150 ــ حسن التاروتي: توفي (1250/ 1835 م)

حسن التاروتي (توفي 1250 هـ / 1834 م)

قال من قصيدة تبلغ (95) بيتاً:

هــــــــذاكَ أطعمهمْ ببدرٍ مُـمـقراً     وبـ (كربلا) هــذا أغصَّ المشربا

يا من أباحَ حِمى الطفوفِ بعزمةٍ     ما كـــــــان في خُلدِ اللقا أن تغلبا

وأعادَ أعـــطافَ السيوفِ كسيرةً     يومَ الضرابِ وفلَّ منها المضربا (1)

الشاعر

حسن بن محمد بن مرهون التاروتي القطيفي، شاعر مجيد يمتاز بشاعرية قوية وأصيلة ولد في جزيرة تاروت ونُسب إليها، قال عنه الشيخ علي البحراني: (لشاعر الماهر البليغ المصقع الشيخ حسن بن محمد بن مرهون التاروتي القطيفي (من أهل جزيرة تاروت على وزن هاروت) هو من شعراء أهل البيت (ع) ومادحيهم له الشعر البليغ الجيد ... ثم يذكر مطلعي قصيدتيه البائية والعينية ويقول: (إنه أبدع وأغرب فيهما بل قلما يوجد في المراثي مثلهما) (2)

ويقول عنه السيد جواد شبر: (من نوابغ الشعراء، اشتهر بجودة الشعر، جزل اللفظ جيد السبك، ولعلك تعجب إذا علمت بأنه كان يصيد السمك ويمتهن ذلك ويقوت من الزراعة والسقاية ويتحدث الناس عنه بأنه كان مضيافاً سخي النفس كما كان جميل الوجه حسن الصورة ....) (3)

وقال عنه الشيخ علي المرهون: (كان من الشعراء الأفذاذ ممن ذاع صيته واشتهر واستغنى عن التعريف والبيان، حكى أنه سافر إلى العراق، فلما وصل إلى النجف الأشرف رأى ذات ليلة في المنام أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: إقرأ علي قصيدتك العينية فقرأ فيها حتى وصل إلى قوله:

إذا قعدَ الشمرُ في صدرِه     فما لقعودِكَ من موضعِ

بكى أمير المؤمنين بكاءً شديداً وقال: يعزّ عليَّ، ماذا أصنع وقد شاء الله ذلك؟) (4)

شعره

قال من قصيدته العينية في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (119) بيتاً:                                                                          

