151 ــ حسن الدمستاني: توفي (1181هـ / 1759 م)

حسن الدمستاني: توفي (1181هـ / 1767 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام)

حنيني للحسيـنِ بـ (كربلاءٍ)     يسـاوِرُه معَ الـكربِ البلاءُ

عشيّةَ قالَ للأنصارِ: سيروا     بهذا الليلِ فهوَ لـكـمْ غِـطاءُ

فقالوا: بل نذوقُ الموتَ قتلاً     أمامَكَ كي يطيبَ لنا البقاءُ

وقال من قصيدة أخرى في رثاء سيد الشهداء (عليه السلام) تبلغ (70) بيتاً:

النازحُ الثـاوي بعـرصــةِ (كربلا)     غـرضاً لســهمَيْ كربةٍ وبلاءِ

إنَّ المصيبةَ بالحسـيـــــنِ عـظـيمةٌ     فاقتْ جميعَ مصائبِ العظماءِ

ما عنَّ مصرعُه المهولُ بخاطري     إلا اختنقــــتُ بعبرتي وبكائي

 وقال من حسينية أخرى تبلغ (54) بيتاً:

ومصيــبةُ السبطِ الشهيِد بـ (كربلا)     تـذرُ الـقــــلوبَ من الصبابةِ ذوَّبا

هيَ مسكبُ العبراتِ من أهلِ النهى     ومظاهرُ الحسـراتِ إن حزنٌ خبا

لهفي لمـــــولايَ الحسينِ وقد غدتْ     أنصارُه صرعى على تلكَ الرُّبى

وقال من أخرى تبلغ (59) بيتاً:

وأرزاؤها في (كربلاءَ) سمتْ على     جميعِ الرزايا في البلاءِ وفي الكربِ

عشـيّـة يـسـتـدعـي الــحـسينَ مليكُه     لـيـــــــسـكـنـه فـي ظلِّ جناتِهِ الغلبِ

ويسقيهِ من كأسِ الــــــشهادةِ شربةً     لها طربــتْ غُرُّ الملائكِ في الحجبِ

ومنها:

فيا ليـــــتني في (كربلاءَ) شـهـدته     وساعدته حتى قـــــضيتُ بها نحبـي

ويا لهفَ نفسي للحسينِ وما جرى      عليه غداةَ الطــفِّ مـن فادحِ الخَطبِ

أمـثـل حـسيــــــــــنٍ تُستباحُ دماؤه     ويذبحُ ذبحَ الكبشِ بالصارمِ العضبِ

 وقال من قصيدة تبلغ (72) بيتاً:

أبكـــــي البدورَ الزاهراتِ كواملاً     غربتْ بعرصةِ (كربلا) في غربةِ

أبكي الغصونَ النـاضراتِ نواعماً     عصـــــفتْ بها ريحُ المنونِ فجفَّتِ

أبكي البحـــارَ الـزاخراتِ علومُها     كم أنعشـــتْ موتى القلوبِ وأحيَتِ

ومنها:

حتى أصيبَ بـ (كربلا) فاستوحشتْ      واستخبرتْ عن حالهِ واستحفّتِ

قالوا لـهـا: يـأتـــــي غـداً فـتصبَّرتْ     واســـتخبرتْ من بعدِ ثاني مرَّةِ

ما زالَ هذا دأبهمْ مــــــــــعـهـا إلـى     أن أبـصرته لـيـلـةً فـي هـجـعـةِ

وقال من قصيدة:

هذا الذي أردى الحسينَ بـ (كربلا)      وحمـــاتُه وحماهُ ماءُ فراتهِ

أفـديـهِ لـما خــــــــــرَّ عن قربوسِه     مـتـصـرِّماً منه حبالُ حياتِهِ

تـتـنافسُ الأترابُ في جــــــــــنَّاتِها     بلقائِهِ والتـربُ فـي وجـناتِهِ

وقال من حسينية أخرى تبلغ (53) بيتاً:

وإن التي قد أحدثتْ خطبَ (كربلا)      لأجدرَ أن تُدعى بأمِّ القبائحِ

غداةَ أقامَ السبطُ في عــــــرصـاتِها     يُكابــدُ من أعدائِهِ كلَّ كاشحِ

وجادتْ له بالنصرِ أنفسُ أنــــــفسٍ     سوامٍ بــفقدانِ الحياةِ سوامحِ

وقال من قصيدة تبلغ (57) بيتاً:

ألمْ ترَ أنَّ السبط لاقى بـ (كربلا)     خطوباً لأدنـــــاها تذوبُ الجلامدُ

غـــداةَ تـقـاضـتْ مـنـه آلُ أمـيــةٍ     ذحـولاً لـــها خيرُ الوصيينَ واقدُ

فجــاهدهمْ فـي عصبةٍ من رجالِهِ     ضراغمَ تخشاها الأسودُ الحواردُ

وقال من حسينية تبلغ (64) بيتاً:

