تاج الولاية..

لطالما كان فن الزخرفة عنصرا مرتبطا بفن العمارة العربية الاسلامية بجانبيها الجمالي والوظيفي فهي تشكل الجزء الفاعل منها، وان عملية تنفيذ التكوينات الزخرفية بأي شكل من الأشكال المعمول بها والمتعارف عليها هي عمل فني تشكيلي يدخل ضمن مضمار العمل الفني العماري سواء كان يشغل حيزاً وظيفياً كجزء من أساسيات البناء أو لغرض تزييني الجمالي.

 وقد اظهر العمل الزخرفي في العتبات والأضرحة المقدسة في العراق وبعض الدول المجاورة له قابليته الابداعية في تصاميم اشكاله الرائعة، ولاسيما التكوينات الزخرفية النباتية والتي تمثل أبهى اشكال الفنون الزخرفية لما تحمله من تنوع في تكويناتها المتميزة بالأصالة والجمال وبالخصوص حين امتزاجها بمثيلتها من التكوينات الخطية المتمثلة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وبعض المقولات والحكم العربية الاصيلة، والتي نظمت وفق تصميم موحد يعبر عن العقائد الفكرية والتقاليد الفنية الأصيلة الموظفة ضمن ابنية العتبات المقدسة بفعل أنها تنطوي على سمات أسلوبية لها خصوصية اكتسبت التفرد في مفرداتها وانشائها الزخرفي من حيث التقسيم المساحي وأشغالها بزخارف متنوعة الاجناس والالوان، والمصورة اعلاه تمثل احدى هذه التكوينات الزخرفية الخليطة والموظفة على احد الجدران الداخلية لصحن مرقد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.

عمد الفنان المنفذ لهذا العمل الفني على تقسيمه من الناحية التصميمية الى وحدة اساسية خضعت للتكرار بطريقة التداخل والتي ادت الى ظهور تصميم متكامل ذي تناظر غريب من فاصلتين وسطيتين نتج عنهما تصاميم عقدية متناظرة ومتداخلة من الاعلى منتجة أربعة رؤوس لعقود مدببة وهي بمجملها منفذة بالقاشاني الازرق بحيث ان كل وحدة زخرفية منها تشكل تصميما متكاملا بذاته لا يرتبط محوريا مع الوحدة الثانية الا ضمن المساحة الاساسية والاطر المحيطة بها والتي نظمت على وفق التناظر للوحدة الاساسية الشاغلة للمساحة الكلية للاطار .

ويميز المتأمل لهذا التكوين الزخرفي المتكامل ان هنالك تنوعاً واضحاً في بنية المفردات والاغصان النباتية واسلوب تنظيمهما، وقد تمثل ذلك بانشاء زخرفي ابدعه الفنان بطريقة مزدوجة من ثلاثة انواع تمثلت بالكأسي والزهري والكتابي، اذ اعتمد الفنان المصمم  في توزيع الزخارف الكأسية على ترتيب الاغصان والمفردات الاحادية الفلق والثنائية المصمتة لونيا لتشكل مرتكزا يحتضن الاشكال الكتابية المعينية الهيأة والزخارف المنبثقة منها والمتضمنة اغصان وبراعم طرفية تقترب من الاشكال الحلزونية في حركتها وهي ملتفة ومنبثقة من مركز الشكل المتمثل بالمخطوطة الكتابية ذات الارضية البيضاء، اضافة الى الازهار المتناثرة والزخارف الزهرية الموظفة ضمن المساحة الاساسية للتصميم بأشكال  قريبة من الواقع لإضفاء الحيوية على الاشكال، تم توظيف اجزاء عمارية تمثلت بأعمدة كفواصل بين اجزاء التصميم بغية الحصول على تنوع شكلي للتصميم بشكل عام.

ونلاحظ ايضاً ضمن هذا الانشاء الزخرفي ان هنالك تنوعا في تكرار التكوينات الزخرفية قد عمد المصمم على اظهاره وهو يتمثل بتكرار منتظم للوحدة الاساسية التي شكلت التصميم بطريقة التقليب والتكرار المنتظم للوحدات والاشكال الزخرفية ضمن التصميم العام ، فضلاً عن التكرار باتجاه واحد ثابت للزخارف بشكل عمودي  ضمن وحداتها الطولية وهناك تكرار منتظم لبعض التكوينات الركنية والرأسية ( رؤوس العقود).

اما التنوع اللوني في هذا المنجز الجداري فقد جاء به الفنان من خلال التكرارات اللونية المتناوبة بين فضاء الاشكال الزخرفية المعينية بيضاء اللون في الوسط والمساحة الاساسية للتصميم من الازرق الشذري و الاصفر و الابيض، وقد ولد من رحم ذلك تناغما لونيا ذا وحدة مظهرية متنوعة فضلا عن اشغال اللون الاحمر المتدرج للمفردات القريبة من الواقع المتمثلة بقلوب الازهار المتناثرة في فضاء اللوحة وبين اغصانها الحلزونية متعددة الالوان، والتكرار اللوني المتناوب بين الاصفر والازرق الشذري وحتى اللون الاخضر المميز ببعض البراعم الخضراء المتصلة بنهايات الاشكال الغصنية  المحيطة بقلب التكوين الزخرفي الخطي الهيأة ، اضافة الى اشغال اللون البني المصفر المقطع بالأخضر والمتقارب مع اللون الازرق الشذري المميز للأشكال المعمارية - الكاشي الكربلائي كأرضية للعمل الفني- وتوظيف اللون الاصفر ايضا لبعض اطراف الاغصان الموظفة ضمن التكوينات المنبثقة من الوحدة الزخرفية المحملة بالحروف والكلمات، كما عولج فضاء اللوحة اجمالاً بإطار زخرفي يحيط بها ويتوجها من اعلاها بمستطيل من جنس فضائها باللون الازرق والزرق الشذري وهو محمل بتاج الولاية ( اشهد ان علياً حجة الله ).

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات