303 ــ مظهر إطيمش: (1325 ــ 1392 هـ / 1907 ــ 1972 م)

مظهر إطيمش: (1325 ــ 1392 هـ / 1907 ــ 1972 م)

قال من قصيدة (يا مصحراً نحو العراق) وتبلغ (54) بيتاً وقد ألقاها الشاعر في الصحن الحسيني الشريف سنة (1948):

لـولا كـفـاحـكَ لـلـضـلالِ وأهـلِهِ      ما كانَ دينُ الأريـحـيَّـة بـاقيا

ولطوَّحتْ في المسلمينِ عصابةٌ      هـوجـاءَ بـوَّأتْ الـخلافةَ باغيا

رامـتْ بـذلـكَ أن تـبـلَّ غـلـيـلَها     بدمٍ أريقَ بـ (كربلاء) مجاريا (1)

الشاعر

مظهر بن عبد النبي بن مهدي بن محمد بن حسين بن محمد بن أحمد إطيمش (2) أديب وشاعر ومؤلف، ولد في مدينة الشطرة ــ محافظة ذي قار – من أسرة حملت لقب (آل إطيمش) برز منها العديد من أعلام الأدب والشعر في العراق منهم: عمّه إبراهيم إطيمش، وابن عمه أحمد صالح إطيمش، ومحسن إطيمش.

ويعود أصل هذه الأسرة إلى عشيرة البسارجة المتفرّعة من ربيعة. فالشاعر (لم يرث الأدب عن كلالة، فهو من أسرة عربية النجار نبغ فيها الكثيرون في العلم والأدب) (3)

شغف إطيمش بالشعر منذ صغره وكان شديد الاهتمام بقراءة الشعر العربي وكانت قراءته للشعر مقرونة بدراسته حتى أكمل المراحل الابتدائية والثانوية منها في مدينته فالتحق بدار المعلمين الابتدائية في بغداد، وتخرّج منها معلماً.

زاول مهنة التعليم لمدة أربعين عاماً (1926 ــ 1966)، وتنقل في عمله في مدن الشطرة والبصرة والناصرية والنجف الأشرف وكربلاء، وأخيراً انتقل إلى بغداد عام 1963 حتى وفاته فيها ودفن في النجف الأشرف، وكانت ذروة حياته الأدبية في كربلاء.

يقول السيد سلمان هادي آل طعمة: (وكان نزوحه إلى كربلاء بحكم وظيفته في التعليم وبقي أكثر من ربع قرن فيها، وما تزال بقية من أفراد أسرته تقيم فيها وقد أصبح نتاجه الأدبي في هذه الفترة في كربلاء أكثر اتساعاً في الجانب الشعري فقد شهدت له المنابر مواقف مشرفة في المناسبات الدينية والوطنية لما له من منزلة مرموقة في سماء الأدب). (4)

لقد كان لهذا البيت الأدبي ــ إطيمش ــ دور كبير في نبوغه الشعري حيث وجد الحاضنة الأدبية التي نمته واليد التي وجهته توجيهاً أدبياً.

يقول الشيخ موسى الكرباسي: (ومن بيئة الشعر المتمثلة ببيت إطيمش غذى نفسه وزودها بما راق له وطاب فقد أولى كل من الشيخ إبراهيم إطيمش والشيخ أحمد إطيمش اهتماماً ورعاية بالغتين فتخرج على يديهما وأخذ عنهما الشعر حتى برز فيه وأصبح علماً يُشار إليه وكان تحديد نظمه الشعر عام (1349 هـ) (5)

كما كان لتنقلاته في المدن أثراً على صقل مواهبه وتطوير قدراته الأدبية، يقول الكرباسي: (لقد كان لتطوافه بين المدن أثراً كبيراً في صقل مواهبه ودفعه بقوة إلى المجال الأدبي ليصوّر ما تأثرت به باصرتاه من مشاهد ورؤى) (6)

قال عنه الشيخ جعفر محبوبة: (ارتفع علم خفاق من بيت إطيمش ممثلاً بشاعر كبير شغل ذكره الوسط الأدبي وذاع صيته بين صفوف الحركة الأدبية إنه الشاعر الشهير مظهر إطيمش ...) (7)

وعن شعره وشاعريته قال السيد سلمان طعمة: (ومما يذكر من نشاطه إنه انتمى إلى (جمعية الرابطة العلمية الأدبية) في النجف وكان عضواً بارزاً فيها، كما لعب دوراً هاماً للنهوض بالحركة الأدبية في كربلاء في الأربعينات والخمسينات، ويظهر لمن يتتبع أشعاره ويتقصى أخباره أنه من فرسان القريض، يحلق بخياله في جو فسيح، وأكبر دليل على شاعريته، اتساع أفقه وقوة بيانه، وكنا نحن تلاميذه نستلهم كل يوم من التوجيهات وقيم الإبداع أفكاراً جديدة وننهل من ذلك النبع العذب، وهكذا أدى رسالة الحياة على أفضل ما يكون الإداء ...) (8)

وقال الشيخ موسى الكرباسي: (يحفل شعر الأستاذ مظهر بطابع القوة والمتانة وتفيض منه رقة المعاني وجزالة اللفظ وإن شعره ــ وإن غلب عليه طابع التقليد شأنه شأن شعراء زمانه المقلدين ــ سلس واضح بعيد عن التعقيد، فيه مسحة من قوة السبك ورصانة التعبير متأثراً بقوة المتنبي والبحتري، تناول معظم أغراض الشعر وأجاد فيها) (9)

وقد كتب الأديب الناقد الدكتور علي حسين يوسف مقالاً عن أدب الشاعر مظهر إطيمش بعنوان:

(المرثيّة الحسينيّة في شعر( مظهر اطيمش) - الرّؤية والمحور) يقول فيه:

(في ديوان الشاعر مظهر اطيمش (أصداء الحياة) وتحديداً في القسم الأول منه الذي أسماه (نفح الخلود) نجد صوتاً قد اتخذ مساراً مغايراً لمسار القصيدة التقليدية البكائية المعروفة في مراثي الإمام الحسين (عليه السلام).

فالشاعر يتخذ محوراً من محاور الثورة الحسينية المعطاء، عماده رؤيته وإيمانه بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) التي لا بد أن تكون ملهماً لشعب ينشد استقلاله ليعيش برفاهية وسلام، حتى أصبحت هذه الرؤية سمة واضحة في شعره، فهو يقرن تطبيق مبادئ الثورة الحسينية بكمال الأمة لكنه يبدي أسفه لحالها بعد أن اهملت خُطى سيد الشهداء.

وفي الحقيقة إن محاور الرثاء الحسيني بدأت تتعدّد في تلك الفترة ــ أي خمسينيات القرن الماضي ــ بقدر تعدّد أحداث الطف وتعدّد أطرافها وتفاصيلها فما من حدث كان كبيراً أو صغيراً إلا كان مادة فنية صالحة لخلق صورة معبرة ومجسدة لواقع حال ذلك الحدث، لذا فقد كانت مراثي الحسين سجلاً حافلاً بالصور المجسدة لكل ما جرى في معركة الطف، وإن كانت تلك المعركة أكبر من أن تستوعب في معنى لفظي ذي أبعاد محدودة وأعظم من أن تقاس بمقياس بشري وقد استمد الشاعر مظهر اطيمش من هذه الواقعة المبادئ العظيمة التي جسدها سيد الشهداء في كربلاء فيبدي رؤيته عن الهدف النبيل الذي قام من أجله سيد الشهداء يقول:

إنِّها ذكرى تسامتْ      بالإبا معنىً ومبنى

إنّها ذكرى صراعٍ      هدَّ للطغيانِ حِصنا

إنَّها ذكرى حُـمــاةٍ      لهمُ الأعناقُ تُحنى

فهذه الأبيات تدل بوضوح على رؤية الشاعر تجاه قضية الحسين والتمسك بمبادئها السامية، ثم يبدي أسفه لتهاون الأمة في تطبيق هذه المبادئ فيقول متحسِّراً:

آهِ لو أنّـا رشـفـنــا      من لُـمـاها وارتوينا

وتنسمنا الشذى الـ     ـعـلويَّ منها ونشقنا

لـبـلـغـنـا ذروةَ الـ     ـمجدِ وبالتخليدِ فُزنا

وعلى العالمِ طُراً      قـصبَ السبقِ لحُزنا

فالشاعر يؤكد أن ما يوجد من سلبيات يمكن أن يُعزى إلى إهمال دروس الثورة الحسينية وقد جمع الشاعر بين الشكوى والتحسّر على ما وصل إليه واقع الأمة جرّاء إهمالها لتلك الثورة العظيمة التي لم يستثمرها أبناء العصر من أجل بناء مجتمع مثالي:

كم لنا فـيـها عظاتٌ      ليتنا فيها اتّعظنا

وتـرسَّـمـنـا طريـقاً      خطه السبط إلينا

لعرفنا كـيـف نـبني      وطـنـاً فيه خُلقنا

وعلمنا كيف نُنشي      أمّـةَ الـمجدِ لنهنا

فالشاعر يحاول أن يشخّص الداء وهو عنده يتمثل بالابتعاد عن منهج الثورة الحسينية، فهو ينظر للواقع العراقي آنذاك بعيون نقدية من خلال تشخيصه لما يعاني منه المجتمع ومن خلال الشكوى واستنهاض الأمة فإنه حريص على سلامة المجتمع حرصاً نابعاً من عقيدة راسخة وإيمان مطلق بأن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام ) تمثل المعادل الموضوعي لرسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) السامية حينما صدح بأمر الله بتحرير الإنسان من العبودية والقهر ونبذ الأصنام) (10)

مؤلفاته

لم يقتصر عطاء إطيمش على الشعر بل ترك عدة كتب ودراسات ولكنها ــ للأسف بقيت مخطوطة ولم يطبع له سوى جزأين من ديوانه أصداء الحياة وهذه أعماله الشعرية والنثرية:

1 ــ أصداء الحياة / (ديوان شعر) بثلاثة أجزاء طبع منها جزآن

2 ــ من وحي القلم / مجموعة مقالات

3 ــ أمير المحدثين بشار بن برد

4 ــ الفراهيدي

5 ــ ابن عباد

6 ــ وحي السجون

7 ــ الشاعر ابن عمار (11)

وتدل هذه المؤلفات على سعة ثقافته وإلمامه بالتاريخ الأدبي العربي

شعره

جاء في معجم البابطين: (يدور شعره حول قضايا أمته العربية التي آمن بوحدتها وبفكر قادتها التحرري. ينحاز للكادحين من العمال والفلاحين، وينبذ الإقطاع، وله شعر في رفض دعاوي الطائفية والتخريب، كما كتب في الرثاء الذي اختص به الأدباء والشعراء على زمانه. كما كتب في الإشادة بدور المعلم، وله في المعارضة الشعرية. يميل إلى التجريد واستخدام الرمز).(12)

يقول من قصيدة (يا خاتم الرسل) وهي في ولادة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) تبلغ (62) بيتاً وقد ألقاها في حفل بالمناسبة أقامته ثانوية كربلاء عام (1948):

يومٌ بمولدِ خيرِ الـرسـلِ أفضلهم      مـخــلّـدٌ وبـهِ الأجـيـالُ تـفـتـخـرُ

يــومٌ بـهِ أشـرقـتْ أنوارُه فزهتْ      دنيا الأنامِ وفيهِ استبشرَ الـحجرُ

يـومٌ تـألّـقَ فـي الـعـلـيـاءِ كوكبُه      لعالمٍ يـحـتـويـهِ الـرَّنـقُ والـكدرُ

كيما تُزالُ دياجيرُ الـضـلالِ بـهِ      ويـعدمُ البؤسُ والإملاقُ والحذرُ

يا منقذَ العُربِ من هولٍ ألمَّ بهمْ      ضاقـتْ بأوصافهِ الألبابُ والفكرُ

شركٌ وجهلٌ وعاداتٌ مبغّـضـةٌ      للنفسِ لم ترضِها الأديانُ والسِّيَرُ

وكانَ للحقدِ فـيـمـا بينـهـمْ وجـرٌ      حتى سطعتَ فلا حقدٌ ولا وجـرُ

شيَّدتَ مجداً إليهمْ لا يضعضعه      مـرُّ الـكوارثِ والأحداثُ والغِيرُ

أساسُـه الـعـدلُ والتقوى دعائمُه     وبالـمـفـاخـرِ والإصلاحِ يزدهرُ

شريعةٌ بالإخا أحكامُها نـطـقـتْ      وبـالـعـدالـةِ فـيـها يـستوي البشرُ (13)

وقال من قصيدة (يا خير من سبر الوجود) وهي في ولادته (صلى الله عليه وآله) أيضاً وتبلغ (36) بيتا وقد ألقاها الشاعر في الصحن الحسيني الشريف في احتفال بالمناسبة عام (1952):

يا خيرَ من سبرَ الوجـودَ بفكرةٍ      عـلـويَّـةٍ كـسـتِ الـوجـودَ وجودا

الشركُ قوَّضَ مـن سناكَ خيامَه      فـنـأى يـقـلّـبُ راحـتـيـهِ طـريـدا

جـئـتَ الـحياةَ وكانَ يفخرُ أهلُها      بالوأدِ والفتكِ الـبغيـضِ عـهـودا

وقريشُ لم ترضَ السجودَ لربِّها      وتخرُّ للهبلِ الـخـلـيــقِ سـجـودا

والـجـهـلُ يلقي بالنفوسِ لحاصدٍ      أشرٍ تهونُ به الـنـفـوسُ حصيدا

وإلى الـشـقـاءِ أمـائـرٌ ومـعـالــمٌ      تـغـشـى الـقـبائلَ سـائداً ومسودا

حـتى طلعتَ طلوعَ فجرٍ صادقٍ      يـزجـي الـحـياةَ سلامةً وسعودا

فـتـرقـرقـتْ منها العيونُ بدمعةٍ      خـرسـاءَ حـبَّـاً فـي لـقـاكَ شـديدا

أطفأتَ من عـاداتِـهـا وخـلافِـها      ما كانَ يسترُ في الضلوعِ حُقودا

وبذرتَ فيها ما يـطـيبُ أزاهراً      وقـلـعـتَ مـنـهـا ما يميتُ ورودا (14)

وقال من قصيدة (أأبا تراب) وتبلغ (60) بيتاً وقد ألقاها الشاعر في احتفال بمولد أمير المؤمنين (عليه السلام) في كربلاء عام (1950):

أأبـا الأئـمـةِ والأئـمـةُ شـعـلـــــــــةٌ      لـلـحـقِّ قـد خـلـقـتْ مـناراً هاديا

لـولا ادّكـارِكَ يــا مـديـلاً سـيـــفَــه      صرحَ الغوايةِ ما سـكـبتُ فؤاديا

شـعـراً يـفـيـضُ مـن الخلودِ عبائراً      فيصيبُ من كبدِ الضلالِ مراميا

ولـمـا تـفـجَّـرتِ الـخـواطــرُ ثـــرَّةٌ      بـالـسـانـحـاتِ الـعـابـقـاتِ أمـانيا

قـسـمـاً بـحـبِّـكَ يـا يـمـيـنَ مـحـمـدٍ      والـطـيـبـيـنَ مـقـاصـداً ومساعـيا

يـا خـيـرَ مـن حفظَ الرسالةَ سمحةً      وبـنـى لـهـا مـجـداً تـلـيـداً سـامـيا

وأقـامَ لـلـعـدلِ الـمُــهَــدَّ كـيــــانُــه      صـرحـاً يـفـيـضُ تـوادُداً وتـآخـيا

ولأنـتَ يـا عَـضُـدَ الـنـبـيِّ وصنوُه      مـثـلٌ أطـلَّ عـلـى الـعـدالـةِ رانيا

بـلـغـتْ بـعـهـدِكَ لـلـكـمـالِ مـراتباً      عـلـيـاءَ وارفـةَ الـظـلالِ زواهـيا

فـي الـحـقِّ لـم تـأخـذكَ لـومـةَ لائمٍ      كـلا وإن كـانَ الـمُـدانُ مُـؤاخـيـا

فـإذا حـكـمـتَ فـلا شـفاعةَ تُرتـجى      لـمـؤمِّـلٍ كـان الـقـويَّ الـجـانـيـا

يـا أيُّـهـا الـنـبـأ الـعـظـيـمُ تـحـيـــةً      صـغـتُ الـقريضَ بها نزيفاً داميا

أوضحتُ فيها ما يجوسُ بخاطري      صـوراً بـأبـهـاءِ الـوفـاءِ حـوالـيا

وأتـيـتُ أزجـيـهـا إلـيـكَ خــريــدةً      ضمَّتْ شـعوري صادقاً وولائـيـا (15)

وقال من قصيدة (قبس من الذكرى) وهي في مولد أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا وتبلغ (33) بيتا وقد ألقاها الشاعر في الصحن الحسيني الشريف بالمناسبة عام (1953)

فـلـولاهُ ضـلَّ الـحـافـظـونَ ذمــامَــهـم      طريقَ المعالي لا خلوداً ولا ذكـرا

فـمـا ضـلَّ مـن أمـسـى وصـيُّ مـحـمدٍ      له المثلُ الأعلى ولا جانبَ الفخرا

ولا ضـلَّ مـن كـانـتْ شـريـعـةُ أحـمـدٍ      لـه رائـداً كـلّا ولا عـدمَ الـخـيــرا

هيَ الشرعةُ السمحاءُ جاءتْ فروَّضتْ      نـفـوسـاً لـنـا مـن قبلِ مملوءةً كُبرا

أطـلّـيْ عـلـى الأرواحِ يـا روحَ حيـدرٍ      بإشعاعةٍ تهدي النفوسَ وكي تبرى

وبـثّـي بـنـا روحـاً تـفـيـضُ مـحـامــداً      من الشيمِ الغرَّاءِ واستأصليْ الشرَّا

لـنـنـشـي بـهـا جـيـلاً ووعـيـاً عـليهما      يعوَّلُ إن خطبٌ دهى الأمّةَ الكبرى

فـفـي الـجـيـلِ لـلأوطـانِ عـزٌّ ومُـنعةٌ      ونـدفـعُ بـالوعي الخطوبَ إذا تترى

سـلامٌ أبـا الـسـبـطـيـنِ مـن فـمِ شاعرٍ      إلــيـكَ أتـى يُزجـي تـحـيَّـتَـه شـعـرا

بـمـيـلادِكَ الـمـيـمـونِ جـلّـلـهُ الـهُـدى      مـفاخرَ ما انـفـكّـتْ لـنـا مُـثـلاً غُـرَّا (16)

وقال من قصيدة (أبا حسن) وهي في مولده (عليه السلام) وتبلغ (59) بيتا وقد ألقاها في محفل بالمناسبة:

أميرُ المؤمنينَ وأنتَ روضٌ      تضوَّعَ بالمروءاتِ الـحسانِ

وأوّلُ من سما بالروحِ علماً      بـجوهرِها إلى أقصى مـكانِ

فأنشدَ من معانيها الـحـسانِ      بـنـهـجٍ لـلـبـلاغـةِ والـبــيـانِ

فلولا نهجُكَ الوضَّاحُ نهـجاً      بهِ الآيـاتُ مـحـكـمـةُ الـبـيانِ

إلى البلغاءِ لمَّا كـانَ نـهـجاً      يدرُّ عـلـيـهـمُ غُـررُ الـمعاني

فللحكمِ الـيـتـيـمـةِ كانَ نبعاً      وعيناً مالها في الأرضِ ثاني

تخرُّ له فـلاسـفـةُ الـزمــانِ      ويـقـصـرُ مـن مـداهُ العالمانِ

ويا غرَّ الشمائلِ واضحاتٍ      وضوحُ النيرينِ مدى الزمانِ

إذا مـا رفَّ في جنبيَّ حبٌّ      وتـهـيـامٌ رفــيـفُ الأقـحــوانِ

سكـبتُ رسيسَه شعراً علياً      إلـيـكَ وصـغـتُـه عـذبَ البيانِ

لأزجـيـهِ إلـيـكَ أبـا تـرابٍ      وخـيـرَ الـنـاسِ مـن حيٍّ وفانِ

دليلاً للولاءِ المحـضِ منّي     وللحبِّ المرفرفِ في الحواني (17)

وقال من قصيدة (أأبا حسن) وتبلغ (48) بيتاً:

أأبـا الـحـسـيــنِ ومـا تـحـيَّــرَ كـاتـبٌ      يـومـاً بـتـعـدادِ الـخـلالِ ومـلهمِ

إلا خــلالاً مـــيَّــزتـــكَ عـن الـورى      عجزَ الخيالُ لحصرِها والمرقمُ

فـلـذا شـطـطـتُ عـن المدى ودروبِه      عـلـمـاً بـأنّـي فـي الـتـحيُّرِ منهمُ

ولأنَّ لـي وطـنـاً تـنـاهـبَ غـاصــبٌ      نـعـمـاءَه وعـثـاً ولا مــنْ يـنـقـمُ

إمّا شـطـطتُ عــن الـمـدى فـلأنَّـنـي      يـا صـنـوَ خـيـرِ الأنـبـيـاءِ مُتيَّمُ

حـجـجٌ كـثـيـراتُ الـشقاءِ قـطـعـتُـهـا      مُـتـألّـمـاً والـشـاعــرُ الـمـتـألّــمُ

الـشـاعـرُ الـحـسَّـاسُ من غمرِ الشقا      إحـسـاسُـه لا الـشـاعـرُ الـمتنعّمُ

فالشعرُ ــ يا عَضُدَ النبيِّ ــ عواطفٌ      جـيَّـاشـةٌ تـلـجُ الـفـؤادَ وتـقــحـمُ

ومـسـيـلُ قـلـبٍ أرهــفــتــه حـيــاتُه      حـسَّاً يفيضُ على اللسانِ فيسجمُ (18)

وقال من قصيدة (يا جراح الوصي) وهي في رثائه (عليه السلام) وتبلغ (31) بيتاً:

إيهِ دارُ الـوصـيِّ حـيـدرةَ الـطـهـ     ـرِ ويا مـجـمـعَ الأبـــاةِ الـصيدِ

أيَّ غـدرٍ جـرى بـسـاحـتِـكَ الـفيـ     ـحا عـظـيمٍ وأيِّ خـطـبٍ هـدودِ

أيَّ جـرحٍ أبـكـى الـعـيونَ وأدمى      كـلَّ قــلـبٍ بـيـومِـهِ الـمـشـهـودِ

مـا وعـاهُ الـوجـودُ حـتـى تــردّى      بعدَ بيضِ البرودِ سودَ الـبـرودِ

كمْ شجاكِ المصابُ بنتِ الأعاريـ     ـبِ ويا موطنَ ازدحامِ الـوفـودِ

سـائـلـي الأرضَ هـلْ تبقّى عليها      كـعـلـيٍّ عـمـيـدِهـا مـن عـمـيـدِ

أعـلـيـهـا شـمـائـــــــلٌ وصـفـاتٌ      كـصـفـاتٍ إلـى الإمـامِ الرشـيـدِ

ألـديـهـا مـفـــــاخـرٌ حـفـظـتــهــا      بين أغمادِها المواضـي الـحدودِ

من سقى الأرضَ يـومَ بدرٍ وأحدٍ      مِن دمِ الشركِ تحتَ خفقِ البنودِ

من رأى الـلـيثَ ضـرَّجته المنايا      بـالـدمـا وهو مُمعِنٌ في السجودِ (19)

وقال من قصيدة (عيد الغدير) وتبلغ (29) بيتاً وقد ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقامته جمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف بالمناسبة عام (1943)

أبلغْ نفوساً على الشحناءِ قد جُـبِـلـتْ      بـأيِّ شـرعٍ وحـقٍّ حـقَّـه اغـتـصـبـــوا

وأمـرهُ كـجـبـيـنِ الـشـمـسِ مُـتّضحٌ      هلْ يُنكرُ الشمسَ في رأدِ الضحى نجبُ

واسـألـهـمُ بـعـدَ إيـضـاحِ الـنبيِّ لهمْ      عـن الـولايـةِ لِـمْ حـادوا ولِـمْ نـكـبــــوا

ماذا يجيبونَ يومَ الحشرِ إن سُـئـلـوا      أخـزاهـمُ اللهُ فـي الـدنـيـا بـمـا كـسـبـوا

إنـكـارهـمْ يـا أمـيـرَ الـمـؤمـنينَ لها      عـارٌ بـه اتّـشـحـوا، ذنـبٌ لـه ارتـكـبوا

ألـسـتَ أسـبـقـهـمْ لـلـديـنِ أحـصفهمْ      رأيـاً وأبـلـغـهـمْ بـالـقـولِ إن خــطـبـوا

ألـسـتَ أسـمـحـهـمْ كـفّـاً وأمـنـعـهـم      جـاراً وأعـرقـهـمْ مـجـداً إذا انـتـسـبـوا

أمّـا الـشـجـاعـةَ سلْ عنها مشاهدَها      فـسـوفَ تُـنـبـيكَ عنها السمرُ والقُضبُ

تروي له صفحاتِ الدهرِ ما شهدتْ      مـن الـوقـائـعِ مـا تـعـيـا بـه الـخـطــبُ

تـلـكَ الـمـلاحـمُ تُـنـبـي عـن مواقِفِهِ      كـمـا عـن الـلـيـثِ يُـنـبـي غابَه الأشبُ (20)

أما في سيد الشهداء (عليه السلام) فللشاعر قصائد كثيرة وهذه نماذج منها، يقول من قصيدة (نصير الحق) وتبلغ (40) بيتاً:

أبـا الـشـهـداءِ يـا مَـن قـد تـربى      بـحـجـرِ مـحـمـدٍ نلتَ المُرادا

فـلـلـحـقِّ الـصِّـراحِ بـذلـتَ نفساً      زكتْ أصلاً كما طابتْ جهادا

ولـمَّـا لـــــــمْ تـجـدْ إلّا الـمـنـايـا      لمحقِ الظلمِ أرخصتَ الفؤادا

فـلـولا الـحـقُّ مــا سـالـتْ دمـاءٌ      مِن الأحرارِ لم تـرضَ انقيادا

ولولا الـحـقُّ ما صُرعتْ نفوسٌ      لـديـنِ مـحـمـدٍ كـانـتْ عِـمادا

أبـتْ أن تـنـظرَ الإسـلامَ يـلـهـو      بـهِ غُـرُّ عـن الإســلامِ حــادا

فـمـا وهـنـتْ عـزائـمهمْ ولانـتْ      فـقـدْ ظـلّـتْ عـرائِـكـهمْ شِدادا

إذا نـظـرتـكَ عـن كـثبٍ وقُـربٍ      أحـسَّـتْ فـي عـزيـمتِها اتّقادا

شهيدُ الطفِّ قد زعزعتَ عرشاً      لآلِ أمـيَّــةٍ فــغـــدا بـــــــدادا

وآبـوا بـعـد قـتـلِـكَ بـالـمـخازي      مـخـلّـدةً كـمـا سـاؤوا مــعـادا

ثـلـلـتَ عـروشـهـمْ وبنيتَ مجداً      عـلى رغمِ العِدى زادَ امتدادا (21)

وقال من قصيدة (الذكريات الدامية) والتي تبلغ (86) بيتاً وقد ألقاها الشاعر في الروضة الحسينية المطهرة في الحفل الذي أقامه شباب كربلاء في محرم عام (1942)

 إنَّـهـا ذكـرى إمـــــامٍ      جـلَّ فـي الـتاريخِ شأنا

غـمــرَ الأكـوانَ طـرَّاً      بـالـبـطـولاتِ فـأغــنى

ولـقـدْ خـطّ إلـى الأجـ     ـيـالِ آيـاتٍ وســـــــنّــا

بالدمِ الـمـهراقِ مُنصـ     ـبَّاً على البطحاءِ مُـزنا

فـي سجلِ المجدِ تبقى      لـكـفـاحِ الـظـلـمِ لـحـنـا

هـدَّ فـيـهـا لـلـغـوايـــا      تِ صـروحـاً كُـنَّ وكنا

أصحرَ الليثُ السبنتى      نـاصـراً لـلـحـقِّ عـونـا

بـغـلابٍ أثـقـلوا الأعـ     ـداءَ فـي الـهـيجاءِ طعنا

وسـمـاحٍ غـلبوا الأجـ     ـوادَ آلاءً ومِـــــــنّـــــــا

نـثـروا هـامَ الأعـادي      بالمواضي البيضِ عهنا (22)

وقال من قصيدته (يا مصحراً نحو العراق) والتي قدمناها وتبلغ (54) بيتاً:

يا مصحراً نحوَ العراقِ ومُلـقـياً      في الطفِّ أمراساً له ومَراسيا

لولا الفضيلةُ ما هجرتَ مَوَاطناً      شرفتْ بأحـمـدَ مـربعاً ومغانيا

بـأغـالـبٍ شـمِّ الأنـوفِ تـمـلّـكوا      ما فـي الـحياةِ مفاخراً ومعاليا

فتواكبوا للمجدِ يـدفـعُ بـعـضُـهم      بعضاً وقد جعلوا الخلودَ أمانيا

ومـضـوا كـرامـاً طيِّبينَ وخلّفوا      ذكـراً حميداً بالـبـطـولةِ نـاديـا

همْ صـفـوةُ اللهِ الـتـي أوحـى لها      وبخلقِها نطقَ الـكـتـابَ مُباهيا

قـسـمـاً بحبِّكَ والوصيِّ وأحـمـدٍ      والـذاهـبـيـنَ لـنـا مـناراً هـاديا

لـولا كـفـاحُـكَ لـلـضـلالِ وأهلِهِ     ما كانَ ديـنُ الأريـحـيـةِ بـاقـيا

ولطوَّحتْ في المسلمينِ عصابةٌ      هوجـاءَ بـوَّأتِ الـخـلافـةَ باغيا

رامـتْ بـذلـكَ أن تـبـلَّ غـلـيـلَها     بدمٍ أرِيقَ بـ (كربلاء) مـجاريا

زعـمـتْ بـأنَّ الـدينَ سوَّغَ قتلها      فـعـدتْ عليه مواضياً وعـواليا

ثمَّ انـثـنـتْ لـكَ كـي تـبـايـعَ آبقاً      في الـشامِ فاقَ الآبقينَ مـخازيا

وقال من قصيدة (أبا الشهداء) التي تبلغ (32) بيتاً:

أبا الشهداءِ يـا سـبـطَ الـنـبيِّ      ويا أرجَ الـفـضائلِ من عـليِّ

ويـا نـفـحَ الـبتولِ ويا شذاها      وإشـعـاعَ الـمـفاخرِ مِن لـويِّ

ويا ابنَ الطيبينَ من الأوالي      أناروا لـلـورى سُـبُـلَ الـرقيِّ

ويا روحاً تـعـشّـقـتِ الـمنايا      لـتـزهـقَ بعدها روحَ الـغويِّ

ورمـزاً لـلـبـطولةِ لمْ يروَّعْ      بجيشِ السالبينَ حـمــى الـنبيِّ

ونبراساً ينيرُ لـنـا الـديـاجي      إذا سـرنـا إلـى الأمـلِ البـهيِّ

صريعَ الحقِّ يا بطلاً كـمـيَّاً      تـحـدّى كـلَّ جــبـارٍ كمـــــيِّ

تـحـدّيـتَ الـطغاةَ وهمْ أناسٌ      أحـطّ طـبـائـعـاً مـن كلِّ حيِّ

لـتبلغها دروسـاً واضـحـاتٍ      إلى الأجيالِ من دمِكَ الزكيِّ

دروسـاً بـالدلائلِ واضحاتٍ      إلـى الأجـيالِ والـخلقِ العليِّ (23)

........................................................................

1 ــ ديوان الشاعر مظهر إطيمش، أصداء الحياة ــ القسم الأول ــ نفح الخلود ــ مطبعة الراعي ــ بغداد 1274 هـ / 1954 م ص 86 ــ 93

2 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 16 / شعراء كربلاء ج 6 ص 34

3 ــ شعراء كربلاء / السيد سلمان آل طعمة ج 6 ص 34

4 ــ نفس المصدر والصفحة

5 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 111

6 ــ نفس المصدر والصفحة

7 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 16

8 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 35

9 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 112

10 ــ جريدة الشرق بتاريخ 11 / 11 / 2015

11 ــ معجم البابطين المجلد 1 ص 7344

12 ــ نفس المصدر

13 ــ ديوانه أصداء الحياة ــ القسم الأول ــ نفح الخلود ص 8 ــ 16

14 ــ نفس المصدر ص 17 ــ 22

15 ــ نفس المصدر ص 23 ــ 31

16 ــ نفس المصدر ص 32 ــ 37

17 ــ نفس المصدر ص 38 ــ 46

18 ــ نفس المصدر ص 47 ــ 53

19 ــ نفس المصدر ص 54 ــ 58

20 ــ نفس المصدر ص 59 ــ 63

21 ــ نفس المصدر ص 67 ــ 72

22 ــ نفس المصدر ص 73 ــ 85

23 ــ نفس المصدر ص 94 ــ 98

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار