دعبل الخزاعي: (148 ــ 246 هـ / 765 ـــ 860 م)
قال من قصيدة تبلغ (17) بيتاً يقول:
سقى الله أجــداثاً على طفِّ (كربلا) مـرابـعَ أمــطــارٍ مـن المزناتِ
وصلى على روحِ الحسينِ وجسمِه طريحاً لدى النهرينِ في الفلواتِ
قـتـيـلاً بـلا جـرمٍ فُـجِــعنـــــا بفقدِه فريداً ينـــــادي أين أين حماتي ؟ (1)
وقال من تائيته المشهورة التي تبلغ (115) بيتاً:
قبورٌ بجنبِ النهرِ من أرضِ (كربلا) معرَّسـهـمْ منها بـشـطِ فراتِ
تـوفّــوا عـطـاشى بـالـفـــراتِ فليتني توفَّـيتُ فيهم قبـلَ حينِ وفاتي
إلى اللهِ أشكو لوعةً عندَ ذكــرِهــــــمْ سقتني بكأسِ الذلِّ والفظعاتِ (2)
وقال من قصيدة تبلغ (11) بيتاً:
كمْ قد أرِيقتْ أدمعٌ وتقطّعتْ مِن ذكرِكمْ في (كربلاء) نفوسُ
صبراً موالينا فسوفَ يديلكمْ يــــــومٌ على آلِ اللعينِ عَبوسُ
ما زلتُ مُتَّبِعـاً لكم ولإمرِكمْ وعلـيهِ نفسي ما حييتُ أسوسُ (3)
قال من قصيدة تبلغ (35) بيتاً:
أنسيتَ قتلَ المصطفينَ بـ (كربلا) حولَ الحسينِ ذبائحٌ لم يلحدوا؟
أنسيتَ إذ صــــــارتْ اليهِ كتائبٌ فـيها ابنُ سعدٍ والطغاةُ الجُحَّدُ؟
فسقوهُ من جُرعِ الحتوفِ، بمشهدٍ كـثر العـــــــدوُّ به وقلَّ المُسعِدُ (4)
الشاعر:
دعبل الخزاعي، من كبار شعراء أهل البيت (عليهم السلام)، أفنى عمره الذي قارب المائة عام في موالاتهم والتمسّك بمودتهم والسير على منهجهم حتى مضى شهيداً على حبهم.
عاش في الكوفة وألِف مجالسها بما فيها من علم وأدب وقد امتاز عصره بأنه عصر حافل بكبار الأدباء والشعراء أمثال الجاحظ، وأبي نؤاس، وأبي تمام، والبحتري، ومسلم بن الوليد، وغيرهم.
انتقل دعبل إلى بغداد واجتمع وهو غلام بمسلم بن الوليد الذي اقترن اسم دعبل به فكانا على مستوى واحد في الألفة وحفظ الوداد، وقد شجعه مسلم على قول الشعر (5) ولما كانت الحرب دائرة بين الأمين والمأمون، ذهب دعبل إلى مكة للحج ثم تحوّل إلى مصر ومرّ بالشام ثم إلى العراق ومنها إلى خراسان وفيها التقى بالإمام الرضا (عليه السلام) فأنشده قصيدته التائية الشهيرة (مدارس آيات) وأخيراً نزل البصرة ومنها إلى الاهواز لتكون نهاية حياته الضخمة الطويلة المليئة بالأحداث.
كان دعبل شاعراً ملء إهابه، عاصر ستة من خلفاء بني العباس وله مع كل واحد منهم قصص وقصص فضلاً عن قصصه مع وزرائهم وقوّادهم, ففي كل قصة يظهر دعبل مخازيهم ومساوئهم وجرائمهم ويجاهر بفضائل أهل البيت وينادي بحقهم المغتصب. وطال به العمر حتى أطلق كلمته العظيمة التي سجّلها له التاريخ بحروف الخلود: (لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك). (6)
فهو يدافع بلسانه ما استطاع ولو دُعيَ لحمل السلاح لما تأخّر, بل ويصّرح بذلك في تائيته الشهيرة بقوله:
فإن قرّبَ الرحمنُ من تلكَ مدَّتي وأخّرَ من عمري لطولِ حياتي
شفيتُ ولــــم أتركْ لنفسيْ رزيّةً وروّيـتُ منهم منصــلي وقناتي
ويدلنا قول الوزير محمد بن عبد الملك الزيات على استماتة دعبل في الدفاع عن قضية أهل البيت (عليهم السلام) عندما عُوتب على السكوت عن دعبل وهو يهجو بني العباس وقوادهم ووزراءهم ؟ فقال: (إن دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة وهو لا يبالي) (7)
اسمه ونسبه وأسرته
قيل: اسمه محمد (8) وقيل: الحسن (9)، وروي عن ابن أخيه إسماعيل بن علي بن علي إن اسمه: عبد الرحمن (10) لكنه لم يعرف بهذه الأسماء بل عُرف باسم دعبل، أما دعبل فقد اتفقت المصادر على أنه لقبه، وقيل في سببه: إنما لقبته دايته دعبلاً لدعابة كانت فيه فأرادت ذعبلاً فقلبت الذال دالاً (11)
أما نسبه فقيل هو: دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر (خزاعة) بن مزيقياء (12).
وقيل هو: دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي بن عامر بن مازن ابن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي. (13)
وقال الحموي: وعلى هذا الأكثر.
وقد أيد السيد محمد على الأبطحي رأي الحموي في نسبه هذا وأكد نسبه للصحابي الجليل بديل بن ورقاء (14)
أما عن الاختلاف في اسمه فتقول الباحثة سندس قاسم عبد الله: (ويبدو أن هـذا الإختلاف في الإسم يعود إلى أسـباب عـدة ــ بحسـب رأي الباحثة ــ مـن أبرزها:
عزوف الشاعر نفسه عن التصريح باسمه، إذ لم يذكر الشاعر ــ فيما وصل إلينا من شعره ــ حقيقة اسـمه أو كنيته، زيادة على ذلك لم يتناه إلى أسماعنا أن أحد أقرانه قـد وسمه أو كنّاه على الرغم من انه من أسرة كانت لها مكانة معروفـة في المجتمع العباسي آنذاك.
ومن الممكن أن نزيد أيضا انه أخفاه لأسـباب نفسية ولا سيما إذا عرفنا أنه كان لا يبالي بذكر أسـمه أكثر من ذكر ولائه لآل البيـت عليهم السلام، لكونه قـد ركز على افتخاره بهذا الولاء دون الإسم أو العشـرة) (15)
نشأ دعبل في بيت علم وأدب ودين وولاء، قال ابن رشيق: (شبّ في بيت اختص بالشعر) (16)، وقال الشيخ عبد الحسين الأميني: (بيت رزين بيت علم وفضل وأدب وإن خصّه ابن رشيق في عمدته بالشعر، فإن فيهم محدثون وشعراء، وفيهم السؤدد والشرف، وكل الفضل والفضيلة ببركة دعاء النبي الأطهر لجدهم الأعلى: بديل بن ورقاء لما أوقفه العباس بن عبد المطلب يوم الفتح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله: وقال: يا رسول الله؟ هذا يوم قد شرفت فيه قوماً فما بال خالك بديل بن ورقاء؟! وهو قعيد حبه. قال النبي صلى الله عليه وآله:
أحسر عن حاجبيك يا بديل؟ فحسر عنهما وحدر لثامه فرأى سواداً بعارضه فقال: كم سنوك يا بديل؟! فقال: سبع وتسعون يا رسول الله؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وقال: زادك الله جمالاً وسواداً وأمتعك وولدك) (17)
ثم يقول الأميني: (ومؤسس شرفهم الباذخ: البطل العظيم عبد الله بن ورقاء الذي كان هو وأخواه عبد الرحمن ومحمد رسل رسول الله صلى الله وآله وسلم إلى اليمن كما في رجال الشيخ. وكانوا هم وأخوهم عثمان من فرسان مولانا أمير المؤمنين الشهداء في صفين وأخوهم الخامس: نافع بن بديل استشهد على عهد النبي صلى الله عليه وآله ورثاه ابن رواحة بقوله:
رحمَ اللهُ بــــــــــــــــــنَ بديلٍ رحمةَ المبتغي ثوابَ الجهادِ
صابراً صادقَ الحديثِ إذا ما أكـــثرَ القومُ قال قولَ السدادِ
فحسب هذا البيت شرفاً أن فيه خمسة شهداء وهم بعين الله ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وكان عبد الله من متقدمي الشجعان، والمتبرز في الفروسية، والمحتلي بأعلى مراتب الإيمان، وعده الزهري من دهاة العرب الخمسة) (18)
وقد عرفت خزاعة بولائها الشديد لأمير المؤمنين وتفانيها في الدفاع عن الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام) ولهم مواقف عظيمة مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى قال معاوية لما رأى استبسالهم مع علي يوم صفين: إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت) (19)
في مثل هذا البيت نشأ دعبل شاعرا مجيدا سخر شعره في سبيل ولائه وعقيدته، وقد توارث هذا الولاء أبا عن جد فقد كان أبوه علي بن رزين شاعراً ترجم له المرزباني (20) وكذلك جده رزين، وعمه عبد الله بن رزين، وابن عمه أبو جعفر محمد أبو الشيص ابن عبد الله المذكور، وأخوه علي بن علي بن رزين وقد فصل الأميني الحديث عنهم (21)
وقال ابن النديم عن هذه الأسرة: (آل زرين بن سليمان: علي بن رزين، شاعر شعره نحو خمسين ورقة. دعبل بن علي الخزاعي، نحو ثلاثمائة ورقة، عمله الصولي. وله من الكتب: كتاب طبقات الشعراء كتاب الواحدة. رزين بن علي شاعر نحو خمسين ورقة، الحسين بن دعبل، شاعر شعره نحو مائتي ورقة. أبو الشيص محمد بن عبد الله بن رزين بن عمر، ويكنى أبا جعفر، شاعر شعره نحو خمسين ومائة ورقة، عمله الصولي. عبد الله بن أبي الشيص، شاعر شعره نحو سبعين ورقة) (22)
أما ولادته فقيل من الكوفة (32)، وقيل من قرقيسيا (24) وانفرد ابن العديم بنسبته إلى واسط (25) إلا أنه أقام ببغداد، وكان ينتقل في البلاد وجاب البلاد خراسان والشام ومصر وبلاد المغرب (26) وقال الأصفهاني: (كان دعبل يخرج فيغيب سنين يدور الدنيا كلها ويرجع وقد أفاد وأثرى، وكانت الشراة والصعاليك يلقونه لا يؤذونه ويؤاكلونه ويشاربونه ويبرونه وكان إذا لقيهم وضع طعامه وشرابه ودعاهم إليه) (27) وكان أكثر مقامه ببغداد ويسافر إلى غيرها من البلاد وقدم دمشق (28)
وتبدأ قصته مع الخلفاء مع هارون حيث يستمع الخليفة إلى مغنٍ وهو يغني قصيدة مطلعها:
أينَ الشبــــــابُ وأيَّةٌ سلكا لا أينَ يُطــلبُ ضلَّ بل هلكا
لا تعجبي يا سلمُ مِن رجلٍ ضحكَ المشيبُ برأسِه فبكى
يا سلمُ ما بالـشيبِ منقصةٌ لا ســــــــوقةً يُبقي ولا ملكا
فلما سمعها الرشيد قال: لمن هذا الشعر؟ قيل: لدعبل بن علي وهو غلام نشأ في خزاعة فأمر بإحضار عشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه ودفعه مع مركب إلى خادم من خاصته وأمره بأن يدفعها كلها له ففعل الخادم (29)
ولكن هل مدح دعبل هارون ؟
كلا .. إن هذا العطاء لم يغيّر رأي دعبل في هارون، فهارون بقي في نظره هو ذلك المجرم الذي اضطهد أهل البيت ونكّل بهم وجرائمه أكثر من أن تحصى ودعبل ليس من أولئك الشعراء الذين لا يثبتون على عقيدة واحدة والذين تكون عقيدتهم في المال أينما حل فما رأي دعبل في أفعال الرشيد ؟؟ يقول دعبل وهو يصف دفن الإمام الرضا (عليه السلام) قرب الرشيد:
أربعْ بطوسٍ عـلـــــى قبرِ الزكيِّ إذا ما كــنــتَ تـــربعُ من دينٍ على وطرِ
قبرانِ في طــــوس خيرُ الناسِ كلهمُ وقبرُ شرِّهمُ هذا مــــــــــن الــعــبـــرِ
ما ينفعُ الرجسَ من قربِ الزكيِّ ولا على الزكيِّ بقربِ الرجسِ من ضررِ
هيهات كلُّ امــرئٍ رهـنٌ بما كسبتْ له يداهُ فــــــــــخذْ مــا شـــئتَ أو فذرِ (30)
ولا يحتاج هذا الشعر إلى تعليق، كما لا يُخفى ما تُشكّل هذه الجرأة على الخلافة العباسية لمن يتذوّق الشعر على أصوله, فالمقصود واضح وهو إظهار الظلم الذي نال الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) من قبل هارون، وليس نسبة الرجس ببدعة لهارون عند دعبل فهي كلمة الحق التي لابد أن يقولها مهما كان الثمن.
يقول السيد محسن الأمين: (كان هجاؤه لهم لسوء عقيدته فيهم بإساءتهم إلى أهل البيت الذين أخلص بالتشيع لهم وبلغ الغاية في ذلك فهو كوفي المنبث والكوفة منبع التشيع خزاعي المنسب وخزاعة كانت حلفاء هاشم في الجاهلية وعرفت بالتشيع لأهل البيت في الاسلام أو يهجوهم لابتدائهم بالإساءة إليه) (31)
وروى المسعودي أن دعبلاً رثى البرامكة بقوله:
ألم ترَ صرفَ الدهرِ في آلِ برمكٍ وفي ابنِ نهيكٍ والقرونَ التي تخلو (32)
ويتضح من هذا البيت انه بيت عبرة وليس رثاءً ولكن المسعودي يعرف دعبلاً وما أراد بقصده أكثر من غيره، والاّ لما نسبه إلى الرثاء. وكان الرشيد قد توعد من رثاهم بالقتل.
كما ذكر ابن عبد ربه بيتين لدعبل في البرامكة وسماهما رثاءً وهما:
ولما رأيتُ السيفَ جلّلَ جعفراً ونـــــادى منادٍ للخليفةِ في يحيى
بكيتُ على الــدنيا وأيقنتُ إنَّما قصارى الفتى فيها مفارقةُ الدنيا (33)
ولما بويع إبراهيم بن المهدي للخلافة وكان مغنياً ولا هم له سوى الطرب والشراب كان دعبل ينظر إلى هذا الأمر بحيرة وهو لا يعدم وسيلة يظهر بها ما آلت إليه أمور المسلمين فيقول:
نــعرَ ابنُ شكلةَ بالعراقِ وأهلـه فهفـــــا إليه كل أطلـسَ مـائقِ
أنّى يكـونُ وليسَ ذاكَ بـكـائــنٍ يرثُ الخلافةَ فاسقٌ عن فاسقِ
إن كان إبراهيم مـضـطلعاً بـها فـلتصلــحنْ من بعدهِ لمخارقِ
ولتصلحنْ من بعد ذاك لزلزلٍ ولـتـصــلحـنْ من بعدهِ للمارقِ (34)
وفي أيام المأمون رجعت المفاخرة بين اليمانية والنزارية التي كانت قائمة على قدم وساق أيام الدولة الأموية فافتخرت نزار على اليمن وافتخرت اليمن على نزار وأدلى كل فريق بماله من المناقب وثارت العصبية وكان من نتائجها سجن أبي نؤاس لتفضيله اليمانية، فلم يجد دعبل بداً من الإدلاء بدلوه في الانتصار لليمانية وقد طال دعبل في الرد حتى بلغت أبياته في هذا الشأن ستمائة بيت ومنها قوله من قصيدته المشهورة التي تسمى (الدامغة):
لقد علمت نزارُ أن قومي إلى نصرِ النبوَّةِ فاخرينا (35)
فرغم أن دعبلاً ينتصر لليمانية إلاّ أنه يفتخر بأن خزاعة ناصرت النبوة ولا يحتاج ذلك إلى دليل فهم من أوائل الذين لبّوا دعوة الإسلام وكانوا في الرعيل الأول لنصرة النبي وآله، ودعبل له آباء يحق له أن يفتخر بهم، فجده الأكبر عبد الله بن بديل بن ورقاء الصحابي الجليل الموالي لأمير المؤمنين (عليه السلام). والشهيد في صفين وقد قال (عليه السلام) بعد أن سمع بمقتله: (رحمه الله، جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في الممات). (36)
وقد استغل المأمون هذه المفاخرة واتخذ أعداء دعبل وسيلة للإيقاع به، ومنهم أبو سعد المخزومي الذي كان يحرّض المأمون على قتل دعبل بعد أن عجز عن مجاراته بالشعر، وبعد أن اتسعت دائرة الهجاء بينهما اجتمع بنو مخزوم ونفوا أبا سعد أمّا خزاعة فكانوا يفدون دعبلاً بكل غالٍ ونفيس مما جعل دعبلاً يخاطب المأمون:
أيسومني الـمأمونُ خـطة ظـالـمٍ أو ما رأى بالأمــسِ رأسَ مــحـمـدِ
نوفي على هامِ الخلائقِ مـثـلـما توفي الجبالُ على رؤوسِ الــقــرددِ
ونـحـلُّ مـن أكـنـافِ كـلِّ مـمنّعٍ حـتـى يـذلـل شـاهـقـاً لم يــصــعـــدِ
إنّي من القومِ الـذيـنَ سـيوفُـهـم قـتـلـتْ أخـاكَ وشـرّفـتـكَ بـمـقـــعــدِ
شادوا بذكركَ بعد طولِ خمولِه واستنهضوكَ من الحضيضِ الأوهـدِ (37)
ويشير دعبل في هذه الأبيات إلى طاهر بن الحسين الخزاعي الذي قتل الأمين ومهد طريق الخلافة للمأمون.
وتنتشر أهاجي دعبل لبقية بني العباس بعد أن هجا الخليفة فيدخل إبراهيم بن المهدي على المأمون وشكا إليه من هجاء دعبل له: نعر ابن شكلة بالعراق...
وقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا، فقال المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في:
أيسومُني المأمونُ خطةَ جاهلٍ أو ما رأى بالأمس رأسَ محمدِ (38)
وكانت خزاعة قد ناصرت المأمون على الأمين لما رأت ميله إلى الشيعة ورفعه شعار العلويين في بداية أمره.
ومات المأمون فماذا كان رأي دعبل في المعتصم ؟؟
ذلك ما يتضح من هذه الأبيات:
وقام إمــــامٌ لم يكنْ ذا هــــــــــــدايةٍ فليسَ له ديـــــــــــنٌ وليسَ له لُبُّ
وما كانت الأنبــــــــــــاء تأتي بمثلِهِ يُملّك يــــــــوماً أو تدينُ له العُربُ
لقد ضاعَ ملكُ الناسِ إذ ساسَ ملكَهم وصيفٌ وأشناسٌ وقد عظمَ الكربُ (39)
كان من الطبيعي أن تناصبه السلطة العباسية أشد العداوة فمثل دعبل لا مجال لاستمالته بالمال فطورد وشُرِّد وكان الكل يحرض على قتله فحين اجتمع إبراهيم بن المهدي ــ أخ الرشيد ــ مع المأمون حرضه على قتل دعبل، فقال له المأمون: إنما تحرضني عليه لقوله فيك:
يا معشرَ الأجنادِ لا تقنطوا وارضوا بما كان ولا تسخطوا
فـسـوف تـعطون حُـنـيـنيةً يـلـتـذهـا الأمـردُ والأشـــــمـط
والمـعـبـديــات لــقـــوَّادكمْ لا تـدخـلُ الـكـيـسَ ولا تُـربـط
وهــكـذا يــــرزقُ قــــوّادَه خـلـيـفـةٌ مـصـحـفُـه الـبـربــط (40)
وقصة هذه الأبيات أن إبراهيم لما ادّعى الخلافة ببغداد طالبه الجند بالأموال فقال لهم: سأغني لكم! وكان مغنياً فقال دعبل هذه الأبيات (41)
وكان المعتصم يبغض دعبلاً فلما ولي الخلافة، أمر بقتله فلما بلغ دعبلا ذلك هرب إلى الجبل وضاقت الأرض به وامتدت أيامه حتى آخر خلافة المتوكل ...
ويسمع المتوكل دعبلاً وهو يهجو المعتصم حتى بعد موته ويعرّض به:
قد قـلـتُ إذ غيّبوهُ وانصرفوا في شرِّ قبرٍ لشرِّ مدفونِ
إذهب إلـى النارِ والعذابِ فما خلتـك إلّا من الشياطينِ
ما زلتَ حتى عقدتْ بيعة مَنْ أضرَّ بالمسلمين والدينِ (42)
وفي مقابل هجائياته المتكررة لبني العباس كانت مدائحه ومراثيه تترى لأهل البيت (عليهم السلام) وبكاؤه لهم بكاء المفجوع يقول من تائيته المشهورة:
ألمْ ترَ أنّي من ثلاثيـــــنَ حِجَّةٍ أروحُ وأغدو دائمَ الحســـراتِ
أرى فيئهم في غيرِهم مـتقسِّماً وأيديهمْ من فيئــــــهمْ صفراتِ
فكيفَ ؟ ومن أنّى يطالبُ زلفةً إلى اللهِ بعد الصومِ والصلواتِ
سوى حبِّ أبناءِ النبيِّ ورهطه وبغضِ بني الزرقاءِ والعبلاتِ
وكان لسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) نصيبٌ وافر من مراثي دعبل يقول في تائيته:
أفاطمُ لو خلتِ الــحسيـــنَ مــجــدّلاً وقـــــد ماتَ عطشاناً بشطِ فراتِ
إذاً للطــمــتِ الــخــــدَّ فـــاطمُ عندَه وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ
أفــاطـمُ قومي يا ابنةَ الخيرِ واندبي نــجـــــومَ سمــاواتٍ بأرضِ فلاةِ
قبورٌ بجنبِ النهرِ من أرضِ كربلا معرَّسَهم فـــيـــها بــــشـطِ فـراتِ
توفّــوا عــــطاشى بالفراتِ فليـتني توفّــيـتُ فيهمْ قبلَ حينِ وفـــــاتي
وذكر ياقوت الحموي بعض قصيدة قالها في رثاء الحسين وقد ضاع باقيها أو (ضُيَّع):
رأسُ ابـنُ بنتِ محــمدٍ ووصيهِ يا للرجــــــالِ على قناةٍ يُـرفعُ
والمسلمـونَ بمنظرٍ وبمسمــــعٍ لا جازعٌ مـــن ذا ولا مـتخشّعُ
أيقظتَ أجفـاناً وكنتَ لـها كرى وأنمتَ عيناً لم تـكنْ بكَ تهجعُ
كحُلتْ بمنظركَ العيـونُ عمايةً وأصمَّ نعيُكَ كـــــلَّ أذنٍ تسمعُ
ما روضةٌ إلّا تــمنّـــــــتْ أنّها لك حفرةٌ ولخطِ قبرِكَ مضجعُ (43)
ويستطيع القارئ أن يلاحظ أنها قطعة من قصيدة طويلة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام)، لكن السياسة اقتضت أن تختفي القصيدة ولا يظهر منها سوى هذه القطعة لأن القصيدة كما عرفنا من شعر دعبل تعرّض بالسلطة، ونستطيع الجزم بذلك لأن دعبلاً لا يترك أية مناسبة دون التشهير بالسلطة.
وتمتد أيام دعبل ويزداد في شعره ما يعرضه للأهوال فيلقى القبض عليه ومع ذلك لم يمت .. ولكنه لم يهدأ أيضاً !
كان لا ينفك عن نصرة أهل البيت والدفاع عنهم بيده ولسانه ما استطاع.
سمع ذات يوم مروان بن أبي حفصة أحد شعراء البلاط العباسي من الذين باعوا آخرتهم بدنياهم يذم أمير المؤمنين (عليه السلام) بشعره فلم يتمالك دعبل أن صاح بوجهه:
قلْ لابنِ خائنةِ البعُـولِ وابنِ الجوادةِ والبخيلِ
إن الـمذمّـةَ لـلـوصــيِّ هــيَ الـمذمّةَ للرسولِ
أمـودّة الـقـربـى تــحـا ولها بـذمَّ مـسـتـحـيـلِ
أتـذمُّ أولادَ الـــنــــبـيِّ وأنتَ من ولدِ النغـولَ (44)
كانت محبته لأهل البيت قد ملأت عليه كل تفكير وكان كيفما فكّر ففيها يفكّر, وبقي وقد بلغ من العمر عتياً مستمراً على جلاده المتواصل حتى آخر رمق في حياته وظل يتنقل بين البلاد والأمصار صادحاً بعقيدته:
شفيعي في القيامةِ عندَ ربِّي محمدُ والوصيُّ مع البتولِ
وسـبـطا أحمدٍ وبنو بــنـــيهِ أولــئكَ سادتي آلُ الرسولِ (45)
ويجهر بها غير مبالٍ بما يحدق به من الأخطار يقول من تائيته:
أحبُّ قصيَّ الدارِ من أجلِ حبكمْ وأهجرُ فيكم زوجتي وبناتي
وكان يرجو دولة العدل التي تتحقق بقيام الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
خروجُ إمامٍ لامحالةَ واقعٌ يقومُ على اســــمِ اللهِ والبركاتِ
يميّز فينا كـلَّ حقٍّ وباطلٍ ويجزي على النعماءِ والنقماتِ
وكان لا يترك منقبة أو كرامة لهم (عليهم السلام) إلاّ نشرها وبخاصة مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
نطقَ الـقرانُ بـفــضلِ آل محمدٍ وولايةٍ لـعـلــيَّــهــــم لم تجحدِ
بولايةِ المختارِ في خيرٍ الورى بعد النبيِّ الـصـــادقِ الـمتودَّدِ
إذ جاءه المسكينُ حـال صلاته فـامتدَّ طــوعـاً بالـذراعِ وباليدِ
فتناولَ المسكينُ منه خــاتــمــاً هبة الكريـمِ الأجودِ بن الأجودِ
فاختصه الرحمنُ في تـنـزيـلِهِ مَــن حــــازَ مثلَ فخارِه فليعددِ (46)
وكان لآخر هذا الليل من فجر وتحققت أمنية دعبل ووجد من يصلبه على خشبته وكان ذلك على يد أحد جلاوزة العباسيين فمات شهيداً وهو يردّد:
أعـدَّ للهِ يـــــــومَ يــلـقـــــاهُ دعــبــــــل أن لا إله إلاّ هو
يقولها مخلصاً عـســـاهُ بها يرحمه فــي الـقــيــامـــةِ اللهُ
الله مولاهُ والـنــــبــيُّ ومن بــعــدهــمـا فـالوصيُّ مولاهُ
وفاطمٌ بضعة الــنبيِّ ونجـ ـلاهـا من المرتضى وسبطاهُ
خمسةُ رهطٍ دعا الإله بهمْ آدمٌ مـن ذنــبــهِ فـــأرضـــاهُ (47)
وكانت وفاته بقرية من نواحي السوس ودفن بتلك القرية وقد رثاه البحتري مع أبي تمام الذي مات قبله ــ وكانا صديقين ــ:
قد زادَ في كلفي وأوقدَ لوعتي مثوى حبيبٍ يومَ ماتَ ودعبلُ
أخويَ لا تـــزل السماءُ مخيلةً تغشا كما بحيا السحابُ المُسبلُ
جدثٌ على الأهوازِ يبعدُ دونه مسرى النعيَّ ورمَّة بالموصلِ (48)
الشعر المفقود
لم تلعب السياسة دوراً في ضياع شعر شاعر كما لعبته في ضياع شعر دعبل, فقد فرضت هذا الضياع على التاريخ فرضاً، فرغم أن التاريخ يقول إن دعبلاً قال الشعر وهو صبي ولم ينقطع عنه منذ بدأ يقوله إلا أن ما وُجِد في ديوانه لا يصل إلى النتيجة المنطقية لهذا القول.
يقول السيد جواد شبر: (ولدعبل من هذا النوع كثير من الشعر ولكنه ضاع ولم يبق إلا القليل النادر) (49)
ويقول عبد الحسين طه حميدة: (ولو وَصَلنا كله ــ أي شعر دعبل ــ لورثنا أدباً قوياً جريئاً يمثل نفس دعبل وقوتها وجرأتها). (50)
وتشير المصادر إلى وجود ديوان له قديماً يقول ابن النديم: (وديوان شعره نحو ثلاثمائة ورقة وقد عمله الصولي..) (51)
وقال ابن عساكر: (له شعر رائق وديوان مجموع..) (52)
وقال الأستاذ ضياء حسين الأعلمي: (له شعر كثير مجموع في ديوان. وقد كان هذا الديوان مشهوراً في العصور السابقة ولكنه اليوم مفقود كما فقد غيره من نفائس الدواوين الشعرية..) (53)
ولا يعلم متى فقد هذا الديوان، حيث لم يجد محقق ديوانه عبد الصاحب الدجيلي من هذا الديوان شيئاً سوى اسمه يقول: (لم يكن لدعبل ديوان مجموع ــ كما أعلم ــ وإن ما جمعت من شعره المتناثر في شتى الأمكنة... ولدعبل ــ كما لا يخفى ــ شعر كثير جداً ...) (54)
ويقول أيضاً بعد أن يعدد الأقوال حول وجود الديوان (المفقود): (وفي كتب أخرى نفس الحكاية عن ديوان دعبل، ولكننا لم نعثر على نسخة أو قطعة من هذا الديوان، والمظنون أنه ضاع، أو أعدمت نسخته، شأن كثير من شعر الشعراء المضطهدين.
وليس بعيداً أن تجد بعض العناصر في إتلاف ديوان دعبل وآثاره كما اجتهدت السلطات التي عاصرها في القضاء عليه، والسعي لتحطيمه، سعيه هو الآخر في تحطيمها والقضاء على سلطانها
وفي أدوار التاريخ: أدوات وآلات تسخرها السلطات لتقف مطواعة لما تؤمر به، ويطلب تنفيذه منها، في طمس الفضيلة، وقتل الوعي، وإماتة الشعور الحي، والافتراء على التاريخ، وإبادة الأفكار والمشاعر، والاعتداء على الحريات والكرامات.
والظاهر إن شعر دعبل قد لقي ما لقي صاحبه تماماً، ولم تبق منه إلا أشتات مبعثرة متفرقة في زوايا الكتب، كتب الأدب والتاريخ، ولهذا وافت أكثر قصائده مبتورة، كما حفظت أبيات معدودة لم تكن إلا أجزاء من قصائد مفقودة...) (55)
ويدل على كثرة شعره ما رواه الأصفهاني عن الجاحظ قوله: (سمعت دعبل يقول: مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه الا وأنا أقول فيه شعرآ) (56)
وإذا عرفنا إن دعبلاً عاش 98 سنة فلنا أن نخمن حجم ديوان دعبل..
لقد امتدت أيام دعبل وطال به العمر وكانت له فسحة لجمع شعره وحتى لو لم تسنح له هذه الفسحة فقد كان ابنه شاعراً أيضاً، ومن المعروف ما يشكل الإرث الشعري لدى الشاعر من أهمية فيسعى بشتى الوسائل للمحافظة على تراث أبيه. فإذا كان دعبل قد أهمل شعره وشغله عن حفظه شغل شاغل فمن المستحيل أن يهمله ابنه ويتركه بدون حفظ.
إذن هناك يد طولى في ضياع شعر دعبل، ويكشف ابن النديم أول خيوط هذه المؤامرة عندما ذكر في فهرسه أن ديوان دعبل يحتوي على ثلاثمائة ورقة فأين ذهب هذا الديوان ؟
أن شاعراً يقول وهو في العشرين من عمره ومن أوائل شعره:
أينَ الـشــبــابُ؟ وأيّةً سَلكَا لا، أين يُطلبُ؟ ضَلّ بل هلكا
لا تعجبي يا سَلمُ من رجلٍ ضَـحِكَ المشيبُ برأسِه فبكى
قد كان يضحكُ في شبيبتهِ وأتى الــمــشيبُ فقلّما ضَحِكا
يا سلمُ ما بالـشيبِ منقصةٌ لا سـوقةً يُـــبــــقـي ولا مـلكا (57)
لحقيق أن نحكم عليه أنه من فحول الشعراء، وهذه الأبيات هي أول ما قاله وكان لها قسط عظيم من الشهرة والتداول بين الأدباء والشعراء والملوك والامراء شاعت وحفظها الناس حتى أن أبا نواس أشعر شعراء عصره قال فيها ما لا يقال إلا في أحسن الشعر اعجابا بها (58)
ولكن لماذا شعر دعبل بالذات؟
هل كان دعبل شاعراً مغموراً خافياً على شعراء عصره؟
التاريخ يقول العكس:
فقد كان دعبل: شاعراً مجيداً (59)
وله فضل وبلاغة زيادة على الوصف وكان متكلماً، أديباً، شاعراً، عالماً (60)
وهو الشاعر المفلق (61)
تعاطى أول أمره الأدب فمهرَ فيه وقال الشعر الرائق (62)
شاعر متقدّم مطبوع (63)
الشاعر المشهور له شعر رائق) (64)
البليغ في المدح، وفي الهجاء أكثر (65)
كما شهد له شعراء عصره بهذا التفوّق, فهذا البحتري يفضله على مسلم بن الوليد وهو أمير الشعراء في وقته كما يروي الأصفهاني عن محمد بن القاسم بن مهرويه قال: قال لي البحتري: دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم بن الوليد
فقلت له وكيف ذلك قال لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم ومذهبه أشبه بمذاهبهم وكان يتعصب له. (66)
وقال السيد محسن الأمين: (كان دعبل شاعراً مقلقاً متفنناً وحسبك بشاعريته أن يقول له أبو نواس أشعر شعراء زمانه: أحسنت ملء فيك وأسماعنا وأن يكون الرشيد بمجرد سماعه شعراً له يرغب فيه ويبعث إليه أسنى جائزة ويستحضره ويقول للرسول إن أبى فلا تجبره رفقاً به وإكراماً واحتراماً له. وأن يقول فيه المأمون ومعرفته لا تنكر لله دره ما أغوصه وأنصفه وأوصفه وأن تكون بعض أبياته نصب عينيه إذا عزم على سفر ومسلية له) (67)
وقال فيه القاسم بن مهرويه: (ختم الشعر بدعبل) (68)
ولم تقتصر شهادات التفوق لدعبل على المؤرخين والشعراء بل تعدتها إلى الخلفاء فهذا المأمون يفضل دعبلاً على شعراء خزاعة في الوقت الذي أنجبت خزاعة فحول شعرائها في تلك الفترة أمثال: أبي الشيص، وعلي بن رزين، وطاهر بن الحسين، وعبد الله بن طاهر، وغيرهم.
روى الأصفهاني عن عمرو بن مسعدة قال: حضرت أبا دلف عند المأمون وقد قال له المأمون أي شيء تروي لأخي خزاعة يا قاسم؟! فقال: وأي أخي خزاعة؟! قال: ومن تعرف فيهم شاعرا؟! فقال: أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وداود بن أبي رزين، وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله. فقال: ومن عسى في هؤلاء أن يُسأل عن شعره سوى دعبل؟! هات أي شيء عندك فيه. (69)
إذن كان دعبل شاعراً مجيداً متقدِّماً على شعراء عصره، ويبقى السؤال لماذا لم يحفظ لنا التاريخ من شعره إلّا النزر القليل؟
المطّلع على ما تبقى من ديوان دعبل يعرف إجابة هذا السؤال.. ففي العصر الذي كان الشعراء يتحفّزون للوصول إلى قصر الخلافة وتقبيل الأرض بين يدي الخليفة ومدحه نفاقاً وتملقاً لكي يحصلوا على بعض الهدايا والهبات، لم يسلم من هجاء دعبل خليفة ولا وزير ولا قائد، ويدلنا قول الزيات الذي ذكرناه
وقد نظم دعبل في جميع فنون الشعر. ومن الأسباب التي أدت إلى اتلاف ديوان دعبل واضطهاده، لمهاجمته الخلفاء والحكام. ولهذا نرى شعر دعبل مششتا في صفحات الكتب الأدبية منها والتاريخية. (70)
أجل كان دعبل من أولئك المجاهدين الأبطال الذين يقفون بوجه العواصف السياسية الهوجاء كالجبل الأشم، صلب العقيدة، راسخ الايمان، لا يخشى في إطلاق كلمة الحق أي أحد, ولا يبالي من كان خصمه حتى ولو كان الخليفة نفسه.
فدعبل الذي ولد في الكوفة التي هي قبلة الثورات ضد السلطة الأموية ومرجع كل من أقضّ مضاجع الخلافة الأموية والعباسية على السواء ومهوى أفئدة الشيعة في كل دعوة ظهرت لآل محمد وقد رضعَ حبّ أهل البيت وهو صغير ونهل منه وشبّ عليه شأنه شأن خزاعة ولكن دعبل انصرف بكل جوارحه نحو هذا الحب ولم يشغله عنه شاغل فيقول:
في حبِّ آلِ المصطفى ووصيهِ شغلٌ عن الــلذاتِ والقيناتِ
إنّ الـــنشيــــــدَ بحبِّ آلِ محمدٍ أزكى وأنفعُ لي من القنياتِ
فاحشِ القصيدَ بهم وفرِّغ فيهم قلباً حــشوتُ هـــواهُ باللذاتِ
واقطعْ حِبـاله من يريدُ سواهمُ في حـبِّه تحـــــللْ بدارِ نجاةِ (71)
ويقول:
لولا تشاغلُ نــفــــسي بالألى سلفوا مـن أهلِ بيتِ رسولِ اللهِ لـــمْ اقرِ
وفي مـواليكَ للـمحـزونِ مــشــغـلةً مـن أن تـبـيــتَ لــمفقودٍ على أثرِ
كم من ذراعٍ لـهـمْ بالطفِّ بــائـــنةً وعارضٍ من صعيدِ التربِ مُنعفرِ
أنسى الحسينَ ومــســراهـمْ لمقتلِهِ وهـم يـقـولـونَ: هـذا سيدُ الــبشرِ!
يا أمّة السوءِ ما جازيتِ أحمدَ عن حسنِ البـلاءِ على التنزيلِ والسُّورِ
خلفتموهُ عــلى الأبناءِ حين مضى خــلافـــةَ الـذئبِ في أبقارِ ذي بقرِ
ولــيـــسَ حــيٌّ من الأحياءِ تعلمهُ من ذي يمانٍ ومن بكرٍ ومن مضرِ
إلا وهـمْ شـركـاءٌ في دمـــائِــــهمُ كـمـا تــشـاركَ أيـسـارٌ عـلـى جزرِ
قتلاً وأسراً وتحريقاً ومــنــهـــبةً فـعـلَ الـغزاةِ بأرضِ الرومِ والخزرِ (72)
وقال من قصيدته التي قدمناها وتبلغ (35) بيتاً:
إن كنتَ محزوناً فــمــالـــكَ تـــرقدُ هلّا بـكيتَ لمَـنْ بـكاهُ مُـــحمّدُ
هلا بكيتَ على الحسينِ وأهــــــله؟ إنَّ البكاءَ لـمـثلهمْ قــد يُـــحمدُ
لتضعضع الإســـلامِ يـــومَ مصابِه فالجودُ يـبـكي فـــقدَه والسوددُ
فلـقــد بـــكــتـــه في السماءِ ملائكٌ زهـرٌ كـرامٌ راكـــعونَ وسُجّدُ
أنسيتَ إذ صارتْ إليه كــتــائــــبٌ فيها ابنُ سعدٍ والطغاةُ الجُحَّدُ؟
فسقوهُ من جرعِ الــحـتوفِ بمشهدٍ كـثـــرَ العداةُ به وقــلَّ المسعدُ
لم يـحـفظوا حقَّ الــنــبــيِّ مــحمدٍ إذ جـرّعـــوهُ حــرارةً ما تبردُ
قتلوا الحسينُ فأثكلوه بــســبــطــه فالثكلُ من بـــعدِ الحسينِ مُبرَّدُ
كيف القرارُ؟ وفي الســبايا زينبٌ تدعو بفرطِ حــــرارةٍ: يا أحمدُ
هذا حسينٌ بــالــســيــوفِ مبضَّعٌ مـتـلـطـخٌ بـدمـائـــــهِ مُـستشهدُ
عارٍ بلا ثوبٍ صريعٌ في الـثـرى بين الحوافرِ والسنـــابكِ يُقصدُ
والطيِّبـونَ بـنـوكَ قـتـــلى حـوله فوقَ الترابِ ذبــائـــــحٌ لا تلحدُ
يا جدُّ قد مُـنِعوا الفراتَ وقُـــتَّلوا عطشاً فليس لهم هنــالكَ موردُ
يا جدُّ من ثكلي وطولِ مصيبتي ولـمــا اُعــانــيـــه أقــومُ وأقعدُ
وقال من سينيته التي قدمناها:
جاؤوا من الشامِ المشومةِ أهلها لــلــشــــؤمِ يقدمُ جندهمْ ابــلــيــسُ
لُعنوا وقد لُــعـــنوا بقتلِ إمامِهم تـركـوه وهـو مـــبـــضَّعٌ مخموسُ
وسُبوا فوا حزنــي بـناتُ محمدٍ عـبـرى حــــواسرَ مــالـهنَّ لبوسُ
تـبـاً لـكـمْ يـا ويلكم أرضــيـــتمُ بالنارِ ؟ ذلَّ هـنـالـكَ الـمــحــبوسُ
بعتمْ بـدنـيـا غـيـركمْ جهلاً بكمْ عـزَّ الـحـيـاةِ وأنـه لــنــفــــيـــــسُ
أخـزى بـها مـن بيعةٍ أمويــــةٍ لُـعـنـت وحـظ البائعينَ خســـيـــسُ
بـؤسـاً لـمـن بايــعـــتمُ وكأنني بـإمامكم وسـط الـجـحــيـــمِ حبيسُ
يا آلَ أحمدَ مآ لــقــيـــتمْ بعده؟ مـن عصبةٍ هم في الـقياسِ مجوسُ
كم عبرةٍ فاضت لكم وتقطّعتْ يومَ الطفــوفِ على الـحسينِ نفوسُ
صبراً موالـيـنا فسوف نديلكم يـومــاً عــلــى آلِ الــلــعـينِ عبوسُ
ما زلـت مـتّبعاً لكمْ ولأمركم وعــلــيــه نــفــسي ما حييتُ أسوسُ
التائية:
آية في سمو الفكر وصفاء السريرة وقوة العقيدة، أنشدها في حضرة الإمام الرضا (عليه السلام) في خراسان ويروي الشيخ الصدوق تفاصيل هذا اللقاء عن لسان دعبل فيقول: (لما أنشدت مولاي الرضا عليه السلام قصيدتي التي أولها:
مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ
فلما انتهيت إلى قولي:
خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارج يقــــومُ على اسمِ اللهِ والبركاتِ
يميّزُ فــــينا كلَّ حقٍّ وباطلٍ ويجزي على النعماءِ والنقماتِ
بكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً ثم رفع رأسه إلي فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الامام؟ ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا سيدي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلا فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما) (73)
وقد تناقلت الأفواه هذه القصيدة التي تعد من غرر الشعر العربي. يقول أبو إسحاق القيرواني الحصري: (كان دعبل مداحاً لأهل البيت عليهم السلام كثير التعصب لهم والغلو فيهم وله المرثية المشهورة وهي من جيد شعره) (74)
وقال الحموي: (قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر، وأسنى المدايح قصد بها علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان) (75)
وقد شرح هذه القصيدة الشيخ كمال الدين محمد بن معين الدين محمد النقوي الفارسي، والسيد نعمة الله الجزائري، والشيخ محمد باقر بن محمد تقى المجلسي. وغيرهم
يقول دعبل منها:
مَدارِسُ آياتٍ خَلَت مِن تِــــــــــــــلاوَةٍ وَمَنزِلُ وَحيٍ مُــقفِرُ العَرَصاتِ
لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالــــــــــخَيفِ مِن مِنىً وَبِالرُكنِ وَالتَعريـفِ وَالجَمَراتِ
دِيارُ عَـــــــــــــــــلِيٍّ وَالحُسَينِ وَجَعفَرٍ وَحَمزَةَ وَالــــسُجّادِ ذي الثَفِناتِ
دِيارٌ عَفاها جَورُ كُلِّ مُــــــــــــــــــنابِذٍ وَلَــــــــم تَعفُ لِلأَيّامِ وَالسَنَواتِ
قِفا نَسأَلِ الــــــــــــدارَ الَّتي خَفَّ أَهلُها مَتى عَهدُها بِالصَومِ وَالصَلَواتِ
وَأَينَ الأُلــــــى شَطَّت بِهِم غَربَةُ النَوى أَفانينَ في الآفاقِ مُـــــــفتَرِقـاتِ
هُمُ أَهلُ ميراثِ النَبِيِّ إِذا اِعـــــــــتَزَوا وَهُم خَيرُ قاداتٍ وَخَيرُ حُـــــماةِ
وَما الناسُ إِلّا حــــــــــــــاسِدٌ وَمُكَـذِّبٌ وَمُضطَــــــغِنٌ ذو إِحنَةٍ وَتِراتِ
إِذا ذَكَروا قَتلى بِبَدرٍ وَخَـــــــــــــــيبَرٍ وَيَومِ حُنَينٍ أَســــــــبَلوا العَبَراتِ
وَكَيفَ يُحِبّـــــــــــــــــونَ النَبِيَّ وَأَهلَهُ وَقَد تَرَكوا أَحشاءَهُــــــم وَغراتِ
لَقَد لايَنوهُ في المَقالِ وَأَضمَــــــــــروا قُلوباً عَلى الأَحقادِ مُـــــــنطَوِياتِ
قُبورٌ بِكوفانٍ وَأُخــــــــــــــرى بِطَيبَةٍ وَأُخرى بِفَخٍّ نالَها صَلَــــــــــواتي
وَقَبرٌ بِأَرضِ الجَوزَجـــــــــــانِ مَحَلُّهُ وَقَبرٌ بِباخَمرا لَدى العَـــــرِمـــاتِ
وَقَبرٌ بِبَــــــــــــــــــــغدادٍ لِنَفسٍ زَكِيَّةٍ تَضَمَّنَها الرَحمَنُ في الغُرُفــــــاتِ
وَقَبرٌ بِطوسٍ يــــــــــا لَها مِن مُصيبَةٍ تُرَدَّدُ بَينِ الـــــصَدرِ وَالحَجَبـــاتِ
فَأَمّا المُـــــــــمَضّـاتُ الَّتي لَستُ بالِغاً مَبالِغَها مِنّي بِكُـــــنهِ صِــــــــفاتِ
إِلــــــــى الحَشرِ حَتّى يَبعَثَ اللَهُ قائِماً يُفَرِّجُ مِنها الـــــــــــهَمَّ وَالكَـرَباتِ
نُفوسٌ لَدى النَهرَينِ مِن أَرضِ كَربَلا مُعَرَّسُهُــــــــم مِنها بِــــشَطٍّ فُراتِ
أَخافُ بِأَن أَزدارَهُـــــــــــم وَيَشوقُني مُعَرَّسُـــهُم بِالجِزعِ مِن نَــــخَـلاتِ
تَقَسَّمَهُم رَيبِ الزَمانِ فَما تَــــــــــرى لَهُــــــم عَقوَةً مَغشِيَّةَ الحُجُــــراتِ
سِوى أَنَّ مِنهُم بِالمَـــــــــدينَةِ عُصبَةً مَدى الدَهرِ أَنضاءً مِنَ الأَزَمــــاتِ
قَليلَةُ زُوّارٍ سِـــــــــــوى بَعضِ زُوَّرٍ مِـــــنَ الضَبعِ وَالعِقبانِ وَالرَخَماتِ
لَهُم كُلَّ حينٍ نَومَةٌ بِمَضــــــــــــاجِعٍ لَهُم فــــي نَواحي الأَرضِ مُختَلِفاتِ
وَقَد كـــــــــانَ مِنهُم بِالحِجازِ وَأَهلِها مَــــــــغاويرُ نَحّارونَ في السَنَواتِ
تَنكَّبُ لَأواءُ الـــــــــــسِنينَ جِوارَهُم فَلا تَصـــــــــطَليهِم جَمرَةُ الجَمَراتِ
حِمىً لَم تُـــــــطِرهُ المُبدِياتُ وَأَوجُهٌ تَضـــــيءُ مِنَ الايسارِ في الظُلُماتِ
إِذا أَورَدوا خَـــــــــــيلاً تَسَعَّرُ بِالقَنا مَســـــــاعِرُ جَمرِ المَوتِ وَالغَمَراتِ
وَإِن فَخَروا يَوماً أَتَــــــــــوا بِمُحَمَّدٍ وَجِبريلَ وَالــــــفُرقانِ ذي السوراتِ
أولَئِكَ لا مِن شَيخُ هِندٍ وَتِــــــــربِها سُمَيةَ مِن نَوكى وَمِــــــــــــن قَذِراتِ
مَلامَكَ في أَهلِ النَبِــــــــــــيِّ فَإِنَّهُم أَحِبّايَ مـــــــــــا عاشوا وَأَهلُ ثِقاتي
سَأَقصُرُ نَفسي جاهِداً عَن جِـــدالِهِم كَفاني ما أَلقى مِــــــــــــــنَ العَبَراتِ
فَيا نَفسُ طيبي ثُمَّ يـــا نَفسُ أَبشِري فَغَيرُ بَعيدٍ كُــــــــــــــــــلُّ ما هُوَ آتِ
وَلا تَجزَعي مِن مُدَّةِ الـــجَورِ إِنَّني كَأَنّي بِها قَد آذَنَت بِبَتـــــــــــــــــــاتِ
فَإِن قَرَّبَ الرَحمَنُ مِن تِلـــكَ مُدَّتي وَأَخَّرَ مِن عُمــــــــــــري لِيَومِ وَفاتي
شَفَيتُ وَلَم أَترُك لِنَفـــــــسِيَ غُصَّةً وَرَوَّيتُ مِنهُم مُنصُـــــــــــلي وَقَناتي
عَسى اللَهُ أَن يَأوي لِذا الـــخَلقِ إِنَّهُ إِلــــــــــــــــى كُلِّ قَومٍ دائِمُ اللَحَظاتِ
أُحاوِلُ نَقلَ الشَمسِ مِن مُـــستَقَرِّها وَإِسماعَ أَحجــــــــــــارٍ مِنَ الصَلِداتِ
فَمِن عارِفٍ لَم يَنتَفِع وَمُعـــــــــانِدٍ يَميلُ مَعَ الأَهواءِ وَالــــــــــــــشَهَواتِ
قُصارايَ مِــــنهُم أَن أَأوبَ بِغُصَّةٍ تَرَدَّدُ بَينَ الـــــــــــــــصَدرِ واللَهواتِ
إِذا قُلتُ عُرفاً أَنــــــــــكَروهُ بِمُنكَرٍ وَغَطّوا عَلى التَحقيقِ بِــــــــالشُبُهاتِ
كَأَنَّكَ بِالأَضلاعِ قَد ضــاقَ رُحبُها لِمـــــــــــــا ضُمِّنَت مِن شِدَّةِ الزَفَراتِ
وقال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (15) بيتاً:
واقصدْ بكلِّ مديـــــــــــــحٍ أنتَ قائله نحوَ الهداةِ بني بيتِ الكرامــــــــــاتِ
آلِ الرَسولِ مَصـــــــــابيحِ الهِدايَةِ لا أَهلِ الغَوايَةِ أَربابِ الـــــــــضَلالاتِ
قَد أَنزَلَ اللَهُ فــــــــي إِطرائِهِم سُوَراً تُثني عَلَيــــــــــــــــــهِم وَثَنّاها بِآياتِ
مِنهُم أَبو الحَسَـنِ الساقي العِدا جُرَعاً مِنَ الرَدى بِحُسامٍ لا بِـــــــــــكاساتِ
إِن كَرَّ في الجَيشِ فَرَّ الجَيشُ مُنهَزِماً عَنهُ فَتَعثُرُ أَبــــــــــــــــدانٌ بِهاماتِ
صِهرُ الرَسولِ عَلى الزَهراءِ زَوَّجَهُ اللَهُ الـــــــــــــعَلِيُّ بِها فَوقَ السَمَواتِ
فَأَثمَـــرَت خَيرَ أَهلِ الأَرضِ بَعدَهُما أَعني الشَهيدَينِ ساداتِ الــــــــبَرِيّاتِ
إِذا سَـــــــــــــقى حَسَناً سُمّاً مُعَيَّةُ أَو عَلى حُسَينٍ يَزيدٌ شَــــــــــنَّ غاراتِ
لَذاكَ مِمَّن بَدا في ظُلــــــــــــمِ أُمِّهِما حَتّى قَضَت غَضَباً مِن ظُلمِها العاتي
وَقادَ شَيخَهُما قَسراً لِبَيـــــــــــعَةِ مَن قَــــــــــد كانَ بايَعَهُ في ظِلِّ دَوحاتِ
ظُلامَةٌ لَم تَزَل تُســـــــــــــتَنُّ إِثرَهُمُ لَم تُثنَ عَــــــــن سالِفٍ مِنهُم وَلا آتِ
يا رَبِّ زِدني رُشداً في مَــــــــحَبَّتِهِم وَاِشفِ فُؤادِيَ مِـــن أَهلِ الضَلالاتِ (76)
وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام)
اَلا انّه طُهرٌ زكـــــــــــــــــــيٌ مُطَهّرٌ سَريعٌ الى الخيراتِ والـبَرَكاتِ
غلاماً وكَهْلا خير كَـــــــــــهل ويافع وأبـــــــسَطُهُم كفّاً إلى الـكرُباتِ
وَأشجــــــــــــعهم قلباً وأصـدقُهم اخاً وأعظمهم في الــمَجْدِ والـقُرُباتِ
أخو المصطفى بــل صهره ووَصيّهُ من القومِ والستار للـــــــــعَورات
كهارونَ من موسى على رغم معَشرٍ سفالٍ لئامٍ شققِ البَشَـــــــــــرات
فــــقال ألا مَن كنتُ مَولاه ُمنكــــــــمُ فهـــذا لهُ مَولَـــى بُعيدَ وفـــــاتي
أخــــي ووصِّيي وآبنُ عمّي ووارثي وقاضي دُيوني من جَميع عداتي (77)
وقال في رثاء الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
يا حــــــــــــــــسرةً تتردَّدْ وعـــــــــبرةٌ ليسَ تنفدْ
على عليِّ بــــــــــــن مو سى بنِ جعفرِ بن محمدِ
قضى غــــــــريباً بطوسٍ مثلَ الحســـــامِ المُجرَّدْ
يا طوسَ طوباكِ قد صـرْ تَ لابنِ أحــــمدَ مشهدْ
ويا جفوني اســـــــــتهلّي ويا فؤادي تــــــــــــوقّدْ (78)
وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام):
سقياً لبيعةِ أحـــــــــــــــمدٍ ووصيِه أعني الإمـــامَ وليّنا المحسودا
أعني الذي نصرَ الـــــــــــنبيَّ محمداً قـــــــــبلَ البريةِ ناشئاً ووليدا
أعني الذي كشفَ الكروبَ ولم يكن في الحربِ عندَ لقائها رعديدا
أعــــــــــنى الموحِّدَ قبلَ كلِّ مُوحِّدٍ لا عابداً وثــــــــناً ولا جلمودا
وهوَ المــــــقيمُ على فراشِ محمدٍ حتى وقاهُ كائداً ومــــــــــــكيدا
وهوَ المُقدَّمُ عـــــندَ حوماتِ الوغى ما ليسَ ينكرُ طارفاً وتــــليدا (79)
..........................................................
1 ــ ديوان دعبل بن علي الخزاعي، جمعه وحققه وعلق عليه عبد الصاحب الدجيلي الخزرجي ــ مطبعة الآداب، بغداد 1382 هـ / 1962 م ص 99 ــ 100
2 ــ نفس المصدر ص 85 ــ 97
3 ــ نفس المصدر ص 106 ــ 107
4 ــ انفرد الكرباسي بنقلها كاملة في ديوان القرن الثالث ص 69 ــ 74 وقال في الهامش: القصيدة لدعبل بن علي الخزاعي المتوفى سنة 246هـ أنشأها في رثاء الإمام الحسين عليه السلام وقد تفرد الطريحي في المنتخب بذكر أبيات كثيرة يبدو ان ناظماً نظمها وضمنها أبيات دعبل فإن عدم قوتها يقلل احتمال كونها لدعبل، وقد رتبنا الأبيات من المصادر بما رأيناه الأنسب. وقد ذكر منها في: المنتخب ص 203 ــ 204 (27) بيتاً / وذكر منها (14) بيتاً في الغدير ج 1 ص 34 ــ 35 / وذكر منها (12) بيتاً في: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 116 / بحار الأنوار ج 45 ص 276 ــ 277 / ناسخ التواريخ ج 4 ص 143 / أدب الطف ج 1 ص 306 / مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 133 / عوالم العلوم ص 547 / وذكر منها (15) بيتاً في ديوان دعبل الخزاعي تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص 102 ــ 103
5 ــ الأغاني ج 18 ص 46 ــ 47
6 ــ شذرات الذهب لابن العماد ج 2 ص 111 / وفيات الأعيان لابن خلكان ج 2 ص 266
7 ــ طبقات الشعراء لابن المعتز ص 125
8 ــ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 8 ص 379 / لسان الميزان لابن حجر ج 3 ص 420
9 ــ وفيات الأعيان لابن خلكان ج 2 ص 266
10 ــ أعيان الشيعة ج 6 ص 401
11 ــ البغدادي، تاريخ بغداد للبغدادي ج 8 ص 379 / أعيان الشيعة ج 6 ص 401
12 ــ وفيات الأعيان ج 2 / ص 266 / الأغاني ج 20 ص 294 / مرآة الجنان ج 2 ص 145
13 ــ تاريخ دمشق ج ١٧ ص ٢٤٥ / الفهرست للنجاشي ص 116 / تاريخ بغداد ج 8 ص 382 / معجم الأدباء للحموي ج 11 ص 100 / الغدير ج ٢ ص 363
14 ــ رجال النجاشي تحقيق السيد محمد على الأبطحي ج ٥ ص ٥٢٥
15 ــ البنية السردية في شعر دعبل الخزاعي ــ مجلة الدراسات التربوية والعلمية - كلية التربية - الجامعة العراقية / العدد الثالث عشر - المجلد الثالث كانون الثاني 2019 ص 171
16 ــ العمدة في محاسن الشعر ج 2 ص 290
17 ــ الغدير ج ٢ ص 363
18 ــ نفس المصدر ص 363
19 ــ كتاب صفين لابن مزاحم ص 126 / شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 486
20 ــ معجم الشعراء ج 1 ص 283
21 ــ الغدير ج ٢ ص 367
22 ــ الفهرست ص ١٨٣
23 ــ الإبانة عن سرقات المتنبي ص 27 / تاريخ بغداد ج 8 ص 372 / تاريخ دمشق ج 5 ص 230 / معجم الأدباء ج 11 ص 101 / وفيات الأعيان ج 1 ص 320 / النجوم الزاهرة ج 2 ص 322/ شذرات الذهب ج 1 ص 111 الأعلام ج 3 ص 18
24 ــ دائرة المعارف الإسلامية لفريد وجدي ج 4 ص 42
25 ــ بغية الطلب ج 7 ص 3505
26 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 266
27 ــ الأغاني 18 ص 36
28 ــ تاريخ دمشق ج 17 ص 245
29 ــ مختصر أخبار شعراء الشيعة للمرزباني الخراساني ص ٩٦ / الأغاني ج ١٨ ص ٣٢
30 ــ ديوانه تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص 104 ــ 106 من قصيدة تبلغ (24) بيتاً
31 ــ أعيان الشيعة ج 6 ص 401
32 ــ مروج الذهب ج 3 ص 391
33 ــ العقد الفريد ج 5 ص 350
34 ــ ديوانه ص 174 ــ 175
35 ــ ذكر منها في الديوان ص 200 ــ 203 (19) بيتاً
36 ــ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 8 ص 93
37 ــ ديوانه ص 144 ــ 145
38 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 270
39 ــ ديوانه ص 129 ــ 130 من قصيدة تبلغ (12) بيتاً
40 ــ نفس المصدر ص 165 ــ 166
41 ــ بحار الأنوار ج ٤٩ ص ١٤٣
42 ــ ديوانه ص 209
43 ــ نفس المصدر ص 107
44 ــ نفس المصدر ص 109
45 ــ نفس المصدر والصفحة
46 ــ نفس المصدر ص 101
47 ــ نفس المصدر ص 201
48 ــ الموازنة للآمدي ج 1 ص 53
49 ــ أدب الطف ج 1 ص 309
50 ــ نفس المصدر والصفحة عن أدب الشيعة إلى نهاية القرن الثاني الهجري
51 ــ الفهرست ص ١٨٣ / النجاشي ص 114
52 ــ تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 227
53 ــ . ديوان دعبل الخزاعي، شرحه وضبطه وقدم له ضياء حسين الأعلمي ــ منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان الطبعة الأولى 1417 هـ / 1997 م تقديم: عبد الحسين أنصاري دار الامام الهادي (عليه السلام) ص 7
54 ــ مقدمة ديوان دعبل الخزاعي تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص 7
55 ــ نفس المصدر ص 28
56 ــ الأغاني ج ١٨ ص ٤٤
57 ــ ديوان دعبل الخزاعي تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص 178
58 ــ أعيان الشيعة ج 6 ص 403
59 ــ معجم الشعراء ج 1 ص 283 / مرآة الجنان ج ٢ ص ١٤٥ / وفيات الأعيان جلد 2 ص 266
60 ــ مقدمة ديوان دعبل الخزاعي ــ شرحه وضبطه وقدم له ضياء حسين الأعظمي ص 8 عن مجالس المؤمنين
61 ــ ميزان الاعتدال ج 2 ص 27
62 ــ لسان الميزان ج ٢ ص ٣٤٠
63 ــ الأغاني ج ٢٠ ص ١٣١
64 ــ تاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٤٥
65 ــ البداية والنهاية ج 10 ص 348 / معجم الأدباء ج 11 ص 100
66 ــ الأغاني ج 20 ص 149 ــ 150
67 ــ أعيان الشيعة ج 6 ص 402
68 ــ نفس المصدر والصفحة
69 ــ الأغاني ج ٢٠ ص ١٣3
70 ــ مقدمة ديوان دعبل الخزاعي ــ شرحه وضبطه وقدم له ضياء حسين الأعظمي ص 8
71 ــ ديوان دعبل الخزاعي تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص 97
72 ــ نفس المصدر ص 104 ــ 106
73 ــ عيون أخبار الرضا (ع) ج ١ ص ٢٩٧
74 ــ زهر الآداب ج 1 ص 86
75 ــ معجم الأدباء ج 11 ص 115
76 ــ ديوان دعبل الخزاعي تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص 97 ــ 98
77 ــ نفس المصدر ص 98 ــ 99
78 ــ نفس المصدر ص 101
79 ــ نفس المصدر ص 102
كما ترجم له وكتب عنه:
ابن قتيبة الدينوري / الشعر والشعراء ص 727
الزركلي / الأعلام ج 2 ص 339
السيد حسن الصدر / تأسيس الشيعة ص 193
ابن فضل الله العمري / مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ج 2 ص 36
ابن شهرآشوب / معالم العلماء ص151
رجال الحلي ص 70
رجال الطوسي ص 375
رجال ابن داود ص 92
قاموس الرجال ج 4 ص 277 ــ 291
رجال النجاشي ص 116
رجال الكشي ص 504
الخونساري / روضات الجنات ج 3 ص 306
الشيخ عباس القمي / سفينة البحار ج 3 ص 45 ــ 47
القلقشندي / صبح الأعشى ج 1 ص 341 / ج 2 ص 300
ابن الجوزي / المنتظم ج 11 ص 342 ــ 344
رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 4 ص 145
الذهبي / سير أعلام النبلاء ج 11 ص 519
الذهبي / الاعلام بوفيات الأعلام ص 110
جرجي زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية ج 1 ص 377 ــ 378
بطرس البستاني / دائرة المعارف الإسلامية ج 7 ص 693 ــ 695
بروكلمان / تاريخ الأدب العربي ج 2 ص 39 ــ 41
ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة ج 2 ص 322 ــ 323
فؤاد سزكين تاريخ التراث العربي ج 4 ص90 ــ 94
ابن حزم / جمهرة أنساب العرب ص241
صلاح الدين الصفدي / الوافي بالوفيات ج 14 ص 12 ــ 17
ابن عبد ربه الأندلسي / العقد الفريد ج 1 ص 132
أبو العباس المبرد / الكامل ج 1 ص 214
الذهبي / تاريخ الاسلام ص 258 ــ 264
تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 219 ــ 220
الجاحظ / البيان والتبيين ج 3 ص 250 ــ 251
عمر فروخ / تاريخ الأدب العربي ج 2 ص 284 ــ 289
الصنعاني / نسمة السحر ج 2 ص 105 ــ 117
الحاج حسين الشاكري / علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٤ ص ٥٩
فريد وجدي / دائرة المعارف وجدي ج ٤ ص ٤٢
الدكتور حربي نعيم محمد الشبلي ــ تائية دعبل الخزاعي، قراءة في البناء الفني والإسناد الصرفي للضمائر
وداد هيشار ــ الصورة الشعرية في ديوان دعبل الخزاعي
مهيد السر أحمد محمد ــ دعبل الخزاعي حياته وشعره: دراسة نقدية.
علي البهادلي ــ الهجاء السياسي في شعر دِعْبِل الخزاعي
سعد محمد علي التميمي ــ الصورة التشبيهية في شعر دعبل الخزاعي دراسة بلاغية تحليلية
صفاء عبد الله برهان ــ شعر دعبل الخزاعي: دراسة فنية
أحمد صبيح الأنصاري، نجم عبد الله غالي الموسوي ــ غرض الهجاء في شعر دعبل بن علي الخزاعي: دراسة موضوعية فنية
خالد حمد لفتة ــ التناص في شعر دعبل بن علي الخزاعي
الدكتور ستار عبد االله جاسم ــ شعر دعبل الخزاعي بين توهج العاطفة وعمق الانتماء
اترك تعليق