هل يحضر النبي وأهل بيته عند إحتضار المؤمن ؟

لقد وردَت عدّةُ رواياتٍ في المقامِ تُبيّنُ حضورَ النبيّ والأئمّةِ عليهم السّلام عندَ المُحتضرينَ، فمِن ذلكَ ما رواهُ جلُّ علمائِنا كالكُلينيّ في (الكافي ج3/ص135)، وإبنِ شعبةَ في (تحفِ العقول، ص36)، وفرات بنِ إبراهيم في (تفسيره ص554) وغيرِهم مِن طرقٍ عديدةٍ بأسانيدِهم عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) أنّهُ قالَ لجماعةٍ مِن شيعتِه المؤمنينَ: "منكُم واللهِ يُقبلُ، ولكُم واللهِ يُغفر، إنّهُ ليسَ بينَ أحدِكم وبينَ أن يُغتَبطَ، ويَرى السّرورَ وقرّةَ العينِ إلاّ أن تبلغَ نفسهُ هاهُنا – وأومأ بيدِه إلى حلقِه – ثمَّ قالَ: إنّهُ إذا كانَ ذلكَ واُحُتضرَ، حضرَه رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ و آله) وعليٌّ وجبرئيلُ وملكُ الموتِ (عليهِ السّلام) فيدنو منهُ عليٌّ (عليه السّلام) فيقولُ: يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا كانَ يحبُّنا أهلَ البيتِ فأحبّه، ويقولُ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ و آله): يا جبرئيلُ إنَّ هذا كانَ يحبُّ اللهَ ورسولَه وأهلَ بيتِ رسولِه فأحبَّه، ويقولُ جبرئيلُ لملكِ الموتِ: إنَّ هذا كانَ يحبُّ اللهَ ورسوله وأهلَ بيتِ رسولِه فأحبّه وأرفَق بهِ فيدنو منهُ ملكُ الموتِ فيقولُ: يا عبدَ اللهِ أخذتَ فكاكَ رقبتِك؟ أخذتَ أمانَ براءتِك؟ تمسّكتَ بالعصمةِ الكُبرى في الحياةِ الدّنيا؟ قالَ: فيوفّقُه اللهُ عَزّ وجَلّ فيقولُ: نعَم، فيقولُ وما ذاك؟ فيقولُ: ولايةُ عليٍّ بنِ أبي طالب فيقولُ: صدقتَ: أمّا الذي كنتَ ترجوهُ فقد أدركتَه، أبشِر بالسّلفِ الصّالحِ مُرافقة رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وعليٍّ وفاطمةَ (عليهما السّلام) ثمَّ يسلُّ نفسَه سلاًّ رفيقاً.

وفي تفسيرِ فرات بنِ إبراهيم الكوفي ص554: في بعضِ طرقِ الحديثِ قالَ الإمامُ الصّادقُ (عليه السّلام): ويناديهِ منادٍ مِن بطنانِ العرشِ يُسمعُه ويُسمعُ مَن بحضرتِه، "أي الذينَ حضروا قبضَ روحِه منَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأهلِ بيتِه والملائكةِ"،(يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ(27)ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً(28)فَادخُلِي فِي عِبَادِي(29)وَادخُلِي جَنَّتِي) [الفجر/28-31].

وقالَ الإمامُ (عليه السّلام):(يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ) إلى محمّدٍ ووصيِّه والأئمّةِ مِن بعدِه، (ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيةً) بالولايةِ (مَرضِيَّةً) بالثوابِ، (فَادخُلِي فِي عِبَادِي) محمّدٍ وأهلِ بيته،(وَادخُلِي جَنَّتِي) غيرَ مشوبةِ، أي غيرَ مخلوطةٍ، بكدرٍ وهرمٍ وما شاكلَ ذلك(3).

ثمَّ قالَ الإمامُ (عليه السّلام) في بقيّةِ حديثِه: وإذا إحتضرَ الكافرُ حضرَه رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وعليٌّ وجبرئيلُ وملكُ الموتِ "أي كما يحضرونَ عندَ المُحبِّ المؤمنِ كذلكَ يحضرونَ عندَ المُبغضِ الكافرِ" فيدنو منهُ عليٌّ (عليهِ السّلام) فيقولُ: يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا كانَ يبغضُنا أهلَ البيتِ فأبغضه، ويقولُ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ و آله): يا جبرئيلُ إنّ هذا كانَ يبغضُ اللهَ ورسوله وأهلَ بيتِ رسولِه فأبغِضه وأعنِف به، ويقولُ جبرئيلُ: يا ملكَ الموتِ إنَّ هذا كانَ يبغضُ اللهَ ورسولَه وأهلَ بيتِ رسولِه فأبغِضه وأعنِف به(5).

فيدنو منهُ ملكُ الموتِ فيقولُ: يا عبدَ اللهِ أخذتَ فكاكَ رقبتِك؟ أخذتَ أمانَ براءتِك منَ النّارِ؟ تمسّكتَ بالعصمةِ الكُبرى في الحياةِ الدّنيا؟ فيقولُ: لا، فيقولُ: أبشِر يا عدوَّ اللهِ بسخطِ اللهِ عَزّ وجَلّ وعذابِه والنّار، أمّا الذي كنتَ تحذرُه فقد نزلَ بكَ، ثمَّ يسلُّ نفسَه سلّاً عنيفاً، ثمَّ يوكلُ اللهُ بروحِه ثلثمائة شيطانٍ كلُّهم يبزقُ في وجهِه، ويتأذّى بروحِه، فإذا وُضعَ في قبرِه فُتحَ له بابٌ من أبوابِ النّارِ فيدخلُ عليهِ مِن قيحِها ولهبِها(4).

والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرةٌ ومرويّةٌ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأهلِ بيتِه الطّاهرينَ، وبعضُها مرويٌّ مِن طرقِ أهلِ السّنّةِ، وإليكَ هذا الحديثَ الذي رواهُ أخطبُ خوارزم الحنفي في (مقتلِ الحُسينِ) بسندِه عَن زيدٍ بنِ عليٍّ بنِ الحُسين، عَن أبيهِ عَن جدِّه عَن عليٍّ بنِ أبي طالب (عليه السّلام) قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه و آله): {والذي نفسي بيدِه، لا تفارقُ روحٌ جسدَ صاحبِها حتّى يأكلَ مِن ثمرِ الجنّةِ، أو مِن شجرِ الزّقّومِ، وحتّى يرى ملكَ الموتِ ويراني ويرى عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ فإن كانَ يحبّنا قلتُ: يا ملكَ الموتِ إرفَق بهِ فإنّهُ كانَ يُحبّني وأهلَ بيتي، وإن كان يبغضُني ويبغضُ أهلَ بيتي قلتُ: يا ملكَ الموِت شدِّد عليهِ فإنّه كانَ يبغضُني ويبغضُ أهلَ بيتي ثمَّ قالَ (صلّى اللهُ عليهِ و آله): لا يحبُّنا إلاّ مؤمنٌ، ولا يبغضُنا إلاّ منافقٌ شقي}(5).

ومَن أرادَ المزيدَ منَ التّفصيلِ فعليهِ بالمراجعِ التّالية:

1- راجِع كتابَ (المناقبِ) لأخطبَ خوارزم الحنفي ص31 ط النّجف، وص42 ط تبريز، و(مقتل الحُسين) للخوارزميّ أيضاً ج1 ص39 ط النّجف ونقلَه عنِ الخوارزميّ الشّيخُ سليمانُ الحنفي في (ينابيعِ المودّةِ) ص133 ط إسلام بول ونقلَه صاحبُ (إحقاقِ الحقِّ) ج6 ص111 عنِ الشّيخِ عبيدِ اللهِ الحنفيّ في (أرجحِ المطالب) ط لاهور ص526، وقد رواهُ عن كتابِ (اليواقيت).

2- إبنُ قولويه في (كاملِ الزّياراتِ) رقم7 ص134 ، والمجلسيّ في (البحار) ج44 ص289 

3- راجع كتابَ (الشّيعةِ والرّجعةِ) للعلّامة الطبسيّ ج2 ص81 نقلاً عَن تفسيرِ فرات بنِ إبراهيم ص536

4- راجِع (البحارَ) للمجلسيّ ج6 ص197-ص199 نقلاً عنِ (الكافي في الفروعِ) للكُلينيّ ج3 ص131 ط طهران، و(تحف العقولِ) للحسنِ بنِ شُعبة ص36، وكتابَ (الحسينِ بنِ سعد) أو لكتابِه النّوادر، كما رواهُ أيضاً بسندِه فراتُ بنُ إبراهيم في تفسيرِه ص136 ونقلَه عنهُ الطبسيُّ في (الشيعةِ والرّجعةِ) ج2 ص81، ونقلَه عَن فروعِ الكافي السّيّدُ عبدُ اللهِ شُبَّر في (مصابيحِ الأنوار) ج2 ص172.

5- (مقتلُ الحُسينِ) للخوارزميّ ص109 وينقلُه عنهُ صاحبُ (تعليقاتِ إحقاقِ الحق) ج1 ص458.

المرفقات