مصطفى جواد (1321 ــ 1388 هـ / 1904 ــ 1969 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) ألقاها في يوم عاشوراء في صحن الإمامين الكاظمين (عليهما السلام):
وشـهـيـدُهـم فـي (كربلاء) شــهـيـدُهـمْ في أنَّـهـمْ أهلُ الـمـقـامِ الأوحـــدِ
عطفَ الصفوفَ على الصفوفِ يذيقُها حـتـفَ الـحتوفِ وينثني كالجلمدِ
هـجـمـاتُ حـيـدرةِ الـعـظـيـمِ وقـلـبُـــه إذ صالَ في صفِّينَ أو في المربدِ (1)
الشاعر
الدكتور مصطفى بن جواد بن مصطفى بن إبراهيم البياتي (2)، علم من أعلام الفكر والأدب، قدم خدمات جليلة وكبيرة في ميادين التحقيق والتدقيق والبحث والتراث والخطط والأنساب واللغة والتاريخ والشعر والنحو والصرف وكان في كل هذه الميادين العلمية عالماً موسوعياً فذاً لا يدانيه أحد بها، ملماً بكل شواردها وتفرعاتها.
قال عنه الدكتور عبد الرزاق محي الدين: (كان رجلا بمجمع ومجمعا برجل) (3)
ولد الدكتور مصطفى بن جواد في بغداد في محلة (عقد القشلة) بالجانب الشرقي من بغداد وبجوار الجامع المعروف حتى اليوم بـ (جامع المصلوب) (4)
أما أصله فهو من (قره تبه) في كركوك من عائلة تركمانية تسمى (سرايلي وسرايلي تركمان) وكان جده ينظم الشعر بالتركية وكان أبوه أمياً ويعمل خياطاً ويتكلم التركمانية والعربية وكان بارعاً في عمله ويلقب بأسطة جواد وكان ثاني اثنين في الشهرة (5)
انتقل مصطفى جواد مع أبيه من بغداد إلى (دلتاوه) ــ الخالص ــ ودخل الكتّاب وحفظ القرآن الكريم والابتدائية، وهناك نشأ في بستان لأسرته وأحب حياة الريف، ولكنه قاسى من العسر والفقر وشظف فعمل راعياً للغنم عند أحد أقربائه في (دلتاوة) (6)
بعد وفاة أبيه كفله أخوه الأكبر كاظم، وبقي في دلتاوه حتى دخول الانكليز إلى العراق عام 1917 فرجع إلى بغداد ليكمل دراسته عام 1920 في مدرسة باب الشيخ، بعد أن علمته الحياة مواجهة شظف العيش وكدر الحياة (7)
دخل جواد المدرسة الجعفرية ببغداد بتشجيع أحد أساتذته وهو أحمد زكي الخياط بعد أن رأى ملامح النبوغ وبوادر النباهة تبدو عليه وكان معجباً به كثيراً، ثم شجعه على دخول دار المعلمين، وأقنعه بأنه يمتلك القدرة على النجاح في الامتحان لما يتمتع به من قدرات ذهنية، وصدق حدس الخياط فقد قُبل في الامتحان وأظهر تفوقاً فيه. (8)
في إثناء وجود مصطفى في دار المعلمين والتي أمضى فيها ثلاث سنوات من عام (1921 – 1924) لفت نظر الأستاذ طه الراوي – وكان من أساتذة هذه الدار – القدرة العجيبة التي كان يتمتع بها مصطفى، والقابلية المدهشة بالنسبة لسنه في حفظ الشعر والتاريخ، فعني به وشجعه على الاستمرار، كما ساعده في الإطلاع على الكتب التي تزيد من قابلياته فقويت عنده الرغبة في دراسة العربية فكانت حصيلته من دار المعلمين أن تألفت لديه كنوز ثمينة من آداب اللغة العربية وعلومها. كما أعجب به مدير الدار يوسف عز الدين الناصري الذي عهد إليه ــ وهو طالب في الصف الثالث ــ بأن يقوم مقام أخيه في مدرسة التطبيقات الابتدائية لتدريس العربية عدة ساعات وذلك حين يكون أخوه في مهمة تستدعي غيابه عن الدرس (9)
كما أحب مصطفى التاريخ الإسلامي وتتبّع أخباره والتعمّق فيه، وأولع بتاريخ العراق في العصور الإسلامية بصورة خاصة، ولعل هذه الدار كانت نواة ثقافته الأولى وتحديد اتجاهاتها، كما أنها قد وسعت من أفقه واهتماماته بالعربية وعلومها، وبعد تخرجه من دار المعلمين عيّن معلماً في أكثر من مدرسة ابتدائية.في الناصرية والبصرة والكاظمية ثم نقل إلى دلتاوه ثم إلى بغداد ليعمل (كاتب تحريرات) في وزارة المعارف (10)
لازم جواد مجلس الأب أنستاس الكرملي طيلة فترة وجوده في بغداد واستفاد كثيراً من هذا المجلس، كما داوم النشر في مجلات: لغة العرب وسومر، والمقتطف، والرسالة وبغداد وذاع صيته واشتهر، (11) فرشحته وزارة المعارف العراقية سافر إلى باريس لإكمال دراسته لمرحلة الماجستير والدكتوراه في التاريخ فأكمل رسالته الجامعية وكانت بعنوان (سياسة الدولة العباسية في القرن السادس) عام (1939) ثم عاد إلى بغداد وعين أستاذا في دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) ثم ندب لتأسيس معهد الدراسات الإسلامية وأنيطت به عمادته حتى عام 1963 ومرض بعد ذلك فأعفي من التدريس وأصبح أستاذا متفرغاً عام 1967 (12) وتوفي ببغداد (13)
وقد رثاه السيد مصطفى جمال الدين والشاعر السوري زكي المحاسني، وتلميذته الشاعرة العراقية عاتكة الخزرجي (14)
ترك جواد ثروة أدبية وعلمية هائلة وهي مؤلفاته وتحقيقاته التي أثرت الباحثين والقراء فمن مؤلفاته المطبوعة:
أبو جعفر النقيب
الأمير خلف وأميرة الصين
أمالي مصطفى جواد في فن تحقيق النصوص
بغداد في رحلة نيبور
تاج العروس من جواهر القاموس للسيد مرتضى الزبيدي (تحقيق)
تكملة إكمال الاكمال في الأنساب والأسماء والألقاب لجمال الدين بن الصابوني ــ تحقيق
تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب لابن الفوطي (تحقيق)
الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير لابن الساعي البغدادي (تحقيق)
دار الخلافة العباسية ــ تعيين موضعها وأشهر مبانيها
دراسات في فلسفة النحو والصرف واللغة والرسم
رباعيات حسين قدسي نخعي (ترجمة)
رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوربا (ترجمة)
سيدات البلاط العباسي
العبر في خبر من غبر لشمس الدين الذهبي ــ نقد
قل ولا تقل ــ عدة أجزاء، وقد طُبع جزأين في حياته
المباحث اللغوية في العراق
مختصر التاريخ لظهير الدين الكازروني (تحقيق)
المختصر المحتاج إليه من تاريخ بغداد لابن الدبيثي ــ انتقاء الذهبي (تحقيق)
لقاء ابن خلدون لتيمور لنك
المشاركات
كما شارك عدداً من الباحثين والمؤرخين في إعداد وتأليف الموسوعات العلمية والتاريخية فشارك في بحث:
موسوعة العتبات المقدسة ــ تأليف جعفر الخليلي ــ النجف ج 1 ــ كربلاء ج 1 ــ الكاظمية ج 1 ــ سامراء ج 1
الأساس في تاريخ الأدب العربي
بغداد
المصطلحات العلمية التي أخرجها المجمع العلمي العراقي
خارطة بغداد قديماً وحديثاً
رسائل في النحو واللغة لابن فارس الرماني (تحقيق وتعليق)
الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
تاريخ العرب (موجز)
بغداد مدينة السلام ــ تأليف ريجار كوك (ترجمة وتعليق)
دليل خارطة بغداد المفصل
الفتوة لابن المعمار البغدادي الحنبلي (تحقيق)
إضافة إلى أكثر من عشرين مؤلفاً لا يزال مخطوطاً (15)
وقد اهتم الدكتور مصطفى جواد بالقرآن الكريم كثيراً وقد عدّه المصدر الأول لكل بحوثه اللغوية فبه حُفظت هذه اللغة من الضياع كما يقول: (والعربية لغة جسيمة عظيمة قويمة لأمة كريمة عظيمة وقد حافظت على قواها ونظامها وكلامها بقرآنها العزيز وتراثها الأدبي البارع طوال العصور التي انصرمت بين زمن الجاهلية وهذا العصر) (16)
شعره
قال من قصيدته الحسينية التي مرَّ ذكرها:
جـلَّ الـمـصابُ مـصـابُ آلِ مــحـــمـــدِ فـاذرِ الـدمـوعَ بـيـومِــهِ الـمُـتجدِّدِ
وابـكِ الـكـرامَ الـذائــديــنَ عـن الــعُــلى والــديــنِ بـالـقـولِ الــكريمِ وباليدِ
ذكرَ الـزمـانُ مــصـابَــهــــــمْ فــأعــاده تــاريــخُ عــزٍّ لــلـســمــوِّ مُــؤيَّــدِ
فـالـحـقُّ لا يـنــســيــهِ ســالــفُ عــهـدِه والـذلُّ لا يـبـقـيـهِ سـوط المعتـدي
والـعـدلُ لا تـبـــلــــيـهِ قــــــــــلّـةُ أهـلهِ والــديــنُ لا يـوهـيهِ طـعنُ الملحدِ
آلُ الــرســولِ أجـلْ فـهـاتِ حـديــثــهـمْ واذكرْ مصابَهمُ ولا تخشى الردي
جـمـعـوا الـفـضـائـلَ والـمـكارمَ والعُلى والـعـلـمَ والـتـقـوى لأزكــى محتدِ
مــا حــرَّرَ الإســــــــــــلامَ إلا ســـــادةٌ بـذلـوا دمـاءهـمُ لـه عـن مـقـصـدِ
سـنّــوا لأهـلِ الـحـقِّ سـنّـةَ ثــــــــــورةٍ أضحى بها الإسلامُ مرهـوبَ الـيدِ
مـلَّ الـحـديدُ مــن الـحـديـدِ وعــزمــهـمْ مـا مـلَّ مـن نـصـرٍ لـديـنِ مـحـمدِ
فـلـيـقـلـعِ الـجـبـنـاءُ عـن أقــوالِـــهـــــمْ إنَّ الــجــبــانَ كــأنّــه لــمْ يُــولـــدِ
فـي كـلِّ قـطـرٍ روضــةٌ لـكـرامِـهـــــمْ بندى المعالي روضُ ذكراها نـدي
رامَ الــعـدوُّ عــفــاءَهـــا لــكــنــهــــــا حـفـظتْ عـلــى رغمِ العدوِّ بمشـهدِ
في المغربِ الأقصى وفي مصرٍ وفـي هذا الـعـراقِ وفـي بـقـيــعِ الـغرقـدِ
وشـهـيــدُهــمْ فــي كـربـلاءَ شـهـيـدُهم فــي أنَّـهـمْ أهــــلُ الـمـقـامِ الأوحـدِ
عطفَ الصفوفَ على الصفوفِ يذيقُها حــتـفَ الـحتوفِ ويـنـثـني كالجلمدِ
هـجـمـاتُ حــيــدرةِ الــعــظـيــمِ وقلبُه إذ صـالَ في صفِّينَ أو فــي المربدِ
للهِ يــومُ الــطـــفِّ يــــومــاً فـــارقــــاً بيـضُ الوجوهِ عن الفريــقِ الأسودِ
كـتـبَ الـعـراقُ وثــيــقــةَ اســتــقـلالِه بــدمِ الـحـسـيـنِ الـسـيـدِ ابــنِ السيدِ
بـيـنـي وبـيـنـكَ يــا يــزيــدُ قــضـيــةٌ لا تــنـتـهـي وعـــداوةٌ لــم تــــنــفـدِ
أورثـتَ مُـلـكـاً لــمْ تــكــنْ أهــلاً لــه وولـــيـتَ ديـنـاً رِيــعَ مـنـكَ بـمـفسدِ
وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً ألقاها يوم العاشر من المحرم سنة (١٣٦٥ هـ / ١٩٤٥ م) في صحن الإمامين الكاظميين (عليهما السلام) ونشرت في مجلة البيان النجفية:
ألـمَّـتْ بـيَ الـذكـرى فـأوسـعـتها شكراً وأرعـيـتُـهـا قـلـبـي فـقـلـبـي بها أدرى
تـلـقّـيـتُــهـا بـالـدمـعِ أطــفــــي أوارَهـا وشـيّـعـتُـهـا بـالـشـعـرِ أنــشــرهُ نـشرا
سـجـيَّـةُ نـفـسٍ لا تـرى الـحــبَّ بـدعةً ولا الدمعُ ضعفاً وافتضاحَ الأسى نكرا
فـلا تـلـحـيـانـي صـاحبيَّ على الشجى تـريـدانِ جـعـلَ الـقـلـبِ فـي حـبِّه قبرا
ألا أنّـهـا ذكـرى فـسـيـحٌ طــريــقُــــها إلى القلبِ ذكرى فجعةِ العربِ الكبرى
فللهِ يــومٌ كــلّــمــا طــالَ عــهــــــــدُه أفـاضَ عــلـى الـحـقِّ الـجـلالةَ والقدرا
ومـا الــقـلـبُ إلّا نـابــضٌ مُـتـوثّـــــبٌ إذا سـمـتـه خـسـفـاً تـمـــرَّدَ واستشرى
إذا ذكــروا (آلَ الــنــبــيِّ) وجـــدتــه يـذوبُ جــوىً والـعـينُ تـسـعـفُه عبرى
ومَـن ودَّ أن يــحـيـا بــلا ذكــريــاتِـه فـذاكَ بــأنْ يــلـقـى منـيَّــتَـــه أحـــــرى
ولـمْ يـكُ قـولُ اللهِ (ذَكِّـــرْ) بــبــاطـلٍ أجـلْ تـنـفعُ الذكرى الذي لم يـكـنْ غِرّا
وكـمْ أمَّــةٍ عـاشـتْ بـذكـرى هُـداتِـها إذا ما دهاها الـخـطبُ تنقذها الــذكرى؟
يـذكّـرُنـا حـكـمـاً وظـلـمـاً ومصـرعاً أضـاعَ (بنو حربٍ) بها الدينَ والــعُمرا
أأنـسـاكَ (يومَ الطفِّ) والـقـلـبُ مفعمٌ أسـىً مُـزمنـاً قـد أعجزَ الشعرَ والــنثرا
ذكرتُ (الحسينَ) البرَّ بالدينِ والهدى وأصحابَه من مقـصـديـنِ ومَـن أسترى
تـذكّـرتُـهـمْ صـرعـى فهاجتْ نوادبٌ مِن الشعرِ يـلـطـمنَ الخدودَ معَ الـزهرا
دعـوا لـقـتـالِ الـمـارقـيــنَ فـمـا ونوا ولـولا اتـحادَ الجورِ لاصطلوا الـجورا
وقـد نـطـقـوا بـالـحقِّ لـمـا تـخارستْ أعاريبُ داسوا الحقَّ واستمرأوا الغدرا
وحرباً بنو حربٍ على الدينِ أصبحوا وقـد أرهـقـوا الإسـلامَ فـي ذاتِه عسرا (17)
وله قصيدة حسينية أخرى ألقاها يوم العاشر من محرم سنة (1964) في صحن الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) ونشرتها مجلة البيان يقول في مطلعها:
أبى اللهُ أن يُنسى مصابُ ابنِ فاطمٍ فجاءتْ تعزي الدينَ شتى العوالمِ
قــد اخـتـلـفـتْ أجــيـالُـها غيرَ أنَّها تـسـاوتْ لدى تأبينِ فخرِ الهواشمِ (18)
.....................................
1 ــ أدب الطف ج 10 ص 247 ــ 248
2 ــ الأعلام ج 7 ص 230
3 ــ ذكرى مصطفى جواد لسالم الآلوسي ــ مطبوعات وزارة الإعلام ــ مطبعة الحكومة ـ بغداد 1390 هـ / 1970 م ص 51
4 ــ الدكتور يوسف عز الدين ــ شعراء العراق في القرن العشرين ج 1 ص 161
5 ــ جعفر الخليلي هكذا عرفتهم ج 3 ص 73
6 ــ نفس المصدر ص 76
7 ــ مصطفى جواد وجهوده اللغوية ــ الدكتور محمد عبد المطلب البكاء ــ در الشؤون الثقافية العامة ــ ط2 بغداد 1987 ص 32 ــ 33
8 ــ هكذا عرفتهم ج 3 ص 79 / شعراء العراق في القرن العشرين ج 1 ص 164
9 ــ شعراء العراق في القرن العشرين ج 1 ص 165
10 ــ شعراء العراق في القرن العشرين ج 1 ص 165 / أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث ص 187
11 ــ مصطفى جواد وجهوده اللغوية ص 32 ــ 33
12 ــ نفس المصدر ص 38 ــ 39
13 ــ أعلام اليقظة الفكرية ص 188
14 ــ مصطفى جواد وجهوده اللغوية ص 44 ــ 45
15 ــ نفس المصدر ص 63 ــ 66
16 ــ قل ولا تقل ص 5
17 ــ موقع إذاعة طهران / ذكر مطلعها السيد جواد شبر في أدب الطف ج 10 ص 249
18 ــ أدب الطف ج 10 ص 250
كما ترجم له وكتب عنه:
رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 3 ص 304
حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 1 ص 202
كامل سلمان الجبوري / معجم الأدباء ج 5 ص 389
الدكتور محمد عبد المطلب البكاء ــ العلاّمة الدكتور مصطفى جواد… حياته – شعره – منزلته العلمية ــ الدار العربية للمطبوعات 2010
وحيد الدين بهاء الدين ــ مصطفى جواد ــ فيلسوف اللغة العربية وخططي بغداد الفرد ــ المكتبة الأهلية، بغداد 1971
اترك تعليق