558 ــ علي نقي الحيدري (1325 ــ 1401 هـ / 1907 ــ 1981 م)

علي نقي الحيدري (1325 ــ 1401 هـ / 1907 ــ 1981 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (31) بيتاً:

تـسـابقوا بخيولِ الموتِ جــامــحـةً      من (كربلاء) وفي الــفـردوسِ قد نزلوا

ثاروا بـأفـئـدةٍ مـا مسَّــهــا وجــــلٌ      والله يـعـلـمُ لـوْ لـمْ يُـــســـــرعُ الأجـــلُ

لأنهلوا البيضَ من ماءِ الرقابِ فلا      يُلفى على الأرضِ من جمعِ العدى دجلُ (1)

الشاعر

السيد علي نقي بن أحمد بن مهدي بن أحمد الحسني، عالم وشاعر ومجاهد، ولد في الكاظمية من عائلة علوية علمية عرفت بـ (الحيدري) يعود نسبها الشريف إلى الحسن المثنى بن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

تغذى الحيدري من والده علومه وأدبه ودرس على يديه مقدمات العلوم الدينية والعربية في الكاظمية، ثم هاجر إلى النجف الأشرف، وحضر أبحاث أعلام العلماء وكبار الفقهاء أمثال: الميرزا حسين النائيني، والسيد أبي الحسن الإصفهاني، والشيخ عبد الله المامقاني، والميرزا أبي الحسن المشكيني، والسيّد محمود الشاهرودي، والشيخ حسن الرشتي وغيرهم.

عاد الحيدري إلى مسقط رأسه لإمامة الصلاة في جامع عثمان بن سعيد، ثم تصدر التدريس وتصدى للفتوى والأمور الشرعية وأقام دروسه العلمية والفقهية في الحسينية الحيدرية ومن تلامذته أخوه السيد حسن الحيدري، والسيد مهدي الأعرجي، والسيد عبد الرحيم الشوكي، والشيخ محسن السوداني وغيرهم.

ومن آثاره في خدمة الدين والمذهب مساهمته في العديد من الأعمال منها: تأسيس وتطوير مكتبة الإمام الصادق (عليه السلام) العامة في الحسينية الحيدرية في الكاظمية والتي كان رئيس هيأتها المشرفة، وتشييد جامع التميمي في منطقة الكسرة ببغداد والاشراف على تأسيس وتوسيع مكتبة أهل البيت العامة فيه، كما كان الحيدري يرأس هيأة جمعية منتدى النشر في الكاظمية والتي ضمّت كبار أعلام الكاظمية وأعمدة الفكر والأدب فيها، وكان من أعضائها: السيد مرتضى العسكري، والسيد محمد الحيدري الخلاني، والسيد طاهر الحيدري، والأستاذ أحمد أمين الكاظمي مؤلف كتاب (التكامل في الإسلام). 

وقد مثل الحيدري العراق مع الوفد العراقي المشارك في الاحتفالات التي أقيمت في باكستان سنة ١٣٧٦هـ، بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام)

وقال عنه الأستاذ عبد الكريم الدباغ: (كان مثالا للأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، ورمزا للشجاعة والبطولة)

وللحيدري آثار علمية وفقهية وأدبية منها:

1 ـ اُصول الاستنباط ــ في اُصول الفقه وتأريخه بأسلوب حديث وتحقيق بارع، وهو أهم كتبه، أعيد طبعه مرات عدة وترجم إلى الفارسية والأوردو ويدرّس في بعض الجامعات والحوزات العلمية، وقد قرظه المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) فقال: (فإني قد سرحت النظر في عدة موارد من كتاب أصول الاستنباط الذي ألفه العلم العلامة، عماد الإسلام، ومفخرة الفضلاء الكرام، جناب السيد علي نقي الحيدري (دام فضله وعلاه) فوجدته كتابا بديعا في بابه، سلسا في أسلوبه، جميل البيان، حسن الترتيب، قوي الحجة لم يوجزه إلى حد يخل بالمقصود ولم يفصله بما يوجب الملل للمطالع والقارئ....)

2 ـ الوصي، في إثبات الإمامة على ضوء العقل والنقل

3 ـ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ــ 1988

4 ـ أخطار المسكرات.

5 ـ الصوم في حكمه وأحكامه.

وهذه الكتب قد طبعت وله غيرها آثار لا تزال مخطوطة منها:

6 ـ الدوحة الحيدريّة في أنساب السادة العلويّة.

7 ـ الأمثال القرآنية.