سلّي أن جهلتِ ولــــمَّـا تـعـي     بأن ابـنَ فاطمةٍ قد نُـــــــعي

غداةَ رأى الــــدينَ فـي خاملٍ     يـجـرُّ قـنـاهُ ولــــــــم يـرفـعِ

وداعٍ دعـــــاهُ ائـتـنـا لـلـهدى     ولـم يـكُ هـــــيَّـابـةً إذ دُعِـي

ومــــــن حولِـه تبَّـعٌ إن دعـا     فـمـا حِـــــمْـيَـرٌ مـن دعا تُبَّعِ

كـأنَّ الـنجـومَ بـهمْ تـــــهتدي     إذا حـــــلّـهـا البدرُ في مطلعِ

فـحلَّ بوادي الــــندى لم يجدْ     أخـــــا ثـقـةٍ فـيـه لـم يـخـدعِ

فما اسطاعَ من بينهمْ مرجعاً     ومـا كان فـي الأمرِ بالمرجعِ

فقالوا: أطـــــــعنا يزيداً فكن     لــه طـائـعاً وامضِ في مهيعِ

فـقـالَ: أطـعـتـــــمْ ولمَّا أطع     لـه وســــمـعــتـمْ ولـم أسـمعِ

أبى اللهُ يخضعُ جـــــيدي له     وسـيــــفي بكفِّي وجدِّي معي

فباتَ وباتوا ومـن بـيـــنـهـمْ     مـواعـدة الـــــــقرعِ بالأقرعِ

فـوطـا قـلــــوبَ ذويه عـلى     لــــقـا أروعٍ فـي تقـى أورعِ

فمذ دعتِ الـــحربُ أقرانَها     وقــــارنتِ العضبَ بالأخدعِ

رأيـتَ أولـئـــــك من دارعٍ     يــؤمُّ الـــــهــيـاجَ ومن أدرعِ

دعوا للرماحِ ألا فـاشـرعي     وبيضِ الـصـفاحِ ألا فاقطعي

ويـا خيلنا قد أعدتِ الـدجى     فغـيـبـي بـه تــــارةً واطـلعي

فوفّــى الذمامَ وأعلى الــوفا     نـفـوسٌ أسـيلتْ عــــلى اللمَّعِ

وظـلَّ فتىً لم تـهله الألوف     ولا بــــــالـفروقةِ في المجمعِ

يـردُّ الــكـــمـاةَ كـذي لـبـدةٍ     أغـــــــــارَ بـــســائـمـةٍ رُتَّـعِ (5)

ومنها:

إذا لمعت نــــــارُ طورِ الغريِّ     فـأنتَ بوادي طوىً فاخلعِ

وصَــــــلِّ وسلّمْ وصِلْ واسـتلمْ     لقدسِ أبي الحسنِ الأنزعِ

ونـــادِ وقلْ يا زعـيمَ الصفوفِ     ويـــا قطـبَ دائرةِ الأجمعِ

قعدتَ وفي الطفِّ أمُّ الخطوبِ     تقعقــــعُ فـي ضَنكِ الموقعِ

جثتْ فجثا بـازاهـا بـــــــنـوكَ     عـلـى رُكَـــبٍ قط لم ترفعِ

فـلـمَّا تضايقَ مدُّ السيـــــــوفِ     كمشتبكِ الأصــبعِ الأصبعِ

أبيــــــدوا فـغـصّـتْ بهـمْ بقعةٌ     بها غــصَّ مـنهم فمُ الأبقعِ

أثرْ نقـــــــــعَها فحسينٌ قصيْ     لها رغـبـةُ العيـنِ والمسمعِ

فـقُـمْ فـانـتـظــــــارُكَ مـمدودة     وغـلّـة أحـــشــاهُ لـم تـنقـعِ

وقد وترتــــــــه أكفُّ التـراتُ     فــأغرقتِ الرمـيَ بالمنزعِ

وقال من (بائيته) في أهل البيت (عليهم السلام) والتي تبلغ (95) بيتاً وقد قدمناها:

أضــنــتــنــيَ الأعـــبـــــــــاءُ إلا أنـنـي     مـتـمـسِّـكٌ بـولاءِ أصـحــابِ الـعـبـا

قــومٌ جـعـلـتُ ولاءهــمْ ومــديـحَـــــهـم     هـذاكَ مـعـتـصـمـــاً وهـذا مـكـسـبـا

أنـــوارُ قــدسٍ حــيـــث لا فــلــكٌ يــدو     رُ ولا ندى صـبحٍ يُـعـاقـبُ غـيـهـبـا

ومـــهــلــلــيــنَ مــكـــــــــبِّــريـنَ وآدمٌ     مــن مائــه والــطــيـنُ لـن يـتـركّـبـا

نــزلَ الكتابُ عــــــلـيـهـمُ فـقـضــوا به     وأبــانَ فـضـلـهـمُ الـعـظـيـمَ وأعـربا

ســـلّـوا لـــــــه سـيـفـاً وقـادوا مــقـنـبـاً     فـعـلـوا بـمـا فـعـلـوا ونـافـوا مـقـنـبـا

حازوا العلى فاقوا الملا شرعوا الهدى      بلوا الصدى نصبوا الحبا لزموا الإبا

مـا لـلـثـنـاءِ عـلـيـهـمُ وبـــــــمــدحــهـمْ     طـــه تــنــوِّهُ والــمــثـــانــي والـنـبـا

سَـلْ عـنـهـمُ الأعـرافَ والأحقـافَ والـ     أنـفـالَ واسـأل هـل أتـى واسـأل سـبا

يـغـنـيـكَ قــولُ اللهِ عـــــن ذي مــقـولٍ     ومــــــديــحُــه عــمـنْ أطـالَ وأطنبا 

حـسـدوهـمُ نـيـلَ الـمــــعـالـي إذ غـدوا     أعـلى الـــــورى نسباً وأعلى منصبا

ما ذنـبُ أحـمـدَ إذ أتـى بـــــــشـريـعـةٍ     هـلّا أتـوا أصــفـى الـشـرائـعِ مشربا

ومنها في حديث الغدير:

ورضــــوا بما قد قالَ في خمٍّ وقد     نصبَ الحــدائجَ ثم قامَ ليخطبا

فـدعـا عـلـيـاً قـائـلاً مـن كنتُ مو     لاهُ فـذا مـولاهُ طـــوعـاً أو إبـا

ما زالَ حتى بانَ من أبـــــطـيهِما     بـلـجٌ أراهُ الـجــــاحـدَ الـمُتريِّبا

ولووا بـبـيـعـتِـه عـلــــى أعناقِهم     حـبـلاً بآفةِ نقضِهم لن يــــقظبا

والله لو أوفـوا بـــــــها لـتـدفّـقـتْ     بـركـاتُـها غـيـثـاً عليــهم صيِّبا

لو لم يحلوا عهــدَها حـلَّ الـعـهـا     دِ بها وما اعتاضوا جهاماً خُلبا

من عاذري منهمْ وقد حسدوا بها     أولى البرية بـالنـــــــبيِّ وأقربا

ومنها في صفات أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضائله:

الحاكمُ العدلُ الرضيُّ المرتضى      العالم العَلَمُ الــــوصيُّ المجتبى

أسـمـاهـمُ مــــجداً وأزكى محتداً     وأعـفُّـهـــــــــمْ أمَّاً وأكرمهمْ أبا

وأبـرُّهم كفّـاً وأنـــــــــداهـمْ يـداً     وأسَــــــدّهـم رأيـاً وأصدقهمْ نبا

وتــــــــــــقدّموه بها ولم يتقدّموا     لما رأوا عمرو بن ودِّ ومرحبا

في يوم جــدَّلَ ذا وذاكَ بضربةٍ     لا خـائفاً منــــــــــها ولا مترقّبا

عدلتْ ثـــوابَ العالمين وبوَّأتْ     جمعَ الضلالةِ خــــاسراً ما ثوِّبا

وأبيهِ لولا بسطـــــــــة من كفِّه     دخـلوا بها ما أخـــرجوهُ مجلببا

وتهضموهُ كاظماً حـــتى قضى     في فــرضهِ بمهندٍ ماضي الشبا

ومنها في سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام):

