497 ــ يوسف الثالث (ملك غرناطة): (778 ــ 820 هـ / 1376 ــ 1417 م)

يوسف الثالث (ملك غرناطة): (778 ــ 820 هـ / 1376 ــ 1417 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (20) بيتاً:

(كـربـلا) هـيّـجَ كـربـي     وحسينٌ أصلُ حيني

بعدَ صيفِ الطفِّ تطفي     لـوعتي أدمعُ عيني؟

بـأبـي مـنـهـمْ وجـــــوهٌ      قُـدّستْ عن كلِّ شينِ (1)

الشاعر

السلطان أبو الحجاج يوسف الملقب بالناصر لدين الله ابن السلطان أبو الحجاج يوسف المستغني بالله ابن السلطان محمد الخامس الملقب بالغني بالله؛ وكنيته أبو الحجاج ولقبه الناصر وهو ثالث عشر ملوك بني نصر مؤسسي مملكة غرناطة آخر معقل إسلامي في الأندلس (2)

ولد في قصر الحمراء دار الملك، حيث كان جده الغني بالله هو المتربع على العرش وقتئذ (3) وهو ينتمي إلى سلالة بني نصر أو بني الأحمر المنحدرة من قبيلة الخزرج القحطانية التي حكمت غرناطة لمدة قرنين ونصف فيما بين (1232 ــ 1492م) وكان المؤسس لهذه الدولة وأول ملوكها هو: محمد بن يوسف بن نصر بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري (4)

وفي ذلك يفتخر الملك يوسف الثالث بنسبه إلى الصحابي سعد بن عبادة وابنه قيس بقوله:

سعد وقيس في القديم حديثهم     در أناف بسلكه المتنضد (5)

نشأ يوسف الثالث في بيت الملك ودرس على كبار مشايخ الأندلس منهم: درس يوسف عند عدد من المشايخ في الأندلس منهم: أبو عبد الله الشريسي، وابن الزيات، والقاضي الإمام محمد بن علي بن علاق (6) والقاضي أبي محمد عبد الله بن جزي (7) وغيرهم.

وكان أبوه الملك يوسف الثاني قد اختاره لولاية العهد، ولكن أخاه الأصغر الأمير محمداً طمع في ولاية العهد وحاول أن يثور ضد أبيه لكنه تراجع حينها، وظل متربّصاً بأخيه حتى تُوفي الوالد ثم دبَّر أمره مع الزعماء ورجال الدولة لإقصاء أخيه الأكبر عن العرش فقبض عليه وزج به في قلعة شلوبانية الحصينة، سجن الدولة الرسمي على عهد بني نصر؛ وظل الأمير يوسف سجيناً طوال فترة حكم أخيه الذي دام نحو أربع عشرة سنة يعاني مرارة الخيانة من أخيه وألم الغربة والوحشة

وبعد وفاة أخيه محمد بن يوسف، تولى الحكم وكان أديباً شاعراً شجاعاً باسلاً أبياً، وفي عهده ازدهرت غرناطة فقد وصفت سياسته بأنها كانت: (سياسة رشيدة، مبنية على أساس من النجدة والكرم والعدل ورعاية شؤون الناس ومصالحهم فاكتسب بهذا محبة شعبه؛ وكان ملكا حازما يقظا؛ ومن مظاهر حزمه ويقظته "كثرة تنقلاته في مملكته لتفقد أحوال البلاد أو لمعالجة القضايا الطارئة أو للإشراف على تنفيذ خططه السياسية) (8)

وحكم مملكة غرناطة في الأندلس لمدة تسع سنين بين عامي (1408 ــ 1417). (9)

وقد اهتم اهتماماً شديداً بتوفير الأمن والاستقرار لشعبه، وقد وَصَف سياسته بالقول:

إذا يمَّمَ الـعـافــي مريـعَ جـنابِنـا     فقد حمدتْ طيَّ الفيافي رواحلُه

يحييه طلقُ الوجهِ يرتاحُ لـلندى     وتـسـبـقُ علـويَّ الريـاحِ أناملُـه

فللمذنبِ العُتبى وللخائفِ المُنى     وللمـقترٍ الجدوى وللغرمِ حاملُـه

وللسرحِ حاميهِ وللمحـلِ قـاتلـه     ولـلـمـلـكِ كـافـيـهِ وللديـنِ كافلـه (10)

ورغم سياسته المعتدلة التي حاول فيها توفير الأمن والطمأنينة لشعبه إلا أن فترة حكمه عصفت بها الرياح والأعاصير فقد سعى في بداية حكمه إلى تجديد الهدنة مع قشتالة وتم ذلك بعقد إتفاق يدوم لعامين، وبعد انقضاء الهدنة سعى لتجديدها، غير أن الطرف الآخر رفض إلا بشروط منها قبول الخضوع الخضوع لقشتالة أو إعلان الحرب على مملكة غرناطة، ولكنه رفض تهديد القشتاليين له وأخذ يعد العدة لدفاع عن مملكته فيما زحف النصارى على مدينة أتقيرة شمالي غرب مالقة، وتدخل يوسف لإنجادها والتقى النصارى في معركة انتهت بهزيمة المسلمين ودخول النصارى إلى المدينة عام 815 هـ وعاثوا على أثرها في بلاد المسلمين.

اضطر فيها يوسف الثالث إلى عقد هدنة مقابل إطلاق مئات الأسرى دون فدية، وبذلك تمكن من حقن دماء المسلمين والممالك النصرانية، حيث تمتع الأندلسيون خلالها بنعم الرخاء والسكينة والأمن لكن غرناطة إذ ذاك كانت تنحدر إلى الضعف والانحلال (11)

وكان أهل غرناطة: يعقدون عليه أمالاً كبيرة في إعادة إرساء دعائم الدولة (12)

توفي السلطان يوسف الثالث إثر مرض شديد ألم به بعد حكم دام نحو تسعة أعوام، وهو لم يتجاوز الأربعين إلا قليلا؛ ويبدو أن وطأة السجن، وأعباء الدولة، وكثرة التفجع على أهل بيته من الزوجة والأولاد والإخوة، ومشاحناته مع بين مرين؛ كلها كانت وراء أمراضه التي أودت بحياته شاباً رحم الله يوسف الثالث، فقد كان ملكاً شاعراً وأديباً، راجح العقل، بارع السياسة، عظيم الفروسية والنجدة، محباً لشعبه، كان حكمه القصير صفحة زاهية من تاريخ مملكة غرناطة (13)

شعره

قال من قصيدته التي قدمناها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) ويعلن فيها ولاءه وتشيعه لأهل البيت (عليهم السلام) ويفخر بأبطال قومه من الصحابة من الموالين لأهل البيت من الأنصار كسعد بن معاذ وقيس بن سعد بن عبادة:

 (كـربـلا) هـيّـجَ كـربـي     وحسينٌ أصـلُ حيني

بعدَ صيفِ الطفِّ تطفي     لـوعتي أدمـعُ عيني؟

بـأبـي مـنـهـمْ وجـــــوهٌ     قُـدّستْ عن كـلِّ شينِ

أشـعـروا الموتَ جهاراً      وهـووا كـالـفــرقدينِ

كـيـفَ أنـسـى وحـيـاتي      بـعـدَ نـورِ الـناظرينِ

آلَ حــربٍ وزيــــــــادٍ      خـطـبُـهـم لـيـسَ بهينِ

قـطّـعـوا بـالـسـمِّ قـلـبي      ثـم ثـنّـوا بـالــرديـني

وبـدورٌ مــن بــنــيــهـمْ      صُرِّعوا ما بـينَ ذينِ

بـعـدهـمْ أهـنـا بــعـيشٍ      أو أرى قـريـرَ عينِ؟

يا خـلَّـيَ الـقـلـبِ هـــلّا      بانَ عن حينِكَ حيني

لـيسَ أخشى من ذنوبي      يـومَ عـرضِ الثقلـينِ

وأنـا الــشـيـعـةُ حــقــاً      لـعـليٍّ وحــســيـــــنِ

وكـمـا قـيـسٍ وســعــدٍ      يـومَ بــدرٍ وحُــنـيــنِ

وقال من قصيدة أخرى تبلغ (12) بيتاً يتوسّل فيها بالإمامين الحسنين (عليهما السلام) في طلب الشفاعة:

وخُصَّ العراقيَّ مـن دونـهـــمْ      سـلامَ مـشـوقٍ إلـى الـرافدينِ

وقـولا غـريـبـاً عـدته الذنوبْ      فأهدى هـواهُ لـقـبـرِ الـحـسينِ

لئنْ حلَّ جسميَ بالـمـغـربـيـنْ      فـقـد صـارَ قـلـبيَ بالمـشرقينِ

بـسـبـطـي نـبـيِّ الهدى أبتغي      وأرجو الشفاعةَ من دونِ مـينِ

تـخـذتُ مــحــبَّــتــهــمْ عُـــدَّةً      لأخذِ النواصـيْ وعضِّ اليدينِ

وحسبي الشفيع إذا ما الذنوب      أحـاطـتْ بنفسيَ في الموقفينِ

جـعـلـتُ الـتـشـيُّــعَ فــي آلِــه      وسائلَ أرجو بـها الـحُـسـنـيينِ (14)

..........................................................

1 ــ ديوان ملك غرناطة يوسف الثالث ــ حققه وقدم له ووضع فهارسه: عبد الله كنون / مكتبة الانجلو المصرية القاهرة ط2 1965 ص 133

2 ــ شعر أبي الحجاج يوسف الثالث ملك غرناطة دراسة موضوعية فنية ــ بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي والنقد الأدبي الباحث: شريف عبد الحليم محمد عويضة جامعة المدينة العالمية كلية اللغات – قسم الأدب والنقد ماليزيا ــ 2014 / مقدمة ديوانه ص 29 / الأعلام ج 8 ص 259

3 ــ المختار من الشعر الأندلسي ــ الدكتور محمد رضوان الداية ص 206

4 ــ الإحاطة في أخبار غرناطة ــ تحقيق محمد عبد الله عنان ج 2 ص 92 / اللمحة البدرية في الدولة النصرية ــ لسان الدين ابن الخطيب ص 23

5 ــديوانه ص 172

6 ــ مقدمة الديوان ــ ش ــ

7 ــ شعر ابي الحجاج يوسف الثالث ملك غرناطة دراسة موضوعية فنية ص 28  

8 ــ نفس المصدر ص 30

9 ــ مقدمة الديوان ــ ش ــ

10 ــ ديوانه ص 93 من قصيدة تبلغ (53) بيتا

11 ــ عبد الله عنان ــ نهاية الأندلس ص 153 ــ 145 / توفيق محاسنة ــ الحياة السياسية في دولة بني الأحمر ص 156 / شكري فرحات ــ غرناطة في ظل بني الأحمر ص 43 / عبد الكريم حماتيت ــ علماء الغرب الإسلامي في عصر بني الأحمر - دراسة في أحوالهم الإجتماعية ودورهم في إنقاذ مملكة غرناطة ص 68

12 ــ شكيب أرسلان ــ خلاصة تاريخ الأندلس ص166 / شكري فرحات ــ غرناطة في ظل بني الأحمر ص 43

13 ــ شعر ابي الحجاج يوسف الثالث ملك غرناطة دراسة موضوعية فنية ص 44 / عبد الله عنان ــ دولة الإسلام ص 154

14 ــ ديوانه 134

كما ترجم وكتب عنه:

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 8 ص 259

فؤاد صالح السيد / معجم السياسيين المثقفين في التاريخ العربي والإسلامي ص 885

عبد الله كنون / ديوان ملك غرناطة / تحقيق

المقري التلمساني / نفح الطيب ج 10 ص 44

ابن القاضي / درة الحجال في غرة اسماء الرجال رقم 776

محمد بن عبد الرحمن السخاوي / الضوء اللامع في القرن التاسع ج 8 ص 196

ابن خلدون / المقدمة ص 538

محمد راشد يوسف مصطفى ــ الفخر عند يوسف الثالث، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين 2004

الدكتور علي محمد عبد ــ الانزياح الاستبدالي في شعر يوسف الثالث ملك غرناطة / مجلة كلية المعارف الجامعة المجلد (32) العدد (1) لسنة 2021

صالح مخيمر مخيمر ــ شعر ملك غرناطة يوسف الثالث (دراسة موضوعية وفنية)

كاتب : محمد طاهر الصفار