أبدع الفنان المسلم في تجسيد الزخارف الهندسية وتنويع أشكالها من خلال تصميمها على جدران الجوامع والاضرحة الشريفة لقدسيتها وجمالياتها الاستثنائية، مستندا في ذلك الى أسس معينة في تصميمها تمثل أسلوبا للعمل الذي ينهجه المزخرف في تشكيل التصميم وابتكار اشكاله المتنوعة والتي تؤدي بالتالي الى اظهار تنوع ملحوظ في الاشكال الزخرفية، ولن بالتأكيد لا يكون ذلك ال في حال توفر الخيارات التي تؤمن نتاجات ذات نسب صحيحة وذات طابع فني إسلامي ، فالزخرفة الاسلامية تعتمد في الدرجة الأساس على بناء الشبكة الأساسية في ضوء الفضاء المتاح ووفق تنوعات الإخراج المعتادة كالتكرار والانسجام والتوازن في رسم الوحدات أو المفردات أو توزيع مراكز تولد المفردة الزخرفية سواء في مركز التصميم أو على جانبيه، ومن ثم اختيار العناصر الأساسية وتوظيفها في ذلك الفضاء وصولا الى الإخراج النهائي الذي ينطوي على مفاهيم تستند الى الاختيار القصدي من خلال التوصيلات الهندسية للحصول على التأسيس النهائي للتصميم .
اعتمد التقسيم المساحي لفضاء التصميم نظاماً عاماً على وفق التناظر الثنائي ذي المحور العمودي نصف التكوينات الموظفة داخل التصميم ، فضلاً عن التقسيم الضمني للمركز الزخرفي على وفق التناظر الرباعي وشكل ضمناً مع فضاء التصميم تناظراً ثنائياً مما حقق توازناً متماثلاً من خلال توزيع الوحدات والمفردات في الهيأة العامة للفضاء الزخرفي بشكل متكافئ على وفق المغايرة في القياسات بين الوحدات والمفردات حيث اسهم هذا في احداث نوع من التقسيم على تشكيل منطقة جذب نحو مركز التصميم الزخرفي -المتمثل بزهرية متفرعة - بفعل القياس والمعالجة اللونية ، اما الاطار الزخرفي فقد نظم على وفق التناظر الثنائي لتكرار الوحدة الاساسية داخل فضاء الاطار مما اضفى نوعاً من التناسب والاستقرار من خلال اشغال المساحة واغلاقها فضائياً عمل على الترابط الشكلي مع الفضاء الاساسي للتصميم .
ونلاحظ في التصميم ان الفنان قد عمد على أنشاء زخرفي مزدوج داخل اطار اللوحة لنوعين زخرفيين احدهما كأسي والاخر زهري بما تتضمنه من مفردات فنية، اذ وظفت الزخارف النباتية الكأسية المصمتة لونياً عند الغصن ذي المفردات الكأسية الابتكارية واعتمد في تصميم المفردة على الورقة السعفية البسيطة مسننة الحواف شغلت عناصرها الاحادية الفلق والثنائية والثلاثية والخماسية على وفق مسار حركة الغصن الرئيس، فضلاً عن توظيف عقد رابطة ذات مفردات كاسية ضمناً شكلت حدودها بشكل يوحي بكاس الزهرة الثلاثي الفلق استخدمت كمناطق لتفرع الاغصان منها ، وبفعل الاشغال المساحي والمغايرة اللونية للأغصان الكاسية ومفرداتها حققت لها السيادة الواضحة ضمن فضاء التصميم العام.
اما من جانب الزخارف النباتية الزهرية فتضمنت مفردات عدة منها ما جاءت على شكل اغصان وازهار مركبة ومنها ما جاءت بصورة بسيطة كأوراق نباتية سعفية مسننة واخرى ملساء، اذ اظهر ذلك التنوع المظهري للمفردات المركبة ذات الشكل الذي يوحي بورقة العنب على وفق تصرف الورقة السعفية المسننة ذات المظهر المصمت لونياً والمختلف القياسات، وذلك طبقاً لطبيعة المساحة المتاحة ضمن الفضاء الاساسي ، فضلاً عن مفردات مركبة مسننة متعددة الأوراق مزدوجة الخطوط ذات حشو بمفردة بسيطة ثلاثية الفصوص وازهار ثلاثية الاوراق وثنائية ورباعية مزدوجة الخطوط ومفردات بسيطة خماسية الفصوص ورباعية وثلاثية ذات قاع كأسي ثلاثي الفلق في حين شملت الاوراق النباتية السعفية المسننة تنوعات مظهرية بفعل المغايرة الشكلية لها منها اوراق مفردة واخرى متراكبة الاوراق ملحق بها بعض الازهار البسيطة ثلاثية الفصوص ورباعية ذات قاع كأسي ثلاثي الفلق ، اذ اضفت تلك الاوراق تنوعاً مظهرياً عبر المغايرة الشكلية لها مع ما تتضمنه الاغصان من براعم مدورة ومفصصة ثنائية الاشواك وثلاثية مسننة مفردة ومزدوجة شغلت الفضاءات المتخللة بين المفردات والوحدات داخل التصميم ، في حين نلاحظ ان الاطار الزخرفي قد مثله الفنان بمفردتين اساسيتين ضمن المساحة الواحدة الكأسية ثلاثية الفلق والمستقيمة القاع والتي شغلت بحشو مفردة زخرفية بسيطة ثلاثية الفصوص ذات قاع كاسي ثلاثي الفلق ، ومفردة زخرفية زهرية مسننة متعددة الاوراق مزدوجة الخطوط داخلها فضاء مشغول بمفردة كأسية ثلاثية الفلق مركبة على عنصر كأسي مفصص ذ هيأة مستوحاة من عنصر كأس الزهرة البسيطة ، فضلاً عن المفردات الزهرية البسيطة الثنائية الاوراق والرباعية شغلت المنطقة المحصورة بين المفردتين على وفق مسار حركة الغصن وازهار ثلاثية ذات قاع كأسي ثلاثي الفلق .
اعتمد المصمم القلوب الزخرفية في هذا التصميم واكد على مبدأ المغايرة في بنيتها وهيأتها العامة ضمن المساحة الاساسية.. وقد ظهر ذلك جلياً للمشاهد المتأمل وكان على شكل تجاورات شكلية وضعها الفنان على وفق تباعد مسافي متباين على امتداد واحد بشكل عمودي ، وجاء مركز الشكل بهيأة طولية مفصصة ومجزأة شغلت فضاء اللوحة طوليا من الوسط وعلى شكل انشاء زخرفي متواصل ذي كيان واحد شكل بمجمله نقطة انبثاق الاغصان الاشكال الكأسية على وفق تناظر مدروس الى باقي المساحة الاساسية .
اقدم الفنان المصمم والمنفذ على معالجة الفضاء العام للتصميم باللون الأزرق الفاتح وفضاء الاشكال الزخرفية الاساسية بطريقة مغايرة للفضاء العام بمجموعة من درجات الوان الابيض والاصفر والاحمر الأبيض والبرتقالي، فضلاً عن استخدام اللون التركوازي لفضاء التكوين الذي يعلو العقد، مما حقق تقارباً لونياً مريحاً للمشاهد.. اذ شكلت تلك التنوعات اللونية للفضاءات الأساسية أحداث تنوع مظهري للتصميم في حين تمثلت المعالجات اللونية للزخارف النباتية الكأسية باللون البرتقالي المغاير للفضاء الأساسي واللون الشذري الذي شغل مساحات بسيطة ضمن المفردات الكأسية والمتقارب مع لون الفضاء الأساسي والمغايرة اللونية ادت الى الوضوح والسيادة للزخارف الكأسية عن بقية المكونات الأخرى داخل التصميم ، فضلا عن استخدام اللون الازرق القاتم لإظهار امتداد الاشكال الغصنية .
أما المفردات الزهرية فقد ظهرت ذات الالوان الأصفر والأحمر المتدرج ضمن المفردة نفسها وعولجت الأوراق النباتية بطريقتين الأولى باللون الأصفر المتقارب مع لون الأغصان الكأسية والثانية باللون الشذري المتقارب مع لون الفضاء الأساسي، في حين نجد ان هنالك تنوعا لونياً للإطار الزخرفي الذي شغلت المساحة الأساسية باللون الاصفر المقطع بالأسود ، مما حقق توليفة لونية منسجمة لعموم التصميم ، مما عزز مجموعة من التنوعات اللونية الاخرى داخل الإطار الزخرفي وجعلها تكتسب وحدة لونية متوافقة ومنتظمة مع الفضاء الاساسي للتصميم.
اترك تعليق