ودعوا إلى حربِ الحسينِ مضلّة الـ     أهـــــواءِ فاتبعوا السوادَ الأغلبا

فــــــــأتوهُ لم يرضَ الهوادةَ صاحباً     فيهم ولا أعطى المقادةَ مصحبا

في فتيــــــــةٍ شرعوا الذوابلَ والقنا     وتدرِّعـــوا وعـلـوا جياداً شُزَّبا

من كلِّ مـختـــــــرقِ العجاجِ تخاله     فيما أثــارَ مـــن العجاجةِ كوكبا

ليثٌ قد اتّـخذَ القنا غـــــــــــيلاً كما     كــانتْ له بيضُ الصوارمِ مخلبا

ورأوا طـوالَ السمرِ حين تبـــوَّأت     عطفاً فــــظنّوها الحسانَ إلاكعُبا

عشقوا القصارَ البيضَ لمَّا شـاهدوا     بدمِ الفـــــوارسِ خدَّهنَّ مُخضَّبا

حفظوا ذمـامَ محـــــمدٍ إذ لم يــروا     عـن آلـهِ يـومَ الحفيـــــظةِ مَذهبا

بأبي بأفـــــــلاكِ الـطـفـوفِ أهــلّـة     كـانت لهــــا تلعُ البسيطةِ مغربا

بقيَ الحسينُ الطهرُ في جيشِ العدا     كالبــــدرِ في جنحِ الظلامِ تحجّبا

يسطو بعضـــــبٍ كالشهابِ فتنثني     مـــن بأسِهِ كالضأنِ وافتْ أشهَبا

عذراً إذا نكـــصوا فراراً من فـتى      قد كان حيــــــــدرةُ الكميُّ له أبا

هذاكَ أطعمــــــــــهمْ ببدرٍ مُـمقـراً     وبـ (كربلا) هـذا أغصَّ المشربا

يا منْ أباحَ حِمى الطفـوفِ بعزمةٍ     ما كان في خـــــــلدِ اللقا أن تغلبا

وأعادَ أعطافَ السيوفِ كــــسيرةً     يومَ الضرابِ وفلَّ منها المضربا

ومنها في سقوط الإمام الحسين (عليه السلام) صريعاً على الثرى وهو علة الموجودات وخير بني الأرض!

كيفَ افترشتَ عُرى البسيطةِ هل ترى     أن الحــضيضَ علا فنالَ الأخشُبا

أو زلـــــــــــــزلتْ لما قتـلتَ وأرسيتْ     بكَ إذ يخافُ على الورى أن يقلبا

لِمَ لا وقاكَ الدهرُ مـــــــــــــولاكَ الذي     مـا فـــــــيه من سببٍ فمنكَ تسبَّبا

هـلا تـرى الـدنـيـا بأنَّكَ عـــــــــــــينها     لِـمَ لا وقــــــــت عــنها لئلا تذهبا

ما للردى لم لا تخــــــــــــطّاكَ الردى     والـخطبُ هلّا عـــــن علاكَ تنكّبا

أترى درى صرفُ الزمـــــــانِ وريبِه     ما ذاكَ حجّبه المنـــــــــونُ وغيَّبا

أتـرى لـه تـــــــــرةٌ عـلـيـكَ ولـلـردى      وتـــــــــــــرٌ فـراقـبه وذاكَ تـطلّبا

قُلْ للـمـثـقّـفةِ الجيــــــــــــــادِ تحطّمي     وتبوَّأي بالكـــــسرِ يا بيضَ الـظبا

والجارياتُ تـجرُّ فضلَ لجـــــــــــامِها     قد آنَ بعد صهــــــــيلِها أن تنـحبا

مَن ذا يـؤمُّ هـيـاجَــــــــها؟ مَن ذا يثيـ     ـرُ عجـاجَها؟ مَن ذا يـقودُ الـمقنبا؟

لا يطلبُ الوفد الثرى وعــــلى الثرى     مثواكَ قـد ملأ الترابَ الـــــــمُتربا

يا محكماتُ البيِّـــــــــــــــناتِ تشاكلي     قد أمـسكَ الداري الخبيرُ عن النبا

قد أظلمَ النـــــــادي وضلَّ عن الهدى     ســارٍ نــــــــــحى منهاجِه وتشعَّبا

مِن أينَ للســـــــــــــاري النجا ودليلُه     فـــي الهالكينَ ونـجمُه الهادي خبا

رزءٌ متـى استنهــــــضتُ سلواني له     والصبــــــــرُ ذاكَ أبـــا، وهذا أنّبا

وحصانُ خدرٍ مـــــــا تعوَّدتِ الأسى     من قبلِ أن يلجَ الحصانُ المضربا

قامتْ تـــــــــــــــــردِّدُ رنَّةً لـو أنَّـهـا     في الـقاســـياتِ الصمِّ كانت كالهبا

منهلّـة العـبـــــــــــــــراتِ لو لا أنَّها     جمرٌ لقامَ بهـــا الكلا واخصوصبا

تدعو وقد طافتْ بمصـــــــرعِ ماجدٍ     أبتِ المعالي أن تــــــــــراهُ مُترِبا

......................................................

1 ــ ديوان القرن الثالث عشر ج 1 ص 87 ــ 97 / أدب الطف ج 6 ص 314 ــ 317

2 ــ أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والبحرين ص ٣٤٩

3 ــ أدب الطف ج 6 ص 214

4 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 67

5 ــ ديوان القرن الثالث عشر ج 6 ص 162 ــ 174 / ذكر منها في شعراء القطيف ج 1 ص 68 ــ 73 / أدب الطف ص 310 ــ 314

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار