436 ــ مصطفى ميرزا (1295 ــ 1338 هـ / 1878 ــ 1919 م)

مصطفى ميرزا (1295 ــ 1338 هـ / 1878 ــ 1919 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (27) بيتاً:

رزيةُ قـومٍ يمَّموا أرضَ (كربلا)     فـعـادَ عـبـيــراً منهمُ ذلكَ الـتـربُ

أكارمُ يروي الغيثُ والليثُ عنهمُ     إذا وهـبـوا مـلأ الـحـقائبِ أوهبّوا

إذا نازلوا الأعـداءَ أقـفـرَ ربـعُها     وإن نزلوا في بلدةٍ عمَّها الخصبُ (1)

الشاعر

الميرزا مصطفى بن ميرزا حسن الشهير بالمجتهد ابن باقر بن أحمد بت لطف علي بن محمد صادق التبريزي، المعروف بـ (مصطفى ميرزا)، عالم وشاعر ولد في تبريز بإيران، من عائلة علمية تعرف بأسرة (مجتهد).

هاجر هو وأخوه الأكبر الميرزا خليل في حياة أبيهما الميرزا حسن الذي كان يومئذ المرجع في الأمور الشرعية في تبريز، إلى النجف الأشرف فدرس الميرزا مصطفى في النجف الأشرف على يد كبار العلماء منهم: الشيخ محمد كاظم الخراساني المعروف بـ (الأخوند الخراساني)، والشيخ علي النهاوندي، وسافر لحج البيت الحرام وعاد إلى النجف ثم مرض فسافر إلى طهران للعلاج ومن طهران ذهب إلى مسقط رأسه وتوفي فيه. (2)

قال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني: (أحد أفذاذ الأمة وعباقرة العصر الحاضر تخرج على الخراساني، والعلامة الأوردبادي، وشيخ الشريعة الأصفهاني وآية الله الطباطبائي اليزدي له:

حاشية على الكفاية في الأصول ــ لم تتم ــ

رسالة في اللباس المشكوك

رسائل فقهية مختلفة

رسالة في قاعدة الخطأين

حواشي على لسان الخواص لرضي الدين محمد بن الحسن القزويني

أرجوزة في علمي العروض والقافية ــ شرحها زميله أبو المجد الأصفهاني

رسائل مختلفة في الفلكيات والرياضيات

ولقد حوى على مجد الأثيل وشرف بيته المنيع سجاحة في الأخلاق وكرماً في النفس ولباقة في العلوم وغيرها مما أبد له الذكر الجميل والثناء المتواصل وأما في الأدب العربي وسرد قريظه فواسطة عقده ومرتكز لوائه، ....) (3)  

وقد برع الميرزا مصطفى في الشعر والأدب وكانت بينه وبين الأديبين الكبيرين الشيخ محمد رضا الأصبهاني، والشيخ جواد الشبيبي مراسلات أدبية. (4)

يقول عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان شاباً ظريفاً حسن الأخلاق طيب الأعراق، جميل المعاشرة، عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً، أديباً لبيباً، شاعراً ماهراً، وله شعر جيد السبك رائق اللفظ، وله مطارحات ومراجعات مع شعراء عصره من شعراء النجف وغيرهم، وكان من أصدقاء الشيخ أغا رضا الأصفهاني فكم دارت بينهما من مطارحات ومراسلات شعرية وأدبية). (5)

ويقول عنه السيد جواد شبر: (أما في الأدب فكان فارس ميدانه) (6)

وقال فيه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:

تركتَ سيوفَ الهندِ دونكَ في الفتكِ     على العربِ العربا وأنتَ مِنَ التركِ

تـبـرّزتَ مـن تـبـريـزَ ربَّ فصاحةٍ     بـهـا مـدنـيـاً قـد حـسـبـنـاكَ أو مكّي

فـكـمْ لـكَ مـن نـثـرٍ ونـظـمٍ تـزيّـنتْ     بـنــفـسِـهـما المسكيّ كافورة المسكِ

سبكتَ مياهَ الحسنِ في حسنِ سبكِها     فـيـها لأبـيكَ الخيرُ من حسنِ السبكِ

لـو الـمـلـكُ الـضـلّـيـلُ يُهدى لمثلها     لـظـلَّ يـفـاديـهـا وإن عــزَّ بـالـمسكِ

وتسليهِ عن (ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ)     ويـضـحـكُ إعجاباً بها من (قفا نبكِ)

إذا رحـت تـتـلـوها غـداً وهوَ قائلٌ     فـديـتـكَ والـلسنَ الأعاريبَ يا تركي

لـبـابَ مـعـانٍ يُـسـحـرُ اللبَّ لفظُها     فـيـحـسـبُـه نـظـمَ الـلـئـالـي بـلا سلكِ

ولـكـنَّ آيَّ الـمـصـطـفى آيةَ العُلى     أثـارتْ فـآثـرتَ الـيـقـيـنَ على الشكِّ

فـتـىً زادَ أيـامَ الـصِّبا سمكَ رفعةٍ     تـقـاصرَ شأوُ الشيبِ عن ذلكِ السمكِ

وتـلـقـاهُ قـبـلَ الاخـتـبــارِ مـهــذّباً     مـخـائـلـه تـغـنـي الـلـبيبَ عن المسكِ (7)

وقال فيه الشيخ محمد رضا الأصبهاني:

علوتَ في الفضلِ السهى والسماكْ     فأنتَ بدرٌ والمعالي سماكْ

لا غـروَ إن فُــقــتَ الــثـريَّـا عــلاً     فـأنـتَ فـي ذلـكَ تقفو أباكْ

ومُـذ حـلـلـتَ الـقـلـبَ أكــرمــتـــه     وكيفَ لا يكرمُ مثلي حماكْ (8)

وقول الأصفهاني: (فأنتَ في ذلكَ تقفو أباكْ) يشير إلى أن أباه كان من العلماء والأدباء الكبار لكننا لم نوفق في العثور على ترجمته.

وقال عنه السماوي: (فاضل خيم الفضل ببابه، وعد من أصحابه، وأديب ذل له من العلوم كل عزيز، ودر له كل غزيز، فتقدم بتبريز، وشاعر رقيق الشعر بديعه، مهذب التركيب صنيعه، رأيته بالنجف واجتمعت به فرأيت منه الخفيف الطباع، الحلو المفاكهة في الاجتماع... (9)

ثم يقول:

ولد في تبريز في حدود سنة ألف ومائتين وخمس وتسعين، وهاجر إلى النجف لطلب العلم، ثم حج وعاد، فعرض عليه الفالج فسافر إلى أوربا للتداوي، ثم عاد إلى تبريز، وهو اليوم بها منقطع الخبر، سلمه الله.

ثم جاء نعيه إلى النجف، وأنه توفي في شهر رمضان في سنة ألف وثلاثمائة وسبع وثلاثين، وجاءت جنازته في أواخر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ودفن مع أبيه مقابل الطوسي في النجف. (10)

شعره

قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (31) بيتاً:

يـا راكـبَ الـقـودِ تـجــوبُ الـفلا     وتـقـطــعُ الأغــوارَ والأنـجُدا

عرّجْ على الــطـفِّ وعرّسْ بها     عنّي وقِـفْ في أرضِـها مُكمدا

وانشدْ بها من كلِّ تـربِ الــعُـلا     مِــن هـاشمٍ مَن شئتَ أن تنشدا

فـكـمْ ثــوتْ فيها بدورُ الــدجـى     وكــمْ هوتْ فيها نجومُ الـهـدى

وكمْ بـها لـلـمـجـدِ مــن صـارمٍ     عضـبٍ على رغمِ العلى أغمِدا

كلُّ فـتىً يـعـطي الردى نـفـسَـه     ولـمْ يــكـنْ يُـعـطـي لـضيمٍ يدا

يخوضُ ليلَ النقعِ يومَ الــوغـى     تـحـسـبُــه فـي جـنـحِـه فـرقــدا

يصدعُ قلبَ الجـيــشِ إمَّا سـطا     ويـصــدعُ الـظـلـمـاءَ إمَّــا بــدا

تلقاهُ مثلَ الـلـيثِ يـومَ الـوغــى     بـأسـاً ومــثـلَ الغيثِ يومَ الندى

إن ركـعَ الـصـارمُ فــي كــفِّـه     خــرّتْ لــه هـامُ الـعِـدى سُــجَّدا

لم يعترضْ يومَ الوغى جحفلاً     إلّا وثــنّــى جــمــعَــه مُـــفــردا

سـامـهـمُ الــذلَّ بــهــا مـعـشـرٌ     والـمـوتُ أحــلــى لـهــمُ مُوردا

ومُـذ رأوا عــيــشَــهــمُ ذلــــةً     والـمـوتُ بـالـعــزِّ غـدا أرغــدا

خاضوا لظى الهيجاءِ مشبوبةً     واقـتـحـمـوا بـحـرَ الرّدى مُزبدا

وقــبّـلـوا خــدَّ الــظـبـا أحمراً     وعـانـقـوا قــدَّ الــقـنــا أغــيـــدا

وجـرَّدوا من عزمِهم مرهـفـاً     أمـضـى مِـن الـسـيـفِ إذا جُرّدا

يـفدونَ سبط المصطفى أنفساً     قـلَّ بـأهـلِ الأرضِ أن تُـفـتــدى

عـجـبـتُ مـن قـومٍ دعوهُ إلى     جـنـدٍ عـلـيـه بــذلــــه جُــــنّــــدا

وواعـدوهُ الـنـصـرَ حـتى إذا     وافـى إلــيـهـمْ أخـلـفـوا الـموعدا

وأوقـدوا الـنـارَ عـلـى خـيمةٍ     وتّـدهــا بـالـشـهــبِ مَـــن وتّــدا

يـا بـأبـي ظـمـآنَ مُــسـتـسقياً     ومـا سـقـوهُ غـيـر كــأسِ الردى

ويا بروحي جسمَه ما الــذي     جـرى عـلـيـهِ مـن خـيــولِ العِدا

وذاتُ خــدرٍ بــرزتْ بــعـدَه     فـي زفــراتٍ تــصــدعُ الأكــبـدا

وقــومُـهـا مـنـهـا بمرأىً فما     أقـربُـهـم مـنـهـا ومــا أبـــعـــــدا

فـلـتـبكِ عينُ الدينِ مِن وقعةٍ     أبـكـتْ دمـاً فـي وقـعِـهـا الجلمدا (11)

وقال من قصيدته التي قدمناها في الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (27) بيتا:

وقـائـلـةٍ لـي عـزِّ قـلـبــكَ بــعــدهمْ     فقلتُ أصبتِ القولَ لو كانَ لي قلبُ

فقدْ أرخصتْ مني الدموعُ ولمْ أزَلْ     أغـالـي بـدمعي كلّما استامَه خطبُ

رزيـةُ قـومٍ يـمَّـمـوا أرضَ (كربلا)     فـعـادَ عـبـيــراً مـنهمُ ذلكَ الـتـربُ

أكـارمُ يـروي الـغيثُ والليثُ عنهمُ     إذا وهـبـوا مـلأ الـحـقـائـبِ أوهبّوا

إذا نـازلـوا الأعـداءَ أقـفـرَ ربـعُـهـا     وإن نـزلوا في بلدةٍ عمَّها الخصبُ

تـخـفُّ بـهـمْ يـومَ الـلـقـاءِ خـيـولهمْ     فـتحسبُها ريحاً على متنِها الهضبُ

إذا انـتـدبـوا يـومَ الـكـريـهـةِ أقبلوا     يُـسـابـقُ نـدبـاً مـنـهـمُ مـاجــدٌ ندبُ

يـكـلّـفـهـمْ أبـنـاءُ هــنــدٍ مـذلّـــــــةً     وتـوصـيـهـمُ بـالـعـزِّ هـنديةٌ قضبُ

فـيـا لـهـفـةَ الإسـلامِ مِـن آلِ هاشمٍ     ووا حـربـاً لـلـدينِ ممّا جنتْ حربُ

فـأضـحـى إمـامُ الـمسلمينَ مُجرَّداً     وحـيــداً فـلا آلٌ لـديـهِ ولا صـحـبُ

وظـلَّ ولـيـلُ الـنـقـعِ داجٍ تــحــفُّـه     نصولُ القنا كالبدرِ حفَّتْ به الشهبُ

وقـد ولـي الـهـنـديُّ تفريقَ جمعِهم     فـصـحَّ لـتقسيمِ الجسومِ به الضربُ

إلى أن قـضـى ظمآنَ والماءُ دونه     مُـبـاحٌ عـلـى الـورَّادِ مـنـهله العذبُ

بـنـفـسـيَ يـا مولايَ خـدّكَ عــافرٌ     وجـسـمُـكَ مطروحٌ أضرَّ بهِ السلبُ

...........................................................

1 ــ شعراء الغري ج 11 ص 335 ــ 336

2 ــ نفس المصدر ص 331

3 ــ شهداء الفضيلة ص 388

4 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ١٢٧

5 ــ الحصون المنيعة ج 8 ص 290

6 ــ أدب الطف ج 8 ص 330

7 ــ شعراء الغري ج 11 ص 334

8 ــ أدب الطف ج 8 ص 329

9 ــ الطليعة ج 1 ص 241

10 ــ نفس المصدر ص 242

11 ــ نفس المصدر ص 241 ــ 242 / أعيان الشيعة ج 10 ص 127

كما ترجم له:

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 290

كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء ج 5 ص 360 بعنوان مصطفى المجتهد

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار