عبد المجيد العطار (1282 ــ 1342 هـ / 1866 ــ 1924 م)
قال من قصيدة يرثي بها الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (39) بيتاً:
ويـومُ حـسـيـنٍ وهـوَ جمُّ فـوادحٍ فلمْ أدرِ مـا مـنهنَّ بالطفِّ أبكاني
أغُربته في (كربلا)؟ أمْ وقوفه؟ عـلـى خـيـرِ أنصارٍ وأكرمِ فتيانِ
فمِن عافرٍ دامي الـوريدِ موزَّعٍ ومِن ساغبٍ ثاوٍ إلى جنبِ ظمآنِ (1)
وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (25) بيتاً:
هلَّ المحرَّمُ والشــــــجا بهلالِهِ قد أرَّقَ الهادي بغـــــــــــصَّةِ آلِهِ
كمْ فيه من قــــــمرٍ لآلِ محمدٍ بالطفِّ سِيمَ الخسفُ قبــــل كمالِه
كمْ فيهِ مِـــن وجهٍ ترمَّلَ بالدما حجَبَ الثرى منه ضـــياءَ جمالِه
كمْ مِـــن دمٍ للمصطفى بمحرمٍ نهضتْ بنو ســــــفيان لاستحلالِه
مَــــن مبلغٍ عني النبيَّ وحاملٍ منــــــــــــي إليهِ رسالةً من والهِ
إنَّ الحسينَ حبيبه فـي (كربلا) ريحُ الردى عصفتْ على إطلالِه (2)
الشاعر
الشيخ مجيد بن محمد بن أمين بن محمد سلوم بن رضا بن أمين المحمد البغدادي الحلي المعروف بـ (العطّار) (3)، ترجم له علي الخاقاني باسم: مجيد (4) وقيل اسمه (عبد المجيد) (5)
ولد في بغداد (6) وقيل في الحلة (7)، قال اليعقوبي في ترجمته: (بغدادي الأصل والمولد، حلي النشأة والمسكن، كوفي الخاتمة والوفاة، أخبرني ــ رحمه الله ــ أن مولده في بغداد في المحلة المعروفة (صبابيغ الآل) في شهر ذي القعدة عام 1282 هـ، وكان أبوه خفافاً وجده أمين هو الذي نزح من بغداد إلى الحلة ومعه ولده محمد. وحفيده المترجم طفل صغير وبعد بلوغ رشده ووفاة والده وجده صار يمتهن بيع العقاقير اليونانية وما شاكلها في حانوت له في سوق العطارين والعامة حتى اليوم تطلق على من يتعاطى تلك المهنة لقب عطار فغلب عليه هذا اللقب وهو في خلال هذه المدة يتخرج على السماع ومطالعة الكتب والأسفار الأدبية) (8)
وقال الخاقاني: (وكان حانوته مأوى العلماء والأدباء وذوي الشأن وكان لهذا الاختلاف أثر كبير في خلق روحية له أدبية وشاعرية فياضة.... فحانوته إن قلنا مدرسة فلا نغالي لما يعرض فيه من مختلف الخواطر العلمية والآراء المذهبية) (9)
وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير، ومجمع الأدباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها، يختلف إليها النابهون والمتأدبون (10)
اطلع العطار على كتب الأدب والتراث إضافة إلى حواراته الأدبية فأكسبته المطالعة ثقافة واسعة وكان يتقن أربع لغات إضافة إلى العربية وهي: الفارسية والتركية والعبرية والفرنسية، (11) وقد ترجم إلى العربية كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي لإلمامه باللغتين (12)
كان العطار شديد التواضع محباً للناس وعُرف بسموِّ أخلاقه وزهده وورعه وتقواه وقد عرضت عليه السلطة العثمانية التي كانت تحكم العراق وظيفة كبيرة لكنه رفضها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال وفضل الكسب الحلال من دكان والده على وظيفة الحكومة. (13)
كما امتاز في سمو أخلاقه وعفة نفسه ونزاهة ضميره ووفائه لأصدقائه ولما ثار الحليون على السلطة التركية سنة 1334 هـ ولم يبق لنفوذ الحكومة أثر في الحلة وسادت الفوضى فيها خشي المترجم سوء العاقبة وخاف من هجوم الأتراك لإرجاع سلطتهم ثانيا وفتكهم فيها (كما وقع أخيرا في حادثة عاكف) فانتقل بأهله وأولاده إلى الكوفة التي كان قد بنى له فيها دارا وعقارا قبل هذه الحوادث وأقام بها إلى أن أجاب داعي ربه ودفن في النجف الأشرف (14)
تميّز العطار في شعره بفن التاريخ الشعري، حتى عُدّ علماً من أعلامه، وتفوق به على معاصريه (15) وكان يقوله ارتجالاً مما كان يثير استغراب أهل الفن، وأغلب شعره في أهل البيت (عليهم السلام) وكان شعره مفضلاً لدى خطباء المنبر الحسيني لجزالته وسلاسته وقوته. وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء (16).
قال عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي: (ولم أشاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون إشغال فكرة، أو إعمال روية، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف، وله فيه اختراعات لم يسبقه إليها أحد ...) (17)
وقال عنه السيد جواد شبر: (كان ــ رحمه الله ــ قد تضلّع في فن التاريخ، وأتقن منه ألواناً، كان ينظمه ارتجالاً، مما كان يثير استغراب أهل الفن ... أما تواريخه الشعرية، فإنها لو جمعت كلها لكانت ديواناً مستقلاً، وسجلاً تاريخياً تؤرخ تلك الحقبة من ذلك الزمن). (18)
وقال عنه السيد محسن الأمين: (شاعر له يد في نظم التاريخ) (19)
وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (أديب فارع، وشاعر بارع، له يد في فن التاريخ، وبديهة فيه وفي الشعر، وأكثر شعره في المديح والرثاء لأهل البيت عليهم السلام) (20)
ويقول الأستاذ علي الخاقاني في ترجمته: (وأدب التاريخ فن خاص مستقل بذاته وفد عني به طائفة من الشعراء غير أن الكثير منهم لم يتوفق بالإبداع فيه لمزيد كلفته وإجهاده ولأنه يحتاج إلى رياضة في النفس وصبر وجلد....، وصاحبنا الحاج مجيد انتهى إليه أمر هذا الفن فتفرد به ولقب بشيخ المؤرخين، ومن روائع تواريخه: التاريخ الذي أعجز أرباب هذا الفن أن يأتوا بمثله، فقد أرخ مقام الإمام علي عليه السلام في الحلة وقد أشاده السيد محمد القزويني وقد اشتمل على 28 تاريخا قوله:
ببابِ مقامِ الطـهرِ مرتقبُ النجا أخــــو طلبٍ بالبرِّ مِن علمٍ برا
مقامٌ بربِّ البيتِ في منبرِ الدعا أبو قاسمٍ جرَّ الثنا عمَّها أجرا) (21)
وقال عنه الشيخ جعفر النقدي: (ذو فضل باهر وكمال فائق وعقل وافر وديانة وأمانة ومتانة ورصانة رقيق الطبع والأدب دقيق الفاكرة، له في الشعر منزلة سامية وفي فن التاريخ اليد الطولى لم يشاركه أحد من أهل ذلك العصر في ذلك) (22)
شعره
قال السيد جواد شبر: (وقد ضاع أكثر شعره، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور، ومما سُجّل له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء ....) (23)
شعره
قال من قصيدة في رثاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
شـهـرُ الـصـيــامِ بهِ الإسلامُ قد فُجعا وفي رزيَّتِهِ قلبُ الــهــدى انــصــدعا
شـهـرُ الصيامِ بكتْ عينُ السماءِ دماً فيهِ وجــبــريـــلُ مــا بينَ السماءِ نعى
اليومَ في سيفِ أشقى العالمينَ هوى شخصُ الـوصيِّ وفي محرابِهِ صُرِعا
اليومَ ماتَ الهدى والـديـنُ مــنـهــدمٌ وفي ثــيــــابِ الأسى قد باتَ مُــدَّرِعا
الـيـومَ فـلـتـسـكـبُ الأيــتـامُ عبرتَها ولتتركَ الصبرَ لكن تــصحبُ الجَزَعا
الـيـومَ فـي قــتـلِــهِ الهادي وفاطمةٌ ماتا وعُليا نزارٍ ســـورُها انـــصـــدعا
سعتْ بقتلِ وصيِّ المـصـطـفى فئةٌ على قــلـــوبِـــهـــــمُ الشيطانُ قد طبعا
قد غادروا شملَ دينِ اللهِ مُــفــترقا ويزعمونَ بقتلِ المرتــضـــى جــمـــعا
هذا ابنُ مـلـجـمَ قد أردى أبا حسنٍ أهلْ درى اليومَ مَن أردى ومَن صَرَعا
ما ناله سيفُ أشــقــاهـــا بـضربتِه لكنما صنعَ الــمــقـــــدورُ مــــا صنعا
وكيف بالسيفِ ما فُلّتْ مـــضاربُه إذا تساقطَ دون الــمــرتــضــــى قطعا
سيفٌ أصيبَ به رأسُ الوصيِّ لقد أصابَ قــلـــبَ الهدى والـعلمِ والوَرَعا
ما بالها هجعتْ عن يومِه مــضرٌ وبــعــده الــديــنُ والإســــلامُ ما هَجعا
فلتندبُ الطهرُ فهرٌ نـــــدبَ ثاكلةٍ تــســاقـــطَ الـــدمــعُ من أحشائِها قطعا (24)
وقال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (28) بيتاً:
شــهــرُ الــمــحــرَّمِ فــاتــكَ الـعذرُ أوجعتَ قلبَ الديــنِ يا شهرُ
فــكــأنَّ شــيــمــتــكَ الخِلاف على آلِ الــنــبــيِّ وشــأنُكَ الغدرُ
يا شــهــرُ هـــلْ لـــكَ عــندهمْ ترةٌ أنّى وعندكَ كــمْ لـــهـمْ وترُ
لا ابــيــضَّ يـــومُـــكَ بـــعدَ نازلةٍ مــنــهـــا يـكادُ الدمـعُ يحمرُّ
غــشــيــتْ هـــلالـــكَ مـنه غاشيةٌ بالطفِّ يكسفُ عنـدها البدرُ
ســلــبَ الأهــلــةُ بـــشـــرَها فغدا أيامُــهــا الأعــيــــادُ والبشرُ
أيــطــيـــبُ عــيـــشٌ وابنُ فاطمةٍ نهبتْ حشاهُ البيـضُ والسمرُ
تـــاللهِ لا أنـــســـاهُ مـــضــطــهداً حــتــى يضمُّ عظــاميَ القبرُ
ومــشــــرَّداً ضـــــاقَ الفضاءُ بهِ فــكأنَّ لا بلدٌ ولا مــصــــــرُ
مُـنـعَ الــمــنــاســـكَ أن يـــؤدِّيها بمنىً فكانَ قــضــاءها النحرُ
أفــديـــهِ مــســتــلــمـــــاً بجبهتِهِ حجراً إذا هوَ فـــاتــه الحجرُ
أو فاته رمـــيُ الـــجــمـــارِ فقد أذكى لـهـيـــبَ فؤادِهِ الــجمرُ
يــســعــــى لإخوانِ الصفا وهمُ فوق الـصـعيدِ نسائكَم جُــزرُ
ويطوفُ حولَ جسومِهمْ وبهِ انـ ـتظمَ المصابُ ودمــعُـه نــثرُ
حــتــى إذا فُــقــــدَ النصيرَ وقد نزلَ الـبـــلاءُ وأُبـــرِمَ الأمرُ
ســئـــمَ الدنيَّةَ أن يــقــيــمَ بــها لوثَ الإزارِ وعــيـشُــها نكرُ
وعظ الــكــتـائبَ بالكتابِ وفي آذانِــهــمْ مــــن وعظِــه وقرُ
فانصاعَ يــســمــعُــهـــمْ مهنَّدُه آياتِ فصلٍ دونَــهــا الـــعذرُ
فــأبــوا ســوى مـا سنَّه لهمُ الـ أحزابُ يـومَ تــتــابعَ الكـــفرُ
حتى جرى قلمُ الــقــضـاءِ بما بـلـغَ الـمــرامُ بـفتكِه شـمـــرُ
اللهُ أكــبــرُ أيُّ حـــادثـــــــــةٍ عظمى تحيَّرَ عــنـدها الفــكرُ
يا فهرُ حيَّ على الردى فــلقد ذهبَ الرَّدى بـعـلاكِ يا فــهرُ
هذا حسينٌ بالــطــفــوفِ لقىً بــلــغـتْ بـــه آمالَها صـخــرُ
حفّتْ به أجــســادُ فــتــيــــتِهِ كالبدرِ حين تـــحفُّها الـزهــرُ
أمِنَ المروءةِ أنَّ أُســرتَــكــمْ دمهمْ لآلِ أمـــيـــةٍ هــــــدرُ؟
أمِنَ المروءةِ أنَّ أرؤســهــمْ مــثــلَ الــبدورِ تقلّها الســـمرُ
أينَ الإباءُ وذي حــرائــرُكمْ بـالطفِّ لا سجـفٌ ولا خـــدرُ
أسرى على الأكوارِ حاسرةٌ بعد الحجالِ يروعـها الأســـرُ (25)
وقال من قصيدة يصف ما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويختمها برثاء الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) تبلغ (44) بيتاً:
آلُ بيتِ الــوحــي الــــذيـــنَ بــهــــــمُ قد أسَّسَ الــديـــنُ شــــرعَه تأسيسا
عـصـفــتْ فـــيــهــمُ الــحوادثُ حــتى عادَ ربعُ الرشادِ مــنــهــمْ دريــسـا
وشــجــى غـــادرَ الــهدى فارغَ الــقلـ ـبِ وازدراؤه مـــلأنَ الــطـــروسا
حجراتُ الـــتـــقديــسِ تهدمها عــصـ ـبةُ إفـــكٍ لا تــعــرفُ الــتــقـــديسا
ونـــفـــوسٌ خــبــــيــثــــةٌ قد أســالتْ بــظـــبـــاهـــا لـــلــــطــيبينِ نفوسا
تــبــعــتْ غـيَّها افــتــراءً عـلـــى الله وأقــصــتْ هــارونَ مِن بعدِ موسى
حيثُ أغرتْ بالطاهرينَ عـــــلــوجـاً دنّــســتــهــمْ آثـــامُـــهــم تــدنــيــسا
أصدروهمْ عن نــقــلِ أحـــمدَ ظــلماً ومِن الــحـــتـــفِ أوردوهم كــؤوسا
فزعــيــــمٌ لــلـــدينِ كادتْ لــه الــقو مُ كما كـــادتْ الــيــهــودُ لــعــيــسى
يومَ نالوا مـــنه الـــتــــراثَ وصــدّو هُ عــنـــاداً عن الــتــراثِ يـــؤوســا
قد دعاهم ضلالُـــهــمْ أن يــسـومــوا عــلــمَ الـــديـنِ والرشادِ طــــمــوسا
كـــذبَ الــقــائـلونَ فــيـــهِ ســـمــعنا وأطعـنا وأبــطــنــوا الـــتـــدلــــيـسا
ويرونَ الـــصـــــوابَ في ديــنِهم أن يحكـمُ الــعــجلُ في الرؤوسِ رئـيسا
تركوا اللاتَ مكرهــيـــنَ جـهـــــاراً وأسـرّوا أن يـــعــبـــدوا إبـــلـــيــسا
ليسَ يرضى الــيــهــــودُ كلاً ولا ير ضى النصــارى ما بدَّلوا والمجوسا
وأحباءُ الإسلامِ يـــضـــحكُ منه الكـ ـفرُ إذ راحَ فــــاقـــد الـــنـــامــــوسا
أيُّ عهدٍ للــمـــــصطفى قد أضاعوا ودمٌ كانوا في الـــــوجـــودِ نـــــفيسا
مِن قتيلٍ في الطفِّ في خيرِ صحبٍ خـــلـــعـــوهــــــا دونَ الرشادِ نفوسا
أسْــدُ حـــربٍ تــــزدادُ بــشـراً بيومٍ هــولـــه كـــــانَ لـــلــكـــمـاةِ عبوسا
لا تعدّ الرّدى ردى لاشــتــباكِ السـ ـمرِ عند اللقا ولا الــــــشــوسُ شوسا
قطرتهم بيضُ الــصــــــــوارمِ أقما راً فعادوا من الــدمـــــاءِ شــمــــوسا
وغدوا قسمةً لـــلــســـيــــوفِ فللأر ضِ جـــســـومــاً وللـــرماحِ رؤوسا
فــتــجــلّـــى لـــلـــحربِ شبـلُ عليٍّ بـــشــبــا عــضــبِـــه يـــردُّ الخميسا
بــأبــي واقــفــاً عــلــى الديـنِ نفساً بــســوى بــذلِــهـــا أبى أن يـــسوسا
فطرته الظبا ونبتُ الــقــنـــا الخطـ ـيِّ أضــحــى بــجــســمِه مــــغروسا
مــيَّـــزوا مــنــهُ بــالـحــسـامِ مُحيَّا دونـــــه الــبــــدرُ في الدجى لو قِيسا
وعــوادٍ مـــا أخــطـأتْ صـدرَ طهَ مُــذ رأتْ صـــــدرَ ســبطِه أن تدوسا
فغدا جــســمُــه كــلــيماً عـلى الأر ضِ وبــالـــرمـــــــحِ رأسُـه إدريــسا
وأمـضَّ الخطوبِ أن يــقــطـعَ الأد نــونَ أو يــقــتــفـــوا الـدنيَّ الخسيسا
خلّفـتْ عصبةُ الــشــقـاقِ بنـو العمِّ فــنـــالـــوا مــــن ابنِ جـــعفرَ موسى
بلغـوا مِن أبي الرضا أن سـقوه الـ ـســمَّ عــنـــد اغـــتــــرابِه مـــدسوسا
بــأبــي ثــاويــاً بــبــغــدادَ قــاسى كــربـــاتٍ حــتــــى قضى محبــــوسا
شيَّعتْ نــعــشَه النفوسُ ولــكــــن رزؤه شـــيّـــعَ الأســى والــــنفــــوسا
كيفَ نامتْ عـلى الـهوانِ حمــولاً مِــن عـلى الضيمِ لا تطيقُ الجلـــوسا
أتناستْ بابَ الــحـــوائـــجِ فـهـــرٌ وهــوَ فـــي قــيــدِهِ يعاني الحبــــوسا
أفِــكَ الــقـــومُ بالــــنــداءِ عــلــيهِ فــانــجــلــى مــا تــقـوّلوا معــــكوسا
حيثُ كانَ الرشيدُ في الظلمِ فرعو نَ ومــوســـى فــيما تـحمَّلَ مــــوسى
فــتــولّـــى مــنـــــه سليمانُ أمراً كـــانَ مــن دونــهِ الـــرشيدُ يــــؤوسا (26)
وقال من قصيدة في رثاء الإمام الرضا (عليه السلام) تبلغ (39) بيتاً:
ولا أخرستْ مني الحوادثُ أفـــوهاً ولــكــن لـما عانى غـــريـبُ خراسانِ
غريبٌ قضى سمَّاً بــطــوسٍ فـديتُه بـعـيـدُ مـــدىً ثاوٍ بغـربــــةِ أوطـــــانِ
سعى فيهِ قومٌ لا سقى صيِّبُ الـحيا حفائرَ ضـــمَّـتْ مــــنـــــهـمُ كلَّ خوّانِ
لئن أظهروا عهدَ الولاءِ وأضمروا له بعد توكيدِ الــولا نـقـــضَ أيـــمـــانِ
فقد خسروها صـفـقـةً مِـــن شمائلٍ كما نكثوها فيهِ صـــفــقــةَ إيــــمــــانِ
همُ القومُ حادوا مِن هـداهُ وآثـــروا هــواهـــمْ لــكفرٍ مـنهمُ بعدَ إيـــمـــــانِ
عصابةُ إفكٍ لمْ تصبْ فـيـهِ رشدَها بلْ انتهزوها فــيـــهِ وثــــبــــةَ شيطانِ
إلى أن قضى بالسمِّ ملتـهبَ الحشا بــمـجـمـعِ أعـــــداءٍ وفــــرقــــةِ خِلّانِ
بــأهـلـيَ نــاءٍ عـن ذويـهِ ورهطِهِ يــحــنُّ إلــى أهـليهِ حــنّــةَ ولــــهــــانِ
رعى اللهُ طوساً أيَّ نفسٍ تضمَّنتْ مِن العترةِ الـهاديــنَ بـــلْ أيِّ جُـــثمانِ
عليُّ بنِ موسى خيرُ مَن يمَّمَ العُلا بساحةِ فضــلٍ مِن حـــمـــاهُ وإحــسانِ
بــنــي عــمِّــه هــلّا إلــيــهِ دعتكمْ حــمــيَّــةُ فــهرٍ أو حــفــيــظــةُ عدنانِ
وثبتمْ عليهِ قاطـــعــيـــــــنَ لرحمِهِ ولمْ تــصــلــوا إلّا بــظــلــــمٍ وعدوانِ
عذرنا الألى ســاقوا إلـى آلِ أحمدٍ عوادي الردى من عبدِ شمسٍ ومروانِ
لئنْ أسَّسوا الجورَ الــقـــديــمَ فإنَّما بــكــمْ رُفــعــتْ مــنــه قـــواعــدُ بنيانِ
أفي اللهِ ما جرَّ الضــــلالُ وحزبِه على أهلِ بيتِ الوحي من نقضِ أركانِ
فكمْ رفلوا لــكــن بـمـا ليسَ ثوبَهمْ وكمْ وصلوا لــكـــــنْ لمَن ليسَ بالداني
قد انبعثوا في نشرِ كـلِّ فــظــيـعةٍ ولــمْ يُــدرجُ الـمـبـعوثُ في طيِّ أكفانِ
وعادَ زعيمُ الــديـــنِ صـفرَ أناملٍ وهــلْ لــزعــيــمٍ قــامَ مِن دونِ أعوانِ
لكَ اللهُ منهوبُ التراثِ ولـــمْ تــقمْ بـــه لــطــلابِ الــحــقِّ سورةُ غضبانِ
تُزاحُ كأنْ لمْ تغدَ مِن نــفـسِ أحمدٍ كـهارونَ إذ يُعزى لموسى بنِ عمرانِ
وانَّ مــصــابـــاً لا يـــقـومُ بحملِه ولا بــقــلــيــلٍ مــنــه غــــاربُ ثهلانِ
مصابٌ عليهِ اِنهارَ بيتُ تـصبُّري وأصــبــحَ مــعــموراً بهِ بيتُ أحزاني
فأضرمَ أحشائي وأحنى أضـالعي وأسـقــطَ مــنـــي القلبُ وابتزَّ سلواني
ويـوما عـليٍّ فاسألِ الدهرَ عـنهما كطعمهما هلْ مرَّ فــي الـــدهرِ يومانِ
فيوميهِ بـالـسـيـفِ عُــمِّـــمَ رأسُـه ومِن قبله تدري الحمائلُ مــا الــثــاني
وللحسنِ الـمـسـمومِ يومٌ به شفـتْ لما ناله حربٌ لـــواعـــجُ أضـــغـــانِ
تـقـلّبُه أيدي الخـطـوبِ فــتـــارةً تــجــاذبُــه نــفــســاً وطــــوراً لخذلانِ
ويـومُ حـسـيـنٍ وهــوَ جمُّ فوادحٍ فــلــمْ أدرِ مــا مــنــهـنَّ بالطفِّ أبكاني
أغــربتُه في كربلا؟ أمْ وقــوفُه؟ على خيرِ أنصارٍ وأكــرمِ فــتــيـــــانِ
فمِن عــافرٍ دامي الوريدِ مُوزَّعٍ ومِن ساغبٍ ثاوٍ إلى جــنــبِ ظـــمـآنِ (27)
ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين (ع) عندما تعلق بضريحه الشريف:
يدي وجـنـاحـا فطرسٍ قد تعلّقا بجاهِ ذبيحِ اللهِ وابنِ ذبيحِهِ
فلا عجبٌ أن يكشفَ اللهُ ما بنا لأنّا عتيقا مهدِه وضريحِه (28)
وقال مخاطباً للإمام عليه السلام بهذين البيتين المشهورين:
لمهدِكَ آياتٌ ظهرنَ لـفـطرسٍ وآيـةُ عـيـسـى أن تـكــلّــمَ في المهدِ
لئنْ سادَ في أُمٍّ فأنتَ ابنُ فاطمٍ وإن سادَ في مهدٍ فأنتَ أبو المهدي (29)
ومن نوادره قوله:
عـلـيٌّ مــن الــهــادي كشقي يراعةٍ هـمـا واحـدٌ لا يـنـبـغـي عدّه اثنينِ
فما كان من غطشٍ على الخطِ لائحٌ فمِن شعراتٍ قد توسطنَّ في البينِ (30)
وقال متوسِّلا بأميرِ المؤمنين (عليه السلام):
مِن حمى المرتضى التجأتُ لحصنٍ قـد حمى منه جانبُ العزِّ ليثُ
فـحـبـانـــا أمــنــاً وجــــادَ بــــمـــنٍّ فهوَ في الحالتينِ غوثٌ وغيثُ (31)
وقال في الإمامين الجوادين (عليهما السلام):
لي بالإمامينِ (موسى) و(الجوادِ) غنىً إن أعـوزَ الناسُ حاجاتٍ إلى الناسِ
الـذاكــريـنَ جــمـيـلَ الــصُنعِ إن وعدا والناسُ للوعدِ ما فيهمْ سوى الناسي (32)
وفيهما (عليهما السلام) أيضاً قال:
لي بالجوادينِ أقصى ما أُؤمِّله مِن الرجاءِ ومَنْ مثلُ الجوادينِ
محا محلها عني الجوى كرماً فليمحِ جودهما مثل الجوى ديني (33)
ومن تواريخه الشعرية قوله في تجديد مقام الإمام علي (عليه السلام) في الحلة:
بـبـابِ مـقامِ الصهرِ مُرتقباً نحا أخـو طـلبٍ بالبرِّ مِن علمٍ برا
مقامٌ بربِّ البيتِ في منبرِ الدعا أبو قاسمٍ جرَّ الثنا عمّها أجرا (34)
وقال مؤرخا عمارة مقام المهدي (عليه السلام) في الحلة المعروف بالغيبة:
تـوقّـعْ جـميلَ الأجرِ في حرمِ البنا بفتحِكَ بالنصرِ العزيزِ رواقا
بصاحبِ عصرٍ ثاقبٍ باسمِه السنا نـجـدّ اقـتـراباً ما أجارَ وراقا (35)
وقال مخمّساً بيتي الخليعي المشهورين:
أراكَ بـحـيـرةٍ مـلأتـكَ ريـــنا
وشتَّتكَ الهوى بـيـنــاً فـــبــينا
فـلا تـحـزنْ وقـرّْ باللهِ عـيــنا
إذا شئتَ النجاةَ فزُر حـســينا
لكي تلقى الإلهَ قريـــــرَ عينِ
إذا علمَ الملائكُ مــنكَ عزما
ترومُ مزارَه كــتبوكَ رسـما
وحرِّمتِ الجحيمُ عليكَ حتما
لأنَّ النارَ ليسَ تمسُّ جسـما
عليهِ غبارُ زوَّارِ الحسيــنِ (36)
وله قصيدة في رثاء الإمام الكاظم (عليه السلام) تبلغ (27) بيتاً مطلعها:
مِن ربع عزّة قد نشقتُ شميما فأعادني حياً وكنتُ رميما (37)
................................................................
1 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 296 ــ 298 / البابليات ج 4 ص 78 ــ 79
2 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 294 ــ 295
3 ــ الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 324
4 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 283 / أدب الطف ج 9 ص 64
5 ــ البابليات ج 4 ص 69 / أدب الطف ج 9 ص 65 / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 324 / الروض النضير ص 230 / الإمام الكاظم وذراريه ص 315
6 ــ البابليات ج 4 ص 69
7 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 283 / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 324
8 ــ البابليات ج 4 ص 69
9 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 283
10 ــ أدب الطف ج 5 ص 65
11 ــ أدب الطف ح 9 ص 66
12 ــ البابليات ج 4 ص 69
13 ــ أدب الطف ج 5 ص 66
14 ــ البابليات ج 4 ص 69
15 ــ طبقات اعلام الشيعة ج 1 ق 3 ص 1226
16 ــ أدب الطف ج 9 ص 67
17 ــ البابليات ج ٣ ص ٧٠
18 ــ أدب الطف ج 9 ص 67
19 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٩٣
20 ــ الطليعة إلى شعراء الشيعة ج 2 ص 379
21 ــ شعراء الحلة ج ٤ ص 285
22 ــ الروض النضير ص 230
23 ــ أدب الطف ج 9 ص 69
24 ــ شعراء الغري ج 4 ص 293
25 ــ أدب الطف ج 9 ص 64 ــ 65 / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 326 ــ 328
26 ــ شعراء الغري ج 4 ص 289 ــ 291 / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 325 ــ 326 / البابليات ج 4 ص 76 ــ 78 / الإمام الكاظم وذراريه ص 316 ــ 318
27 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 296 ــ 298 / البابليات ج 4 ص 78 ــ 79
28 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 286 ــ 287 / أدب الطف ج 9 ص 69 / البابليات ج 4 ص 79 / أعيان الشيعة ج ٨ ص ٩٣
29 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 289 / أدب الطف ج 9 ص 69 / البابليات ج 4 ص 79 ــ 80
30 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 299 / أدب الطف ج 5 ص 70
31 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٩٣ / أدب الطف ج 5 ص 71
32 ــ أدب الطف ج 5 ص 71
33 ــ البابليات ج 4 ص 73 / أعيان الشيعة ج ٨ ص ٩٣ / الإمام الكاظم وذراريه ص 315
34 ــ أدب الطف ج 9 ص 67 / البابليات ج 4 ص 70
35 ــ أدب الطف ج 5 ص 68 / البابليات ج 4 ص 70
36 ــ أدب الطف ج 4 ص 71
37 ــ شعراء الحلة ج 4 ص 295 ــ 296
اترك تعليق