هل الإمام مطلع على أعمال العباد ؟

مبحث علم الإمام عليه السلام من أدق مباحث العقيدة ولا يمكن اختزاله بإجابة مجملة، لكن يمكن القول: بأن المعصوم نبياً كان او إماماً له قوة قدسية أطلق القرآن عليها اسم (روح القدس)، كما في قوله تعالى: (إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي)، المائدة: 110، وقوله ايضاً: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، آل عمران: 49.

وظاهر الآيات المتقدمة أن كلام عيسى في المهد وعلمه بالكتاب والحكمة وإبرائه الأكمه والأبرص وخلقه من الطين طيراً، وعلمه بما يدخرون في بيوتهم، متوقف على روحه القدسية توقف المعلول على العلة.

وكذا بخصوص نبينا الأكرم (ص) فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، الشورى: 52.

وهذه الروح انتقلت من نبينا الأكرم (ص) الى أمير المؤمنين (ع) وهكذا الى إمام بعد إمام (ع) كما في رواية الصفار في بصائره عن المفضل بن عمر قال قلت لابى عبدالله عليه السلام سئلته عن علم الامام بما في اقطار الارض وهو في بيته مرخى عليه ستره فقال يا مفضل ان الله تبارك وتعالى جعل النبى صلى الله عليه وآله خمسة ارواح روح الحيوة فيه دب ودرج ورح القوة فبه نهض وجاهد وروح الشهوة فبه اكل وشرب واتى النساء من الحلال وروح الايمان فبه امر وعدل وروح القدس فبه حمل النبوة فاذا قبض النبى صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار في الامام وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهوا ولا يسهوا والاربعة الارواح تنام وتلهوا وتغفل وتسهوا ورح القدس ثابت يرى به ما في شرق الارض وغربها وبرها وبحرها قلت جعلت فداك يتناول الامام ما ببغداد بيده قال نعم و مادون العرش. 

وبسند صحيح روى الكليني عن الصادق (ع) في وصف روح القدس: "خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلى الله عليه واله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده". الكافي: ج1، ص273.

هذه الروح بمثابة روح مختصة بالمعصومين (ع)، لا يشاركهم فيها أحد، بدليل ما رواه الكليني (ره) بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع): "يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عزوجل: (وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون) فالسابقون هم رسل الله عليهم السلام وخاصة الله من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الاشياء، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا الله عزوجل وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزوجل وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيؤون، وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الايمان فبه خافوا الله، وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وجعل فيهم روح الشهوه فبه اشتهوا طاعة الله، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيؤون. الكافي: ج1، ص272.

وروى الصفار حدثنا بعض اصحابنا عن محمد بن عمر عن ابن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر بن ابى جعفر عليه السلام قال سألته عن علم العالم فقال: "يا جابر ان في الانبياء والاوصياء خمسة ارواح روح القدس وروح الايمان وروح الحيوة وروح القوة وروح الشهوة فبروح القدس ياجابر علمنا ماتحت العرش إلى ماتحت الثرى ثم قال يا جابر ان هذه الارواح يصيبه الحدثان الا ان روح القدس لا يلهوا ولا يلعب".

فهذه الروح القدسية يعلم بها المعصوم (ع) بافعال العباد من خلال ارتباطها بعلم الله تعالى، بل هي رشحة منه، فبسند صحيح روى الكليني عن الإمام موسى بن جعفر (ع): " إن لله تبارك وتعالى علمين: علماً أظهر عليه ملائكته وأنبيائه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه، فقد علمناه، وعلماً استأثر به، فإذا بدا لله شيء منه أعلمنا ذلك، وعرض على الأئمة الذين كانوا قبلنا. الكافي: ج1، ص255.

المرفقات