورة الذهنية مهمة في ذاتها بوصفها صوراً فضلاً عن إحداث علاقات بين الكلمات وعناصر التفكير في مجالات التربية والإبداع، وتؤدي الصورة الذهنية دورا في اكتساب الفرد اللغة ولاسيما في المراحل المبكرة من ارتقائه، وهذا يشير إلى انبثاق علاقة بين الصورة والكلمة، وتجري ايضاً من خلال هذه الصورة عملية دمج الصورة الذهنية التي تعرض لها المتعلم مع قواعد البناء ونظم التركيب داخل النظام التمثيلي الخاص بالصور العقلية في الدماغ، وهنا تميل الصورة إلى التكرار من خلال مظاهر محددة، فعلى سبيل المثال يرسم معظم المتعلمين في المرحلة الدراسية الواحدة الشجرة بهيئة متشابهة.

وعلى ذلك فان هناك جانباً من المعرفة يخزن في نظام معين خاص بالصور الذهنية داخل الدماغ ، وهو يتكون بدوره من عمليات خاصة يقع على عاتقها تفسير المعلومات، ويكون ذلك في أن الصور تقوم بحفظ المعلومــات والخصائص الإدراكية والمعنى ومن ثم الوصول الى مرحلة الفهم الكلي لأي موضوع فني أو أدبي أو علمي ، ومن الممكن استثارة الصور الذهنية لدى المتعلمين من خلال كلمات معينة (في أثناء القراءة) لكن هذا لا يعني بالضرورة وجود علاقات بين المثير(الكلمة) والصورة (الاستجابة) ، وكذلك لا يمكن ضمان التطابق أو التشابه بين الكلمة والصورة (الناتجة للقدرة التمثيلية الخاصة بالذات) التي استثارتها، إذ إن جوهر هذه العملية يكمن في الفجوة الفاصلة والكامنة والنشطة بين ظهور المنبه وصدور الاستجابة، أي في عمليات الفهم والتحويل والتمثيل التي تحدث داخل الدماغ ، اذ ان الفهم البصري لأي نموذج صوري له يحمل كما كبيراً من المعلومات سواء أكان النظر إلى الصور الخارجية أو الصور المتولدة داخلياً، فالصور يمكن أن تكون ثنائية الأبعاد أو ثلاثية الأبعاد، كما أن الذكريات البصرية قد يعدلها المتعلم نفسه كونها مساهمة بصرية خاضعة لمرشحات المتعلم، لذا يكون باستطاعته استدعاء الأجزاء المختارة من الصور كما يمكنه المقارنة بين الحجم والبعد واللون والشكل.  

المرفقات

: سامر قحطان القيسي