8 ـ فوائد المطالعات ونوادر المسموعات.

توفي الحيدري في مسقط رأسه ودفن بمقبرة الأسرة في الصحن الكاظمي الشريف واُقيمت له مجالس الفاتحة في الكاظمية وبغداد والكويت وسوريا وإيران وممن رثاه وأرخ وفاته الشيخ باقر الايرواني بقوله:

الـنـعـيُ نـعـــيٌ شجيٌّ     ولـلـنـعــــيِّ دويُّ

ناعي الأسى مُذ دهانا     ذابَ الفؤادُ القويُّ

إنّــــا فـقـدنا مــنـــاراً     بهِ يضيءُ الـنديُّ

العلمُ فـيـه الــمُـعزَّى     فـقـيـــدُنا العبقريُّ

فـقـيـهُنا غابَ عــنّــا     عميدُنــا الحيدريُّ

أرّخ ويا لــمـصـابي      قضى الـنقيُّ عليُّ

شعره

قال من قصيدته (خمسون منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام) وتبلغ (70) بيتاً:

يــا عــلــيّــاً ســمـتْ بـــه الــعـلياءُ      لـمـعـالٍ لـيـستْ لــــهنَّ انـتــهـاءُ

لــكَ اســمٌ مــن اسـمِــه اللهُ قــدمــاً      شـقّــه حـيـنَ لــــم تـكـنْ أســماءُ

كـنـتَ والـمـصـطـفى ضياءً ونوراً      تـعـبدانِ الإلــــهِ إذ لا ضــيــــاءُ

حـيـنَ لا الأرضُ يــومَ ذلـكَ أرضٌ     في فـضــــاءٍ ولا السماءُ ســماءُ

ثـمَّ لـمَّــا قـضـى الإلــهُ تــعـــالـــى     إنّــكــــمْ بــين خـلـقِـهِ شـــهــداءُ

كنتَ أنتَ المولـودُ في البيتِ فضلاً     واختـصـاصـاً لــم يـؤتِهِ الأنبياءُ

نلتَ في ذاكَ رفـعــةً لــم يــنــلــهـا     أنـبـيـاءٌ قـــدمـــاً ولا أوصــيــاءُ

وحـطـطـتَ الأصــنــامَ عنه بحزمٍ     فـهـيَ بــعـدَ الـتــألـيهِ دهراً هباءُ

ذاكَ يومُ ارتقيتَ مرقىً عـظـيـمــاً     خلتَ لــلـحـجبِ كانَ منكَ ارتقاءُ

فـوقَ كـتـفِ الـنـبـيِّ أحـمـدَ لـكــنْ     ذاكَ مــرقىً ما فوقـه اسـتــعـلاءُ

أنـتَ مِـن أهـلِ بـيتِ طهَ ومِـمَّـــنْ     أذهِبَ الرجـسُ عنه والـــفحـشاءُ

أنـتَ نـفـسُ الـنـبـيِّ في (قلْ تعالوا     نـدعُ أبـنـاءنـا) وتُــدعى الـنـساءُ

أنـتَ مِـن أحـمـدٍ كـما كان مِن مو     سى أخوهُ ولــيـــسَ فــيــهِ مـراءُ

أنـتَ خـيـرُ الأنـامِ مِــن بـعـدِ طـه     وبــهــذا قـد جــــاءتِ الأنــــبــاءُ

وحـديـثُ الـمـشــــويِّ ينبئ عـنـهُ     يــا لــهُ خــيـرُ طــائــرٍ وشـــواءُ

أنتَ صنوُ الهادي وأنـتَ أخــــوهُ     أفـهـلْ أنــتَ والــقـصـــيُّ ســواءُ

كـمْ حـوى مِـن مـنـاقـــبٍ ومعانٍ      ليسَ يُخفى على الورى ذا الإخاءُ

أنـتَ بــابٌ لــعــلــمِ طــهَ وأقضا     هــمْ ولــكــنــمــا أضــيعَ القضاءُ

أنـتَ ثــانـي الثقلينِ وابناكَ سبطا     أحـمـدٍ ثـمَّ فــاطــمَ الــــــــزهراءُ

أنــتــمُ عــلّـــةُ الـــعـــوالــمِ طرَّاً     حــيــثُ لــولاكــمُ الــــوجودُ فناءُ

أنــتــمُ لــلــورى ســفـيـنةُ نــوحٍ     لـيـسَ عــنـهـا لــلعـالـمــينَ غِـناءُ

أنــتــمُ لــلــورى أمانٌ كما الشهـ     ـبِ أمانٌ لـمَـن حـوتـــه الــسـماءُ

أفهلْ (هلْ أتـى) أتتْ في سواكمْ      تـلـكَ مِـن ربِّــكــمْ عـــطاءٌ جزاءُ

وقال من قصيدة في يوم الغدير الأغر تبلغ (14) بيتاً:

فيكَ قد قـامَ ديـنُ طـهَ الـبـشـيـرِ      ولـقـدْ تـمَّ فيكَ يومَ الغديرِ

كـنـتَ مـبدأ للدينِ في عهدهِ الأ     وَّلِ والمنتهى بعهدِ الأخيرِ

فلأنتَ الدينُ الذي ليس يرضى      بسواهُ الإلهُ يـومَ الـنـشـورِ

ليسَ يرضى الإلهُ أعمالَ عــبدٍ      لمْ يوالِ أخا البشيرِ الـنذيرِ

أكـمـلَ اللهُ ديــنَـــه بـــعـــلـــيٍّ      من عليهِ قد سلّموا بالأمـيرِ

وقال من قصيدته في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

يا صاحبَ الأمرِ حتى مَ الـقـعـودُ عـلــى      ضيمِ الأعادي ومـاذا الصفحُ والمهلُ

هـذي الأعـادي عـلـيـنـا اليومَ قد شهرتْ      بيضَ المواضي وقد أعيتْ بِنا الحيلُ

وهـذهِ زمــرُ الــبــاغــيــنَ قــد شـهـرتْ      سمرَ العوالي وما فـي غـيـرِكَ الأملُ

هلْ يُحمدُ الصبرُ في أرضٍ قد ازدحمتْ      بـالـكـافـريـنَ وسُـدّتْ فــــيـهـمُ السبلُ

فـانـهـضْ ومـجـدِكَ مـا لـلـديـنِ مُنتـصرٌ      وما بـشـرعـتِـكَ الـغـــرَّاءِ مــحـتـفـلُ

نهضاً أيا ابنَ الهدى أنتَ ابنُ بـجـدتِـهـا      وأنتَ ذاكَ الأبيُّ الضـيــغـمُ الـــبـطـلُ

نـهـضـاً لـشـرعـتِـكـمْ أنــتَ الـمُـعَـدُّ لها      وأنــتَ لــلـعـدلِ مـوعــــودٌ بـكَ المللُ

نـهـضـاً فـجـيـشُـكَ مـعـزوزٌ ومُـنـتصرٌ      وبـالـمـلائِـكِ مــمــدودٌ ومُــــتّـــصـلُ

وزلـزلِ الأرضَ بـالـهـيـجــاءِ مُـنـتـقماً      مِن الألى عملوا في الديـنِ مــا عـملوا

واحـمـلْ رؤوســهــمُ فـوقَ الـقـنا نصفاً      فـرأسُ جــدَّكَ فـوقَ السمرِ قـد حـملوا

وأشـعـلـوا النارَ في رحلِ الحسينِ وفي      قـلـوبِ شــيــعـتِـه مِـن نــارِهــم شُعُلُ

حرائرُ الـمـصـطـفـى تُـسـبـى مُـهـتّـكةً      ونسوةُ الرجسِ ضمَّتْ شخصَـها الكللُ

بـنـاتُ حـربٍ تـحـلّـى بـالـحـلـيِّ ومِــن     مـخــدّراتِ عـلـيٍّ تُـسـلــبُ الـــحُـلــلُ

هـذي تــنــامُ بـظـلِّ الــمــلــكِ آمــنـــةً      وتـلـكَ فـي الأسـرِ ينفي نومَها الـوجلُ

يمسي الحسينُ على شطِ الــفراتِ لقىً      مُــجــدّلاً ويــزيـــدٌ ضــاحـــكٌ ثـــمـلُ

يمسي ويصبحُ في سكرٍ وفــي لــعـبٍ      هـذا لـعـمـركَ خــطـبٌ فـــادحٌ جَـــلـلُ

نـجـلُ الــدعــيِّ قـريرُ العينِ في ترفٍ      وابــنُ الــنـبـيِّ عــفـيرُ الـخـدِّ مـنـجدلُ

قـضـى خـمـيصَ الحشا ظمآنَ في فئةٍ      لـم يـحـوِ مـثـلـهـمُ ســهـلٌ ولا جـــبــلُ

قد صافحوا بالوجوهِ البيضِ بيضَ ظبا      مِـن غـيـرِ وِردٍ وكلٌّ في الوغى جَـذِلُ

تـسـابقوا بــخـــيولِ الموتِ جــامــحـةً     من (كربلاء) وفي الفردوسِ قد نزلوا

ثاروا بـأفـئــــــدةٍ مـا مسَّــهــا وجــــلٌ     والله يـعـلـمُ لـوْ لـمْ يُـــســرعُ الأجـــلُ

لأنهلوا البيضَ من ماءِ الرقابِ فلا     يُلفى على الأرضِ من جمعِ الـعدى دجلُ

وقال من قصيدة (مخمسة) في مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) تبلغ (37) بيتاً:

كلُّ شعبٍ من سالفاتِ العــهـودِ      هوَ يَــحفى بكلِّ عــيـــدٍ جديـدِ

حـيـثُ يـومى لمجدِه الــمـعهودِ      ولــنا في الأنــامِ أقــدسُ عــيدِ

يومَ بـعـثِ الـنبيِّ خــيـرِ البرية

هـوَ يـومٌ بـــه الإلـــــهُ هــدانــا      وبشرعِ الإسلامِ حــقــاً حَــبانا

وارتضانــا لـديـنِـه واجـتــبـانا      بـعـدمـا كــان جــهـــلنا يغـشانا

يــومَ كــنّا طوعَ الهوى جاهلية

بـعـثَ اللهُ فـي الـبـرايا نـبـــيــاً      كان يُدعـى الأمينُ فيهمْ صــبيا

فــســقــاهمْ من أبحرِ العلمِ ريَّا      عـادَ فـيـه مـيـتُ الـمكارمِ حــيا

ومساوي الأخلاقِ عادتْ علية

أكــمـــلَ العالمينَ والخلقِ طرَّا      وحـبـيـبُ الإلــهِ دنـــياً وأخرى

وشـفـيـعُ الورى وناهيكَ فخرا      إنَّ للعرشِ ربُّه حين أســــــرى

وأراه آيـــاتِــه الــغــيــبــيـــة

كـــانَ نــوراً ولـيسَ بدر منيرُ      ونــبــيــاً ولا ســمــاءُ تــســيـــرُ

فلـسانُ الثناءِ فيه قــصــيــــرُ      فـيـه قـــامَ الــوجــودُ فــهـــوَ أثيرُ

لـهـيـولــى الــعــوالمِ الكونية

هـوَ عــيـــنُ الإلهِ بينَ البرايا      ويــداهُ الــتــي تــفــيــضُ العطايا

طــابَ نــفـساً ومولداً وسجايا      وهـوَ مــســتــودعٌ لــعــلمِ المنايا

والــبــلايــا وعـلـمِ كــلِّ خفية

جــاءَ بــالحقِّ والكتابِ المنيرِ      فــيــه تــبــيــانُ كـلِّ شيءٍ عسيرِ

وبدينٍ مِن الــلـطـــيفِ الخبيرِ      يهتدي في هداهُ كــلُّ بــصــيــــرِ

حينَ يرعى أحــكامَه القدسية

ذاكَ دينٌ دانتْ إلــيــــهِ الأنامُ      وارتــضــتــه الــعــقولُ والأفهامُ

وقـد اخــتارَه لــنــا الــعــلّامُ      إنّــمــا الــديــنُ عــنــدَه الإســـلامُ

ذاكَ ديــنُ الـعمرانِ والمدنية

ذاكَ دينٌ أسرارُه اليومَ تظهرْ      لــلــبــرايــا مــن كــلِّ فــذٍّ منوَّرْ

فـلـقـد حــيَّــرَ الـعقولَ وأبهرْ      فــتـفـكّــرْ فــي ســـرِّهِ وتــــــدبَّرْ

إنَّ فــيــه الــســـعادةُ الأبدية

......................................................

1 ــ ترجمته وشعره عن: موسوعة الشعراء الكاظميين ج 5 ص 259 ــ 278

كما ترجم له:

السيد حسن الأمين / مستدركات أعيان الشيعة ج 2 ص 201

النفحات القدسية في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة ص 253 ــ 255

كواكب مشهد الكاظمين للدباغ ص 289

أغا بزرك الطهراني / مصفى المقال ص 342

صحيفة صوت الكاظمين العدد 34 لسنة 1416 تحت عنوان: مظهر الحقّ والحقيقة

مجلة الموسم العدد 19 ص 145 ــ 160

كاتب : محمد طاهر الصفار