وإذا جرى ذكرُ القتيلِ بـ (كربلا)      تنفتُّ من عظمِ المصابِ الأكبدُ

أفديـــــهِ فرداً في المـجالِ وما به     دهـــشٌ يـردُّ القومَ عنه ويطردُ

تتفلّـقُ الـهــــــاماتُ مـن ضرباتِهِ     وتبيــنُ منهنَّ الـرؤوسُ وتـبـعدُ

وقال من قصيدة تبلغ (67) بيتاً:

وإن لفَّ بردُ الفضلِ بدراً بـ (كربلا)     جميعاً ثوتْ بدراً بحاشيةِ الــــبردِ

لأصــــحابِ بدرٍ من وراءِ ظهورِهم      ظهيراً يغطي ساحةَ الجزرِ بالـمدِّ

ومـزنُ مــــــواعـيـدِ الإلـهِ بـنـصـرِهِ     عـلـيـهـمْ هطولٌ ودقه مُحمَدَ الوقدِ

ومنها:

وليسوا كأنصارِ الحسينِ بـ (كربلا)     فإنّهمُ فــــــــي كلِّ ذلكَ بالضدِّ

فلا مـعـقــــــــلٌ إلّا ظِـلالَ سـيوفِهمْ     وإلا قـرابيسَ المضمَّرةِ الجردِ

ولا مـوعـدٌ إلا بـــــــــقـتـلٍ ومـثـلـه     وهـتكِ نساءٍ ثُكَّلِ الأهلِ والولدِ

وقال من قصيدة تبلغ (54) بيتاً:

كما جادَ أنصارُ الحسينِ بـ (كربلا)      بأنفسِهم في طاعةِ الأحدِ الفردِ

عـشـيّــــــــة يـسـتـدعـيهِ خالقُه إلى     جهادِ أعـاديهِ الغواةِ عنِ الرشدِ

ليشربَ من كـــــأسِ الشهادةِ شربةً     يلذّ لـــه في ذوقِـها نشوةُ الوِردِ

وقال من قصيدة تبلغ (61) بيتاً:

فإن أنسَ لا أنسَ الحسينَ بـ (كربلا)      وحيداَ وقد دارت به عصبُ الغدرِ

إذا جــــالَ بـالأبـطـالِ خِـيـلَ إلـيـهـمُ     مــــجـالُ عـلـيٍّ بـالكتائبِ في بدرِ

فما شـدّ نــــحـوَ الـقـومِ إلا تـطايروا     تطايرَ أفـــواجِ البغاثِ عن الصقرِ

وقال من قصيدة تبلغ (59) بيتاً:

كما صنعــــتْ أهلُ الوفاءِ بـ (كربلا)     وخـيلُ الردى فيها تخوضُ وتعتقُ

غداةَ أنوفُ البيضِ ترعفُ في الوغى      دماً وصدورُ السمرِ بالنجعِ تشرقُ

إذا اســـــتـبـقوا للحربِ لم يفرقوا ولم     يـبـالـوا سَقوا كأسَ المنيةِ أو سُقوا

وقال من قصيدة تبلغ (51) بيتاً:

ذكرتُ بـ (كربلا) الخطبَ المهولا      فلم أملكْ له الدمعَ الهمولا

لقد عظمَ المصـــــــابُ وجلَّ وقعاً     فكان الصـبرُ فيه مستحيلا

هـو الخطبُ الذي عــــــــمَّ البرايا     عـلـى أصـنـافِـهـا إلا قليلا

وقال من قصيدة تبلغ (61) بيتاً:

حتى إذا كانَ الحسيـنُ بـ (كربلا)     جلبـتْ عليهِ خيلَها ورجالَها

فحمته عن وِردِ الفراتِ فمن يردْ     من حزبِهِ ترسلُ عليهِ نبالَها

فقضوا وما بلّوا غـليلَ صدورِهم     إلا إذا ســـالَ الدماءُ خلالَها

ومنها:

هلا حضـرتـمْ عنده في (كربلا)     حـيث العداةُ تـــذيقه أهوالَها

وروي لـنا حَضَرَ الملائكُ عنده     مستأذنينَ لــــنصرِهِ فأبى لها

ومقالهُ لو شئتُ عــــاجلتُ العدا     بالحتفِ لكنْ أكرهُ استعجالَها

ومنها:

حيث الإلهُ قضى بأن أُسـقى الردى      في (كربلا) وقضى لها إمْهالَها

ستكون أرضُ الطفِّ مقصدُ شيعتي     لـزيــــــــــارتي وبلوغُها آمالَها

كـم من دعاءٍ مستجابٍ عــــــــندها     ومـلـمَّـةٍ فــتـحَ الـدعـا أقـفـالـهـا

وقال من لاميته المشهورة التي تبلغ (52) بيتاً:

ولا يـسـيـلُ لـهـــــــم دمعٌ على بشرٍ     إلّا على معشــرٍ في (كربلا) قُتلوا

ركبٌ برغمِ العُلى فوق الثرى نزلوا     وقد أعــــــــدَّ لـهمْ في الجنةِ النزلُ

تنسي المواقفَ أهـليــــــــها مواقفهمْ     بصبرِهم في البرايا يُضربُ المثلُ

وقال من قصيدة تبلغ (54) بيتاً:

وفي رزءِ الحسينِ بـ (كربلاءٍ)     كروبٌ لا يخلّصها المقالُ

بنفسي سبط خيرِ الخـــلقِ طرَّاً     يجالدُ حيث لم يفدِ الجدالُ

إذا ما حوله الأبطـالُ صـــالوا     سطا بحسامِهِ فيهم فزالوا

وقال من قصيدة أخرى:

وإن أخا الـمـسـتـضـامِ بـ (كربلا)     ذبـيحاً ومـــــــا بلَّ الحشا بسؤالِ

وإنَّ مــــحـيَّـاهُ الـذي كنتَ تنحني     لـتـقـبـيـــــلِـه عـالٍ بـأسـمرَ عالي

ونسوتُه يُسرى بها أعنفُ السرى      ثواكلَ حسرى فوق عجفِ جِمالِ

وقال من قصيدة:

ولهفاً على المدفونِ في أرضِ (كربلا)     بلا كفنٍ إلا نسيـــــــــجَ رغامِ

ولهفاً على الشفّـــــــــانِ قلباً من الظما     ومن قربِهِ ماءُ الشريعةِ طامي

ولهفاً على المذبـــــــوحِ ظلماً من القفا     عـلـى غـلّــــةٍ فـي قـلـبِهِ وأوامِ

وقال من أخرى تبلغ (62) بيتاً:

فلو أنــنا كنّا حـضوراً بـ (كربلا)     لكنّا كما جادوا بأنفسهمْ جُدنا

وحيث تدانى حظنا عن حظوظِهم     فحــقّ لنا من أجلِه لو تأسَّفنا

فقــد ندبَ اللهُ الـعـبـادَ إلـى الـبُـكا     عليهِ وخيرُ المرسلينَ له سنّا

 وقال من قصيدة:

ما التذت البضعةُ الـزهــراء بالوسنِ     مُـذ أفجعتها الليالي بابنِها الحسنِ

وليتني كنتُ أفدي السبط حين قضى      بـ (كربلا) بينَ أهلِ البغي والفتنِ

الشاعر

الشيخ حسن بن محمد بن علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف الله بن حسن بن صدقة الدمستاني البحراني من بني عبد القيس، فقيه ومتكلم وأديب وشاعر وفيلسوف، من أعلام العلماء في البحرين، ولد في قرية (دمستان) في البحرين وإليها نُسب، وقيل إن ولادته في قرية (عالي حويص) من قرى البحرين وسكن دمستان فنُسب إليها (1)

درس الدمستاني العلوم الدينية في بداية حياته في مدينته غير أن الأوضاع الأمنية فيها اضطرته للهجرة، فقد كانت دمستان مستهدفة لهجمات الخوارج في ذلك الوقت حتى احتلوا البحرين عام (1131 هـ / 1718 م) فاضطر الدمستاني إلى مغادرة مدينته إلى القطيف مع مجموعة كبيرة من علماء وأدباء البحرين.

حاز الدمستاني على درجة الاجتهاد وأصبح المرجع الكبير في البحرين والذي يقصده الناس في أمور دينهم ودنياهم، وكثيراً ما كان يتفاجأ من يقصده للسؤال والفتيا فيجده وهو بملابس الفلاح وبيده مسحاته وهو منهمك بعمله غير آبه بالمظاهر فيستقبلهم بوجهه الباسم ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم ويعود إلى عمله.

