إلى روح الفقيد العظيم الخطيب السيد جاسم الطويرجاوي رحمه الله
شربناكَ مذ كُنّا جـراراً صـغـيـرةً *** ونـعيُكَ فـي أعمـاقِنـا شهقةُ النَّهْرِ
وكـنـا حَواريّـيـنَ ، فـي كـلِّ لـيلةٍ *** نُـحِـسُّ عـلى أجـسـادِنا ليلةَ القدرِ
وكانتْ أغاني الطفِّ نعناعَ ذوقِنا *** فـليسَ لـنـا إلا التكدُّسُ في العطرِ
وصوتُكَ يا للصوتِ كانَ يريدُنا ** أرقَّ عـلى النـجوى وأقلقَ في الفكرِ
وأفصحَ لو قالَ الحسينُ قصيدةً *** وأفـدحَ لو أجرى دماً خارجَ الشعرِ
أتذكرُ إذ موّالُ حـزنـِكَ غـيمةٌ *** إذا كـنتَ .. فاسكبْها على يبسِ القبرِ
وخذْ من دموعِ الناسِ، يومَ اقترحتَهم * مكاسيرَ مقتولينَ من قلةِ الصبرِ
وخذْ من أكفَّ الأمهاتِ حمائماً *** تَدُلُّكَ .. أنتَ الآنَ وحدَكَ لا تدري
وخُذْ من يشاميغِ المهولينَ شجوَهمْ ** لتـخلُقَ ما يبدو على هيأةِ الجسرِ
ستـعـبـرُ يـا قـوسَ الـبكاءِ أصابعاً *** كم انكسرتْ لحناً على وتَرٍ وِتْرِ
أسـتـونَ أم سـبعـونَ أم أنَّ ظـالماً *** على سنواتِ العمرِ يحفِلُ بالعمرِ
وحسبُ الفتى حينَ الحسينُ ختامُهُ ** ومطلعُهُ .. فلتنزِلنْ سورةُ النصرِ
أنـشـتـدُّ شـوقـاً كـيْ نـعـيـدَكَ بيننا *** أم انّـا يُـسَـلِّـينـا امتزاجُكَ بالدَّهْرِ
ستَبلى الأغـاني ديـنُها ومَدينُها *** وتفنى الدعاوى من جليدٍ ومن جمرِ
ووجهُكَ في أسطورةِ الطفِّ خيمةٌ *** بـهـا زيـنبٌ تـفـتكُّ سلسلةَ الأسرِ
وأعذبُ ما أبـقـيـتَ أنـكَ خـاطـرٌ *** كـكـلِّ الـعـراقـيـيـنَ أقـربُ للكسرِ
كأنك تستوحي من القصبِ الأسى *** وتـطـلـقُهُ فـوقَ الـمـنـابرِ كالطيرِ
وتشدو الهوى الكوفيَّ ثمَّ تشُمُّهُ **وترميهِ كي ينداحَ في الأفقِ البصري
وتدعو إليكَ الوجدَ من أخرياتِهِ *** كـنـورسـةٍ تـبـتـزُّهـا زُرقـةُ الـبـحرِ
أكونُ صريحاً .. لم أفكّرْ للحظةٍ رثاءَكَ . لا أعني انعزالَكَ عن شعري
ولكنني أنـكـرتُ أن يـذبُـلَ امـرؤٌ *** مـسـاحـتُـهُ بـيـنَ التـخَيُّلِ والسِّحْرِ
وأعجبَني استقرارُهُ فـوقَ مـنـبـرٍ *** يـهـزُّ الفراعينَ الملوكَ من الذُّعْرِ
كـأنَّ بـهِ للهِ سـيـفـاً مـجـرَّداً *** مـنـايـا بـنـي مـروانَ مـن حـدِّهِ تـجري
وما هُوَ .. بل رَيبانِ ، عزمٌ وحيرةٌ *** وبـيـنَهما مجروحةٌ جبهةُ الفجرِ
وغـرفـةُ تـوقـيـفِ الزمانِ وقسرِهِ *** لـيـخـتـارَ بـينَ اثنينِ خاتمةَ الأمرِ
ويـنـزعَ لا مُـلـغـىً وغـيـرَ مُـلـقَّنٍ *** بـقيةَ روحِ الحرِّ من جسدِ الشِّمْرِ
أناعيةَ الـزهـراءِ مـا مِـتَّ .. إنـما *** قـد انـتثرتْ في الجوِّ آنيةُ الزَّهرِ
وما انـغـلقتْ عيناكَ إلا لكي ترى *** حـبـيـبَـكَ مغسولاً بأدمُعِكَ الحُمْرِ
ولـم أتـفـاجـأْ أنـنـي الآنَ شـاعـرٌ *** يُداهِمُهُ الحزنُ المفاجئُ والمغري
لأنـي يطولُ الصمتُ فيَّ وأدَّعي *** تهشُّمَ أجسادِ القصائدِ في صدري
وأولـدُ مـجـنـوناً وأخـرجُ من فمي *** وآخـذُ إيـمـانـي القليلَ إلى الكفرِمهدي النهيري
اترك تعليق