إتهام الشيعة بقتل الإمام الحسين (ع)

قالَ ابنُ منظور:

إتّهامُ شيعةِ الكوفةِ بقتلِ الحُسينِ (عليهِ السّلام) لا يعدو أن يكونَ مُجرّدَ محاولةٍ للتّضليلِ وحرفِ الحقائقِ مِن أجلِ تبرئةِ القتلةِ الحقيقيّينَ، وهيَ ليسَت إلّا مُحاولةً يائسةً في قبالِ الأدلّةِ والوقائعِ التّاريخيّةِ التي نقلَها الثّقاةُ والتي تكشفُ بشكلٍ قاطعٍ مسؤوليّةَ بني أميّةَ وشيعتِهم عَن ذلكَ. 

وتعتمدُ هذهِ الشّبهةُ على عُنصرينِ مُهمّينِ، الأوّلُ: الرّسائلُ التي بعثَ بها أهلُ الكوفةِ للإمامِ الحُسينِ (عليه السّلام) مُطالبينَ بقدومِه إليهِم باذلينَ أنفُسَهم في حمايتِه والدّفاعِ عنه، وتعتمدُ الشُّبهةُ على هذا العُنصرِ بوصفِه دليلاً على تشيُّعِ مَن بعثَ تلكَ الرّسائلَ للإمامِ الحُسينِ (عليهِ السّلام). أمّا العُنصرُ الثّاني: فهوَ كلماتُ الإمامِ الحُسينِ (عليهِ السّلام) في حقِّ أهلِ الكُوفةِ، التي يذمُّ فيهَا مَن طلبَهُ ووعدَهُ بالنّصرِ مِن أهلِ الكوفةِ. مثلَ قولِه: (اللّهمَّ إن مَتَّعْتَهم إلى حينٍ فَفَرِّقْهم فِرَقاً، واجعَلهُم طرائقَ قِدَداً، ولا تُرْضِ الوُلاةَ عنهُم أبداً، فإنّهم دَعَوْنا لِينصرونا، ثم عَدَوا علينا فقتلونا) ، وفي نصٍّ آخرَ قالَ في حقّهم: (لكنّكُم أسرَعتُم إلى بيعتِنا كطيرةِ الدّبّاءِ، وتهافَتُّم كتَهَافُتِ الفراشِ، ثُمَّ نقضتموها، سفهاً وضِلّةً، فبُعداً وسُحقاً لطواغيتِ هذهِ الأمّةِ، وبقيّةِ الأحزابِ، وَنَبَذةِ الكتابِ) ، وتعتمدُ الشّبهةُ على أنَّ كلماتِ الإمامِ تُفيدُ توبيخَه لشيعتِه الذينَ دعوهُ للخروجِ على يزيد ثُمَّ خذلوهُ. 

تفكيكُ عناصرِ الشّبهةِ:

 العنصرُ الأوّلُ: كونُهم كانوا ممَّن أرسلوا إلى الحُسينِ (عليهِ السّلام) برسائلَ تدعوه للمجيء إلى الكوفةِ لا يدلُّ على أنّهُم شيعةُ الحُسينِ (عليه السّلام)، لأنّهُم كانُوا يتعاملونَ معَ الحُسينِ (عليه السّلام) بإعتبارِه صحابيَّ وسبطَ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ولهُ أهليّةُ الخلافةِ والقيادةِ، لا باعتبارِ أنّهُ إمامٌ مِنَ الأئمّةِ الإثني عشرَ (عليهم السّلام) وأنّهُ معصومٌ وأنّهُ هوَ أحقُّ بالخلافةِ مِن غيرِه، والدّليلُ أنَّ كُتبَ التّاريخِ والتّراجمِ لَم تُشِر إلى أنّهم مِن شيعةِ الإمامِ الحُسينِ (عليهِ السّلام) بَل دلّت على العكسِ مِن ذلكَ، وبذلكَ ينهارُ أهمُّ مُستندٍ في الإشكالِ. كما يمكنُ أن يُضافَ إلى ذلكَ بأنَّ الذينَ كتبُوا الرّسائلَ للإمامِ الحُسينِ (عليه السّلام) كانَ بعضُهم مِن صحابةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كما بيّنَت كتبُ التّراجمِ والتّاريخِ، وعليه لَو قالُوا بتشيُّعِهم ثبُتَ وجودُ الشّيعةِ مِن بينِ صحابةِ رسولِ اللهِ، وهذا ما يُحاولُ إنكارَهُ المُخالفُ، ولَو قالُوا بأنّهُم أعداءُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ثبُتَ وجودُ نواصبَ مِن بينِ الصّحابةِ، وبكِلا الإحتمالينِ بطُلَت ركيزةٌ مهمّةٌ في الفكرِ السّنّي وهيَ عدالةُ الصّحابةِ. 

العنصرُ الثّاني: كلماتُ الإمامِ الحُسينِ عليه السّلام المذكورةُ إنّما قالَها لأولئكَ القومِ المُجتمعينَ على قتلِه في كربلاءَ، وهُم أخلاطٌ مِنَ النّاسِ إستنفرَهُم عُبيدُ اللهِ بنُ زيادٍ لقتلِ الحُسينِ (عليه السّلام)، ولَم يكونُوا منَ الشّيعةِ، بَل ليسَ فيهم شيعيٌّ واحدٌ معروفٌ، فكيفَ يصحُّ أن يُقالَ: إنَّ قتلةَ الحُسينِ كانُوا منَ الشّيعة؟

نقدٌ للهيكلِ العامِّ للشّبهةِ:

هناكَ عدّةُ نقاطٍ سنذكرُها تِباعاً تُثبِتُ هشاشةَ هذا الإشكالِ وعدمَ قُدرتِه على الصّمودِ أمامَ التّحليلِ المنطقيّ والموضوعيّ. 

1- إنَّ القولَ بأنَّ الشّيعةَ قتلُوا الحُسينَ (عليه السّلام) فيهِ تناقضٌ واضحٌ، وذلكَ لأنَّ شيعةَ الرّجلِ هُم أنصارُه وأتباعُه ومحبّوهُ، وأمّا قتلتُه فليسُوا كذلكَ، فكيفَ تجتمعُ فيهم المحبّةُ والنُّصرةُ لهُ معَ حربِه وقتلِه؟! ولَو سلَّمنا جدلاً بأنَّ قتلةَ الحُسينِ كانُوا منَ الشّيعةِ، فإنّهم لمَّا إجتمعُوا لقِتالِه فقَد إنسلخُوا عَن تشيُّعِهم، فصاروا مِن غيرِهم، ثُمَّ قتلوهُ.

وإنَّ الذينَ خرجُوا لقتالِ الحُسينِ (عليه السّلام) كانُوا مِن أهلِ الكوفةِ، والكوفةُ في ذلكَ الوقتِ لَم يكُن يسكنُها شيعيٌّ معروفٌ بتشيُّعِه، فإنَّ مُعاوية لمّا ولَّى زياداً بنَ أبيهِ على الكوفةِ تعقَّبَ الشّيعةَ وكانَ بهِم عارِفاً، فقتلَهُم وهدمَ دورَهُم وحبسَهُم حتّى لَم يبقَ بالكوفةِ رجلٌ واحدٌ معروفٌ بأنّهُ مِن شيعةِ عليٍّ (عليهِ السّلام). صحيحٌ أنَّ أكثرَ الشّيعةِ في الكوفةِ، لكنّهم ليسُوا أكثرَ أهلِ الكوفةِ، فقَد كانُوا يُمثّلونَ سُبعَ سُكّانِها وهُم 15 ألفَ شخصٍ كما نقلَ التّاريخُ، وقَد زجُّوا منهُم بحدودِ 12 ألفاً في السّجونِ، والبقيّة ما بينَ معدومٍ وبينَ مُسفّر إلى الموصلِ وخُراسان، ومنهُم مَن شُرِّدَ في البُلدانِ، والبقيّةُ الباقيّةُ حيلَ بينَها وبينَ نُصرةِ الحُسينِ (عليهِ السّلام) مثلَ بني غاضرةَ، ومعَ ذلكَ إستطاعَ نفرٌ يسيرٌ اللّحاقَ بالحُسينِ (عليهِ السّلام). ومِن كُلِّ ذلكَ يتّضحُ أنَّ الكوفةَ لَم يبقَ بها شيعيٌّ معروفٌ خرجَ لقتالِ الحُسينِ (عليه السّلام)، فكيفَ يصحُّ الإدّعاءُ بأنَّ الشّيعةَ هُم الذينَ قتلوا الحُسينَ (عليهِ السّلام)؟ ولا يمكنُ أن يتوهّمَ مُنصفٌ أنَّ مَن كتبَ للحُسينِ (عليهِ السّلام) هُم شيعتُه، لأنَّ مَن كتبَ للحُسينِ لَم يكونُوا معروفينَ بتشيُّعِ، كشبثٍ بنِ ربعيّ، وحجّارٍ بنِ أبجر، وعمرُو ابنُ الحجّاجِ وغيرُهم.

2-  أنَّ الذينَ قتلوا الحُسينَ (عليه السّلام) رجالٌ معروفونَ، وليسَ فيهِم شخصٌ واحدٌ معروفٌ بتشيُّعِه لأهلِ البيتِ عليهم السّلام. فمنهُم: عُمرُ بنُ سعدٍ بنِ أبي وقّاص، وشمرٍ بنِ ذي الجوشنِ، وشبثٍ بنِ ربعيّ، وحجّارٍ بنِ أبجر، وحرملةَ بنِ كاهلٍ، وغيرِهم. وكُلُّ هؤلاءِ لا يُعرَفونَ بتشيُّعٍ ولا بموالاةٍ لعليٍّ عليهِ السّلام.

3-أنَّ الحُسينَ (عليهِ السّلام) قَد وصفَهُم في يومِ عاشوراءَ بأنّهم شيعةُ آلِ أبي سُفيانَ، فقالَ عليه السّلام: ويحكُم يا شيعةَ آلِ أبي سُفيان! إنَّ لَم يكُن لكُم دينٌ، وكنتُم لا تخافونَ المعادَ، فكونُوا أحراراً في دُنياكُم هذهِ، وارجعُوا إلى أحسابِكم إن كنتُم عُرُباً كما تزعمونَ). ولَم نرَ بعدَ التّتبُّعَ في كُلِّ كلماتِ الإمامِ الحُسينِ (عليه السّلام) في كربلاءَ وخُطبه في القومِ وإحتجاجاتهِ عليهم أنّهُ وصفَهُم بأنّهم كانُوا مِن شيعتِه أو مِنَ المُوالينَ لهُ ولأبيهِ.

 4- أنَّ القومَ كانُوا شديدي العداوةِ للحُسينِ (عليه السّلام)، إذ منعُوا عنهُ الماءَ وعَن أهلِ بيتِه، وقتلوهُ سلامُ اللهِ عليهِ وكلَّ أصحابِه وأهلَ بيتِه، وقطعُوا رؤوسَهم، وداسُوا أجسامَهم بخيولِهم، وسبُوا نساءَهم، ونهبُوا ما على النّساءِ مِن حُليّ... وكُلُّ هذهِ الأفعالِ لا يمكنُ صدورُها إلّا مِن حاقدٍ شديدِ العداوةِ، فكيفَ يُتعقَّلُ صدورُها مِن شيعيٍّ مُحِبٍّ؟!

 5-أنَّ بعضَ قتَلَةِ الحُسينِ قالوا لهُ عليهِ السّلام: (إنّما نُقاتِلُكَ بُغضاً لأبيك)، ولا يمكنُ تصوّرُ تشيّعِ هؤلاءِ معَ تحقّقِ بُغضِهم للإمامِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السّلام) وقالَ بعضُهم: يا حُسين، يا كذّاب ابنَ الكذّابِ) . وقالَ آخرُ: (يا حُسين أبشِر بالنّارِ). وقالَ ثالثٌ للحُسينِ (عليهِ السّلام) وأصحابِه: إنّها ـ يعني الصّلاة ـ لا تُقْبَلُ منكُم) . وقالوا غيرَ هذهِ منَ العباراتِ الدّالّةِ على ما في سرائرِهم مِنَ الحقدِ والبُغضِ لأميرِ المُؤمنينَ وللحُسينِ (عليهما السّلام) خاصّةً ولأهلِ البيتِ عليه السّلام عامّةً.

 6-أنَّ المُتأمِّرينَ وأصحابَ القرارِ لَم يكونُوا مِنَ الشّيعةِ، وهُم يزيدُ بنُ معاويةَ، وعبيدُ اللهِ بنُ زيادٍ، وعمرُ بنُ سعدٍ، وشمرٌ بنُ ذي الجوشنِ، وقيسٌ بنُ الأشعثِ بنِ قيسٍ، وعمرو بنُ الحجّاجِ الزّبيديّ، وعبدُ اللهِ بنُ زُهيرٍ الأزديّ، وعروةُ بنُ قيسٍ الأحمسيّ، وشبثٌ بنُ ربعيّ اليربوعيّ، وعبدُ الرّحمنِ بنُ أبي سبرةَ الجُعفيّ، والحُصينُ بنُ نُميرٍ، وحجّارٌ بنُ أبجر. وكذا كلُّ مَن باشرَ قتلَ الحُسينِ أو قتلَ واحداً مِن أهلِ بيتِه وأصحابِه، كسنانٍ بنِ أنسٍ النّخعيّ، وحرملةَ الكاهليّ، ومنقذٍ بنِ مرّةَ العبديّ، وأبي الحتوفِ الجُعفيّ، ومالكٍ بنِ نسرٍ الكِندي، وعبدِ الرّحمنِ الجُعفي، والقشعمِ بنِ نذيرٍ الجُعفي، وبحرٍ بنِ كعبٍ بنِ تيمٍ الله، وزرعةَ بنِ شريكٍ التّميميّ، وصالحٍ بنِ وهبٍ المري، وخولي بنِ يزيدَ الأصبحيّ، وحُصينٍ بنِ تميمٍ وغيرِهم، وعليهِ لا تجدُ رجُلاً شاركَ في قتلِ الحُسينِ (عليهِ السّلام) معروفاً بأنّهُ مِنَ الشّيعةِ.

المرفقات