درس الدمستاني عند كبار العلماء وروى عنهم منهم: الشيخ عبد الله بن علي بن أحمد البلادي البحراني، والشيخ أحمد بن إبراهيم المقابي البحراني، والشيخ محمد الفاراني البحراني، والشيخ حسين بن محمد بن جعفر الماحوزي البحراني. وغيرهم، أما من درس على يديه فمنهم: ابنه الشيخ أحمد الذي يروي عنه قراءة وإجازة ،والشيخ عبد الحسين بن أحمد الأصبعي البحراني، والشيخ علي نقي بن محمد الزير آبادي، وغيرهم

وكما كان فقيهاً كبيراً، فقد كان شاعراً فذّاً كتب كل أحداث الثورة الحسينية من خروجه من المدينة إلى استشهاده في كربلاء شعراً في ملحمة كبيرة تعد من عيون الشعر الحسيني البحريني، وله في الإمام الحسين قصيدة لامية من محاسن الشعر قال عنها الشيخ علي البلادي: (غاية البلاغة ونهاية المواعظ البالغة مع حسن التلخيص) (2)

كما كان الدمستاني عالماً بالرجال، يقول فيه السيد محسن الأمين: (كان رجالياً ماهراً في علمي الحديث والرجال) (3)، ويعد كتاب الدمستاني: (انتخاب الجيد من تنبيهات السيد) في علم الرجال مصدراً مهماً من مصادر الرجال والحديث، اعتمد عليه الكثيرون وهو ملخص لكتاب (تنبيهات الأديب في رجال التهذيب) ــ أي تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ــ للسيد هاشم البحراني. يقول الشيخ البلادي عن هذا الكتاب: (فيه فوائد جليلة وتنبيهات جميلة في علم الرجال لم توجد في غيره) (4)

مؤلفاته

وإضافة إلى هذا الكتاب ــ انتخاب الجيد من تنبيهات السيد ــ فللدمستاني عدة مؤلفات في الفقه والعقائد والسير منها:

1 ــ تحفة الباحثين في أصول الدين. وهي منظومة في أصول الدين.

2 ــ منظومة في نفي الجبر والتفويض.

3 ــ أرجوزة في إثبات الإمامة والوصية.

4 ــ أرجوزة في التوحيد. وهي أكثر من مائة بيت.

5 ــ رسالة الجهر والإخفات.

6 ــ الرسالة الصحارية في علم الكلام.

7 ــ رسالة عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة.

8 ــ أوراد الأبرار في مآتم الكرار. ويعرف أيضاً بـ (الأسفار) وقد ضمّنه كثيراً من شعره وهو مقسم على خمسة أوراد في كل ورد ثلاثة أسفار.

9 ــ ديوان شعر كبير سمِّي بـ (نيل الأماني)

قالوا فيه

قال فيه الشيخ علي البلادي البحراني من ضمن ترجمة مطولة:

(العالم الرباني والفاضل الصمداني الكامل العلامة المحقق الفهامة التقي النقي الأديب المصقع... من العلماء الأعيان، ذوي الإتقان والإيمان، وخاص أهل الولاء والإيمان، زاهداً عابداً تقياً ورعاً شاعراً بليغاً إن نظم أتى بالعجب العجاب وإن نثر أتى بما يسحر عقول أولي الألباب قلما يوجد مثله في هذه الأعصار في العلم والتقوى والبلاغة والإخلاص في محبة الآل الأطهار سلام الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار، ومن وقف على مصنفاته وأشعاره وظاهر كلامه وأسراره وفهم مراده عرف حقيقة مقداره وعلو مجده وفخاره) (5)

ومما يروى عن زهده وتقواه ما رواه البلادي عنه أنه: (كان مع ما هو فيه من الفضل والعلم والعمل يعمل بيده ويشتغل لمعيشته وعياله، حدثني شيخنا العلامة الثقة المقدس الصالح الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح (قدس الله سره) أنه وردت في زمانه مسائل من علماء أصفهان إلى البحرين ليجيب عنها علماؤها ووصلت إلى حاكم البحرين من جهة العجم فأرسل رجالا من عنده إلى علمائها ليجيبوا عنها ومن جملتهم الفاضل المذكور صاحب الترجمة (قدس الله روحه) فلما وصل رجال الحاكم إلى قريته دمستان وهي قرية صغيرة وأهلها فقراء وأكثر أرضها تسقى بالدلاء سألوا من رأوه عن الشيخ المزبور فأتى بهم إلى رجل عليه خلقان من الثياب يستقي دالية بالدلاء وفيها بعض الزرع والنخيل وعنده صبية تروس عليه وقال لهم هذا الشيخ الذي تسألون عنه فلما أخبرهم بذلك ظنوا أنه يهزأ بهم لما رأوا ما هو فيه فضربوه وآذوه فسمع الشيخ بما هنالك ورأى هيئة الحكام فأتى إليهم وسألهم عن ذلك فأخبروه بمقصدهم وأن هذا يهزأ بنا بإرشادنا إليك فقال لهم صدق إنه لم يهزأ بكم فما الذي تريدون؟ فقالوا: نريد الشيخ المجتهد الشيخ حسن الذي في هذه القرية فقال: وماذا تريدون منه؟ فقالوا له: أرسلنا إليه الحاكم بمسائل واردة عليه من أصفهان ليجيب عليها فقال لهم أنا طلبتكم فأتوني إياها فتبين لهم أن هذا هو الشيخ والذي أخبرهم صادق فسلموا عليه وقبلوا يديه وجلسوا معه في تلك الدالية وأعطوه المسائل فرآها وأمر تلك الصبية أن تأتي إليه بدواة وقلم وكتب الجواب بحضرتهم من غير مراجعة وأعطاهم إياه فتعجبوا من ذلك عجبا شديدا لما يعهدونه من زيادة التشخص وظهور الأبهة عند علمائهم وهذا بهذه الحالة) (6)

ثم يقول البلادي: (وبالجملة هذا الشيخ من أعاظم العلماء الأتقياء وخلص الأولياء توفي (قدس الله سره) في بلدة القطيف ودفن في المقبرة المعروفة الحباكة والظاهر أن سبب مجيئه إليها من إحدى الحوادث والوقائع الواقعة على البحرين التي لا تخلو منها في أغلب السنين...). (7)

وينقل الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة عن السيد محمد صادق بحر العلوم في الشذور الذهبية: (إن قبره بالحباكة معروف حتى يومنا هذا ويقع بجوار مسجد العابدات (داخل المقبرة) ويزوره اهل القطيف). (8)

وقال فيه الشيخ محمد طاهر السماوي: (كان فاضلاً مصنِّفاً وأديباً شاعراً) (9)

وقال عنه السيد محسن الأمين: (كان عالماً فاضلاً، فقيهاً، محدثاً، رجالياً، محققاً مدققاً، ماهراً في علمي الحديث والرجال، أديباً شاعراً). (10)

وقال فيه الشيخ عبد النبي القزويني: (كان فقيهاً منيع الرتبة رفيع المرتبة) (11)

وقال السيد حسن الأمين: (كان فقيهاً أصولياً جليلاً له مقام بين علماء البحرين) (12)

شعره

للدمستاني أشعار كثيرة كلها في أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة المراثي الحسينية وقد جمعها ابنه الشيخ أحمد في ديوان كبير سماه (نيل الاماني أو ديوان الدمستاني).

قال فيه السيد جواد شبر: (أما شعره فهو كثير بعدد حروف الهجاء، ومن أشهرها ملحمة الطف، وقد جاء في ديوانه المطبوع في النجف الأشرف والمسمى بـ (نيل الاماني) أربع وأربعون قصيدة. وجمع شعره ابنه الشيخ أحمد في مجلد مشتمل على ١٠٩ صفحات، كتبه بخطه وانتهى من تدوينه في عام (١١٩٠) هـ كذا ذكر الشيخ الطهراني في (الذريعة).

ثم يقول شبر: (وقبل ثلاثين سنة من هذا التاريخ استعرتُ ديوان الشيخ دمستاني ودوّنت منه ٢٢ قصيدة فهي اليوم في أحد أجزاء (سوانح الأفكار في منتخب الأشعار) بخطي، وسبق وأن نشرت مختصر مقتل الحسين واسميته (عبرة المؤمنين) طبع بمطبعة النعمان بالنجف الأشرف وذكرت فيه ملحمة الشيخ الدمستاني، وهي مشهورة لدى خطباء المنبر الحسيني وكثيراً ما تكون موضع الشاهد في مواقفهم الخطابية.

ومن الجدير بالذكر أن شبّر ألّف كتابه بتاريخ (1978) يعني أنه دوّن قصائد الدمستاني عام (1948)

ومن أشهر شعر الدمستاني قصيدته (اللامية) في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والتي يبدأها بمقدمة (حكمية) يقول منها:

من يُلهِهِ المــــرديـــــانِ المـالُ والأملُ      لم يَدرِ ما الـمنجيانِ العلمُ والعملُ

من لي بـصـيقـــــلِ ألبابٍ قـد التصقتْ     بها الـــرذائلُ والتاطتْ بها العللُ

قد خـــالطــــــتْ عقلهمْ أحـكامُ وهمهمُ     وخـلط حـكمهما في خاطرٍ خطلِ

خُذْ رشـــــدَ نفـسِك من مـرآةِ عقلِك لا     بالـوهمِ من قبلِ أنْ يغتالَك الأجلُ

فـــــالعقلُ مـعـتَــــصـمٌ والـوهمُ متَّـهمٌ     والـعمرُ منصـرمٌ والدهرُ مرتَحِلُ

مطى الأنامِ هيَ الأيـــــامُ تـحمـــــلهمْ     إلى الحِمامِ وإن حـلّوا أو ارتحلوا

لمْ يـولـد الـمــــــرءُ إلا فـوقَ غاربِها     يـحـــــدو بـه لــلـمنايا سائقٌ عجلُ

يا منفقَ الـــــعمرِ في عـصيانِ خالقِه     أفِــــقْ فأنك مـن خَمْرِ الهوى ثَمِلُ

تَعصـــــيهِ لا أنتَ في عُصيانِه وجلٌ     مـن العقــــــابِ ولا مِن مَنِّه خَجِلُ

أنـــــفاسُ نفسِك أثمانُ الجنــــانِ فهل     تَشري به لهبــاً في الحشرِ يشتعلُ

تـــــشحُّ بالمالِ حرصاً وهـــو منتقلٌ     وأنـتَ عــنـــه بـرغـمِ عـنكَ منتقلُ

ما عُذرُ من بلغَ العشرينَ إن هَجَعَتْ     عــــيناهُ أو عـاقَه عن طاعةٍ كَسـلُ

إن كنتَ منتهـــجاً منهاجَ ربِّ حجىً     فـقـمْ بـجــــــــنـحِ دجـىً للهِ تـنـتـفلُ

ومنها في وصف أولياء الله كما وصفهم أمير المؤمنين (عليهم السلام):

ألا ترى أولـيـاءَ اللهِ كــــــــــيـفَ قَـلَتْ     طِيـبَ الكرى في الدياجي منهمُ المُقَلُ

يـدعـونَ ربَّـهـمُ فـــــــي فـكِّ عــنــقـهمُ     مــن رقِّ ذنــبــــهـمُ والـدمـعُ يـنـهملُ

نـحـفُ الـجـسـومِ فلا يُدرى إذا ركعـوا     قِــسـيُّ نــبـلٍ هـــــــــــمُ أم ركَّعٌ نـبلُ

خمصُ البطونِ طوىً ذُبلُ الشـفاهِ ظماً      عَـمشُ العيونِ بُـكاً ما عــــابها الكُحلُ

يُقالُ مرضى ومـا بــالـقـومِ من مرضٍ     أو خـــــــولطوا خـبلاً حاشاهمُ الخبلُ

تـعـادلَ الـخوفُ فيهمْ والـرجـــــاءُ فلمْ     يـفـرط بـهـمْ طـمــــــعٌ يوماً ولا وجلُ

إنْ يَنطقوا ذَكَروا إنْ يـصمــتوا فَكَروا      أو يَغضبوا غَفروا أو يَـقطعوا وصلوا

أو يُظلموا صـفحوا أو يوزنوا رجحوا      او يـــسألوا سمحوا أو يـحكموا عدلوا

ولا يــلــمّ بـهـم مـن ذنـبـــــــهـمْ لــمـمٌ     ولا يـمـيـلُ بـهـــمْ عـن وردِهـمْ مـيَـلُ

ومنها في الإمام الحسين (عليه السلام):

ولا يسيلُ لهـــــــــــم دمعٌ على بشرٍ     إلا عــــــلى معشرٍ في كربلا قُتلوا

ركبٌ برغمِ العُلى فوقَ الثرى نزلوا     وقـــــــد أعــدَّ لـهمْ في الجنَّةِ النزلُ

تنسي المواقفُ أهليــــــــــها مواقفهمْ     بصبرِهم في البرايا يُضربُ المثلُ

ذاقوا الحتوفَ بأكنافِ الطفوفِ على     رغمِ الأنــــوفِ ولـم تَبرُدْ لهمْ غُلَلُ

أفدي الحسينَ صريعاً لا ضــريحَ له     إلّا صـريرَ نــــــصولٍ فيه تَنتصلُ

والـطـعـنُ مـؤتـلـفٌ فيه ومخـــــتلفٌ     والـنـحرُ منعطفٌ والــــعمرُ منبتلُ

والـجـسـمُ ضربا له بالنجع مختضِبٌ     والـقــــــــــلـبُ مـلـتهبٌ ما بلَّه بَللُ

ومن أشهر قصائده أيضاً ملحمته الحسينية (أحرم الحجاج) التي تقرأ في المجالس الحسينية في العديد من الدول مثل: والعراق، والأهواز، وعُمان، وسوريا، ولبنان، والكويت، إضافة إلى البحرين يقول منها:

أحرمَ الحُجاجُ عن لذاتـهم بعـــضَ الشهورْ     وأنا المُحـــــــــــرمُ عن لذّاتِه كلَّ الدهورْ

كيـفَ لا أحرمُ دأباً ناحراً هـــديَ الـسرورْ     وأنا في مشعرِ الحزنِ على رزءِ الحسينْ

حقَّ للشاربِ من زمزمَ حـــبَّ المصطـفى     أن يـرى حـقّ بـنـيـــــــــهِ حـرمـاً معتكفا

ويواسيـــــــهمْ وإلا حــــادَ عن بابِ الصفا     وهــو من أكبرِ حوبٍ عند ربِّ الحرمينْ

فمن الواجب عيناً لبـــسُ سربــــالِ الأسى     واتـخــــــاذِ الـنوحِ ورداً كل صبحٍ ومسا

واشتعالِ القلبِ أحــــزانـاً تذيــــبُ الأنفسا     وقليلٌ تُتلـــــفُ الأرواحُ في رزءِ الحسينْ

لستُ أنساهُ طريـــداً عن جوارِ المصطفى     لائـذاً بـالـقـبّــــــــــةِ الـنـوراءِ يشكو أسفا

قائلاً يا جدُّ رســـمُ الصبـرُ من قـلــبي عفا     ببلاءٍ أنقـــــــضَ الظهرَ وأوهى المنكبينْ

صبَّتِ الـــدنيا علينا حاصــــبـاً مـن شرِّها     لـم نـــــــذقْ فـيـهـا هـنـيـئاً بلغةً من بُرِّها

ها أنـــا مطرودُ رجـسٍ هـائـــــمٍ في بَرِّها     تاركاً بالــــرغمِ مني دارَ سُكنى الوالدينْ

ضُـــمَّني عندكَ يا جداهُ في هذا الـضريحْ     علّني يا جــــــدُّ من بلوى زماني أستريحْ

ضاق بي يا جدُّ من فرطِ الأسى كلَّ فسيحْ     فـعــــــسى طودُ الأسى يندكُّ بين الدكَّتينْ

جدّ صفوُ العيشِ مـن بعدكَ بالأكدارِ شيبْ     وأشـــــــابَ الهمُّ رأسي قبل اُبَّانِ المشيبْ

فـعـلا مـن داخـلِ الـقـبـرِ بـــكـاءٌ ونـحيبْ     ونـداءٌ بـافـتـــــــــجاعٍ يا حبيبي يا حسين

وقال من حسينية أخرى:

ألمْ ترَ أنَّ الـسـبـطَ جـاهدَ صابــــــراً     بأنصارِهِ الصيـــــــدِ الكرامِ المـذاويدِ

فثابوا إلى نيلِ الثوابِ وقــــــــصَّدوا     صدورَ العوالي في صدورِ الصناديدِ

وجادوا بأسنى ما يجـــودُ به الورى      وليسَ وراءَ الجودِ بالنـــفسِ من جودِ

فأوردهم مـولاهـــــمُ موردَ الـرضـا     هـنيئاً لهم فازوا بأعظمَ مـــــــــورودِ

وظلَّ وحـــــــيداً واحـدُ العصرِ ماله     نصيرٌ سوى ماضٍ وأسمرَ أمــــــلودِ

على سابقٍ لم يحضرِ الحربَ مُدبراً      وما زالَ فيها طارداً غيـــــرَ مطرودِ

ويقول في نهاية إحدى قصائده وهو يتوسَّلُ الشفاعة من سادته الأئمة المعصومين (عليهم السلام):

أنتمْ سلاطيـــــــــــنُ المعادِ وأنتمُ     غوثُ العبادِ وأقربُ الشفعاءِ

فتشفّعــــوا في عبدِكم حسنٍ وفي     أبويهِ والإخــوانِ والخلـطاءِ

مالــي إلى اللهِ الـعـظـيـمِ وسـيـلةٌ     إلّا ولائــــــــي فيكمُ وبرائي

وعليكم صلى السلام متى ارتقى     جونُ الغمامِ مــناكبَ النكباءِ

ويقول من حسينية أخرى:

ها جـســــمُـه فـوقَ الترابِ مُجدّلاً     وكريمُه فــــوقَ السنانِ مُركّبا

والشيبُ من فيضِ الوريدِ مخضَّبا     والخدُّ منه على الصعيدِ مُترّبا

والخيلُ جاريـــــة عـلـى جـثـمانِه     عُقرتْ وحــقّ لمثلها أن تعطبا

ويختمها بقوله:

