صادق الموسوي الهندي (1314 ــ 1384 هـ / 1896 ــ 1965 م)
قال من قصيدة في رثاء أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (28) بيتاً ومنها يذكر جرائم يزيد الشنيعة من قتله سبط رسول الله واستباحته المدينة ورمي الكعبة بالمنجنيق:
فسَلْ (كربلا) عمَّا جرى يومَ (كربلا) وسَـلْ طـيـبـةً مـاذا لقِي أهلُها الغرُّ
وسَـلْ كـعـبـةَ الإسـلامِ عـمَّـا أصـابَها تجبكَ بها الأستارُ والركنُ والحجرُ
وكـادَ ولـمَّـا أن يــقــوَّضَ كـــلّـــمـــا بـناهُ الهدى لو طالَ عمراً بهِ العمرُ (1)
الشاعر
السيد صادق بن باقر بن محمد بن هاشم الموسوي الهندي، عالم وشاعر، ولد في النجف الأشرف من أسرة علوية علمية نجفية معروفة ينتهي نسبها الشريف إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام) وقد برز منها العديد من أعلام الفقه والأدب منهم السيد باقر ــ والد الشاعرــ والسيدان موسى وباقر ــ ولدا الشاعر ــ ، والسيد رضا بن محمد بن هاشم ــ عم الشاعر ــ وابنه السيد أحمد الهندي وجاء لقب الأسرة (الهندي) لهجرة أحد أجداده إلى الهند في عصور الظلم والاضطهاد.
قال الأستاذ علي الخاقاني عن هذه الأسرة: (الأسرة الموسوية الجليلة المعروفة بآل الهندي، من الأسر العلوية الشهيرة في النجف، وقد أنجبت عددا كبيرا من جهابذة العلم، وأعلام الأدب، ينتهي نسبها الطاهر إلى الإمام العاشر من أئمة أهل البيت علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، وهو نسب وضاح يقتعد ذرى سلسلته تسعة من المعصومين الميامين، وقد استوطنت النجف منذ أمد بعيد وقد جمع المحدث الشهير الشيخ حسين النوري المتوفى سنة 1320 طائفة كبيرة من أخبارهم وآثارهم...) (2)
ويقول السيد محسن الأمين: (آل الهندي في النجف الأشرف كان أبو الأسرة السيد مير ’’شجاعة علي’’ ممن فر من الاضطهاد الانكليزي على أثر احتلال الهند واشتراكه في مقاومة المحتلين تاركاً مزارعه في مقاطعة ’’أوده’’ وعاصمتها (لكهنو) ووصل النجف الأشرف واتخذه موطناً. وهناك صاهر آل الجزائري إذ تزوج كريمة الشيخ أبو الحسن ابن الشيخ حسن ابن الشيخ أحمد الشهير صاحب آيات الأحكام. ثم توفي في النجف سنة 1215 ودفن فيها وترك ولده المترجم السيد هاشم. وعرفت أسرته بعده بآل الهندي) (3)
تتلمذ الهندي على يد جده المرجع الكبير السيد محمد الهندي، كما عُني به والده السيد باقر وأولاه تربية خاصة، وعهد به إلى علماء النجف الكبار، ومن أساتذته فيها الإمام الشيخ جواد البلاغي، ولما بلغ الخامسة عشر من عمره توفي أبوه فتأثر كثيرا لفقدان حنان الأبوة، وقبل أن يكمل العقد الثاني من عمره هاجر إلى سامراء وكان أستاذه البلاغي قد سبقه إليها، وهناك درس الهندي على يد السيد محمد تقي البغدادي، والميرزا هادي الخراساني، إضافة إلى حضور دروس أستاذه البلاغي.
بقي الهندي في سامراء طوال فترة الحرب العالمية الأولى وهو يواصل دراسته، وبعد انتهاء الحرب، عاد إلى النجف وواصل دراسته فيها فدرس على يد الميرزا علي أغا الشيرازي، والسيد أبي الحسن الأصفهاني، وكان من أبرز تلاميذ الشيخ البلاغي الملازمين له.
هاجر الهندي إلى الكاظمية عام (1339 هـ) وكان أستاذه فيها الشيخ مهدي الخالصي الكبير، ثم أوفد إلى (بلد) ممثلا عن مجموعة من العلماء الأعلام، الذين أشادوا به وأثنوا عليه لعلمه وتقواه وورعه، ومن هؤلاء العلماء: السيد حسن الصدر، والميرزا حسين النائيني، والميرزا علي أغا الشيرازي، والشيخ محمد حسين الأصفهاني، والشيخ عبد الكريم العراقي، والسيد أبي الحسن الأصفهاني، والشيخ حسين القمي.
أقام الهندي في (بلد) مرشداً وداعياً لأحكام الدين وإمام الجماعة هناك وكان موضع ثقة أهلها، وكان ينفق على المدرسة العلمية فيها، بعد وفاة السيد أبي الحسن الأصفهاني، كما بذل جهودا في إعمار مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي (عليهما السلام)، وتأسيس مشروعي الماء والكهرباء وإنشاء قرية عصرية حوله، ومن أعماله أيضا بناء أول حسينية في هذه المدينة لإقامة الشعائر الحسينية.
وإضافة إلى هذه الأعمال الخيرية فقد عرف بالبر والإحسان، واهتم كثيرا بنشر الثقافة ومكافحة الأمية ونشر العلم والحث على التعلم وتوعية الناس للثقافة الدينية ومعرفة أحكام الإسلام بين شتى شرائح المجتمع.
بعد قرابة العقدين قضاهما الهندي في بلد وبعد أن ترك آثارا علمية فيها عاد إلى بغداد وسكن الكرادة الشرقية حتى وفاته فدفن في النجف، وصلى عليه السيد محسن الحكيم، ورثاه عدد من الشعراء منهم الشيخ علي البازي، والسيد موسى الهندي ابن الشاعر، والسيد أحمد الهندي، والسيد جعفر صادق البلداوي.
ومن آثار الهندي في بغداد تأسيس مدرسة علمية في محلة النواب في الكاظمية، وإنشاء مكتبة القرآن المجيد العامة التي أودع فيها عددا كبيرا من الكتب
أما مؤلفاته فمنها: (الكرة والرجعة)، (صلاة الجمعة)، كما حقق في بعض أحكام الصلاة، وكتب في التفسير والعقائد وكان له إلماما بعلوم الرياضيات والكيمياء والفيزياء، إضافة إلى ديوان شعر
شعره
قال السيد جودت القزويني عن شعره: (للسيد صادق شعر موزع جمع بعضه ولده موسى ...) (4)
وقال عنه عبد العزيز البابطين: (ينبعث شعره من مناسبات تاريخية دينية ــ أهل البيت ــ وعلاقات إخوانية كما مارس التاريخ بالشعر ...)
قال الهندي من قصيدته في أهل البيت (عليهم السلام):
إلى مَ وحـتى مَ الـتـجـلّــــــــدُ والـصـبـرُ فقد ضـاقَ ذرعاً فــي لواعجِهِ الصدرُ
أما آنَ أنْ تُشفى الــقـــــلوبُ من الجوى ويُـدركُ فــي حـــربٍ وأحـفــادِهِ الوترُ
أما آنَ أن تُروى الـــــســيوفُ من الدما وتـرتــعُ فـي أعـمـــاقِ أكـبادِها السمرُ
أما آنَ أن تُذكـــي لظى الحربِ هــــاشمٌ فـيـصــبـحُ مـنــهــا ذائـبـاً قـلبُه صخرُ
على معشرٍ مـــا بارحَ الشركُ ســــرَّهمْ فـإســلامُهم جــهـراً على شركِهمْ سترُ
أفـي أخـذِ ثــــارِ الـمـشـركـيـنَ أمــيّــــة بـقـتــلِ بـنـــي الهادي يكـونُ لها العذرُ
وهُمْ مَن بـــنصِّ الشرعِ فرضُ جهادِهمْ صــــريحٌ ومـا في ذاكَ ريـبٌ ولا نكرُ
فـعـتـبـةُ يــتــــلـوهُ الـولــيــدُ وشـيـبــــةٌ وحـنـظـلـةٌ مِـــــمَّـن أهـاجَــهـــمُ الــنفرُ
ألـسـتَ تـرى هـلْ أخَّرَ الدينُ غــيــرَهمْ إلى الفتحِ حتى جاءَ للمصطـفى النصرُ
وهـلْ قـامَ فـي وجــهِ الـنـبـــيِّ مـــحمدٍ سـواهـمْ وهـلْ قامتْ على غيــرِهمْ بدرُ
ومـا أسـلـموا إلّا وقــــد أحــدقــتْ بهمْ جــيــوشُ الـهدى اللاتي يضيقُ بها البرُّ
لـقـد أحـدثـــــوا بـعـد الـنـبـيِّ حـوادثـاً بــها حــرَّفــوا مـا جاءَ في ذكرِه الــذكرُ
فـكـمْ عـطّـلـوا مـن سـنَّةٍ، وفـريــضـةٍ أمــاتوا وأحــيــوا بـدعةً ســنَّــها المــكرُ
فسَلْ عنهمُ إن كــنــتَ تجـهـلُ حـالَــهمْ ثــقــاتـاً لـهمْ في جُلِّ أحــوالِــهــم خُــبرُ
لـئـنْ يـسـتطيعُ الرملُ حصراً مُــعــدِّدٌ فــمـــا لــمـخازي وصــفِـهمْ أبداً حـصرُ
فــكــمْ صــدَّروا مــن أخَّــرتْــه فـعالُه عـلـى مَــن لــه مــن دونِهمْ ذلكَ الصـدرُ
وكمْ نازعوا في الأمرِ من كان دونهمْ له الـــنهيُ فـي نصِّ الــشـــريعةِ والأمرُ
فـسَـلْ عـنـهـمُ صـفّينَ كمٍ في حروبِها أذيـقَ الـــــردى مـن بــغـيِــهمْ صالحٌ برُّ
وكـمْ قـتّــلــوا صـــبراً بأسيافِ بغيِهمْ غـيوراً عـلـى الإســلامِ عِـيـلَ به الصبرُ
فـمـيـثـمُ والــنـدبُ الــخـزاعيُ والألى أذيـقـوا لأجــلِ الــدينِ مــا ذاقــه حِـجــرُ
وسَـلْ عـنهمُ مَن سبَّـبَ السبَّ غيرهم لـمَـنْ لــرســولِ اللهِ شُـــدَّ بــــــــه الأزرُ
ومَـنْ دسَّ سمَّ الــبــغــي منه عــداوةً لأكـبـرَ سـبـطـي أحـمـدٍ مَــن لــه الـفـخرُ
ومَن شكَّ نعشَ الـمـجـتبى قربَ جدِّهِ بـأسـهـمِ حـقــدٍ رأسُــهــا الـغـدرُ والـكـفرُ
وزادَ يــزيــدٌ بــعــدهــم بـفـجــائـــعٍ بـهـا ابــيـضَّــتِ الـعـينانِ وانقصمَ الظهرُ
فسَل كــربــلا عمَّا جرى يومَ كربلا وسَـل طـيـبـةً مــاذا لــقــي أهــلـهــا الغرُّ
وسَـلْ كـعـبـةَ الإسـلامِ عـمَّا أصابَها تـجـبـكَ بـهـا الأسـتـارُ والـركــنُ والحجرُ
وكـادَ ولـمّـا أن يــقــوّضَ كـــلَّــمــا بـنـاه الـهـدى لـو طـال عـمـراً بـــه العمرُ
ولـيـس عـجـيـبـاً بـعـد ذاكَ تساؤلي أما آن أن يُــعــطــى لــصــاحــبِـــهِ الأمرُ
وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
أيُـجـدي أبــاةَ الـضـيـمِ مِـن آلِ هــاشمٍ على ما أصيبتْ فيهِ نــصـبُ المآتمِ
وتـطـفـي جــواهــا بــالــرثــاءِ قصائدٌ إذا هـيَ لـمْ تـنـظـمْ بــنثرِ الـجماجمِ
فلا وأبيها الخيرُ لا خــيــرَ فــي الــرثا إذا الثارُ لم يؤخذْ بـحـــدِّ الصوارمِ
ولا وإبــاها لا إبــــــــــاءَ لـــهـــــا إذا تناستْ غداةَ الطفِّ رزءَ ابنِ فاطمِ
غـــداةَ مــشــــى للمـوتِ في خيرِ فتيةٍ تــنــزَّهَ عـن تـشـبـيـهِها بالضياغمِ
حمتْ بالظبا والسمرِ ذاكَ الحمى الذي دهـتـه الــرزايـا بـعـدهـمْ بالعظائمِ
وقال وهو في طريقه لزيارة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام):
أيـا كـــاظمَ الغيظِ الذي عندَ بابِهِ حوائجُنا تُقضى إذا ما طلبناها
ركبنا المطىَّ لا عن قُلى لبلادِنا ولـكـنـنـا شـوقـاً إلـيـكَ ركبناها
وقال أثناء زيارته لمرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي (عليهم السلام):
أبا جعفرٍ جئنا بمزجى بضاعةٍ لـنـكـتــالَ ما نحتاجُ إذ مسَّنا الضرُّ
فـأنـتَ عـزيزُ الهاشميينَ رفعةً وأرضٌ بكَ ازدانتْ جوانبُها مصرُ
فأوفِ لنا الـكـيلينِ كيلاً مُعجّلاً وكيلاً لـدى الـميزانِ موعدُه الحشرُ
وقال من قصيدة في الفاجعة الأليمة لهدم قبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في البقيع:
أيّ رزءٍ وأيِّ خــطـبٍ فـظـيـعِ حـلَّ فـيـنـا كـمـثـــلِ رزءِ البقيعِ
فابنُ سعدٍ وابـنُ الـسـعودِ سواءٌ لبني المصطفى بــسوءِ الصنيعِ
فـلـيـذبْ بـالـجوى حشا آلُ فهرٍ وليذبْ ذائبُ الـحــشـا بـالدموعِ
ولـتـمـتْ بـالـهـوانِ آلُ لـــــويٍّ أو لتلوي على العـدى بالجموعِ
ولتجرِّدْ من القنا كلَّ ماضي الـ ـحدِّ لا يـتّـقـى بـنـسـجِ الـدروعِ
أفـتـرضـى عـلـى الهوانِ مقاماً أمْ تُراها ترضى بذلِّ الـخـنـوعِ
ولتصلْ بقعةَ الـبـقـيـعِ بـجـيـشٍ يـتـولّـى تـعـمـيـرَ تـلـكَ الربوعِ
وطلب أن يكتب على علم موكب عزاء أهالي بلد إلى كربلاء في زيارة الأربعين، فكتب هذا البيت:
رزءُ الحسينِ السبطِ عمَّ الورى ما بلدٌ أولى بهِ مِن (بلد)
....................................................
1 ــ ترجمته وأشعاره عن: موسوعة الشعراء الكاظميين ج 3 ص 211 ــ 235
2 ــ العلامة الصادق في ذكراه الأولى ص 21
3 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 250
4 ــ تاريخ القزويني ج 9 ص 38
كما ترجم له:
كاظم عبود الفتلاوي / مستدرك شعراء الغري ج 1 ص 239 ــ 247
عبد الرحيم الغراوي / معجم شعراء الشيعة ج 15 ص 256 ــ 269
عبد الكريم الدباغ / موسوعة الشعراء الكاظميين ج 3 ص 211 ــ 235
اترك تعليق