يا من لهم حكمُ المعــــادِ ومَن لهمْ      فرضُ الودادِ على العبادِ وأوجبا

تالله ما حــــــــــبّي لكـمْ يا سادتي     بـتـكـلّـفٍ مـنـي ولا مـسـتـجـلـبـا

أشربتُ في الذرِّ اعتقادي فضلكمْ     ورحيـــــــــقَ حبكمُ الألذّ الأعذبا

ورضيــتُ مدحكمُ وهجوَ عدوِّكمْ     ديـنـاً أديـنُ به الإلـــــــــهَ ومذهبا

وزار الشاعر قبر النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم عاشوراء فرأى مظاهر الفرح والزينة عند النواصب فآلمه ذلك كثيرا وقال قصيدة منها:

فمن ذاك أنّي ظــــــلتُ أطـلبُ طيبة     ولم ينحرفْ عن ذلكَ القصدِ مطلبي

فزرتُ بعـــــاشوراءَ الـنبيَّ فراعني      ظهورُ شعارِ العيدِ في حضرةِ النبي

فقلــــتُ ولم أملك مـن الغيظِ منطقي     ثـبـــوراً وتـثريباً لـكـم أهـلُ يـثـربِ

مــــتى صار عـاشوراءَ عيداً لمسلمٍ     وقـد غُــيِّبَ الإسلامُ في جنحِ غيهبِ

ومن يجعلِ الـعاشورَ عيداً عقيبَ ما     جرى فيه غــير الناصبِ المتعصِّبِ

أقـلـبُ رســــــولِ اللهِ ذو فـرحٍ بـمـا     جـنـاهُ الـعـــدى أم ذو أسـىً مُـتـلهِّبِ

ألا يستحي من لا يواسيهِ في الأسى     عـلـى آلهِ مــــــــن زيِّ عيدٍ وملعبِ

وقال من قصيدة يذكر فيها ما جرى على النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته (صلوات الله عليهم) من المصائب العظيمة:

ومُـحِّــــــــــصَ خــتـمُ الأنـبـيـاءِ وآلـه     بـأضعافِ مـا ذاقَ الـنبيونَ في الحبِّ

فـخــــوصـمَ مــظـلـوماً وكُذّبَ صادقاً     وألجئَ مخــــذولاً إلى الغارِ والشِعبِ

وفي حربِ صـخرٍ شجَّ في حرِّ وجههِ     بفهرٍ ألا شــــــاهتْ وجوهُ بني حربِ

وذاقَ عـــــلـــيٌّ مـثـلَ مـا ذاقَ أحـمـدٌ     لأنّـهــــمـا قـطــبـا الـولايـة والـقـرب

ومُحِّصتِ الزهراءُ في الجسمِ بالأذى      وفي القولِ بالتكـذيبِ والمالِ بالغصبِ

وفي ولـدِها بـالـقـتــــــلِ بالسمِّ والظبا     وســمرِ القنا والـسبِّ والسبيِ والسلبِ

ويقول في نهايتِها بعد أن يستعرض أحداث يوم الطف يستنهض الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف):

أمولايَ يا ابــن العــسكـريِّ إغـاثة     فقد جَلَّ تقصيــــــرُ الزمانِ على العتبِ

لقد بعُدتْ أهلوهُ عــن مـركزِ التقى     بـأضــــــــعافِ ما بين المعدّلِ والقطبِ

وتـاهـتْ بتيـــــهاءِ الضـلالِ أراذلٌ     بنتْ أمرَهمْ فينا على الخفضِ والنصبِ

فقمْ وانتقمْ من غيرِ أمـرٍ من العدى     وسـكّنْ قلوبَ الأوليـــــــاءِ مـن الرعبِ

فمن لـي بـمـن يـســعى إليَّ مُبشراً     بأن طلعتْ شمسُ النهارِ مـــــن الغربِ

فـألـقـاكَ تـقـفـونـي إلـــيـكَ أمـاجـدٌ     تـمـتّ بــضـيفِ اللهِ في عسكــــرٍ لـجبِ

تحفُّ بـكَ الأمـــــلاكُ في أيِّ عدَّةٍ     وتهـــوي لكَ الأبصارُ من ظللِ السحبِ

...................................................

1 ــ عبد الله بن أحمد / هامش أنوار البدرين للشيخ علي البحراني

2 ــ أنوار البدرين ص 218

3 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 260

4 ــ أنوار البدرين ص 218

5 ــ نفس المصدر ص 217

6 ــ نفس المصدر ص 219

7 ــ نفس المصدر ص 220

8 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 2 ص 358

9 ــ الطليعة من شعراء الشيعة / ج 1 ص 48

10 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 260

11 ــ تتميم أمل الآمل ص ١١٢

12 ــ مستدركات أعيان الشيعة ج ٢ ص ٢٤٥ 

كما ترجم له:

الزركلي / الأعلام ج 2 ص 220

رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 3 ص 286

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 5 ص 294

محمد علي الحلو / أدب المحنة ص 256

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار